q
بعيدا عن القوانين الوضعية يبقى للقانون الأخلاقي التأثير الاوضح فيما يتعلق بالسلوكيات الفردية سواء ما يخص قواعد السير ام الحياة الاجتماعية، وبالتأكيد لا يجب ان يجعلنا ذلك في حالة استغناء عن الروادع الحكومية في التقليل من الأخطاء الواردة في الشوارع، ومن الاصوب ان تكون هنالك حالة من التمازج بين القانونيين...

في العراق فقط يخشى سائقي السيارات من حدوث الصدامات والحوادث حتى في التقاطعات التي تحتوي على إشارات ضوئية، وفي العراق فقط لا يلتزم السائقين بالقواعد المرورية العامة، وفي العراق أيضا لا توجد محاسبة ومراقبة لتطبيق النظام بشكل يجبر الآخرين على الالتزام فيه وبكل الأوقات.

حادثان حصلا امامي في نفس الأسبوع، حيث كنت خارجا لشراء بعض الاحتياجات، ففي المرة الأولى اعطتنا الإشارة المرورية الاذن بالتحرك بالاتجاه الذي نريد، ولا نعلم من اين جاءت مركبة كبيرة اعترض السير واراد صاحبها ان يحدث كارثة في التقاطع، اذ كان يسير بسرعة وكأنه يسلك طريقا سريعا وليس تقاطعا داخل مدينة مزدحمة في الأساس.

اما الحادثة الأخرى، فكانت عبارة عن استهتار بالإشارة المرورية، والتخلف عن الجميع دون الاكتراث لنتائج الفعل الخطير المتعلق بسلامة بعض السائقين الملتزمين بالإشارات المرورية، وقد أصر أحد السواق على استمرار بالسير رغم تحذيره بالضوء الأحمر الذي يؤكد له ان بتحركه هنالك خطر يداهم الجميع ولا يمكن معالجته او منع حدوثه سوى الالتزام بالنظام المروري.

الخلل الحاصل في البلاد يعود لحزمة من الأسباب يتقاسمها المواطن والنظام العام الذي يحكم السير بصورة عامة، فما يتعلق بالمواطن هو التمرد الواضح من قبل السائقين على جميع اللوائح القانونية سواء في الطرق الخارجية او في داخل المدن، وبذلك تنخلق الفوضى العارمة وتصبح الوضعية اشبه بالغابة.

ومن النقاط الأخرى هي عدم الخوف من القانون، اذ يؤدي ذلك الى عدم الاعتراف بضرورة التطبيق، ويحصل بمثل هذه الأوضاع جميع الحالات السلبية التي ترافق عملية السير في الأماكن المزدحمة وغيرها، وهنا يتطلب الانتباه من قبل المواطنين ومراعاة مثل هذه القوانين التي وضعت بالأساس لحماية الافراد وممتلكاتهم العامة وارواحهم.

مثل هذه التصرفات غير المناسبة من قبل السائقين تنتج في أحيان كثيرة من افتقار الشارع الى نوع من الثقافة العامة بقواعد السير واهمية الالتزام بها، ولم يأتِ هذا عن فراغ، بل جاء جراء العزلة الدولية التي عاشها الشعب العراقي ابان حكم النظام السابق والذي جعله يدور بنفس الدائرة بعيدا عن مراحل التطور العالمي في جميع المجالات، وبقي الافراد يجترون الثقافة المحلية التي تصدرها الجهات الحكومية.

اما الشق الثاني في تحمل المسؤولية هي السلطات الرسمية التي لم تعر الكثير من القضايا الاهتمام الكافي ولم تُحسن من طرق التعامل ازاء العديد من الملفات، ومن أقرب الأمثلة على ذلك هو آلية منح إجازة السوق دون أدنى تدقيق بالمتقدم من ناحية العمر، والتأهيل العلمي، وغيرها من الأمور التي تضمن عدم القفز على القوانين وتجاوزها.

ففي بريطانيا على سبيل المثال لا الحصر، يخضع المتقدم للحصول على رخصة قيادة الى الدورات التدريبة والدروس الاكاديمية الى جانب الورش الفنية والميكانيكية، كل ذلك لكي يتمكن من ممارسة حق السياقة كغيره في الشارع، وتؤدي هذه الإجراءات الصارمة الى تقليل نسبة وقوع الحوادث المرورية، وانخفاض اعداد الوقوع بالأخطاء في التعامل مع الحالات الحاصلة في الطرق.

من الناحية النظرية لا توجد أي ثغرة في القوانين المرورية، اذ توجد القواعد والمواد التي تمنع حصول الحالات السلبية في حال تطبيقها، لكن تبقى الحلقة المفقودة هي ضعف الحالة الرقابية لتفعيل الإجراءات العامة، فمن يخطأ بقضية معينة او جانب من جوانب قواعد السير، يدرك غياب الحسيب والرقيب، وتنمو بهذه الصورة حالات السير بالاتجاه المعاكس وما يلحقها من تصرفات غير مسؤولة.

يضاف الى قائمة التقصير الحكومي بهذا الاتجاه هو تهالك اغلب الطرق بين المحافظات فضلا عن الطرق الداخلية وضيقها، يقابل ذلك ازدياد كبير وغير مدروس بأعداد المركبات، فلا توجد آلية للاستيراد بغض النظر عن سنة التصنيع، ويبقى ذلك من الحلول الترقيعية وغير المجدية، ولا تمنع حصول الكثافة المستمرة بالكميات المستوردة من الخارج.

البنية التحتية في العراق لم تشهد تطورا ملموسا ولم توازي الزيادة المفرطة في اعداد السيارات، وبالتالي يحصل الضغط والانفجار على شكل حوادث سير بصورة مستمرة، الى جانب التزاحم في الطرقات وسلوك طرق ملتوية للوصول الى مكان معين بعيدا عن الالتزام بالطرق اللائقة والقواعد الضابطة لحركة المركبات كما في المدن العالمية الأخرى.

ولا يقل أهمية عن كل ما ذكر هو تفعيل دور رجل المرور في المناطق التي تشهد ازدحامات متكررة، أضف الى ذلك إدخال التقنيات الحديثة والاستفادة منها في تشخيص المخالفين ومحاسبتهم منعا لتكرار وقوع حالات المخالفة وانتشارها بشكل يؤثر على انسيابية السير.

بعيدا عن القوانين الوضعية يبقى للقانون الأخلاقي التأثير الاوضح فيما يتعلق بالسلوكيات الفردية سواء ما يخص قواعد السير ام الحياة الاجتماعية، وبالتأكيد لا يجب ان يجعلنا ذلك في حالة استغناء عن الروادع الحكومية في التقليل من الأخطاء الواردة في الشوارع، ومن الاصوب ان تكون هنالك حالة من التمازج بين القانونيين للوصول الى سير آمن خال من الأخطاء وملتزم بالمثلث الذي ترتكز عليه قواعد القيادة، (فن وذوق واخلاق).

اضف تعليق