هذه المصيبة العظمى التي لا نظير لها في التاريخ الإلهي. علماً انّ الله تعالى لا تاريخ له لأنّه الأبدي الأزلي، وهذا التّعبير مجازي، ولكن على طول هذا التاريخ الذي ليس له بداية ولا نهاية، وكما وردت في الروايات، فإنّه لا توجد مصيبة عظمى كمثل هذه المصيبة أي مصيبة عاشوراء...
في مساء يوم الخميس العاشر من شهر محرّم الحرام1443 للهجرة (ليلة الحادي عشر)، الموافق لـ(19/8/2021م) التي تسمّى بـ(ليلة الوحشة والغربة على أهل البيت صلوات الله عليهم)، وكالسنوات السابقة، ألقى المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، كلمة مهمّة قيّمة حول القضية والشعائر الحسينيتين المقدّستين، بالمعزّين الحسينيين، في بيته المكرّم بمدينة قم المقدسة، إليكم نصّها الكامل:
بسم الله الرحمن الرحيم
مصيبة لا نظير لها
أرفع التّعازي إلى المقام الرّفيع والشّامخ للإمامة الكبرى والولاية العظمى مولانا وليّ العصر الإمام المهدي الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف، لهذه المصيبة العظمى التي لا نظير لها في التاريخ الإلهي. علماً انّ الله تعالى لا تاريخ له لأنّه الأبدي الأزلي، وهذا التّعبير مجازي، ولكن على طول هذا التاريخ الذي ليس له بداية ولا نهاية، وكما وردت في الروايات، فإنّه لا توجد مصيبة عظمى كمثل هذه المصيبة أي مصيبة عاشوراء، فلم يك مثلها، ولا يكون، ولن يكن في المستقبل.
أقدّم التعازي لمولانا الإمام المهدي صلوات الله عليه، على أمل أن يعجّل الله تعالى بظهوره الشريف، فهو المنتقم للمظالم، وعلى رأسها الظلم الذي جرى بحق الإمام الحسين صلوات الله عليه. وإن شاء الله تُستجاب الدّعوات، ويظهر الإمام عجّل الله فرجه الشّريف. وبغضّ النّظر عن الانتقام للمظالم، وخاصة هذه الظلامة، يجب بسط العدل والمساواة في كل مكان من هذا العالم. ويجب أن ندعوا للمضطهدين في كل مكان، الذين يعانون من جميع أنواع المظالم اليوم.
الشكر لمقيمي الشعائر الحسينية
في الوقت نفسه، أعزّي كلّ المؤمنين والمؤمنات في جميع أنحاء العالم، وكذلك غير المؤمنين والمؤمنات لأنّ نهضة عاشوراء وما جرى فيها، قد آذى السّماوات والأرضين ومن فيهما وما فيهما، وبالنسبة إلى استشهاد الإمام سيّد الشهداء صلوات الله عليه، أقدّم أحرّ العزاء للجميع، في العالم كلّه.
كما أتقدّم بالشكر لكلّ الذين أحيوا العشرة الأولى من شهر محرّم لهذا العام، بأيّ شكل من الأشكال، من إقامة الشعائر الحسينية المقدّسة، وساعدوا وشجّعوا عليها وأقاموها بأنفسهم، فأشكرهم جميعاً. ووفقاً للواجب، أدعو لهم جميعاً في أنحاء العالم، وكذلك لمن أعطى وبذل المزيد من الجهد والمعاناة أو رأى مشاكل أكثر في سبيل إقامة الشّعائر الحسينية، فهنيئاً لهم هذه المكانة العالية، وستكون آخرة كل من شارك وأحيا وأقام، أفضل، كلٌ على قدر تعبه وجُهده.
التأمّل بالروايات
يوجد حديث شريف على هامش كتاب (الكامل في الزيارات)، ونقله أحد تلاميذ ابن قولويه وهو الحسين بن أحمد. علماً انّ من تلامذة ابن قولويه هو الشيخ الصدوق، والشيخ المفيد أيضاً. نقل الحسين بن أحمد، بعد وفاة ابن قولويه، الحديث الذي أقرأ منه جملتين، وقبلها أقول: من المستحسن للجميع الذين لم يقرؤوا أو لم يروا هذا الكتاب، ولا سيّما الشباب الأعزّاء من المثقّفين الأكاديميين والحوزويين الذين يفهمون معاني الأحاديث الواردة من المعصومين صلوات الله عليهم، بشكل أو بآخر، أن يتأمّلوا في هذا الحديث.
بعد وفاة صاحب (الكامل في الزيارات) ابن قولويه، قام تلميذه وهو من ثقاة الرُّواة أيضاً، ووثّقه النّجاشي وآخرون، برواية هذا الحديث عن ابن قولويه نفسه، وعن غير ابن قولويه أيضاً، أي عن شخص آخر. وقاعدة هذا الحديث الوارد في الكتاب المذكور، أنّ ابن قولويه مات ولم يكتبه في كتابه، ولذلك فلا يُعدّ جزءاً منه بل كُتب في الهامش، وإن كان الرّاحل العلاّمة المجلسي، وهو المحدّث العظيم قد نقل في (بحار الأنوار) هذا الحديث باسم (الكامل في الزيارات). وانتقد بعضهم العلاّمة المجلسي على أنّ هذا الحديث ليس في (الكامل في الزيارات). ولابدّ أنّ العلاّمة المجلسي كان أكثر انتباهاً والتفاتاً ممّا أبداه بعضهم من اعتراضات. ولأنّها كذلك فيمكن أن تُحسب كمثل أحاديث (الكامل في الزيارات)، ولكن ليس بهذا الشّكل بالضّبط، وهذا الحديث مفصّل.
