تقرير: الشيخ علي الفدائي  

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

نية البسملة في الصلاة

سأل أحد الفضلاء من سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) عن البسملة في الصلاة إذا بدأ بها بنيّة سورة معيّنة فأتمّ البسملة وقبل أن يقرأ ما يليها نوى غيرها ، فهل تجزيه أم لابدّ من إعادة البسملة؟

فأجاب سماحته: لا حاجة إلى تكرار البسملة حينئذ، للصدق العرفي بأنه قرأ سورة كاملة ببسملتها، هذا مع أننا نرى أن البسملة في كل سورة آية بل من أعظم آياتها كما في الرواية الشريفة، ومجرّد كون النيّة فيها لسورة معيّنة من دون قراءة ما بعدها لا يجعلها مختصة بتلك السورة فهي من الآيات المشتركة، فإذا قرأ بعدها آية من سورة أخرى وأكملها صدق عرفاً أنه قرأ سورة كاملة.

واستشهد سماحته بقول علم الهدى السيد المرتضى (رحمه الله) حيث يرى الكفاية بلا إعادة.

ومثّلوا لذلك بهذا المصرع: (قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزل)

فقد اشترك فيه أكثر من شاعر، منهم امرؤ القيس، وكل قال في المصرع الثاني بقوله الخاص.

فإذا بدأ بالمصرع الأول بنيّة شاعر معيّن، لكن غيّر المصرع الثاني على ما أنشأه شاعر آخر، فعرفاً يقال إنه قرأ شعر الشاعر الثاني كما هو واضح.

وهذا المثال الذي ذكروه مثال عرفي للتقريب.

((من مسائل التسليم في الصلاة))

ثم قال سماحته: سألني أحد المؤمنين أنه كان يكتفي بالتسليم الأخير في صلاته اختصاراً، وهو (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، ولكنه فكّر يوماً مع نفسه أنه قد أحرم شخصه من بركات السلام على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الدنيوية والأخروية، فعزم على الالتزام بالسلامات كلّها، يقول: وبما أنني تعوّدت على السلام الأخير فقط، فكنت أقول (السلام عليـ) بنيّة السلام الأخير وإذا بي أتذكّر فأعدّل بنيّتي وأقول (ـك) بدل (ـكم) من دون إعادة لفظ (السلام) والجار، فكان (السلام عليك) جزء منه بنيّة الأخير وجزء منه بنيّة الأول، فهل يكفي ذلك؟

فأجبته نعم يكفي، وذلك للصدق العرفي بأنه سلّم على ما أشرنا إليه، فهو جزء مشترك لا يضرّه العدول في النيّة مع إمكانية اللفظ للموردين.

علماً بأن بعض الفقهاء كان يفتي ببطلان الصلاة بتكرار السلام عمداً، كالسيد الوالد والحاج آغا حسين القمي والميرزا محمد تقي الشيرازي (رضوان الله عليهم).

فليس التكرار دائماً مطابقاً للاحتياط.

(دليل من قال بتكرار البسملة)

وعلى خلاف ما قلناه من الاكتفاء بالبسملة بعد عدول نيّته، قال بعض الفقهاء بعد الكفاية، لأن البسملة جزء لكل سورة مستقلاً، فإذا قرأها بنيّة سورة لا يمكنه إذا العدول إلى سورة أخرى إلاّ بتكرارها، لأنه لم ينوها لهذه السورة، والأعمال بالنيّات. فإن لم يكرّرها كانت السورة بلا بسملة وهذا لا يجوز.

(فرع آخر)

وهنا فرع آخر يفهم مما سبق:

إذا جاء المصلّي بعد الحمد بالبسملة بنيّة مطلق القرآن من دون تخصيصه بسورة معيّنة فقال سأختار سورة بعدها، فقرأ بعد ذلك سورة بأكملها، فالظاهر الصحة، والبعض لا يرى الكفاية لما ذكرناه وذكر.

