قضية تبليغ الدين والإسلام، والإمام الحسين عليه السلام، وهو ما يجب أن ينصبّ الاهتمام عليه في شهر محرّم، وعبره يمارس تبليغ الإسلام الأصيل والصحيح، الإسلام الذي لا ينفّذ حتى في البلدان الإسلامية. فيجب إيصال العقائد والأحكام والأخلاق الإسلامية، للعالَمين، وهذه مسؤولية على عاتق الجميع، كل حسب قدرته...
على الشباب، أن يعرفوا مسؤوليتهم في سبيل نصرة مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه، ويؤدّوها، وكذلك عليهم أن يحافظوا على الدين والشعائر الحسينية المقدّسة، جنباً إلى جنب العلماء، الذين وصفهم مولانا الإمام الصادق صلوات الله عليه في رواية شريفة عنه بقوله: (علماء شيعتنا مرابطون...).
هذا ما أكّد عليه المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في كلمته القيّمة، التي خاطب بها، كافّة المبلّغين الدينيين، كالسنوات السابقة، على أعتاب حلول شهر محرّم الحرام 1443 للهجرة، وذلك في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة، مساء يوم الأحد المصادف للثامن والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام 1442 للهجرة (9/8/2021م)، بحضور رجال الدين والفضلاء والطلبة، وجموع من المؤمنين. وكان سماحته دام ظله، قد استهلّ كلمته القيّمة بقوله:
نحن على أعتاب شهري العزاء والمصيبة، محرّم الحرام وصفر الأحزان. ففي يوم عاشوراء حدث ووقع أفجع الظلم بالتاريخ، وهو ظلم لا نظير له، ولن يكون مثله أبداً.
بدوري، أرفع التعازي إلى المقام الرفيع والشامخ للإمامة الكبرى والولاية العظمى، مولانا بقيّة الله الأعظم الإمام المهدي الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف وصلوات الله عليه، بهذه المصيبة الأفجع. وأسأل الله عزّ وجلّ وبعنايته الخاصّة، أن يعجّل بظهوره الشريف، لكي تزول كل المظالم التي لحقت بالمسلمين وغير المسلمين في أرجاء العالم. وكذلك أعزّي الجميع، في كل مكان، بهذه المصيبة، التي هي للجميع ما سوى الله تعالى.
وبيّن سماحته دام ظله:
في كتاب كامل الزيارات، أنّ مولانا نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله قد لعن بعض الناس، حيث قال: (اللهم اخذل من خذله). والمعنى من هذه الجملة: إلهي، بعلمك وقدرتك الواسعة، اخذل كل من يخذل الإمام الحسين عليه السلام. والخذلان هو نقيض النصر، وهو أمر سلبي، ويعني عدم النصرة. وهكذا يكون معنى العبارة: كل من يقصّر في نصرة الإمام الحسين عليه السلام، إلهي أنت كذلك لا تنصره. وجاء الخذلان في العبارة المذكورة بصورة مطلقة أيضاً، ويعني أن لا تنصر كل من حدثت له أيّة مشكلة، سواء كانت سياسية أو عائلية أو اجتماعية، وغيرها، ممن قصّر في نصرة الإمام عليه السلام.
ربّ سؤال يطرح: لماذا لا تستجاب بعض الأدعية؟
نقول في الجواب: لقد جمع المرحوم السيّد ابن طاووس وباقي العلماء، بعض أسباب عدم استجابة الدعاء، وتصل إلى (16) سبباً. ولا تنحصر هذه الأسباب بالـ(16) فقط، وإحداها عدم نصرة الإمام الحسين عليه السلام. وهذه العقوبة هي للدنيا، والويل من عقوبة الآخرة.
إذن، من يتمكّن من بناء حسينية وإقامة العزاء للإمام الحسين عليه السلام، أو يمكنه جمع التبرّعات المالية لذلك، ولا يقوم به، فهذا من المقصّرين بحقّ الإمام عليه السلام. فمن يقصّر تجاه القضية الحسينية المقدّسة، سيشمله الخذلان الإلهي. ولنسأل أنفسنا: كم أضيفت حسينية أو حسينيات على الحسينيات الموجودة، من السنة الماضية لهذه السنة؟ هل حقّاً افتُقد من ليس له القدرة على بناء حسينية؟!
وأضاف سماحته دام ظله:
أصيبت مدينة كربلاء المقدّسة، ولمرّات عديدة، عبر التاريخ، بالطاعون والوباء والأمراض، وقد توفي إثرها بعض علماء الشيعة الكبار. ومثل ذلك حدث في النجف الأشرف وفي باقي مدن العراق، كما ذكرته الكتب التاريخية، كأعيان الشيعة وأعلام الشيعة وخاتمة المستدرك. ونقل المرحوم الوالد: حينما تفشّى الوباء في كربلاء ومات الكثير من الناس، وصلت الحالة أن الكثير من العوائل كانوا يتركون موتاهم في الشوارع، وبعض الدور خلت من أهلها بسبب المرض، ولكن لن يمت من بيتنا حتى واحد، والسبب هو ذكر مصيبة الإمام الحسين عليه السلام التي كانت تقام في بيتنا يومياً. ولقد قلت لمرّات عديدة، إنّ الإمام الحسين عليه السلام هو الاستثناء، في تاريخ البشرية، وفي تاريخ النبيّ وسائر المعصومين عليهم السلام، بالأخص بتاريخ الشيعة.