الخلود الحسيني
يقول الحسين بن أحمد: قال رسول الله صلى الله عليه وآله، عندما كان عمر الإمام الحسين صلوات الله عليه، ربّما ثلاث أو أربع أو خمس سنوات، هذا الحديث الشّريف، وهو عن الحوادث بعد عاشوراء وعن الأحداث بعد استشهاد الإمام الحسين صلوات الله عليه وآله وصحبه عليهم السلام. وقد روت أم أيمن الحديث المذكور عن رسول الله صلى الله عليه وآله للسيّدة زينب عليها السلام، وحينما تعرّض الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه للضّربة وفي السّاعات الأخيرة من حياته الشريفة وكان ضعيفاً للغاية، ورد في الرّواية أنّ السيّدة زينب عليها السلام سألته عن الحديث وقالت: سمعت هذا الحديث عن أم أيمن؟ ولأنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان في ذلك الحين في شدّة الضّعف، يروى أنّه صلوات الله عليه قال للسيّدة زينب عليها السلام: الحديث كما حدّثتكِ أم أيمن.
لقد ذكرت هذه المقدّمات لأقول: أنّ هناك أشخاصاً كما يبدو، هم من مصاديق الحديث الذي سأذكره، ويسعون إلى التّشكيك في قضايا الإمام سيّد الشهداء صلوات الله عليه واستشهاده، وبمعاجز وأحداث الشّعائر الحسينية المقدّسة والمرتبطة بذلك. وفي هذا الحديث ورد أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال حول استشهد الإمام الحسين صلوات الله عليه أنّ إبليس، وهو نفسه الذي كان قبل خلق سيّدنا آدم عليه السلام، ولا يزال، وتحت إمرته ربما المليارات من الأبالسة والشياطين، إنّه أمر أبالسته بقوله: عليكم بالتّشكيك. ولم أرَ هذا في أيّ رواية أخرى ولا في أي حديث آخر، ولا نراه في أيّ مكان آخر فيما يرتبط بباقي المعصومين الثلاثة عشر صلوات الله عليهم، بل هذا يرتبط بالإمام الحسين صلوات الله عليه فقط.
شياطين الإنس هم الأسوأ
لقد عبّر القرآن الكريم عن الإنس أيضاً بالشياطين، وقدّمهم على الجن. فقال تعالى: (شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ) سورة الأنعام: الآية112. فلماذا قدّمهم؟ ربّما بقدر ما أفهم، أنّ شياطين الإنس أسوأ من شياطين الجن. فالقوّة التي أعطاها الله سبحانه وتعالى للإنسان لم تُمنح للشياطين، وهي ليست بهذا الحد. وهذا مأخوذٌ من الرّوايات. ويقصد بهم الذين يكتبون أشياءً، أو يلقون الخُطب والمحاضرات، ويُشكّكون في شعائر الإمام الحسين صلوات الله عليه. وفي الحديث المذكور لم يقل رسول الله صلى الله عليه وآله التّشكيك بالإمام الحسين صلوات الله عليه نفسه، لأنّه من الذي يشكّ في الإمام؟ بل قال: إنّ إبليس أوعز لشياطينه أن يشكّكوا في كلّ شيء وفي كل ما يمكن التّشكيك به تجاه القضية والشعائر الحسينيتين المقدّستين. وبعض الناس الذين ليس لديهم ثقافة عالية يتأثّرون بالتشكيك، وقد عبّر عنهم الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه بـ: (همجٌ رعاعٌ أتباعُ كلّ ناعقٍ يميلون مع كلّ ريح). ولكن من واجب الذين لديهم القدرة على المعرفة، عليهم تبديد هذه الشُّكوك. وبعنوان الواجب الكفائي حينما لا يكون من فيه الكفاية، يصبح عمل تبديد الشكوك واجباً عينياً. وربما لا يستطيع المرء القيام بكلّ الواجبات العينيّة، لأنّ هناك تزاحم، ولكن عليه أن لا يقصّر قدر ما يستطيع.
حديث مهمّ
بالنسبة للحديث الشّريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله، سأكرّر عبارة واحدةً منه حتى تتمكّنوا من معرفته كلّه، فهو حديث مفصّل. وعلى الذين هم من أهل الروايات أن يدقّقوا ويفكّروا، فهناك الكثير من المضامين فيه. ولم أرَ أبداً العلاّمة المجلسي والسيّد عبد الله شبر وغيرهم قد شرحوا بعض جمل هذا الحديث إلى حد ما. ولكن هذا الحديث نفسه يمكن أن يكون مجلّداً من كتاب. فإذا أراد أحدٌ أن يشرح ذلك، علمياً وثقافياً، ومن أجوبة مختلفة، فسيكون في مجلّد واحد على الأقل، إن لم يكن أكثر. وأستشهدُ بجملة منه، والقضية هي بعد استشهاد الإمام الحسين صلوات الله عليه، وحتى اليوم، وإلى المستقبل، وهي: (وليجتهدنّ أئمّةُ الكفرِ وأشياع الضلالِ في محوِهِ وتطميسِهِ فلا يزدادُ أثرُهُ إلاّ ظهوراً وأمره إلاّعلوّاً).
اسمحوا لي أن اتكلم قليلاً عن الكلمة الأولى في وهي: وليجتهدنّ. لأنّ القضية اختصاصية ومتخصّصة إلى حدٍ ما. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله بنفسه: أنا أفصح من نطق بالضاد. وفي اللغة العربية فإنّ المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم هم أفصح العرب. وبين هؤلاء الأربعة عشر معصوماً، أفصحهم جميعاً هو رسول الله صلى الله عليه وآله. فكل كلمة وحرف ونقطة في أحاديثهم لها مضامين ومفاهيم.
اللام في (ليجتهدنّ) هي لام القسم، أي أنّ هذا اللام هي علامة ويعني: والله. ومعناها أنها مختزلة، أي خلاصة القسم واليمين. والنون في نهاية الكلمة هي نون التّوكيد. علماً انّه لدينا نوعين من التّوكيد، وأهل العلم يفهمون ذلك. فتوجد نون الخفيفة ونون الثقيلة، والنون في الكلمة المذكورة هي النون الثّقيلة، أي أنّ تأكيدها شديدٌ، وهذا هو التّأكيد الثاني. الجهد يعني السّعي، وهذا يعني أنه يجب عليك العمل بجدّ ومشقّة للقيام بشيء ما، والجهاد من الجهد أيضاً. فهل هذه الحرب ضد القضية الحسينية المقدّسة بسيطة؟ وهل هي مثل الأكل؟ وهل هي مثل المشي؟ فالجهد لا يعني أكثر، والجهاد من مادّة الجهد. بل الجهد يعني المشقّة ويعني الصعوبة. وهذا (جهد) ثلاثي مجرّد. والجهاد أيضاً من نفس الثلاثي المجرّد. وعندما يكون هناك ثلاثياً مزيداً يذهب إلى باب تفعيل الاجتهاد، فتمّت إضافة حرف التّاء، ممّا يعني: الكثير من الجهد، والكثير من المشقّة، والكثير من التعب الشّديد.