والكفاية على ما نراه قد أفتى به جمع من الفقهاء، ربما كان أولهم السيد المرتضى (رحمه الله)، ونقل عنه صاحب الجواهر والحدائق وآغا رضا الهمداني وغيرهم (قدس الله أسرارهم).

(البسملة آية في كل سورة)

وهذا لا ينافي قولنا بأن البسملة جزء من كل سورة بلا شك، بل هي أهم آية فيها، كما ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: مَا لَهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ عَمَدُوا إِلَى أَعْظَمِ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَزَعَمُوا أَنَّهَا بِدْعَةٌ إِذَا أَظْهَرُوهَا وَهِيَ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيم) (1).

وهذا مما اتّفق عليه الإمامية.

ولكن ترى المصاحف المطبوعة لم تجعل رقماً للبسملة إلاّ في فاتحة الكتاب، والقاعدة تقتضي ترقيم البسملات أيضاً، ولم أر من رقّمها إلاّ المرحوم الأخ (اعلى الله درجاته) حيث رقّمها في تفسيره (تقريب القرآن إلى الأذهان).

فإن الترقيم المتداول لا دليل شرعي عليه.

ويؤيّده أو يدلّ عليه(2 ) أن في العروة أفتى السيد وجمع من الفقهاء بإمكان قراءة سورة الإخلاص في صلاة الآيات إذا أراد تقسيمها على خمس آيات، لأن البسملة بوحدها آية كاملة.

نعم البعض أشكل في كفاية البسملة بوحدها لكن يبدو أنه في غير محلّه.

(المراد بحجيّة الشهرة)

ثم قال أحد الفضلاء من الحضور: كيف تفتون بكفاية البسملة بلا إعادتها في مفروض البحث، مع أن المشهور قالوا بلزوم الإعادة وأنتم ترون حجيّة الشهرة.

فأجاب سماحته (دام ظله) بجوابين صغرى وكبرى:

أما الصغرى: فلم تكن الشهرة في هذه المسألة محرزة، نعم من بعد العروة قاله أكثر المحشّين، وهذا لا يسمى شهرة.

وكبرى: إننا عند ما نقول بحجيّة الشهرة فهي بما هي هي وفي الجملة، بمعنى كونها منجّزة ومعذّرة من ضمن سائر الحجج مع رعاية المراتب فيها، فإذا أصبح المجتهد مردّداً لا دليل له يمكنه الاعتماد على الشهرة، لا أن الشهرة هي الكل في الكل ولا تدع مجالاً لغيره من الأدلة، فإن الشهرة ليست أقوى من الرواية صحيحة السند المعمول بها حيث نأخذ بعمومها أو إطلاقها.

إذن نحن نقول بحجية الشهرة في قبال السلب الكلي الذي قاله البعض فيها، ورأى أنها كالحجر في جنب الإنسان.

فإن بناء العقلاء على الاعتماد على الشهرة والأخذ بالمشهور من أهل الخبرة إذا لم يطمئن الخبير بدليل فحينئذ يمكنه الأخذ بقولهم، لا أن الشهرة بمعنى لزوم تقليد المشهور في كل ما قالوه.

(البسملة والعناوين القصدية)

قال أحد الفضلاء: أليست البسملة من العناوين القصدية التي لا تنقلب بلا نيّة؟

فأجاب سماحته (دام ظله) هي من العناوين القصدية المشتركة، فإذا عدل كفت عرفاً وصدق الامتثال، ولابد من النية القرآنية فيها وأصل هذه النية لم يتبدّل، ولكن بما أن جميع السور بغير البراءة مشتملة عليها فهي جزء مشترك، فإذا قرأها ثم عدل إلى سورة أخرى صدق عرفاً أنه قرأ سورة كاملة مع البسملة، وإن علم العرف بأنه نوى في البسملة سورة أخرى ثم عدل.

وفي مقام الطاعة والمعصية يكفي الصدق العرفي في الامتثال والمخالفة سلباً وإيجاباً على نحو اللف والنشر غير المرتب.

