العبادة إذا لم تقترن بالمعرفة، أصبحت عامل ضرر، وأخرجت العابد عن جادّة الصواب، فيرى نفسه منحرفاً نحو الشرك والرياء. والعابد على هذا النحو سيعتقد بالشرك توحيداً وبالذنب ثواباً، وستكون حتى عبادة الصنم حسب وجهة نظره عبادة لله، وهكذا تكون العبادة له بمثابة الطعام المسموم، فتصيب الروح بالمرض...

يا أباذر، اعبد الله كأنك تراه، فإن كنت لا تراه، فإنّه يراك.

واعلم أنّ أوّل عبادة الله المعرفة به، فهو الأول قبل كلّ شيءٍ، فلا شيء قبله، والفرد فلا ثاني له، والباقي لا إلى غاية، فاطر السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما من شيءٍ، وهو الله اللطيف الخبير، وهو على كلّ شيءٍ قدير.

ثمّ الإيمان بي والإقرار بأنّ الله تعالى أرسلنـي إلى كافّة الناس بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.

ثم حبّ أهل بيتـي الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً».

إنّ الرؤية إما أن تكون بالعين الظاهرية، أو بعين العقل والإدراك العقلي. والمراد هنا بالرؤية أن تكون بالعين الباطنية والعقل؛ يقول الإمام الحسين سلام الله عليه مخاطباً الله تعالى:

«عميتْ عينٌ لا تراك عليها رقيباً»(1)

أي لا خير في إدراك العقول لما حولها إن لم تدرك مصوّرها. فالعمى أولى لها من الإدراك والشعور.

فالمقصود بالعين في قول الإمام سلام الله عليه ليست العين المادّية المنصوبة في الرأس، لأنّ هذه العين عاجزة عن رؤية الربّ تعالى.

إذاً الإنسان يتمتّع بنوع رؤية باصرة ورؤية معنويّة كاشفة.

ومن خصائص العين الباصرة كثرة الخطأ، علماً أنّ «الرؤية بالعقل» قد تخطئ هي الأخرى أحياناً، ولكن خطأها أقلّ بكثير من خطأ العين المادّية، وأنّ البصيرة موجودة لدی جميع الناس ولكنّها بدرجات متفاوتة.

وبهذه البصيرة ـ بمستواها الراقي، طبعاً مع شرط التربية والمحاسبة الدقيقة والمتواصلة ـ يمكن إدراك الله عزّ اسمه، وبهذا الإدراك تتمّ عبادة الله أيضاً.

العبادة والمعرفة

في بعض كتب التفسير في ذيل قوله تبارك وتعالى:

(وَما خَلَقتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلاّ لِيَعبُدُونَ)(2).

عبارة: (أي ليعرفون) مسبوقة بكلمة (رويَ). وقد تكرّرت هذه العبارة إلى حدٍّ أصبحت فيه من المرتكزات الذهنية.

وفي معرض الفحص والتحقيق لتبيان حقيقة الأمر، وفي ورود رواية كهذه من عدمه، لم يتمّ العثور عليها في كتب الروايات والأحاديث، إلا في كتاب منسوب إلى أحد صوفيّة السنّة. وعلى ذلك؛ فإنّ العبارة لا قيمة لها من حيث السند، علماً أنّ مضمونها ومفهومها يتضمّن المغالطة التي تنتهي إلى إشاعة التساهل غير المقبول في الدين. فهذه العبارة تساوي بين مفهومي العبادة والمعرفة، مع أنّ بين مفهومي هذين المصطلحين تبايناً ماهوياً، أي إنهما يختلفان في ماهيّتهما.

وقد ورد في رواية عن مولانا الإمام الحسين سلام الله عليه:

«إنّ الله جلّ ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه، فإذا عرفوه، عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه».

فقال رجل: يابن رسول الله، بأبي أنت وأمّي، فما معرفة الله؟ قال: «معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته»(3).

إنّ من الممكن تصوّر كون اجترار عبارة «ليعبدون، أي ليعرفون» من مفهوم الرواية أعلاه، ولكن لا بد من الالتفات إلى وجود الكثير من الاصطلاحات والمفاهيم، وإلى أنّها مرتبطة فيما بينها، وأنّ هذا الترابط لا يعني بالضرورة التجانس والعينية. فحينما يقال: «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد»(4) فإنّه يختلف عن القول: إنّ الإيمان هو عين الصبر، أو القول: إنّ جسم الإنسان هو عين رأسه.