نوعية حرب التشكيك
يقول رسول الله صلى الله عليه وآله، إنّهم يشكّكون بالشعائر الحسينية، بعد استشهاد الإمام الحسين صلوات الله عليه، مع شدّة الجهد والمشقّة، والكثير من الجهد والمشقّة منهم، فيسعون بمشقّة شديدة ليمحوا الشعائر الحسينية المقدّسة. فكلمة (في محوه). يعني: أن تُنسى وأن تختفي، وتصبح رويداً رويداً قصة كانت موجودة في التاريخ الماضي. فالمحو ليس التّخفيف ولا التّنقيص. وإنهم يجتهدون حتى يمحوها. فيقول مولانا النبيّ صلى الله عليه وآله: وماذا يحدث حينها؟ فلم يقل صلى الله عليه وآله: لن يؤثّر، ولم يقل: إنّه سيكون له تأثير ضئيل. بل قال صلى الله عليه وآله: فلا يزداد إلاّ علواً. أي القضية الحسينية المقدّسة، ترتفع يوماً بعد يوم، ويشتدّ ظهورها يوماً بعد آخر. بل وهناك ظهوراً من بعد الارتفاع، أي تصبح أكثر وضوحاً وظهوراً وأكثر عالميةً.
من هم أئمّة الكفر؟
ربما يسأل أحدنا: حول (وليجتهدنّ) ويقل مَن هم؟ هل هم من المسيحيين أم من اليهود؟ وهل هم من عبدة الأوثان؟ فعبدة الأوثان ليس لديهم ما يفعلونه. والمقصود إنّهم المسلمين المنافقين الذين هم مسلمون بالاسم، ولكنّهم ليسوا بمسلمين حقّاً، بل هم منافقون دائماً، كانوا ولا يزالوا، وهم كانوا في زمن الأنبياء السّابقين عليهم السلام، وكانوا في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله، وكانوا في زمن الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم، وفي زمانه لم يسمّهم رسول الله صلى الله عليه وآله بالمنافقين، بل قال بوصفين اثنتين فقط: (أئمّة الكفر)، و(أشياع الضّلالة). وهؤلاء مسلمين بالاسم، وربّما يصلّون ويصومون، ويصلّون صلاة الليل أيضاً، وربّما يذهبون إلى الحجّ. ولكنّهم يشكّكون في الشعائر الحسينية المقدّسة، وليس في الإمام الحسين صلوات الله عليه نفسه، لأن قصّة التّشكيك هي بعد الإمام صلوات الله عليه، فـ(لا يزداد إلاّ عُلوّاً)، أي الشعائر الحسينية المقدّسة. وفي هذا الحديث سمّى رسول الله صلى الله عليه وآله أولئك الذين درسوا، ويسمّون أنفسهم بالعلماء وأصحاب العلم، بـ(أئمة الكفر). وكما تعلمون هناك إمامان: إمام صالح، وآخر سيّء. ويقول القرآن الكريم: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} سورة الأنبياء: الآية73. والإمام يعني: القائد. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله أنّ أئمة الكفر هي من أسماء من يشكّكون بالشعائر الحسينية المقدّسة. واسمحوا لي أن أقول شيئاً هنا، وهو انّ عبارة (وليجتهدنّ أئمة الكفر) ستكون موضوعاً لأولئك الذين يكتبون عن خصائص الإمام الحسين صلوات الله عليه في المستقبل، فيجب أن تكتب كجزء منها. ولم أرَ أحداً قد كتب عنها في كتب الخصائص، لأنّها فريدة من نوعها لدرجة أنني بحثتُ عنها كثيراً. وهذا أولاً.
وأشياع الضلالة
أمّا الثاني، فهي عبارة: (أشياع الضّلالة) والأشياع تعني: المتابعة. والضّلالة تعني: الضّلال والانحراف. أي أنّ الذين يجهلون، والجهلة، ومن لا علم لهم، هم أتباع أئمّة الكفر، ولكنهم في ضلالة وانحراف ولا يعلمون شيئاً. وبعضهم مقصّر وبعضهم قاصر. فراجعوا هذا الحديث وتأمّلوا فيه عندما يكون لديكم متّسعاً من الوقت، ولاسيما الحوزويين والمثقّفين والجامعيين الأكاديميين، فانظروا بتمعّن في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله، وإذا بدا لكم شيئاً فاكتبوا وصفاً له. وأقول للجميع في كل مكان بالعالم: لم أرَ شرحاً مفصّلاً حتى الآن عن الحديث المذكور، ومن الممكن أن يوجد، وقد يكون في مخطوطات العلماء السّابقين، ولكن إذا لم يوجد فإنّه يجب على من يستطيع، أن يحاول ويسعى بأن يترك شيئاً للتاريخ، عن هذا القول من مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله، الذي مرّ ذكره، بشرحه.
في اليوم الحادي عشر من محرّم (61 للهجرة)، وعندما ذهبوا بأهل البيت عليهم السلام إلى الكوفة، قال الإمام السجّاد صلوات الله عليه بنفسه، وهو الإمام المعصوم العارف العالم، قال ما مضمونه: اقترب منّي الموت، وتبيّنت منّي ذلك عمّتي زينب عليها السلام. أي مثل الإنسان الذي يريد أن يموت، حيث قال الإمام صلوات الله عليه: لقد أصبت بتلك الحالة. علماً انّ الإمام السجّاد صلوات الله عليه يعرف الحديث الذي مرّ ذكره، أفضل من السيّدة زينب عليها السلام، ولكن قال ذلك من باب التّذكير. فرأت السيّدة زينب عليها السلام الإمام في تلك الحالة، فنقلت حينها له الحديث كلّه أو عبارة واحدة منه، فخفّت تلك الحالة على الإمام السجّاد صلوات الله عليه قليلاً. وإلا فإنّ الإمام زين العابدين صلوات الله عليه يعرف ذلك بنفسه، وهو يعلم بهذا اليوم أي يوم عاشوراء عندما كان في الأزل، وإنّها حقيقة مؤكّدة، كما هي عند أهل البيت صلوات الله عليهم، فروت السيّدة زينب عليها السلام له الحديث.
وصف خاصّ بالقضية الحسينية
لقد آذوا رسول الله صلى الله عليه وآله كثيراً، وكذلك آذوا الإمام أمير المؤمنين كثيراً، وآذوا السيّدة الزهراء كثيراً، وآذوا الأئمة الاطهار صلوات الله عليهم أجمعين واحداً تلو الآخر، وحتى الإمام بقيّة الله الأعظم عجّل الله فرجه الشّريف في السنوات الخمسة الأولى من عمره الشريف، آذوه! بل وكم كذّبوا وافتروا، وسيكون كذلك حتى اليوم، وحتى حين الظّهور الشريف أيضاً. ولكن لا نجد رواية مثل رواية رسول الله صلى الله عليه وآله بحقّ باقي المعصومين صلوات الله ععليهم، بأنه قال: وليجتهدنّ. ولقد عمل المشركون بجدّ وضايقوا وآذوا النبيّ صلى الله عليه وآله، ولكنّني تجاه ما تعرّض له صلى الله عليه وآله، وكذلك باقي المعصومين صلوات الله عليهم، لم أجد مثل قوله: (فلا يزداد إلاّ علوّاً). بلى لقد آذوا رسول الله صلى الله عليه وآله بكل أنواع الأذى ولعشرين سنة، في مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة، ولكن جاء رسول الله صلى الله عليه وآله إلى مكّة منتصراً بفتحها، ولم نجد تجاه ذلك عبارة (يزداد إلاّ علوّاً). وإذا وجد أيّ شخص في كلمات المعصومين صلوات الله عليهم بالنّسبة لغير الإمام الحسين صلوات الله عليه مثل ذاك التّعبير فليخبرني به. وهذه من خصائص الإمام الحسين صلوات الله عليه، وكمثل كثير من الأشياء التي تخصّ الإمام صلوات الله عليه، وقد كتبت بعضها، وكثير منها موجودة في جوانب من الروايات.
عزاء كربلاء سنة 1380 للهجرة
في عام 1380 للهجرة وعندما كنت في مدينة كربلاء المقدّسة، كان هناك مجلسان للعزاء، أحدهما في صباح يوم عاشوراء والآخر عصر عاشوراء. وكان ـ أيضاً ـ هناك شعيرة مقدّسة في صباح يوم عاشوراء بمدينة كربلاء المقدّسة وهي موجودة في كل مكان بالعالم أيضاً، ولا زالت في كل مكان. والأخرى شعيرة مقدّسة في عصر يوم عاشوراء وتُسمّى بعزاء ركضة طويريج. ولم تك أيّ واحدة من تلك الشّعيرتين موجودتين في عهد الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم، ولا حتى واحدة منها، ولم تك حتى في زمن الغيبة الصغرى الشريفة، ولم تك حتى قبل ألف عام، ولم تك قبل ثمنمائة عام، ولم تك قبل سبعمئة عام، ولم تك قبل ستمئة عام، ولم تك قبل خمسمئة عام، بل تم تأسيس هذه الشّعيرة المقدّسة، شعيرة صباح يوم عاشوراء، في وقت لاحق، ومن الممكن أنّها اُسّست قبل مئتي عام أو ثلاثمئة. وعزاء الطويريج أقلّ، ربما قرابة مئتي عام أو أقل. ولقد كتبوا ذلك وسجّلوه عام ألف وثلاثمئة وثمانون للهجرة، وأتذكّر ذلك جيّداً. وكانت شّعيرة صباح عاشوراء المقدّسة تتكون من سبعة مواكب فقط، وقد رأيتها جميعاً عدّة مرّات، وربّما لم يتجاوز عدد المشاركين فيها ألفاً على الإطلاق. وتبدأ هذه الشعيرة بعد صلاة الفجر وتنتهي قبل طلوع الشمس. ولقد كنت موفّقاً ومشاركاً في عزاء الطويريج. واليوم ومع الشوارع العريضة الموجودة بكربلاء المقدّسة، يمرّ هذا العزاء. وعندما يكون عرض الشارع عشرة أمتار أو عشرين متراً، سيكون الزّحام المار في الثانية الواحدة أكثر من شارع يبلغ عرضه أربعة أمتار أو خمسة. وكان هذا العزاء يمرّ من الباب المسمّى بباب قاضي الحاجات، والسّادة الذين تشرّفوا إلى كربلاء قد رأوا ذلك، وحتى الآن كأنّه في تلك الحالة. وفي ذلك الوقت كان العزاء المذكور يأتي من سوق العرب الذي لا أدري هل هو موجود الآن أم لا، من منطقة بين الحرمين الشريفين، وكان بنفس العرض تقريباً. وقبل ذلك كان يأتي من ساحة، أي من الخارج، وكانت الساحة بالقدر نفسه تقريباً، فيأتي العزاء إلى الشارع المسمّى بشارع أمير المؤمنين الإمام عليّ صلوات الله عليه، ويأتي إلى سوق العرب في دوّار الإمام الحسين (عليه السلام)، ويدخل من باب قاضي الحاجات، ثم يأتي إلى الصحن الحسيني. وبالتّأكيد كان كلّ ذلك لا يستغرق إلاّ عشرين دقيقة أو نصف ساعة، فيمر العزاء عبر باب قاضي الحاجات ومن هذا العرض الذي يبلغ أربعة أو خمسة أمتار في عشرين دقيقة. ولا أدري اليوم وفي هذه السنة كم كان عدد الذين شاركوا فيه؟
التشكيك بعزاء ركضة طويريج
لقد كتبوا كتاباً ضدّ عزاء الطويريج، قرأيته بنفسي، ووزّعوا منشوراً ضدّ عزاء الطويريج وذلك حينما كنّا في كربلاء ذلك الوقت. وحتى اليوم يكتبون الإعلانات والكتب ويقولون إنّهم ضدّ الشعيرة المقدّسة صباح عاشوراء. والذين حصلوا على تلك الكتب أحضروها إليّ ورأيتها بنفسي، ولكن ماذا يعني: (فلا يزداد إلاّ علوّاً)؟ فلقد سعوا مراراً وشكّكوا وكذّبوا وخدعوا، ولكن هذا العزاء ازداد سنة بعد سنة. وأتذكّر أنّني ذكرت سنة ثّمانين، والذين عاشوا في كربلاء المقدّسة والنجف الأشرف والكاظمية وسامراء في ذلك الوقت، يتذكّرون هذه الأحداث وما زالوا يتذكّرونها. وحتى قبل سنة ثمانين للهجرة، لم يك هناك الكثير من التشكيك وما إلى ذلك، ولم ينشروا منشورات، ولم يطبعوا كتباً، ولم يشكّكوا في خطاباتهم ومحاضراتهم، فلم يك ذلك، ولم ينقل. ولكن من الثّمانينيات للهجرة فصاعداً وعندما أصبح العراق جمهورية، بدأت هذه الامور، وازدادت يوماً بعد يوم. وكنت في كربلاء المقدّسة حتى عام 1390 للهجرة، وفي التسعينيات للهجرة وصلت تلك السبعة مواكب إلى ثلاثة وثلاثين موكباً، ولكن كم عددها اليوم؟ لقد أحضروا لي شيئاً كتبه بعض المسؤولين في مدينة كربلاء أنّ مواكب شعيرة صباح عاشوراء، وقد دوّنوا أسمائها وهي موجودة عند المسؤولين في كربلاء، أن هذه المواكب قد بلغت ألف وخمسمئة وخمسون موكباً. فما يعني ألف وخمسمئة وخمسون؟ فلقد قلت انّه في سنة ثمانين للهجرة ربما لا يكون عدد المشاركين في المواكب السبعة أكثر من ألف شخص، إن لم يكن أقل. لكن كم هو عدد الأشخاص في كل موكب اليوم؟ لنفرض أنّه مئة شخص، وبعضها قد يكون أقل من مئة شخص، لكن لنضرب ألف وخمسمئة وخمسين موكباً في مئة شخص مثلاً، فكم سيكون العدد؟ لا شكّ أكثر من مئة وخمسين ألف شخص، وهذا في مدينة كربلاء الصغيرة بالمساحة، وهي ليست من المدن الكبرى في العراق. وهكذا يكون هذا العزاء صباح عاشوراء في مدينة النجف الأشرف في الوقت نفسه وفي ذلك الزمان، وكذلك في مدينة الكاظمية المقدّسة، وفي سامراء أيضاً، وفي بغداد، وفي المنتفك وفي السماوة، وفي البصرة وفي الرميثة، وفي الأرياف. وهذا كلّه في العراق وحده! فماذا عن باقي مدن العالم؟ وهذا يعني (فلا يزداد إلاّ علوّاً). وبهذا الخصوص يقول أهل العراق: ليجرّبوا حظهم مع الإمام الحسين صلوات الله عليه. فدعوهم يجرّبوا أكثر مع الإمام الحسين صلوات الله عليه. وهذا عملهم ليس من العقل وليس من الحكمة. فهم يعتقدون أنّهم يستطيعون التّقليل من الشعائر الحسينية المقدّسة أو يقدرون على اضمحلالها وطمسها، وهم لا يستطيعون، لكنهم مع ذلك يقولون ويكتبون التشكيكات مرّة أخرى.
إنّهم يكذبون
لقد رأيت في أيام العشرة الأولى من محرّم بالسنة الجارية 1443للهجرة (2021م) في الصفحات الافتراضية بعالم الانترنت (مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها) انّهم قد دعوا لاتّباع شخص من أهل الباطل. وهؤلاء إمّا يكذبون أو يخدعون، ولا يوجد ثالث. علماً انّه في هذا الطريق أي: كتاب الله تعالى وأهل البيت عليهم السلام لا يوجد الكذب أو المغالطة. ولكن هناك أكاذيب ومغالطات في كل مكان. وقبل أيام قليلة أحضروا لي شخصاً من النّواصب قد نسب إلى الإمام الحسين صلوات الله عليه، شيئاً سيّئاً، أي روى أنّ الإمام قال كذا. وهنا لا أريد أن أنقل ما ذكره. وفي الوقت نفسه كتب ذلك الشخص أنّ هذا الموضوع قد ورد في كتاب (سفينة البحار) للمرحوم الشيخ عباس القمّي، وأنا راجعت (سفينة البحار) ولم أجد اسم الإمام الحسين صلوات الله عليه فيه، ولا في مواضع أخرى، وإذا رأيتم ذلك فأخبروني. وبما أنّكم الآن متعبون، حيث قمتم بالعزاء، بالليلة الماضية واليوم، ولكن أعتقد أنّ هذه من واجباتي، وبقدر ما أستطيع أن أنقل وأقول: أتذكّر قبل بضع سنوات كتاباً، وأتذكّر اسم الكتاب واسم الشخص، وهو من النواصب، كتب عن الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله فرجه الشّريف، وكان يشكّ في أنّه لم يولد على الإطلاق. ورأيت الكتاب قبل بضع سنوات. وكتب فيه أنّ قضية الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف حقيقية ولكنه لم يُولد بعد. وكتب: إنّ هذا الكلام قد كتبه الشيخ الصدوق في إحدى كتبه بفلان الصفحة. وحينها لم يك لديّ ذلك الكتاب للشيخ الصدوق، فطلبته وأحضروه لي، وفتحت تلك الصفحة التي ذكرها، ورأيت أنّ الشيخ الصدوق كتب عن سيرة إمام العصر عجّل الله فرجه الشريف، ومتى كانت ولادته، وقصص الإمام، وزمن والده الإمام الحسن العسكري صلوات الله عليه، وعن الغيبة الصغرى، وقصص أخرى. وقال ذلك الشخص: إنّ بعضهم زعموا أنّ الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف حقيقة ولكنّه لم يُولد بعد، وذكر عدّة أسباب وأتى برّوايات. ولكن قيل بوقتها أنّ الشيخ الصدوق قد نقل ما كتبه في كتابه عن أهل الباطل وردّها. والعبارة نفسها التي نقلها الشيخ الصدوق عن أهل الباطل، قد نسبها ذلك الشخص للشيخ الصدوق. وهذه الكتابات من التّشكيكات، وأينما ترونها، تابعوها بقدر ما لديكم من الوقت، فإنّهم يكذبون علانية.