وإذا فرضنا أنه لم يقتنع أحد بالصدق العرفي وشكّ في ذلك، فدليل الرفع وغيره من أدلة البراءة تنفي اشتراط عدم العدول في نية البسملة.

وكذلك إذا قال (الحمد لله) حيث وردت هذه الآية في بداية سورة الحمد وسورة الأنعام( 3)، نعم إذا قال: (الحمد لله) لا بنيّة القرآن بل تذكّر نعمة فحمد ربّه، فهذا لا يكفي عن آية الحمد في سورة الفاتحة ولا الأنعام.

قال تعالى: (فاقرؤوا ما تيسر من القرآن) (4)، فكلمة (من القرآن) تدل على لزوم قصد القرآنية.

إذن المأمور به سورة كاملة مع البسملة، أما أن ينوي في بسملتها نفس السورة فلا دليل عليه.

نعم لابد أن تكون البسملة أو أية آية أخرى كالحمد لله، قد قرأها بنيّة القرآن في صلاته، وكما يشترط أيضاً إمكانية كونها مصداقاً للسورتين، فحينئذ يمكنه العدول بعد البسملة بلا تكرارها وهكذا في غيرها من الآيات.

* هنا أشكل أحد الفضلاء قائلاً:

إذا سلّم شخص فقال أحدهم متوجّهاً لشخص آخر: وعليكم السلام، ولم يقصد المسلّم فهل يكفي؟

فأجاب سماحته (دام ظله): هذا يختلف عما نحن فيه، وربما يكون المثال المطابق أو القريب لما نحن فيه: إذا قال المجيب جزءاً من الجواب (وعليكم) من دون نية المسلّم ثم توجّه إلى المسلّم في تتمة الجواب بقوله (السلام) فالظاهر الكفاية.

وسأل أحد الفضلاء: ماذا تقولون في سورة الإخلاص والجحد حيث لا يمكنه العدول حتى بعد البسملة.

فأجاب سماحته (دام ظله): هذا لدليل خاص، إن سلّمنا شموله حتى للبسملة، وإذا شكّ في الإطلاق ففي سورة الإخلاص والجحد أيضاً نقول بإمكان العدول بعد البسملة.

وقال أحد الفضلاء: العبادات توقيفية فكيف تجيزون العدول في البسملة من دون وجود دليل يجيزه؟

فأجاب سماحته (دام ظله): هذا لا ينافي ما ذكرناه، فالتوقيفية شيء والعدول في إطار الامتثال العرفي الذي هو الملاك شيء آخر.

ثم ذكر سماحته وبالمناسبة ما أفتى به صاحب العروة، فيما لو استأجره شخص لختم القرآن مثلاً، حيث قال بعدم اشتراط الترتيب في قراءتها فيمكنه تقديم السور بعضها على بعض، بل حتى الآيات بعضها على بعض، فإن المطلوب قراءة جميع هذه الآيات والسور.

ولكن قال سماحته: يبدو أنه خلاف منصرف الإجارة.

((نيّة الإنشاء أم القراءة))

من هنا قال بعض الفقهاء بأن مثل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين) (5)، لابد أن يقرأها بقصد القرآن لا الإنشاء، وكذلك اهدنا الصراط المستقيم) (6) لابد من قصد القرآنية فيها لا قصد إنشاء الدعاء.

قالوا: لأن قصد الإنشاء ينافي قصد القراءة، وهما من الضدّين فلا يجتمعان، فالقراءة حكاية والإنشاء إيجاد.

وعليه صاحب الكفاية، والمرحوم السيد الوالد.

وكان المرحوم الوالد (قدّس سرّه) يذكر مثالاً عرفياً لذلك: إذا أمر السيد بقراءة كتابه على جمع، فقرأ العبد رسالة سيده فعليه بقراءتها حكاية ولا يحق له الإنشاء بمضامينها، فإذا كان من المكتوب دعوة فلان للضيافة، فالعبد يحكي ذلك ويقرؤها لا أنه ينشؤها، فإنّه لا يملك حق الضيافة حتى ينشأ الدعوة.

