إن معركة العصر هي معركة علم وفكر، لا معركة سلاح وغلبة، ومن أراد البقاء في عالم لا يعترف إلا بالأقوياء، فعليه أن يتسلح بالعلم، ويجعل منه درعه وسيفه، وطريقه إلى المجد والخلود، فالعلم هو الإرث الباقي، والسلاح الذي لا ينكسر، والنور الذي لا يخبو... فأعطوا العلم حقه ووقروه...
في وقت تتصارع فيه الأمم للحصول على الريادة والتفوق في المجالات العلمية والصناعية والتكنولوجية، يغدوا العلم اقوى من كل وسيلة في وقتنا الحاضر الذي تتسابق فيه الدول من اجل الوصول الى القمة، ولا يمكن ان تصل الى القمة دون التمسك بالعلم واعطاءه مكانته الحقيقية.
بلد مثل العراق يعد ركيزة أساسية من ركائز الحضارة، وسنام المجد، منه الأساس الذي تقف عليه العلوم التطبيقية في العالم برمته، فالسومريون هم اول من فخر الطين وحوله الى مواد للبناء، (الطابوق)، ولا تزال جميع الحضارات تستند لما اوجدته حضارة وادي الرافدين من معرفة في المجالات العمرانية، ولم تستطع الاكتشافات الأخرى من الاستغناء عن الطريقة السومرية في تحضير الواح الطين لاستخدامها في تشييد المنازل.
يبقى أثر العلم وحده الشاهد الحقيقي على ما كان عليه الاسلاف، فهل اضفنا شيئا لما تركوه لنا؟
لم نضيف شيئا لسبب؛ ان العراق وغيره من البلدان العربية، تحولت ومنذ أكثر من قرن الى ذاكرة تحتفظ بالعلوم الأخرى التي انتجتها العقول الأجنبية، وهنا ليس تقليلا من شأن العقل العربي او العراقي على وجه التحديد، لكن هذه العقول تم تعطيلها وإخراجها عن دائرة الإنتاج والتأثير العالمي كما كانت في السابق.
فما هي الاسهامات التي اضافتها الشعوب العربية للمنظومة المعرفية في السنوات الأخيرة؟ وما حجم هذه الاسهامات ان وجدت؟
لا تزال الاسهامات قليلة مقارنة بالموارد البشرية التي تحتويها البلدان العربية والأجنبية المحيطة، اذ اكتفت بتطويع الاكتشافات العلمية ونتائج التجارب البحثية، لتطبيقها على المجتمعات العربية لإيجاد الحلول لبعض المشكلات التي تعاني منها، وبالطبع لن تتمكن هذه التجارب الناجحة في بلدانها من تحقيق ذات النجاح في الدول العربية.
ويبقى الانسان العربي مجرد وسيط لنقل الحقائق والعلوم من والى، لا يمارس دوره الفعلي في خدمة الإنسانية، ليس المهم ان تتحدث عن الفقير وتتضامن معه، بل الأهم من ذلك معرفة كيفية القضاء على مسألة الفقر، وليس المهم ان تتحدث عن مكارم الاخلاق، بل الأهم حضور الإنسانية والاخلاق في التعامل البشري بين الشعوب.
فلا فائدة من نقل العلوم دون فهم المعادلات التي اخرجتها وصاغتها بشكلها النهائي، وعليه البقاء في إطار النقل والتقليد، وعدم الخروج الى باحة التوليد والتجديد في المجالات العملية والمعرفية، يبقي الامة خاضعة أسيرة الى الأمم الأخرى التي امتلكت أدوات النهوض ومفاتيح النجاح.
وهذه الأمم أدركت أن القوة لم تعد تُقاس بعدد الجيوش ولا بضخامة العتاد، بل بما تملكه من علوم ومعارف، وما تبسطه من سلطان على أدوات التقنية الحديثة، فبالعلم شيدت الحضارات العظيمة، وبالعلم أيضا تُصنع النهضات الكبرى في المجالات العلمية والعمرانية والصناعية، وهو الذي مكن الإنسان من أن يحكم الطبيعة ويسبر أغوار الكون، حتى غدا العقل البشري أعجوبة الخلق وأداة التغيير.
ولتحقيق هذا، التسلح بالعلم لا يقتصر على تحصيل الشهادات وحفظ المعارف، بل يتجاوز ذلك إلى امتلاك القدرة على الابتكار، وصناعة الحلول، واستشراف المستقبل، فهل يستطيع العقل البشري العربي من استيعاب مكانته العلمية واسهاماته المعرفية التي وضع اجداده اللبنات الأولى لها؟
فالأمة التي لا تملك مفاتيح العلم تظل تابعة لا متبوعة، مستهلكة لا منتجة، ترضى بفتات الأمم ولا تظفر بمجد السيادة ولا شرف الريادة، وما أصدق القائل: "العلم يحميك وأنت تحمي المال".
ومن هذا المنطلق، كان لزاما على بلد مثل العراق ان يعيد امجاده، وهو يعيش اليوم فسحة مالية ووفرة في المادة الأولية البشرية، وهذه المادة قادرة على البناء باستخدام ما يتوفر من أدوات ضرورية لتحقيق النهضة العمرانية والمعرفية، فبالاستثمار في التعليم، ورعاية البحث العلمي، وغرس ثقافة التعلّم المستمر، تُصان الكرامة الوطنية، وتتحقق التنمية الشاملة، وخلاف ذلك تتعرض أي امة مهما على صيتها الى الاندثار.
في النهاية، إن معركة العصر هي معركة علم وفكر، لا معركة سلاح وغلبة، ومن أراد البقاء في عالم لا يعترف إلا بالأقوياء، فعليه أن يتسلح بالعلم، ويجعل منه درعه وسيفه، وطريقه إلى المجد والخلود، فالعلم هو الإرث الباقي، والسلاح الذي لا ينكسر، والنور الذي لا يخبو... فأعطوا العلم حقه ووقروه.
اضف تعليق