من أكاذيب معاوية وأتباعه
بعد استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله، غيّروا وحرّفوا الطريق بكذبهم على النبيّ صلى الله عليه وآله، أي بالكذب على ما قاله صلى الله عليه وآله عن الله عزّ وجلّ وعلى لسانه صلى الله عليه وآله وكذلك عما في القرآن الكريم، ومنها قولهم: ما تركناه صدقة. ومن الذين كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله، سمرة بن جندب الذي كان من المنافقين من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله. وسمرة هو صاحب نفس قصّة النخلة التي تصدّى فيها للنبيّ صلى الله عليه وآله وشاكسه، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: إنّي أعطيك الجنّة. فقال: لا أريد ذلك. وهذا سمرة دعاه معاوية. وراجعوا كتب التاريخ لتجدوا وفي أماكن عديدة، أنّ معاوية منح سمرة أربعمئة ألف درهم ليأتي ويصعد إلى المنبر، ويقول: إنّني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله، إنّ الآية التي نزلت حول ابن ملجم، قد نزلت في عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه، وأنّ فلان الآية التي نزلت بحقّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه، سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله أنّها نزلت حول ابن ملجم. فصعد سمرة المنبر وتحدّث وأخذ أربعمئة ألف درهم، وقال كما طلب منه معاوية. فكم كانت قيمة ذلك المبلغ عند العرب حينها؟ لقد كانوا يعطون غنماً بعشرة دراهم، وأربعمئة ألف درهم تعني قيمة أربعين ألف شاة. ولكن لمن كان ذلك المال حتى يعطيه معاوية لسمرة؟
ردّ شبهة تاريخ الشعائر
إنّ الشّعائر الحسينية المقدّسة وجميع الشعائر المقدّسة لأهل البيت صلوات الله عليهم، لا تستلزم أو ليس من اللازم أن تكون في عهد أو زمن أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم. فهل كانت مواكب اللطم على الصدور موجودة في زمنهم صلوات الله عليهم؟ وعن هذا الأمر أقول: ليس الفقيه، بل هل هناك متفقّهٌ يقول بحرمة مواكب اللطم على الصدور لأنّها لم تك موجودة في زمن الأئمة صلوات الله عليهم؟ فمثل هذا الشخص (المشكّك) يقول انّه في زمن الأئمة صلوات الله عليهم، كانت تقام المجالس فقط وتُلقى فيها القصائد على الأئمة صلوات الله عليهم وفي مصائب الإمام الحسين صلوات الله عليه، ويستمع إليها قلّة من الأشخاص وحسب! فما هذا الفقه الذي يقول بعدم وجود اللطم في زمن الأئمة صلوات الله عليهم؟ وهل قال رجل فقيه، الفقيه حقيقة، بمثل هذا الكلام خلال وعبر الألف سنة بعد الغيبة الكبرى؟ وهكذا الحال بالنسبة لباقي العزاء، كعزاء طويريج وبزعمهم أنّه لم يك قبل ألف سنة. أقول: فلا يكن!! ولكنّه من الشعائر الحسينية المقدّسة، بل والشعائر الأخرى هي أيضاً شعائر، وحتى ما يتمّ القيام بها اليوم. فهناك أشياء تمّ تأسيسها حديثاً، وهي مراسيم استقبال شهر محرّم، فقد رأيت بنفسي من يسخر بهذه المراسيم. فيا أيّها المسكين اقرأ (شرائع الإسلام) وافهم حتى هكذا لا تقول. فلا يقوم مبنى الفقه على وجود الأمر أو الشيء في زمن الأئمة صلوات الله عليهم حصراً، فالهاتف والسيارة والطائرة وغيرها من الأجهزة والكهرباء هل كانت موجودة بزمنهم صلوات الله عليهم؟ ولكن المشكلة كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أئمة الكفر. فقد أطلق عليهم أسماء أئمة الكفر. وقال: وأشياع الضلالة. والأُميّون لا يعرفون ذلك لجهلهم، كما أنّ الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال عن بعضهم: همج رعاع، أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح.
لا حصر للشعائر الحسينية
بلى إنّ كل ذلك هو من الشّعائر الحسينية المقدّسة، وكل شيء يؤسّس، في كل زمان، ويكون تمجيداً وتجليلاً للإمام الحسين صلوات الله عليه، ولا يكون حراماً مؤكّداً، فهو من الشعائر. فأحدهم يدّعي بأن فلان الشيء حرام بالعنوان الثانوي. وهذا الادّعاء لنفسه فقط، ولا يسمّى إسلاماً، وهو لمن وصفهم رسول الله صلى الله عليه وآله بأئمّة الكفر. وكذلك كل شيء يتمّ تأسيسه غداً، أو بعد مئة عام، أو بعد خمسمئة عام ولم يك عبر التاريخ، ولكن من وجهة نظر العرف، لأنّه موضوع، والشعيرة موضوع وحكمها: تقوى القلوب، فهي من تقوى القلوب. فكل ما يؤسّس ولم يك من المحرّمات الأكيدة، وعُدّ تمجيداً وتجليلاً للإمام الحسين صلوات الله عليه، فهو من الشعائر الحسينية المقدّسة. وكذلك جمع الأموال من الشعائر الحسينية المقدّسة. ولم لا تكون من الشعائر؟ فالكل لا يستطيع أن يقوم بأداء الشعائر الحسينية المقدّسة، فبعضهم يقيم المجالس الحسينية والمواكب والهيئات والحسينيات، وبعضهم يمكنه جمع الأموال، والاقتراض والاستدانة لأجل الشعائر الحسينية المقدّسة. فإذا كان الشخص يستطيع الاقتراض فليقترض ويستدين، وحتى بعدها إذا وقع في مشاكل بسبب الديون، لكنه سيؤدّيها. وكل هذه الأمور هي من الشعائر الحسينية المقدّسة.
