قد يوجد بيننا من يقول بأنه لا يمتلك ما يمتلكه الآخرون، من الناحية العضوية الجسدية أو غيرها، ولكن النجاح في اختبار المواجهة المحنّكة للمشكلات والمعيقات لا علاقة له بمثل هذه النواقص، فهناك من لا يعاني من النقص العضوي الجسدي، لكن قوة الروح تنقصه، وإرادته تخذله...
الشخص الذي يظن أنه قوي بعضلاته، سوف يكتشف أنه موهوم، وأن القوة الروحية لها دور في نشاط الإنسان لا يقل عن دور الجسد وعضلاته، وإذا ظنّ أحدهم أن المشاكل يمكن القضاء عليها بشكل تام، فهو واهم أيضا، لأن الحياة كما يقول أحد العلماء عبارة عن سلسلة متواصلة من المشاكل، فأما تهزم الإنسان وأما أن يصبح عظيما.
ليست هناك حياة بلا مشكلات بالمطلق، بل لا مفرّ من وجودها في حياة الفرد والجماعة، منها من صنع الطبيعة وأخرى تدخل في صناعة الإنسان، وهذان النوعان قد ينجح أو يفشل الناس في مواجهتهما، ومن المحال أن تخلو حياة الإنسان من المشكلات التي تحدُّ من مساعيه وتطلعاته، لذلك عليه أن يؤمن بحقيقة ملازمة المشاكل لحياة الإنسان، وعليه أن يتصرف وفقا لهذا التصوّر الذي يؤكد وجود عوائق متواصلة، إذا عبرت عائقا فهناك آخر بانتظارك.
هل يستحق الإنسان الذي ينتصر على مشاكله صفة العبقرية؟، نعم يستحق ذلك فعلا، لسبب بالغ الوضوح، فقد خُلِقت البشرية لهدف كبير، وهذا الهدف لن يُنجَز بيسر وسهولة، بل هناك معيقات لا تنتهي طالما كان الإنسان على قيد التنفّس والتأمّل والنشاط، ومن الجدير ذكره هنا، إن كثرة المشكلات وخطورتها تشكّل المعيار الذي يُقاس على أساسه تفوّق الإنسان ونجاحه وعلوّ درجاته.
وكلما كانت قدرته أكبر على تحمّل الأعباء، كانت درجته في الاختبار أعلى، يتعرض الإنسان إلى ضغوط هائلة، ويُمتحَن في نفسه وذويه وممتلكاته، وهو يواجه الطغاة مثلا، فيوضع في امتحان عسير، هناك من نجح وآخرون أخفقوا، كان هناك رجلٌ مسن في عهد الطاغية المقبور صدام، حاولت أجهزة القمع أن تجبره على التأييد أو الصمت، عرضت عليه المغريات فرفضها، ثم حاولت معه بالتخويف فلم يستجب، كانت مشكلته الكبرى مواجهة القمع البعثي، اعتقلوا ولده الأول وساوموه بالصمت مقابل إطلاق سراحه ولم تنثنِ إرادته، فأعدموا ولده، واعتقلوا الثاني وساوموه ولم يخضع لهم، لقد واصل هذا الرجل الكبير مواجهة ومصارعة مشكلة الطغيان، ولم يستسلم إلى أن وصلت المشنقة لرأسهِ.
هذا هو الاختبار الأشقّ والأصعب، حيث الإنسان يضحي بأغلى ما لديه في مواجهة المشكلات وبذل المزيد من المحاولات في حلّها، من دون أن ينثني أو يتراجع عن ذلك، فما هي المكانة المتوقَّعة عند الله لمثل هذا الإنسان؟؟
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، أكّد في إحدى محاضراته القيّمة على حقيقة أن: (المشكلات صعبة ومؤلمة وتضع الإنسان تحت ضغوط كثيرة، ولكنَّ الله جعل كل ذلك لأجل معرفة مدى تحمّل الإنسان، وعلى هذا الأساس تُعطى المرتبة للإنسان، ويعطى الجزاء للإنسان).
يوجد من يتذرّع بقلّة الحيلة أو المال، أو اعتلال الصحة وسواها من الأعذار التي تفشل في تغطية أو تبرير العجز البشري، لكي يتهرّب من مسؤولياته في مواجهة المشكلات والتصدي لها بحنكة وذكاء وصبر وإصرار، ولكن في الحقيقة قضية نجاح الإنسان في صراعه مع سلسلة مشاكل الحياة، تتوقف على قوّة الروح، والإيمان المبدئي، واتخاذ القرار المسبق على المواجهة، وعدم اليأس أو الشعور بالضعف.
على الإنسان أن يهتم بالجانب الروحي؟
قد يوجد بيننا من يقول بأنه لا يمتلك ما يمتلكه الآخرون، من الناحية العضوية الجسدية أو غيرها، ولكن النجاح في اختبار المواجهة المحنّكة للمشكلات والمعيقات لا علاقة له بمثل هذه النواقص، فهناك من لا يعاني من النقص العضوي الجسدي، لكن قوة الروح تنقصه، وإرادته تخذله، وثمة طبيعة بشرية لابد أن يراقبها الإنسان في نفسه، فهو دائما يقارن نفسه وقدراته وممتلكاته بما يوجد لدى الآخرين، وهذا قد يهزمه معنويا ويدفع به إلى الاستسلام.