ولكننا نرى أن ما قاله صاحب العروة أقرب، حيث أجاز (الإنشاء بقراءة القرآن).

وذلك للصدق العرفي، فإنه إذا قصد القراءة أو الإنشاء بهذه الآية فقد امتثل.

ويمكن للتقريب أن نمثل بقول أحدهم إذا أنشأ بقول السعدي:

(زكَهواره تا كَور دانش بجوي).

أي (اطلب العلم من المهد إلى اللحد) وهذا حديث منسوب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)(7).

فإذ قاله الأستاذ مرغّباً طلبته على التعلّم فهذا إنشاء بشعر السعدي، وكذا لو قرأ الرواية الشريفة مشجّعاً لهم فهو إنشاء بالحديث النبوي (صلى الله عليه وآله).

وهناك قول ثالث لم أره إلاّ لأحد العلماء جاء من مشهد الإمام الرضا (عليه السلام) لزيارة كربلاء المقدّسة وطرح على المرحوم السيد الوالد (رضوان الله عليه) أنه لابدّ من قصد الإنشاء في مثل (اهدنا الصراط المستقيم) (8) ولا يكفي قصد القراءة فقط،

وربما لأن الباري أراد من العبد الإنشاء فلا بد من امتثاله.

وهذا القول بعيد، فلابد إما من قصد القراءة أو الإنشاء بالقراءة، أما إذا قصد الإنشاء فقط فلا يكفي، نعم يمكن القول بأنه لا يعيد لصلاته لأنه مشمول لأدلة (لا تعاد الصلاة).

(الجهر في ظهر الجمعة)

ثم سأل أحدهم عن حكم الجهر في قراءة ظهر الجمعة؟

فأجاب سماحته (دام ظله): إن صلى الجمعة فلا بد من الإجهار فيها، ولكن في ظهر الجمعة ثلاثة أقوال:

1: استحباب الجهر في قراءة ظهر الجمعة.

2: وجوب الجهر فيها.

3: لزوم الإخفات فيها.

وكان يرى السيد البروجردي (قدّس سرّه) لزوم الاخفات،

من هنا كان المرحوم الوالد (رحمه الله) مع أنه يفتي باستحباب الجهر كالسيد صاحب العروة وجمع من الفقهاء، كان عندما يصلّي جماعة يوم الجمعة يخفت في القراءة ويقول: إن بعض المصلّين هم ممن يقلّد السيد البروجردي فرعاية لهم أُخفت، وإن لم يكن إشكال في الجهر لأن الإمام يعمل بتكليفه لا بتكليف المأموم كما ذكره الفقهاء.

(نيّة القراءة ونيّة الإفهام)

ومن المسائل المرتبطة بما ذكرنا من النيّة في البسملة، ما إذا قال في صلاته: (يايحيى خذ الكتاب بقوّة) (9)، أو قال: أدخلوها بسلام آمنين) (10).

فإن أراد القراءة والتفهيم معاً صحّ لصدق الامتثال، وإن قصد مجرّد الإفهام مع غفلته عن القراءة أو بنيّة عدمها ففيه إشكال، وتفصيل البحث في محله. وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

........................................
(1) مستدرك الوسائل: ج4 ص166 ب8 ح4391.
(2) على أن البسملة آية كاملة.
(3) سورة الفاتحة: Pالحمد لله رب العالمينO وفي سورة الأنعام: Pالحمد لله الذي خلق السماوات والأرضO الآية.
(4) سورة المزمل: 20.
(5) سورة الفاتحة: 5.
(6) سورة الفاتحة: 6.
(7) انظر فقه المرور: ص172. للإمام الشيرازي الراحل (قدس سره).
(8) سورة الفاتحة: 6.
(9) سورة مريم: 12.
(10) سورة الحجر: 46.

اضف تعليق