ثم هل كان في زمن الأئمة صلوات الله عليهم بالأربعين الحسيني يذهب إلى كربلاء مثل الكمّ والحشد الذي نراه اليوم؟ بلى كان من الزائرين جابر بن عبد الله وتلميذه عطية، وأهل البيت صلوات الله عليهم، وهكذا عدّة قليلة من الزائرين في السنوات والأزمنة الأخرى.
إذن أليس الأربعين شعيرة حسينية؟ ألا يُعدّ هذا العمل تجليلاً للإمام الحسين صلوات الله عليه؟ بلى إنّه شعيرة حسينية مقدّسة. ولذا يجب على كل شخص، أيّاً كان، أن يساعد بقدر استطاعته، بالمال وبالتشجيع وبالكتاب وبالأقراص المدمجة وبلسانه، في البلدان الإسلامية، وفي داخل العراق وخارجه وغيرها من الأماكن لأجل إقامة شعيرة الأربعين الحسيني.
اكتبوا عن ظلامة الزائرين
أنا شخصياً، ومّرة أخرى، أشكر الجميع، وأشكر بالأخص الشعب العراقي، الذين ساعد بصدق كثيراً وبكل إنصاف وحماس في إحياء الشعائر الحسينية المقدّسة وخاصة في عشرة عاشوراء وفي الأربعين الحسيني، ومنهم أولئك الفقراء والعاجزين والمساكين الذين ساعدوا كثيراً، وأأمل أن يتعلّم غيرهم من أهل العراق. وحاولوا أن تجمعوا وتكتبوا القصص التي جرت في كربلاء أيّام الأربعين وقبله وغيرها من الأيّام بزمن الحكومات التي حكمت على العراق. فلقد ضربوا زوّار الإمام الحسين صلوات الله عليه بالدبابات وقتلوهم في زمن البعثيين، بالأخص في سنة تسعين ميلادية أو واحد وتسعين، وعدّة مرّات، وأغاروا عليهم بالطائرات وقتلوهم. وبهذا الصدد، رأى وشاهد بعضهم القصف بالدبابات والطائرات، وانّهم جرفوا الأرض بين النجف وكربلاء بالجرافات وألقوا بالقتلى والزوّار فيها، بعضهم فوق بعض، وقد أصيب أحدهم بقدميه وكان فاقداً للوعي، وألقي بينهم، ولم يختنق ولم يأت أجله، ثمّ استيقظ في منتصف الليل وأدرك ما حصل له، وخرج وجاء بعد مأساة إلى إحدى الدول المجاورة للعراق، وروى قصّته، وكيف قتلوا الزوار.
بالنسبة للزيارة الأربعينية، يحاول بعضهم (من أهل التشكيك) تثبيط الناس عن الخدمة، فتراه يقول لأحدهم مثلاً: الكثير من غيرك يخدمون ويعملون في خدمة الإمام الحسين صلوات الله عليه، فلماذا تفعل أنت ذلك أيضاً، اترك غيرك يقوم به. ولكن حتى هذا الأمر يحظى بأهميّة وبدقّة، فإذا شارك مئة مليون شخص في الزيارة، أو مئة مليون وواحد، فهذا الشخص الواحد محسوب ويكتب اسمه.
من آثار التعامل مع القضية الحسينية
فلقد كتب العلاّمة المجلسي والشيخ عباس القمّي وغيرهم أنّ شخصاً من الكوفة جاء إلى كربلاء(سنة61 للهجرة) ووقف بعيداً لكي لا يشارك في أيّ شيء من القتال والحرب، لا بالنسبة للإمام الحسين صلوات الله عليه، ولا بالنسبة لأبنائه عليهم السلام، ولا بالنسبة لأبي الفضل عليه السلام، ولا بالنسبة للأصحاب عليهم السلام، ولا حتى بعد حرق الخيام، فهو لم يفعل أيّ شيء. وذات ليلة نام وفي منتصف الليل صرخ واستيقظ، فرأوا عينيه كأنّهما تحترقان، وعمي. وهذه القصّة ذكرها السادة الخطباء الحسينيين أيضاَ وسمعتموها. فقال ذلك الشخص: لقد رأيت في المنام رسول الله صلى الله عليه وآله وكان أمامه طشتاً فيه دم. وقد أدخل عوداً كمثل ميل المكحلة في الدم وقال لي: لماذا ذهبت إلى كربلاء بين الأعداء وكثّرت السواد على الإمام الحسين صلوات الله عليه؟ يقول: قلت: يا رسول الله! أنت تعلم أنّي لم أطلق سهماً، ولم أضرب سيفاً، ولم أرشق حجارة، ولم أفعل شيئاً، وكنت بعيداً على الإطلاق. ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله، قال له: كثرّت السواد على ابني الحسين صلوات الله عليه. أي لقد زدت أعداد الجيش. فدقّقوا بقول النبي صلى الله عليه وآله، أنّه قال (أكثرت) مع انّه كان شخصاً واحداً. فإذا كانت الروايات تتحدّث عن أنّ الأعداء كانوا ثلاثون ألفاً، وإذا كان بينهم شخصاً واحداً أو لم يكن، فهل هو ظاهر أصلاً؟ وهل له أهميّة؟ فرسول الله صلى الله عليه وآله لم يقل له: كنت في السواد، كلا، بل قال: إنّك كثّرت السواد على ابني الإمام الحسين صلوات الله عليه. وقال الشخص: فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله الميل في طشت الدم وكحل بها عينيّ حتى عميت في الأخير. بلى هكذا هي آثار التعامل مع النهضة الحسينية المقدّسة، سواء كان التعامل إيجابياً أو سلبياً.
تعامل السيّد مهدي الشيرازي مع الشعائر الحسينية
لقد كان المرحوم الوالد، ورحم الله الماضين، من المراجع المحتاطين جدّاً، وأنا هنا لا أريد أن أتباهى به، كلا، ولكن من باب المثال، أقول: وكان يحتاط كثيراً، وخاصّة في سهم الإمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف بالخمس. فكان يقول: إنّ هذه أموال الإمام صلوات الله عليه. وكنت ارافقه في بعض الأحيان، وكان بعضهم يتبادل الكلام معه كثيراً لكي يتنازل قليلاً عن الخمس، فيقول الوالد: إنّه ليس مالي، وأنا إن رضيت بالعفو عن بعض الأموال فإنّ رضاي حينها يكون بتأكّد منّي على أنّ الإمام صلوات الله عليه راض عنه أيضاً، وإذا كان يقيني غير مؤكّداً، فعذري معي، ولكنّي حينما لا أتيقّن في أيّ مكان آخر ولست متأكّداً منه، فلا أقوم به. وأما بالنسبة للشعائر الحسينية المقدسة فقد كان الوالد يأذن على الفور بسهم الإمام صلوات الله عليه. ورأيت بنفسي وفي مرّات عديدة انّه لم يسمح لغير الشعائر الحسينية وكان يقول: إنّني لا أحمل مسؤولية هذا الأمر على عاتقي. فذات يوم جاءه شخص بعشرين ديناراً بعنوان الخمس فقال للوالد: أعطيني عشرة منها لأجل فلان الشيء، فقال الوالد: لا أستطيع، لأنّه ليس من مالي حتى أعطيك منه. فأصرّ الرجل على الوالد، وأنا كنت حاضراً حينها، وقال للوالد: إنّ فلان المرجع يأذن بمثل هذا. فقال الوالد: أنا لا أعرف. ولم يرغب الوالد في قول شيء نسبة إلى ذلك المرجع، ولذا قال: لا أعرف. فقال للشخص: سأعطيك عشرة دنانير وأسألك يوم القيامة عن عشرين ديناراً. فقال الرجل: كلا، آخذ عشرة دنانير وأجيب عن عشرة دنانير. ومهما فعل الرجل وحاول، لكن الوالد قال له: لا، إن كان مالي أو إذا كان لديّ شيئاً من نفسي فالآن أعطيك إيّاه، بلا أيّة مشكلة. وبهذا الاحتياط الشديد لم يتوقف عند الإذن بسهم الإمام صلوات االله عليه، ولكن بشأن الشعائر الحسينية المقدّسة وبجميع أنواع الشعائر، كان الوالد يأذن بسهم الإمام صلوات الله عليه، لها ولأجلها.
أأمل أن يزداد التّوفيق الذي منّه الله تعالى على الجميع لخدمة الشعائر الحسينية المقدّسة، وأن يزداد كل واحد وقدر سعته من توفيقه في المستقبل، حتى لا سمح الله، لا يكون مغبوناً، ولا يكون ملعوناً، والعياذ بالله.
شعيرة فريدة
أما القضية الأخرى فهي الأربعين الحسيني. فمن الآن وصاعداً يجب على الجميع أن يبذلوا قصارى جهودهم لتعظيم وإقامة الأربعين الحسيني عليه السلام. فهذه الشعيرة المقدّسة يبدو أنّها فريدة من نوعها على هذا الكوكب، من حيث المجموع: أي الحشود، وشكل الإطعام، واستقبال الزوّار في البيوت، ونوع الطبابة المجانية، وتدليك الأقدام، واستخدام الأشياء، وغيرها من هذه الأمور والخدمات. فعلى الجميع السّعي، وكذلك على كل من يسمع صوتي أينما كان، من الآن أو في المستقبل، سواء كان في البلدان الإسلامية، وفي غير الإسلامية، أن يسعوا لتكون هذه الشعيرة المقدّسة، أي الأربعين الحسيني، عظيمة جدّاً. فهي فريدة من نوعها في التاريخ ككل ومن حيث المجموع. فقد قرأت أنّه في زمن البويهيين وفي بغداد يوم عاشوراء، كان الناس لا يشعلون النار ولا يطبخون الطعام، وهكذا كان في زمن الشيخ المفيد رضوان الله عليه، وزمن الشيخ الصدوق رضوان الله عليه، وكانت أشياء أخرى في بغداد. وفي ذلك الزمان، ببغداد، كان الناس يجدون ما يطلبونه من شاي وغيره في المجالس الحسينية، ويجدون غيره وغيره كثيراً. بل حتى اليوم هناك أناس لا يوقدون النيران في مطابخ منازلهم لطبخ الطعام يوم عاشوراء، وبعضهم يقوم بغلق أنابيب الغاز حتى لا يستعمله الأبناء. فهل يقال عن هذه الأمور أنّها شعيرة؟ بلى، ولم لا؟ فلماذا كانوا لا يوقدون النار يوم عاشوراء؟ وهل يفعل أحدهم الشيء نفسه لوفاة والده إذا مات؟ أو لوفاة أمّه وعمّته وخالته؟ وهل كان الغاز موجوداً في زمن الأئمة صلوات الله عليهم؟ كلا لم يك موجوداً بالتأكيد، ولم يكن متوفراً بين الأيدي. وهذا مظهر من مظاهر التجليل، وهذا يصبح شعيرة من الشعائر الحسينية المقدّسة.
أقيموا الأربعين بالأفضل
إذن لنحاول ونسعى، كل على قدر ما يستطيع، فمن يتمكّن أن يساعد بأيّ شكل من المساعدة فليساعد، حتى تُحيى هذه الشعيرة الحسينية المقدّسة، أي الأربعين، ولو على مستوى شخص واحد، أي حتى لو استقرض المال وأعطاه لشخص واحد، وهكذا حتى لو كان على مستوى شخصين أو أكثر. ولقد ذكرت في العام الماضي أو قبله وقلت: إنّ أحدهم قد استأجر طائرة، وكان يرسل الناس بها مجاناً للأربعين الحسيني. فطوبى له! وحتى لو كان قد اقترض لهذا العمل، فطوبى له أيضاً.
لذا على الجميع أن يسعوا ويحاولوا إحياء وتعظيم هذه الشعيرة الحسينية المقدّسة، زيارة الأربعين الحسيني، أكثر حماساً، وبالأفضل والأحسن، وأكثر إثماراً، وأن يولوا لها أكثر اهتماماً وأكثر. وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
اضف تعليق