يورد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، هذه القصة فيقول: (قيل أن أحد الشعراء من فارس، كان لا يمتلك حذاءً، وفي إحدى الأيام وكان فصل الصيف، كان يمشي، فتقرَّحت رجليه من حرارة الأرض، فرفع رأسه إلى السماء وقال: إلهي ارزقني حذاءً أو قطعة جلد أقي بها رجليَّ من حرارة الأرض. وبعد مشيهِ عدّة أمتار صادف في طريقه شخصاً أقطع، أي فاقد الرجلين، فقال حينها: إلهي لا أريد حذاءً. وأضاف: الحمد لله، يكفيني أني لديّ رجليْن).
إذن ليس هناك طريق آخر أمام الإنسان غير مواجهة المشكلات التي تحيط به، وتتوالد في كل يوم، لدرجة أنها لن تنتهي، طالما كان حيّاً، هذا يستدعي منه مواصلة المواجهة بصبر، والعمل المستمر على تقليلها وحلّها، وابتكار كل الطرق والسبل الفكرية والعملية التي يمكن أن تساعده على عبور العوائق والحواجز المتوالدة باستمرار في حياته، وحين ينجح في ذلك، فهو نجاح له في اجتياز الاختبار.
يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظلّه) قائلا: (على الإنسان أن يسعى لرفع المشاكل وإزالتها، سواء كانت مشاكل اجتماعية، أو سياسية، أو عائلية، وغيرها، وفي الوقت نفسه عليه أن يعلم بأن المشاكل إما لا ترفع أصلاً، أو إذا رفعت فستحلّ محلّها مشاكل أخرى. وهذا كلّه امتحان للإنسان).
كل إنسان يراجع أحداث حياته، سيجد بالفعل أنها مدججة بالمشكلات، وما يقفز على مشكلة، سيجد أخرى بانتظاره، فماذا يفعل في هذه الحالة، هل يكف عن معالجة ما يعترض حياته من عوائق؟، كلا، الحل يكمن في التحلي بقوة الذكاء والابتكار والتجلّد، وحجم منزلة الإنسان مقرونة أو مرتبطة بقدرته ومداومته وتحمّله لما يلحق به من مصاعب جمّة في حياته.
كيف يقلّص الإنسان من مشكلاته؟
ليس هناك طريق أمامك في الحياة سوى التغلب على المعوقات التي تواجهك، لأن الهزيمة أمام المشكلات، تعني فشلا مستداما لا يتوقف طيلة الحياة، كيف ينتصر الإنسان على سلسلة متشابكة عويصة لا تفتأ تشتبك معه بين ساعة وأخرى، توجد مقومات تساعد الفرد في مواجهة عقبات الحياة بمختلف أنواعها وأحجامها، منها:
- يجب أن تتوافر قناعة تامة للإنسان بما يُقدِم عليه من قرارات وأفعال.
- القوة الروحية الكبيرة لها قصب السبق في حلّ المشكلات وإلحاق الهزيمة بها، شرط تدعيم الجانب الروحي باستمرار وديمومة.
- وضوح الرؤية وتحديد الأهداف، لتقوية الإرادة والإصرار في التغلّب على العوائق أيّاً كان حجمها أو نوعها.
- النتائج في المحصلة، ستكون قدرة حاسمة للتفوّق والنجاح، والحصول على المنزلة المستحَقّة.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكد: (على الإنسان أن يستمر في حياته ويداوم حتى مع وجود المشاكل. فالذي يتحمّل ويداوم حياته مع المشاكل سيحظى بمنزلة عند الله تبارك وتعالى وعند أهل البيت صلوات الله عليهم، وسيحصل على نتائج أكثر من أعماله).
في آخر المطاف، يتعلق الأمر بالإنسان نفسه، وبدرجة العزم التي يتحلّى بها، والمقصود هنا بالعزم مدى قابلية الإنسان على الإصرار والاستمرار في المواجهة، وإذا كان عزمهُ محسوما كبيرا متواصلا، ستكون المرتبة التي ينالها بمستوى العزم الذي يُظهره في مواصلة تفتيت الأسوار الشاهقة للعوائق التي تسعى لتحطيم كيانه وروحه وأهدافه، لذلك تتحدد درجة النجاح بدرجة العزم، خصوصا إن الأخير له مراتب تعادل قوّتهُ وتصميمه، فحتى إن كانت العزيمة كبيرة وقوية، على الإنسان أن يزيد ويضاعف منها.
نجاحك يقترن بنوع العزم الذي تبديه، لذلك عليك أن تكون الأفضل في كل يوم جديد، فالمشكلات وإن كانت صلدة متشابكة ومعقدة، سوف يمكن لعزمك تفتيتها، وإزاحتها بعيدا عن طريقك في الحياة.
سماحة المرجع الشيرازي يوجّه كلامه للناس: (كل واحد منكم صاحب عزم، والعزم له مراتب، ومهما كان للإنسان من عزم وإرادة وتصميم فليحاول أن يكون في مزيد، وأن يكون عزمه في صعود، ويحاول أن يكون يومه خيراً من أمسه، وغده خير من يومه).
هذه هي طبيعة الدنيا، لا راحة فيها ولا استقرار، ولا يصح للإنسان أن يتخلى عن دوره في مواجهة المعوقات التي تعترض طريقه، أو طريق الناس المسؤول عنهم كالعائلة، فمن يبحث عن الراحة لن يجدها في الدنيا، وتبقى المعوقات تتوالد واحدة بعد الأخرى، فإن استسلم سحقته الدنيا بجبروتها الهائل، وإن واجهها بقوة إرادته وصبره وإنسانية وإصراره على النجاح المشروع، فإنه يخرج منها منتصرا حتما.
اضف تعليق