على الإنسان أن يتخلَّص من آفة الرِّياء، ويحاول أن يُخفِّف على نفسه وسلوكه من هذا الداء، فحتى إذا ما شُفي وتعافى منه يُحاول في معالجة وشفاء الآخرين، لأننا بحاجة لعلاج اجتماعي لهذا البلاء والذي صار جائحة اجتماعية عالمية وليس على مستوى شعب معين، أو أمة بعينها...
مقدمة قِيَمية
الدِّين الإلهي هو عبارة عن منظومة قيمية تُشكل العمود الفقري التي تقوم عليه المجتمعات البشرية، وتٌبنى على أساسه الحضارات الإنسانية، لأن الدِّين النازل من الخالق يكون لمصلحة المخلوق وضبط حركته وتوجيهه إلى المسار الصحيح والصراط المستقيم، وكل ما عداه من الدساتير الدولية، والقوانين الاجتماعية تكون قاصرة في نفسها متجددة مع الزمان والمكان، وتقلب الأحوال والحكومات وتتابع الملوك والأمراء فكل يعمل بما يحقق له مصلحته الشخصية أولاً وبما يحفظ له ملكه وسلطته ومن بعد ذلك يبحث عن رضا الشعب والجماهير.
ولكن الملاحظ في كل قوانين الدنيا الوضعية ودساتيرها البشرية تراها جافة جامدة خالية من الروح، والقيمة، والأهم من ذلك كله أنها خالية من الأخلاق، والفضيلة، والقيم التربوية، وهذا ما يميِّز دستور الخالق من دساتير الخلق، وقانون السماء عن قوانين الأرض، لأن قانون السماء كما فيه جنبة تشريعية، وعبادات إلزامية، فيه قيم نابضة بالحياة، وطافحة بالفضيلة الأخلاقية، بحيث تجعله متلائماً مع روح الإنسان وفطرته وعقله السليم، إذ أنه لا يمكن فصل التشريع عن الأخلاق والفضائل ورسول الله (ص) يقول: (إنما بعثتُ لأتمم مكارم أو محاسن الأخلاق).
رسول الله (ص) القدوة الحسنة
ورسول الله (ص) باعتباره الأمين على وحي السماء ربَّاه الله سبحانه على عينه وخلَّقه بأخلاقه، وأدبَّه بآدابه، وهذه التربية التي وصفها أخوه ووصيه أمير المؤمنين الإمام علي (ع) حيث يقول في قاصعته: (وَلَقَدْ قَرَنَ اللهُ تَعَالَى بِهِ (صلى الله عليه وآله) مِنْ لَدُنْ [أَنْ] كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَك مِنْ مَلاَئِكَتِهِ يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ، وَمَحَاسِنَ أَخْلاَقِ الْعَالَمِ، لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ، يَرْفَعُ لي فِي كُلِّ يَوْم عَلَماً مِنْ أخْلاقِهِ، وَيَأْمُرُني بِالاقْتِدَاءِ بِهِ). (نهج البلاغة: خ192 القاصعة)
ولذا قال (ص): (أدبني ربي فأحسن تأديبي)، وقال (ص): (أنا أديب الله وعليٌّ أديبي)، والإمام علي (عليه السلام): (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أدبه الله عز وجل، وهو أدَّبني، وأنا أؤدب المؤمنين، وأورث الأدب المكرمين)، وقالوا عنه (ص): (كان خُلقه القرآن)، وقبل ذلك كله يقول الله تعالى في كتابه: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4)
وبعد أن اكتمل البناء الشخصي لأكمل الخلق أمر الله خلقه أن يجعلوه أسوة وقدوة لهم في حياتهم كلها بقوله: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأنفال: 21)، فالأسوة في الأخلاق والفضائل والقيم وكل شيء هو رسول الله (ص).
والرسول الخاتم لما سبقه من الأنبياء والرسل (ص)، يُحدد هدف رسالته بتتميم مكارم ومحاسن الأخلاق في الشعوب والأمم، لأن الأخلاق والفضائل والمنظومة القيمية هي التي تجعل من المجتمع البشرية وحضارته ذات قيمة إنسانية راقية، وبدونها يكون عمله هباء في الهواء مهما علا في الأرض بناطحات السحاب، أو بالأرقام في البنوك، فقيمته صفر إذا لم يلتزم بمنظومة الواحد الأحد القيمية الراقية، وهذا ما جعل الحضارة الرقمية خاوية على عروشها ولا روح فيها لأنها اعتمدت على المنظومات الشخصية فحكمها الطغاة والجبارون وحاز ثرواتها الملوك النماريد والفراعين (جمع نمرود وفرعون)، والقوارين (جمع قارون)، فصارت أتون تصهر الجميع وتُرسلهم إلى جهنم وبئس المصير، فخسروا الدنيا والآخرة.
جائحة الرياء قاصمة الظهور
الرّياء لغةً: هو اسم مشتقّ من مصدر الرؤية، والرِّياء كلفظة مُتَأَتِيَة من لفظة رأى، والرِّئْي: ما رأت العين من حالٍ حسنٍ، وفعل ذلك رئاء النّاس؛ أي يفعل شيئاً ليراه الناس، وفي المصطلح؛ هو القيام بالأعمال الصالحة، والأفعال الحسنة والإتيان بها في سبيل الحصول على إعجاب النّاس، ولذا يُعرَّف الرِّياء؛ هو طلب المنزلة في قلوب الناس بإرائتهم خصال الخير، أو "هو فعل الخير أمام مرآى ومسمع من النّاس، لكسب الوجاهة لديهم، وليشار إليه بالبنان من موقع المدح والثناء"، فهي حالة مخالفة الظاهر للباطن التي يعيشها الإنسان ولذا يُقال: فلان راءى النّاس؛ أي أنّه نافقهم فأظهر أمامهم أعمالاً تخالف الحقيقة التي هو عليها في باطنه.
فهي نوع من النفاق الاجتماعي الذي يقصم الظهور، لما فيه من تناقض يعيشه العبد بين الظاهر الصالح التقي، والباطن المنافق الشقي، ولذا كان يُحذِر رسول الله (ص) منه أصحابه ويُسميه الشرك الأصغر والخفي، فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر؛ قيل: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء، قال: يقول الله عز وجل يوم القيامة إذا جازى العباد بأعمالهم: إذهبوا إلى الذين كنتم تراؤن في الدنيا، هل تجدون عندهم ثواب أعمالكم). (بحار الأنوار: ج 69 ص266)
وفي رواية: (الشرك في الناس أخفى من دبيب النمل (النملة السوداء)، على المسح الأسود في الليلة المظلمة)، فتصوَّر كم هي دقيقة وخفية وخطيرة على الإنسان المؤمن في هذه الحياة؟
فالرِّياء شريك الكفر والشرك الأصغر الخفي بالله – والعياذ بالله – لأن العبد عندما يعمل لا يتوجه إلى الله بخالص نيته وعمله، بل يتوجه إلى الناس ليكسب ودَّهم وعطفهم ومدحهم وثناءهم، والله سبحانه لا يقبل شريكاً ففي الحديث القُدسي قال تعالى: (أنا خير شريك، مَنْ أشرك بي في عمله لم أقبله إلا ما كان لي خالصاً)، وفي رواية أخرى إن الله تعالى يقول: (أنا خير شريك مَنْ عمل لي ولغيري فهو لمَنْ عمل له دوني). (بحار الأنوار: ج 69 ص301)
والرِّياء حالة اجتماعية متأصلة في النفوس البشرية وهي موجودة في كل المجتمعات، ولكن ما يحدُّ منها هي المنظومة القيمية الأخلاقية في الدِّين الإسلامي العظيم، وذلك لما لها من عواقب وخيمة جداً على الفرد، ثم ينعكس طغيانه على المجتمع فلربما يتحول إلى طاغوت، أو فرعون ويتغطرس ويقول: (أنا ربكم الأعلى)، والمنافق يعيش تلك الحالة من التظاهر بالصلاح والتقى ولكنه يبطن الفساد، ويُعامله الناس بظاهره فيأمنونه ويتبعونه لما يرون من حسن الظاهر، فيستغل طيبتهم ويغدر بهم عندما تمكنه الفرصة، وهذا ما نراه في هذا العصر الذي وصفوه بالدجل والكذب والنفاق، وربما هو ما أخبرنا به رسول الله (ص) في حديثه حيث يقول: (سيأتي على أمتي زمان تخبث فيه سرائرهم، وتحسن فيه علانيتهم طمعاً في الدنيا، لا يريدون به ما عند الله عز وجل يكون أمرهم رياء لا يخالطه خوف، يعمَّهم الله منه بعقاب فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجاب لهم)، كحالنا في هذه الأيام التي ندعو فيها دعاء الغريق المضطر، فلا يُستجاب لنا لأننا نعيش حالة الرِّياء، في أنفسنا واجتماعنا، ونريد أن يمدحنا الناس ويُثنون علينا ولم نكن نريد ونقصد وجه الله خالصاً مخلصاً في أعمالنا وعباداتنا ودعائنا.
علامات الرِّياء والمرائي
لا نحتاج إلى دراسات نفسية وفلسفية واجتماعية تطيل الكلام وتقل منها الفائدة بل نأخذها من خير مَنْ نطق وتكلم بعد كلام الله تعالى، حيث حدد رسول الله (ص) علامات وصفات المرائي في قوله (ص): (أمّا علامات المرائي فأربعة:
1- يحرص على العمل لله إذا كان عنده أحد..
2- ويكسل إذا كان وحده..
3- ويحرص في كل أمره على المحمدة.. (أي تحصيل الحمد والثناء من الناس).
4- ويُحسِّن سِمَته بجُهدِه)، (أي يُحسِّن هيئته ومظهره وشكله دائماً وأبداً ليجذب النظار.
فكم من هؤلاء يعيشون في مجتمعاتنا، وفيما بيننا وربما هم الذين يتوصلون إلى مآربهم ويحتلون المناصب والقيادات والإدارات بما يتبعونه من أساليب الخداع والنفاق ومخالفة الظاهر للباطن.
علاج جائحة الرِّياء برأي المرجع الشيرازي
يطول الكلام والحديث عن جائحة وآفة الرِّياء في المجتمع، ولكن نريد أن نُعطي دواء لهذه الآفة القاتلة، والتي تفتك بالأعمال حيث تُبطلها، فالرياء بالعبادة يُفسدها، وهي حرام عند العلماء، فما هي الأدوية العلاجية لجائحة الرِّياء كما يراه سماحة المرجع الشيرازي في دروسه ومحاضراته الأخلاقية القيمة والرائعة، فهو من الأعلام والمراجع الكرام الذين يُركِّزون على مكافحة الآفات الاجتماعية المتنامية في مجتمعاتنا الإسلامية في هذا العصر.
فيجب الابتعاد عن الرّياء والتخلّص منه سريعاً، وللتخلّص من الرّياء يجب معاكسة مظاهره وعلاماته فينا، فيجب الإخلاص بالعمل لله، وأن ينشط العبد إذا خلى بربه، وكبح رغبة الفرد في الظهور، والشهرة، والكِبر؛ بالتواضع للنّاس، والقيام بالأعمال احتراماً للناس أو إحقاقاً لحقهم وليس خوفاً منهم ومن أعينهم وألسنتهم، وهذا ما يؤكده سماحة المرجع الديني الكبير، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في محاضراته فيقول: (أهم المسائل التي ينبغي أن نكون واعين لها وأن نبدأ بمعالجتها هي مسألة الإخلاص والتخلّص من الرِّياء، فلنراجع أنفسنا في كل موقف بدقة وننظر أنه كم هو لله وكم لأنفسنا).
فسماحة السيد المرجع خبير بأحوال الناس وخبايا النفوس الآدمية وما تنطوي عليه من غرائز وسجايا، وما تحتويه من آمال وتطلعات، ولكن يعلم أيضاً بأن إبليس اللعين الرجيم يجري مع الإنسان كمجرى الدم في عروقه، فإنه قد يُزين له نفسه، ويُحسِّنها، ويدفعه لطلب مديح الناس والثناء عليه، ويُزيِّن له الظاهر وكلام الناس ويُنسيه الباطن والتوجه إلى الله سبحانه، فيوافقه الإنسان، ويتدرج مرة بعد مرة حتى يغدو هذا العبد الفقير لا يعمل لله شيء بل كل عمله وحياته للناس والتلميع في عيونهم، والمديح من ألسنتهم، وهو لا يُفكر متى يسقط من عين الله أصلاً، لأنه ممَّن؛ (نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (الحشر: 19)، وتلك السقطة التي لا قيام له من بعدها والعياذ بالله.
وهذا ما يؤكده سماحة السيد المرجع الشيرازي (دام ظله) بقوله: (قد يرتِّب أحدنا كلامه وأسلوبه وهيئته لأن فلاناً يراه، وفلاناً قد ينقده، وأن من العيب أن يظهر كذا أمام هذا أو كذلك أمام ذاك... أما النيّة فمن الصعب جدّاً ترتيبها وإعدادها لأن أحداً من الناس لا يراها ولا ينقدها)، لأنها عقد بالقلب بين العبد والرب سبحانه وتعالى، وهنا تكمن الخطورة في مصيدة الشيطان الرجيم للإنسان حيث يبدأ من نيَّته حتى قبل العمل، فيُحاول أن يصرفها إلى الناس بالرِّياء، فيبطل العمل ويُحبط ثوابه، ولذا قلنا بأنها قاصمة الظهور، بحب الظهور في الناس.
النيّة قبل العمل وحينه وبعده
يشرح هذه النقطة الهامة سماحة السيد المرجع في كتابه الرائع (حلية الصالحين) فيقول: "يظهر من مضمون الأحاديث والروايات أنّ النيّة تؤثّر في العمل سواء كانت قبل العمل، أو حينه، أو بعده، لا فرق، سوى أنّ فسادها بعد العمل يفسده دون أن يبطله، والفقهاء رضوان الله عليهم قد فصّلوا الأمر وقالوا: إنّ النيّة إذا كانت فاسدة حين العمل - أي كان العمل لغير الله كما لو كان رياءً مثلاً - فهذه النِّية الفاسدة تُفسد العمل وتُبطله، ولكنّها إن فسدت بعد العمل فهي لا تبطل العمل بل تفسده فقط..
فلو أنّ شخصاً صدر منه الرِّياء أثناء الصلاة، فلا شكّ حينئذ بفساد الصلاة وبطلانها في الحالتين، الأمر الذي يستوجب الإعادة في الوقت، والقضاء خارج الوقت إن فاته، ولكن لو فرضنا أنّ الشخص لم تكن هذه نيّته ولكنّه بعد أن أتمّ الصلاة حدّثته نفسه بالرِّياء والتظاهر، وعمل بذلك، فتحدّث لغيره عن صلاته وخشوعه فيها، فهنا يقول الفقهاء إنّ الصلاة وإن فسدت فهي لا تبطل، ويعنون بذلك عدم بطلانها الظاهري، وهذا المعنى مساوق لعدم وجوب الإعادة أو القضاء.
أمّا الروايات التي تقول باشتراط حسن النيّة حتى بعد العمل فهي ناظرة إلى القبول، ولذلك فإنّ هذه الصلاة تساوق العدم من حيث الأجر والقبول وإن لم تستلزم الإعادة في الدنيا لسقوط التكليف بالفراغ منها قبل حصول الخلل في النيّة، أمّا الخلل الحاصل حين العمل فهو مخلّ بالركنين الصحّة، والقبول معاً، ولذلك عُدّ مَنْ رائی أثناء صلاته كمَنْ صلّى بلا وضوء، أو مستدبرَ القبلة، أو مع النجاسة غير المعفوّ عنها، وما أشبه، ومن ثمّ فتجب عليه الإعادة، والقضاء إن لم يُعِد في الوقت، بل تجب على ورثته قضاؤها إن لم يقضها".
والرياء يختلف مع السُّمعة وغيرها من الخصال الفاسدة والمفسدة للبشر يقول الشيخ المجلسي في البحار: السُّمعة في الأصل ما يسمع من صيت أو ذكر حسن وفي عرف المحدثين والمتشرعة ما يُفعل من العبادات ليسمعه الناس أي يذكرونه بالخير والجميل، وقيل: والفرق بينها وبين الرئاء، أن الرياء هو التظاهر بما يخالف الباطن والسمعة هي إظهار ما يوافق الباطن بقصد الشهرة"، وكلاهما من قواصم الظهور بحب الظهور للناس لا لله تعالى في أعمالهم.
الخلاص من الرِّياء بالإخلاص بالنوايا
فالعلاج الناجع والدواء النافع لآفة الرِّياء الفردية الخاصة، ولجائحة الرِّياء الاجتماعية العامة؛ هي الإخلاص بالنِّية، وأن تكون الأعمال عبادية واجتماعية لله رب العالمين، فأن نعمل لله لأننا نؤمن: (بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) (العلق: 14)، وأنه: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة: 8)، وأنه لا يصل إلى الله إلا ما كان خالصاً مخلصاً لوجهه الكريم.
وهنا خطوات ثلاث لا بدَّ من الانتباه إليها وهي:
1- أن نُخلص نيَّاتنا لله تعالى ولا نتوجه في كل أعمالنا إلا لله سبحانه.
2- أن نتواضع لخلق الله ولا نطلب إلا وجه الله ورضاه دون خلقه.
3- أن نرغب بثواب الله في جنته وليس شيء سواها.