وكذلك حينما يقال: إنّ أصول الدين هي كلّ الدين، فلا يمكن تصوّر أنّ الدين هو عين الأصول؛ ذلك لأنّ الدين يتألّف من أصول وفروع.

إذاً، فالعبادة غير ذات فائدة دون المعرفة، كما أنّ المعرفة التي لا تستتبعها العبادة ناقصة، كما هي العلاقة بين الصلاة والطهارة؛ إذ لا صلاة بلا طهارة، ولا تنفع الطهارة تارك الصلاة.

قال النبي الأكرم ـ في هذه الوصية ـ صلى الله عليه وآله لأبي ذر: «أوّل عبادة الله المعرفة به». وقال الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه: «أوّل الدين معرفته»(5).

من هذين الحديثين الشريفين يتبيّن الفرق بين العبادة والمعرفة؛ وهي أن المعرفة أوّل شرط للعبادة، وأنّ بها تبدأ العبادة.

إنّ العبادة إذا لم تقترن بالمعرفة، أصبحت عامل ضرر، وأخرجت العابد عن جادّة الصواب، فيرى نفسه منحرفاً نحو الشرك والرياء. والعابد على هذا النحو سيعتقد بالشرك توحيداً وبالذنب ثواباً، وستكون حتى عبادة الصنم حسب وجهة نظره عبادة لله، وهكذا تكون العبادة له بمثابة الطعام المسموم، فتصيب الروح بالمرض، بدلاً من أن تكون عامل إنقاذ للروح والنفس، وتغرق صاحبها في الضلال وتعب الروح ومرضها.

إنّ العبادة تعني العبودية، وهي لا تكون سوى للخالق والمولى الذي يتوقّف تمام الوجود على لطفه. فهو المولى والخالق، ونحن جميعاً عبيده.

إذاً يلزم العبد أن يعي مفهوم العبوديّة؛ لتتكامل عبوديّته. وحينما يتّضح معنى العبودية يفهم العابد بأنّ كلّ الوجود وحيثيّاته وشؤونه متعلّقة بالمعبود، حتّى هذه العبادة التي يزاولها إنّما هي عطاء من الله تعالى، فإذا أدرك العابد ربوبيّة الله، تمكّن من الاستفادة من بركات العبادة.

إنّ الفرق بين العبادة المقرونة بالمعرفة وبين العبادة المفتقرة لها، كالفرق بين الوردة الواقعية ورسمها، من حيث إنّ لهما ماهيّتين ومعنيين، فليس لرسم الوردة الشكلية أيّ حقيقة من حقائق الوردة ذاتها. ولعلّ رسّاماً بارعاً يتمكّن من تصوير وردة هي في شكلها أجمل وأروع من الوردة الحقيقية، ولكن يستحيل أن يكون لها مميّزات الوردة الواقعية.

إنّ بعض أشكال العبادة تشبه صورة وردة مرسومة على اللوحة أو الجدار، حيث لا فائدة أو ثمرة لها. فترى العابد يقتصر بالعبادة على مجرّد اللفظ والحركة أو السكون، دون أن تجد أو تلمس لها روحاً، أي أنّها وإن بدت كاملة من حيث الأداء الشكلي ومراعاة الأجزاء والشروط الظاهرية وإسقاطها للتكليف، ولكن هذا الإسقاط متأتٍّ من ناحية اللطف الإلهي، دون أن يكون لذات العبادة فائدة أو تأثير.

لقد قال الله سبحانه وتعالى بكلّ وضوح:

(إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ)(6).

ومع أنّا نعلم أنّ أصدق كلام في عالم الإمكان هو كلام الله تبارك اسمه، ولكنّا نشاهد كثيراً من الصلوات لا تحول دون الفحشاء والمنكر، بل إنّ منها ما يقترن بالمنكر أصلاً.

والسبب: أنّ ذلك كلّه إنّما يعود إلى خروج الصلاة عموماً عن ماهيّتها الواقعيّة وحقيقتها، فصارت عديمة الشبه بالصلاة الأصليّة، اللهمّ إلا في الشكل ورفع التكليف، وإنقاذ صاحبها من العقاب الأخروي. إذاً فهي غير تلك الصلاة التي أشير إليها في القرآن الكريم على أنّها تنهى عن الفحشاء والمنكر.

قد تكون جميع آداب الصلاة ـ بما فيها المستحـبّات والمكروهات ـ ذات أهميّة خاصّة، ولكن الأمر الأهمّ من ذلك كلّه التوجّه إلى الله عزّ وجلّ، والذي عُبّر عنه بـ «الإقبال» في الروايات الشريفة، أي: إنّ الإنسان حينما يشرع بصلاته قائلاً: «الله أكبر» عليه أن يعي ما يقول، وإذا قال: «بسم الله» عليه أن يتعمّق في هذه العبارة المقدّسة. ينبغي إيلاء الاهتمام بقضايا الوعي والدقّة أكثر من الاهتمام بالقيام بالمستحبّات، بمعنى أنّ الفرد إذا كان مخيّراً بين الدقّة واستيعاب العبادة وبين إنجاز بعض المستحبّات، فإنّ من المفترض أن يفضّل الخيار الأوّل.

قد يقف المصلّي بين يدي الله عزّ وجلّ، ولكنّه قد لا يتعمّق أو يهتمّ بموقفه، بل لعلّه لا يهتمّ ـ والعياذ بالله ـ بحديثه مع ربّه بمستوى اهتمامه بالحديث مع طفل ذي أربع سنوات، فترى جلّ همّه إتقان الألفاظ ومخارج الحروف، بينما هو غافل عمّا يقول، وهذا الأمر معلول الجهل بالمعبود.

إنّ الله تبارك وتعالى يحبّ للإنسان أن يصلّي بوعي وحضور قلب، وأن يصلّي في أوّل الوقت، وإن كانت مقتصرة على الواجبات، إذ إنّ أداء الصلاة في أوّل وقتها مع الوعي والتركيز، خير من اقترانها بكثير من المستحبّات ولكنّها مجرّدة عن الإخلاص والتركيز، وليس خافياً أنّ الإنسان إذا ما كانت له علاقة وطيدة مع أحد الناس، فإنّه يسعى إلى الإقبال التامّ عليه في حال التحدّث إليه، لتكريس مزيد من العلاقة والحبّ تجاهه. ومَن أولى من الله الخالق الودود بالحبّ والارتباط؟!

يقول إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف فيما يخصّ العبادة ومستوى قرب واقتراب العابد من المعبود:

«اللهم أذنت لي في دعائك ومسألتك»(7).

فالله تبارك اسمه قد أكرم عبده كرامة لا تقاس بغيرها، وهي إذنه له بدعائه وعبادته والتحدّث إليه بصورة مباشرة، كما وعده الاستماع إليه وقبول عبادته.

ثمّ يضيف سلام الله عليه قائلاً:

«فاسمعْ يا سميعُ مدحتـي، وأجبْ يا رحيمُ دعوتي»(8).

ولاشكّ أنّ عمق هذه العبارة وامتداد أفقها يتجاوزان عمق ومساحة السماوات والأرضين:

إنّ للمعرفة درجات ومراتب، وإنّ المعصومين يتمتّعون بأعلى الدرجات وأسمى المراتب الخاصّة بمعرفة الله المتعال. وإنّ علو الدرجة وسموّ المرتبة المعرفية والاقتراب من حقيقة الربّ المتعال هي التي توجب أو تعكس التفوّه بالعبارة المقدّسة، التي جاء فيها:

«اللّهم! أذنت لي في دعائك ومسألتك»

وما تحويه من المعاني الملكوتيّة.

إنّ الإنسان العارف حقّاً لا يرتكب الخطيئة، لأنّه يدرك حقيقة الله وشأنه، ويلفّه الحياء والخجل من أن يرتكب ذنباً في محضر ربّه، لاسيّما وأنّ جميع الطرق التي تؤدّي إلى ارتكاب المآثم والانحراف البشري تنغلق وتنقطع عند المعرفة، فيُمنح صاحبها حياة شبيهة بحياة المعصومين، تماماً كما أنّ التعرف إلى الحالة البيئيّة أو الطبيعيّة لبدن الإنسان تدفعه في معظم الأحيان إلى انتهاج سبيل الاعتدال والوقاية الصحيّة فيما يخصّ أمور التغذية، ليكون في منأىً عن الأمراض، إضافة إلى أنّ المعرفة المعنويّة بدورها تنجي أو تقي المرء من التعرّض للأمراض والمشاكل الروحيّة كذلك.

فمتى ما حصلت المعرفة الواقعيّة، أصبحت روح الإنسان وقواه العقليّة وحتَّى المادّية في مأمن من الوقوع في طرق ومهاوي الانحراف. ومن هنا كان من المفروض على الإنسان أن يسعى دائماً لتوسيع دائرة فهمه وأفق وعيه فيما يتعلّق بالربّ الواحد الأحد، وبعبادته وبشروطها، وينبغي أن يسير ضمن عملية تطوّر متواصل.

أقسام العبادة

لقد قسّم العلامة المجلسي رحمه الله العبادات إلى ستّة أقسام(9)، هي:

1. عبادة الشاكرين.

2. عبادة المتقرّبين.

3. عبادة المستحيين.

4. عبادة ذائقي الحلاوة.

5. عبادة المحبّين.

6. عبادة العارفين.

• عبادة الشاكرين

قد يعبد الناس ربّهم على ما أنعم عليهم من النعم الكثير، مثل نعمة الحياة والسلامة وسائر النعم الماديّة والمعنويّة، فيشكرونه ويعبدونه. مثلاً: حينما يرى الإنسان شخصاً ضريراً أو أصمّ، فإنّه يشكر ربّه على نعمتي البصر والسمع اللتين أنعم بهما عليه، وهذا النوع من العبادة يُسمَّى عبادة الشاكرين.

• عبادة المتقرّبين

جميع الناس يحرصون على إقامة علاقات طيّبة مع الأشخاص ذوي السلطة والنفوذ، آملين اللجوء إلى سلطتهم ونفوذهم في ساعات العسرة والحاجة.

وهناك قسم من الناس، وبداعي معرفتهم بالله سبحانه وتعالى ـ حيث وجدوه الأقوى والأقدر من جميع الموجودات؛ باعتباره الموجد لها ـ يعبدونه ليحرزوا رضاه عنهم ويؤمنّوا لأنفسهم مستقبلاً طيّباً.

وتحقّق هذا النوع من العبادة متوقّف على مستوى المعرفة الصحيحة بالله تعالى، إذ لابدّ أن تتجذّر في قلب الإنسان العابد حقيقة عدم وجود من هو أكبر وأقوى من ذات الله المقدّسة. وما لم تتكرّس هذه الحقيقة في قلب الإنسان وروحه، فإنّه لن يُقبل على أداء صلوات مستحبّة، بل لا يبقى لديه تفاوت بين أداء الصلاة المكتوبة في أوّل وقتها أو آخر وقتها، لأنّ إقامة الصلاة المستحبّة أو أداء المكتوبة في أوّل الوقت يعدّ معلول المعرفة التامّة بالله تعالى، ولذلك جاء في الحديث الشريف:

«فأوّل الوقت رضوان الله، وأوسطه عفو الله، وآخره غفران الله»(10).

إنّ من يؤخّر صلاته أقلّ اطمئناناً إلى أنّ الله تبارك وتعالى سيجيبه إذا ما دعاه، ممن يؤدّي صلاته في أوّل الوقت.

• عبادة المستحيين

وهناك قسم من الناس يشعرون بالخجل من الله تعالى والندم إزاء ما فرّطوا في جنب الله وما ارتكبوا من الذنوب والمعاصي، فتراهم يعبدونه؛ طلباً لرحمته واستنزالاً لعفوه. هذه العبادة، تسمّى عبادة الاستحياء، أو عبادة المستحيين.

• عبادة ذائق الحلاوة

إذا تعبّد شخص ما في ليلة القدر حتى الصباح، بخضوع وخشوع، واستقرّت روحانية ومعنويّة هذه العبادة في قلبه، واستشعر لذّتها، فإنّه سيستيقظ في ليالٍ أخرى على أمل الحصول على مثل تلك اللذة من العبادة، شأنه في ذلك شأن من يقصد زيارة العتبات المقدّسة رغم ما يعانيه من مشاكل مادّية، فحينما يُتمّ زيارته ويعود إلى محلّ إقامته، تراه يعدّ الساعات والأيّام ليعاود الزيارة ثانية وثالثة ورابعة... أو يتحسّر على عجزه المالي الذي يعيقه عن معاودة الزيارة. فهذا الشخص إنما ذهب للزيارة في المرّة الأولى بقصد الثواب والمبرّرات العقليّة والشرعيّة، ولكنه يزور في المرّة الثانية بقصد درك اللذة الروحية والمعنويّة.

إنّ هذا النوع من العبادة يُعدّ مرتبة سامية من مراتب العبادة، وتسمى: عبادة ذائق الحلاوة.

• عبادة المحبّين

المرتبة التالية للعبادة، هي التي تسمّى عبادة المحبّين، وهي أسمى من المراتب السابقة لها.

فدافع العبادة لدى بعض الناس هي العلاقة الوحيدة مع الربّ الرحيم الودود، فهم يعبدون الله تعالى، لأنّهم يحبّونه.

• عبادة العارفين

روي عن الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه أنّه قال مناجياً الربّ الجليل:

«ما عبدتُك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنّتك، لكن وجدتُك أهلاً للعبادة...»(11).

ومثل هذه المعرفة هي التي يجب أن يُسعى لها.

ولكن، كيف يتسنى الحصول عليها؟!

إنّ لتحصيل هذه المعرفة طريقاً واحداً، وهو طريق أهل البيت سلام الله عليهم، بينما الطرق الأخرى كافّة هي طرق الشيطان، وليست طرق معرفة الله تعالى، حتى ما يصطلح عليه بالفلسفة أو العرفان ليست طرقاً موصلة.

والموضوع الدقيق في هذا الفصل من كلام الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله والجدير بأن لا يُغفل عنه، هو أنّه بعد إيراد الشرط الأوّل لصحّة العبادة؛ والمتمثّل بالمعرفة، يعقّب صلّى الله عليه وآله بالقول: «الإيمان بي» أي برسالته صلّى الله عليه وآله ونبوّته وشخصه الكريم، ثم يعطف عليه بقوله: «ثم حُبّ أهل بيتـي». وهذا (الحبّ) من الشرائط المهمّة للعبادة الحقّة.

أجل، حينما تتمّ المعرفة يتأتّى الإيمان، ومن يعرف الله تعالى يؤمن برسوله صلّى الله عليه وآله ويحبّ أهل البيت عليهم السلام، وواضح أنّ «المحبّ لمن يحبّ مطيع»(12)، وهكذا ينبغي أن يكون.

فالإيمان والمعرفة يتوقّف أحدهما على الآخر، وهما بمثابة اللازم والملزوم، وحينها فإن وُجدا معاً، يأتي ويتحقّق حبّ أهل البيت سلام الله عليهم.

* مقتطف من كتاب (يا أباذر) للمرجع الديني السيد صادق الشيرازي
وهو شرح نصوص مباركة من وصيّة الرسول الأعظم (ص) لصاحبه الجليل أبي ذر الغفاري

.........................................
(1) بحار الأنوار ج85، ص226.
(2) سورة الذاريات، الآية: 56.
(3) علل الشرائع ج1، ص20.
(4) علل الشرائع ج2، باب الصبر، ص87.
(5) نهج البلاغة ج1، ص14، الخطبة الأولى.
(6) سورة العنكبوت، الآية: 45.
(7) التهذيب ج3، ص108 (دعاء الإفتتاح الخاص بشهر رمضان المبارك).
(8) نفس المصدر.
(9) لاشكّ أنه لا ينبغي الاقتصار على هذا التقسيم واعتباره تقسيماً نهائياً، ذلك لأنّ ثمّة أقساماً ومراتب عبادية أخرى يمكن تصوّرها وتحديدها.
(10) مستدرك الوسائل ج3، ص109. باب جواز الصلاة في أول الوقت.
(11) بحار الأنوار ج67، ص186.
(12) محاسبة النفس للكفعمي: ص169.

اضف تعليق


التعليقات

سهام
الجزائر
الحمد لله الذي انار بصيرتي و اقدم جزيل الشكر على نشر هذا الموضوع المهم جدا2023-05-31