q
لا تُقدِّم الحكومات مشاريع الموازنات العامة المُقترحة من الفراغ، أو من المجهول، ولا يتم إعداد هذه الموازنات استناداً لتصورات، ونزعات شخصيّة – شعبويّة، تقوم على منهج "النيّات الطيبة"، وأسلوب "العطايا"، ومبدأ "المَكرَمات"، والبرنامج الحكومي ليس "خطة" اقتصادية للتنمية المُستدامة طويلة الأجل.. إنّهُ "برنامج" سياسي قصير الأجل، ليسَ مُلزِماً لواضعي الخطط...

لا تُقدِّم الحكومات مشاريع الموازنات العامة المُقترحة من الفراغ، أو من المجهول، ولا يتم إعداد هذه الموازنات استناداً لتصورات، ونزعات شخصيّة – شعبويّة، تقوم على منهج "النيّات الطيبة"، وأسلوب "العطايا"، ومبدأ "المَكرَمات".

والبرنامج الحكومي ليس "خطة" اقتصادية للتنمية المُستدامة طويلة الأجل.. إنّهُ "برنامج" سياسي قصير الأجل، ليسَ مُلزِماً لواضعي الخطط، ولكنّهُ يُمكِن أن يُقدّم لهم خطوطاً رئيسة للتوجهّات الحكومية العامة للسنين الثلاث المقبلة، ويُمكِن أن يُدرج ذلك (كُلّاً أو جزءاً) في الإطار العام للخطة (اذا توافق ذلك مع المنطق والحساب الإقتصادي السليم).

لذا فإنّ على البرنامج الحكومي أن لا يتورّط في تحديد معدلات للمتغيرات الإقتصادية الكلية، ولا في الخوض في تفاصيل استراتيجيات طويلة الأجل، كما ورّطَ السيد علي علاّوي السيد مصطفى الكاظمي بـ "الورقة البيضاء" الشهيرة - الراحلة.

الموازنة العامة يجب أن تكون جزءاً تنفيذيّاً (سنويّاً) من خطة تنمية وطنية متوسطة الأجل (كأن تكون خطة التنمية الوطنية في العراق للسنوات 2023- 2027)، وهذه الخطة تستند بدورها إلى "رؤية" طويلة الأجل (كرؤية العراق 2030).

الموازنات العامة يجب أن يتم إعدادها استنادا لذلك.. وبعد ذلك.. وليس قبل ذلك.. لأنّها لن تكون خلاف ذلك غير"جداول" توضّح ما تتوقّع الحكومة استلامه من ايرادات عامة (عائدات صادرات النفط الخام بشكل رئيس)، وجداول أخرى توضِّح على من سيتم "توزيع" هذه العائدات.. وهذه هي آلية رصد التخصيصات التقليدية، التي تحكّمت بنمط إعداد وتنفيذ الموازنة العامة في العراق منذ عام 1921، ولغاية العام 2023.. هذا النمط البائس الذي لم يشهد لأكثر من مائة عام، سوى تغييرات سطحية وطفيفة.

إنّ هذا الأسلوب والمنهج في اعداد وتنفيذ الموازنات العامة، وتحديد أهدافها المترابطة، ووسائل تحقيقها قصيرة وطويلة الأجل، لا يحدث في دول العالم المتقدّمة جدّاً فقط، بل يحدث (عربياً) في دول مثل مصر، وسطنة عمان، وقطر، والمملكة العربية السعودية.. وربّما في بلدان عربية أخرى.

إنّ مصر لديها "خطط" تنموية سنوية، تندرج في إطار خطة متوسطة المدى للتنمية المستدامة.. مثلاً خطة العام "الثاني" 2019-2020، تأتي ضمن الخطة متوسطة المدى 2018-2019/2021-2022(وهكذا).

- وفي خطة التنمية الإقتصادية والإجتماعية لمصر للسنة المالية 2022-2023 ، سنجد أنّ هناك معدل نمو اقتصادي مستهدف، وفيها رفع لمعدل الإستثمار إلى نسبة معينة، وإلى "كبح" لمعدّل التضخم ليستقّر عند معدل معين، وإلى"احتواء" لمعدل البطالة ليصبح في حدود نسبة معينة، وإلى تحقيق"تراجع" في معدل الفقر إلى مادون ..%.. وهكذا.

و"لغة تخطيطية" و "ماليّة" كهذه، باستخدام عبارات ومفاهيم كهذه، هي لغة ذكية جداً، لأنّها تُحصّن وزارتي التخطيط والمالية(في ظروف عدم التأكّد، أوعدم التيقّن السائدة) من تبعات الإلتزام بنسب "مُطلقة" قد لا تتحقّق بنسبها المُعلنة في نهاية أمد الخطة.

- وبهذا الصدد تؤكّد وزارة التخطيط المصرية على "أنّ توجهات خطة التنمية المستدامة "للعام المالي" 2022-2023، ومُستهدفاتها، وبرامجها التنموية، قد تمت صياغتها وفقاً لنهج تشاركي يضمن التعاون والتنسيق بين جميع شركاء التنمية، في إطار مواصلة تنفيذ الإستراتيجة الوطنية لتحقيق التنمية المستدامة "رؤية مصر 2030".

يحدث هذا منذ سنوات في دول لها "خطط" متوسطة الأجل على مراحل (كل مرحلة لخمس سنوات).. و هذه الخطط تسعى لتحقيق أهداف بعيدة الأجل ، أو"رؤى" تمتدّ لسنوات طويلة قادمة.. وهذه الخطط والرؤى كلّها مُعزّزة ومدعومة بأنظمة تمويل، وأنضباط مالي صارم، من خلال موازنات عامة كفوءة يتم تصميمها لهذا الغرض.

يحدث هذا في سطنة عمان ، وقطر، والمملكة العربية السعودية.. وفي دول أخرى كثيرة، لا تمتلِكُ ولو 1% من مواردنا الإقتصاديّة، أوإمكاناتنا الماليّة، أوقدراتنا البشرية، ولا تُشكِّلُ موازناتها العامة إلاّ مانسبتهُ 10% من تخصيصات موازناتنا العامة في أحسن الأحوال..

فلماذا لا يحدثُ هذا هنا.. في العراق؟

لماذا نحنُ هكذا؟

ما الذي ينقصنا بالضبط؟

أين الخطط، والرؤى، والإستدامة؟

جميعكم تعرفون الإجابة عن هذه الأسئلة المُرّةِ، والنابتةِ في العَظم.

ليبدأ الفعل إذاً.. من أجل أن نحفظ لأبناءِ وبناتِ هذا البلد، كرامتهم بين أُممٍ أخرى، ليست بأفضلِ حالٍ منّا في أيِّ شيء، وكلِّ شيء.

........................................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق