q
وتعد عقدة الخوف من الفشل المتشكلة نتيجة خبرة معينة في فترة الطفولة سبباً من اسباب ومن ثم يتردّد باتخاذ القرار في الأعمال المشابهة، الأمر الذي يشكل لديه إحساسا بالعجز ومواجهة المجتمع في حال فشل مرة اخرى، فهو يرغب في الحصول على استحسان الآخرين وليس نقدهم...

افعل ام لا، أبقى كما انا؟، اجازف للحصول على فرصة تتقدم بي نحو الافضل؟، إذا كان قراري خاطئا كيف يمكن التصحيح؟، هذا ام ذاك؟، فرصي في النجاح كبيرة ام العكس؟، التأخر عن التقرير يفقدني الفرصة ام يمنحني فرصة أكثر صوابا، كل هذه العبارات تجول في رأسي عند مواجهتي لأي موقف يستدعي اتخاذ قرار ويزاد الأمر صعوبة كلما زادت أهمية الاختيار، فهل يدل ذلك على خلل معين ام انه امر طبيعي؟

هذه الحالة المرضية تدعى (رهاب الفوبو) او (رهاب اتخاذ القرارات الأفضل) هو أحد انواع الرهاب التي يقع فيها معظم المراهقين والشباب وهي عبارة عن التردد الشديد في اتخاذ القرارات ما يتسبب في ضياع الكثير من الفرصة التي من شأنها احداث تغيرات مهمة في حياتهم.

جميعنا كبشر نبحث عن الافضل في العمل في الدراسة في اللبس في اختيار الزوج وفي اختيار نوع السيارة وغيرها، والميل الى التأني في تقرير ماذا سنختار صفة صحية في سلوك الانسان، لكن المبالغة فيه او التردد في اتخاذ القرار خارج حدود المعقول بداعي البحث عن الافضل يفاقم المشكلة حتى نخسر الفرص التي تمر مرور السحاب ويصعب ان لم يكن يستحيل تكرارها.

يصل الامر ببعض الناس الى توكيل أحد يتخذ قرار بالإنابة عنهم لعدم قدرتهم في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب وبهذا الهروب يحاولون تجنب نتائج الفشل والقاءها على من اتخذ القرار، لكن هروبهم لن يحميهم من النتائج بل يؤجل الامر مؤقتاً وربما تواجه تبعات أكثر صعوبة وعناء عليه في المستقبل.

الخوف والعجز دوافعهما شعور الفرد في الشلل الداخلي (النفسي) وانعدام قدرته على التقدم، وسط شعوره بأنه بضبابية ما حوله وهو ما يفقده القدرة في اتخاذ القرار، لتبدو عليه علامات القلق التي تشتت افكاره وتجعله في حالة توهان.

من أبرز العلامات التي تشير الى اصابة الشخص هي: الخوف من الندم في اتخاذ القرار لأبسط الامور واعقدها على السواء، الى الحد الذي يجعله يفشل او يرهق في اختيار وجبة اكل في مطعم، كما يعاني الفرد الخوف في الدخول في علاقة عاطفية او اختيار الشريك وهذا الخوف مصدره الخشية ان ما تم اختياره خاطئا.

والاشخاص المصابين بهذا الرهاب يميلون الى الابتعاد عن التغيير ويحرصون على إبقاء الأمور كما هي، سواء في نمط الحياة والأنشطة أو جدول الأعمال وغيرها، كما يحبذون ان تكون تفصيلات حياتهم مثالية ويرفضون النمطية.

ويعتبر هؤلاء الافراد ان اتخاذ القرار في حال فشله أمرًا مخجلاً ومعيباً، ويشككون في ذواتهم وقدراتهم ويقللون من انفسهم حيث يعتبرون انفسهم غير مستعدين النجاح في أي شيء، ويحتفظون بآرائهم لأنفسهم.

تعدد الخيارات التي تمنحها الحياة يعقد موضوعة الحسم واتخاذ القرار بشكل فوري، مما يجعل البعض يواجهون صعوبة في التعامل مع هذا التعدد في الخيارات المطروحة امامه فيصابون بنوع من الشلل الفكري الأمر الذي يجعلهم يتخبطون في حيرة دائمة.

بالإمكان تشبيه رهاب الفوبو بالحلقة المفرغة التي يضل الفرد يدور فيها عندما يبحث بشكل هاجسي عن كل خيار ممكن، خوفاً من أن يخسر الخيار الأفضل وهذا البحث العشوائي دون الرجوع الى المعيارية يعيده صاحبه الى الخطوة الاولى وتستمر هذه الدائرة.

اعتبر (باتريك ماكغينيس) وهو باحث في تأثيرات رهاب الفوبو لسنوات عديدة، أن الفوبو ليس بالضرورة أن يكون سلوكاً بشرياً جديداً، شارحاً ذلك بالقول: "هذه المشاعر هي جزء بيولوجي مما نحن عليه أنا أسميها بيولوجيا الرغبة في الأفضل"، فقد برمجنا انفسنا لانتظار الأفضل لتقليد خطوات الاسلاف لأن ذلك يعني أنهم كانوا أكثر نجاحاً.

ويقول الدكتور (فايز الصياغ) اختصاصي علم الاجتماع ان التردد الذي يصيب الفرد في اتخاذ القرار ينتج من ضعف الثقة بالنفس او انعدامه لخلل يحصل في تربية الأسرة التي تمثل عاملا أساسيا في تكوّنها، وكثرة النقد لخيارات الابناء في معظم سلوكياتهم يخلف في النفس دواعي للمقاومة تتمثل في التقاعس في اداء اعماله.

وتعد عقدة الخوف من الفشل المتشكلة نتيجة خبرة معينة في فترة الطفولة سبباً من اسباب ومن ثم يتردّد باتخاذ القرار في الأعمال المشابهة، الأمر الذي يشكل لديه إحساسا بالعجز ومواجهة المجتمع في حال فشل مرة اخرى، فهو يرغب في الحصول على استحسان الآخرين وليس نقدهم، كما ان التردد يحصل احياناً كنتيجة لشعور الفرد بأن من حوله يركزون على مكامن ضعفه الامر الذي يدفعه للقلق المفرط، هذه اهم المسببات لظاهرة رهاب اختيار الافضل.

المعالجات جلها يكمن في جانب الثقة بالنفس فكلما كانت ثقتنا بنفسنا رصينة كلما تمكنا من ان نتخذ القرارات الصائبة والسريعة، والعكس يصح ففقدان الثقة يرمي بالإنسان في متاهات يصعب الخلاص منها، وتقوية ثقة الانسان بنفسه مسؤولية العائلة للوهلة الاولى، فهي من تجعله واثقاً او منهزماً.

وترك الخيار له في سنوات عمره الاولى (7 سنوات فصاعداً) في اختيار ملبوسه وميوله الرياضي والعقائدي واختيار جماعته التي يخالطها شريطة المراقبة عن بعد تجعل منه يعي ابعاد اختياراته ويتحمل عواقبها، ومن الاهمية بمكان ان نحب ذاتنا ندافع عن خياراتنا وقراراتنا ونتجاهل خبرات الطفولة المزعجة والتركيز على المزايا والقدرات الخاصة داخل الشخص وكيفية تحقيقها.

وللتخلص من التردد الزائد ينبغي ان نضع السلبيات التي ستنتج في حالة اتخاذ قرار فاشل في كفة ميزان تقابلها الحسنات في حال كان القرار صائباً ومن ترجح كفته سنختار بموجبه بقناعة.

ختاماً ان اتخاذ القرار هو اجراء ذهني يتضمن العديد من الوظائف التنفيذية للمخ، وهي ايضاً عمليات معرفية يستخدمها العقل للتحكم في السلوك تشتمل على التخطيط وادارة الدوافع، والفشل وارد وطبيعي لأننا كبشر خلقنا لنجرب ونخطئ ونصيب ونتعلم.

اضف تعليق