بهذه الخطوات التي تحتاج منا إلى دُربة وممارسة طويلة وتعويد عليها فإن الأدب عادة، والتخلُّق بأخلاق الله عادة نمارسها ونتعوَّد عليها حتى تغدو ملَكة فينا –كما يقول علماء الأخلاق– وهذا ما أشار إليه سماحة السيد المرجع الشيرازي بقوله: (النيّة لا يراها إلاّ الله وهو لا يفضحنا اليوم... وهنا مكمن الصعوبة، ولكن تربية النفوس والإخلاص في النوايا أمر ممكن مع ذلك؛ لأن الله سبحانه وعد التوفيق، وما على الإنسان إلاّ أن يسعى، والتوفيق من الله).
ويجب المبادرة بإصلاح النفس والنِّية خاصة لا أن نهملها ونؤجلها فإن ذلك من أخبث حبائل إبليس في إغراء بني آدم بالمعصية، لأن تأخير التوبة، أو التسويف بإصلاح النفس يجعلها كالفرس الشموس عصيَّة على الترويض، وصعبة في المراس، ومتعبة في السياسة والتربية، يقول سماحة السيد المرجع الشيرازي: (لنبدأ من الآن في مراجعة أنفسنا كل يوم، وكلٌّ في مجال عمله، ولننزّهها قبل أن يصعب الأمر علينا أكثر، وقبل أن تصيبنا الغشاوة التي تكون مانعاً من نفاذ نور اليقين والعلم إلى أعماقنا).
التربية والتدريب على الإخلاص بالنِّية
على الإنسان أن يتخلَّص من آفة الرِّياء، ويحاول أن يُخفِّف على نفسه وسلوكه من هذا الداء، فحتى إذا ما شُفي وتعافى منه يُحاول في معالجة وشفاء الآخرين أيضاً، لأننا بحاجة لعلاج اجتماعي لهذا البلاء والذي صار جائحة اجتماعية عالمية وليس على مستوى شعب معين، أو أمة بعينها بل صار الرِّياء ظاهرة عالمية، والدَّجل غزا الشعوب والأمم حتى سمُّوا وعرَّفوا السياسة في هذا العصر؛ بفن المراوغة والكذب والدجل، وفن الممكن، فهم لا يستحون يكذبون ويعرفون أن الدنيا تعرف أنهم يكذبون ولكن يتخذون الكذب مهنة والعيب على مَنْ يُصدِّق وليس على مَنْ يكذب ويُدجِّل، بل صار الكذب مهنة الشاطر، وعمل السياسي، دون خجل أو وجل.
فالدنيا أخذت الجميع، والشيطان صار قائدهم، وكم هو جميل ما يُروى عن إمامنا صادق الآل الكرام (ع) حيث يُشخِّص ما نحن فيه اليوم، في قوله (ع) عن الله تعالى في حديث قدسي: (إن الله عز وجل أنزل كتاباً من كتبه على نبي من الأنبياء، وفيه: أن يكون خلق من خلقي يلحسون الدنيا بالدِّين، يلبسون مسوك الضأن على قلوب كقلوب الذئاب، أشد مرارة من الصبر، وألسنتهم أحلى من العسل، وأعمالهم الباطنة أنتن من الجيف، فبي (بالله) يغترون؟ أم إياي يخادعون؟ أم عليَّ يجترؤون فبعزتي حلفتُ لأبعثن عليهم فتنة تطأ في خطامها حتى تبلغ أطراف الأرض تترك الحكيم منها حيراناً، يبطل فيها رأي ذي الرأي، وحكمة الحكيم، وألبسهم شيعاً (فرقاً)، وأذيق بعضهم بأس بعض، أنتقم من أعدائي بأعدائي، فلا أبالي بما أعذبهم جميعاً ولا أبالي). (ثواب الأعمال: ص 228)
فجائحة الرِّياء التي تُصيبنا بمقتل، وتقصم ظهورنا في أعمالنا كلها، يجب علينا أن نُعالج أنفسنا منها حتى نتخلَّص منها بإذن الله وتوفيقه وتسديده، لأنها من الشرك الكفر الخفي، التي يصعب علينا أن نراقبه ونتتبعه في أنفسنا إلا بدقة المحاسبة والمراقبة النفسية لأنفسنا وأعمالنا.
ولا دواء لها ولا علاج إلا بإخلاص النية لله تعالى في كل أعمالنا، والتواضع لخلق الله وعدم التكبر إلا على المتكبِّرين، وطلب الأجر والثواب في الدار الآخرة وليس في الدنيا لأن الدنيا دار زوال وإرتحال، فارتحلوا منها بما يُخلِّصكم بين يدي الله سبحانه وتعالى.
اضف تعليق