عندما تسألُ عراقيّاً (في الغالبِ الأعَمّ): هل تُفضِّل أن يرتفع معدّل التضخّم بنسبة 10% بسبب الفشل الحكومي في ادارة الشأن الاقتصادي، أم تُفضّل قيام الحكومة بزيادة راتبك بنسبة 5% لمواجهة الارتفاع العام في الأسعار.. فإنّه سيُفضِّل زيادة الراتب، ولو كان ذلك بنسبة أقل من خفض معدلات التضخّم...
عندما تسألُ عراقيّاً (في الغالبِ الأعَمّ): هل تُفضِّل أن يرتفع معدّل التضخّم بنسبة 10% بسبب الفشل الحكومي في ادارة الشأن الاقتصادي، أم تُفضّل قيام الحكومة بزيادة راتبك بنسبة 5% لمواجهة الارتفاع العام في الأسعار.. فإنّه سيُفضِّل زيادة الراتب، ولو كان ذلك بنسبة أقل من خفض معدلات التضخّم.. بل أنّهُ قد ينظر إلى هذا الاجراء وكأنّهُ "انجاز" اقتصادي حكومي يهدف لمساعدة "ذوي الدخل المحدود".
لا يُعيرُ معظم العراقيّين أهميّة تُذكَر لـ "مُعدّلات التضخّم"، وتأثيرها على دخولهم "الحقيقية"، ومستويات معيشتهم، بل أنّهم لا يعرفونَ أصلاً كم تبلغ هذه "المُعدّلات"، وما هي تداعياتها السلبية عليهم.. ولا يُتابِعون مقدار التغيّر الذي يطرأ عليها بين وقتٍ وآخر، لكي يتمكنّوا من بناء موقف "سياسي" (مُعارِض، أو مُؤيّد) للحكومات.
ما يهمّهم هو مقدار الراتب.. أو دخولهم "النقدية" فقط.
لا يُدرِك معظم العراقيّين أنّ "التضخم" هذا هو ضريبة "ضمنية" تفرضها الحكومة من خلال تغاضيها عن معدلات مرتفعة للتضخّم.. فيقبل المواطن بدفع ضريبة تضخّم "ضمنية" قدرها 10% من راتبه، مقابل زيادة هذا الراتب بنسبة 5%..
الحكومات العراقيّة المُتعاقِبة (ومنذ عقود تمتدّ إلى ما قبل 2003) سعيدة جدّاً بهذا "الإدراك" المتواضع للمواطن بصدد طريقة احتسابه لراتبه بالدنانير (وهذا هو معيار دخله النقدي)، وما يمكن لهُ أن يشتريه بهذا الراتب من سلع وخدمات (وهذا هو معيار دخله الحقيقي).
ما يعانيه غيرُ الموظفين الحكوميّين من التضخّم، هو الأقسى، والأكثر مرارة.
ارتفاع معدّل التضخم في مدة رئاسة جو بايدن، كانت السبب الرئيس وراء هزيمة الديموقراطيّين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وفوز الجمهوري دونالد ترامب.
أمّا لدينا، فإنّ الفشل في ادارة الاقتصاد، لم يتسبّب يوماً في "هزيمة" أيّةِ حكومة، ولن يؤدّي أبداً إلى الإقرار (والاقتناع) بأنّ الشأن الاقتصادي هو السبب الرئيس في "هزيمة" الحكومات.
بوجود عائدات صادرات النفط "الخام"، فإن سبب "الهزائم" الدائم سيكون "سياسيّاً" (نتيجة الخلاف، أو الصراع، حول كيفيّة تقاسُم العائدات)، وليس اقتصاديّاً (بسبب عدم استخدام وتخصيص هذه العائدات بشكلٍ كفوء)، اللهمّ إلاّ إذا "خانت" العائدات النفطية "ماليّة" الحكومة، وعجزت هذه الأخيرة عن دفع رواتبها، و"مكرماتها" السخيّةِ للمستفيدين.
يكفي الحكومة في العراق أن تتخّذ قراراً بزيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين ورواتب الحماية الاجتماعية، ولو بنسبة أقلّ بكثير من معدلات التضخم القائمة (أو المٌتوقّعة)، وبغضّ النظر عن مصادر تمويل هذه "الزيادات".. لكي تكون أفضل حكومة في هذا العالم، وسيكونُ معظم العراقيّينَ مستعدّينَ لتجديد "الولاية" لها لألفِ عام.
أمّا ماذا سيحلُّ بالبلد (بشكل عام)، وبالاقتصاد (بشكلِ خاصّ)، بما في ذلك مستوى النشاط الاقتصادي لأصحاب الدخل المحدود من غير الموظفين، فهذا أمرٌ لا قيمة له.
امنحني "توظيفاً" حكوميّا، وقم بزيادة راتبي النقدي (الوظيفي والتقاعدي وراتب الحماية الاجتماعيّة)، وحقّق انجازاً سياسيّاً- شعبويّا في الأجل القصير.. وليذهب كلُّ شيءٍ في الأجل الطويل (بما فيه العراق ذاته) إلى الجحيم.
نحنُ نعيشُ (خلافاً لكلّ شعوبِ وحكومات الأرض) لـهذا "الأجلِ القصير" فقط..
أمّا "متطلبات" و "التزامات" و "حقائق" الأجل الطويل على الأرض، وتداعياتها الكارثيّة علينا وعلى بلدنا، فلا معنى لها لدينا.. لأنّنا.. كُلّنا.. حاكِمينَ ومحكومين، سنكونُ "موتى" في ذلكَ الأجل الطويل.
اضف تعليق