وأوضح سماحته وقال:
ذكرت الروايات: عند استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، نادى إبليس أعوانه: عليكم بالتشكيك. فإبليس هو منشأ التشكيك، وعلى الجميع أن يتصدّوا للتشكيك. فالتشكيك واصطناع الشبهات، كان من الأزمنة الماضية، وحتى بعضهم أنكر استشهاد الإمام الحسين عليه السلام. واليوم كم هم الذين يعرفون الإمام الحسين عليه السلام بالعالم؟ أليس من الجدير أن يعرفوا الإمام صلوات الله عليه؟! وهذه مسؤولية الجميع.
صنفان، عليهم المسؤولية الأكبر، في سبيل نصرة الإمام الحسين عليه السلام: العلماء، والشباب. فعليهم أن يعرفوا مسؤوليتهم، ويؤدّوها. ومن أقام العزاء للإمام الحسين عليه السلام بالسنة الماضية، ولم يقم به السنة الجارية، ومن ذهب لزيارة الإمام عليه السلام في السنة الماضية، رغم الأذى وغيره، ويمكنه الذهاب بهذه السنة بالحالة نفسها، ولم يذهب، فهو ملعون، حسب الروايات.
بهذا الخصوص، ذكر في باب زيارات الإمام الحسين عليه السلام أنّ أحدهم قال للإمام المعصوم عليه السلام: أخاف الذهاب لزيارة جدّك الإمام الحسين عليه السلام بالسفينة. فقال له الإمام عليه السلام: تنكفئ في الجنّة.
هنا سؤال يطرح: هل الشخص المذكور الذي مر ذكره، لا يشمله الحساب يوم القيامة، لكي يقول له الإمام عليه السلام: تدخل الجنّة؟!
هذه من استثناءات الإمام الحسين عليه السلام.
وأردف سماحته دام ظله:
نقلوا أنّ عدّة من الناس ذهبوا إلى مدينة أخرى، غير مدينتهم، لكي يجمعوا التبرّعات المالية لتعظيم الشعائر الحسينية. وجاء هؤلاء للقائي، وقال أحدهم: قلت للإمام الحسين عليه السلام، لقد خدمت كثيراً، والآن أكتفي، لأنّني تعرّضت للإهانة في سبيلك.
قلت له: هل طردوك؟ قال: كلا
قلت: هل بصقوا في وجهك؟ قال: لا
قلت له: لقد ألقوا على وجه النبي صلى الله عليه وآله، ماء أفواههم.
وقال سماحته مخاطباً الشباب:
أيّها الشباب! بأنفسكم أنتم اقرؤوا تاريخ النبيّ صلى الله عليه وآله. فهو صلى الله عليه وآله، وفي سبيل تبليغ الدين، طردوه، وآذوه، وألقوا على وجهه الكريم، ماء أفواههم، ولكنه صلى الله عليه وآله لم يشتك أبداً. فتعلّموا هذه الخصلة منه صلى الله عليه وآله.
إنّ السجن في سبيل الإمام سيّد الشهداء عليه السلام، والأذى، له الأجر والثواب، كما تذكره الروايات الصحيحة عن أهل البيت عليهم السلام. وقبل قرابة قرن، في إيران، اعتقلوا الآلاف من المعزّين، وسجنوهم، وغرّموهم، لأنّهم أقاموا العزاء على الإمام الحسين عليه السلام، بالخفاء. فأين هم اليوم من آذى اولئك المعزّين؟! وأين المتوكّل وبني أميّة وبني العباس؟!
بلى، أي شكل من أشكال ترك نصرة القضية الحسينية المقدّسة، هو مصداق الخذلان. فاسعوا، مهما تقدرون، أن لا تتفوّهوا بالسلب تجاه القضية الحسينية.
قال أحدهم، مؤخّراً، أنّه لم تك مجالس الإمام الحسين عليه السلام في زمن الأئمة عليهم السلام كما هي اليوم، وليس من الضرورة إقامتها.
أنا شخصياً، حقّقت لسنين، ولم أجد في مكان ما، انّ عالماً من علماء الشيعة، قد منع المؤمنين من زيارة الإمام الحسين عليه السلام، بسبب الطاعون والوباء وأمثالهما.
يقول المرحوم صاحب العروة: من يذهب للحجّ الواجب وهو خائف، ولم تحدث له أيّة مشكلة، فهذا الحجّ لا يقبل منه كـ(حجّة الإسلام). ولكن وحول زيارة الإمام الحسين عليه السلام، قال العلماء: تستحبّ حتى في حال الخوف، وقال بعضهم، ومنهم الشيخ خضر: يجوز حتى الموت في هذا السبيل.
كذلك بيّن سماحته دام ظله في كلمته القيّمة، بقوله:
الأمر الثاني: قضية تبليغ الدين والإسلام، والإمام الحسين عليه السلام، وهو ما يجب أن ينصبّ الاهتمام عليه في شهر محرّم، وعبره يمارس تبليغ الإسلام الأصيل والصحيح، الإسلام الذي لا ينفّذ حتى في البلدان الإسلامية. فيجب إيصال العقائد والأحكام والأخلاق الإسلامية، للعالَمين، وهذه مسؤولية على عاتق الجميع، كل حسب قدرته. فيجب في هذا الشهر، تبليغ تلك الأمور، أكثر وأكثر، ويجب الاهتمام بها. فاليوم، تنشط الكثير من القنوات الفضائية لأجل تشويه صورة الإسلام، والتصدّي لهذا الأمر مسؤولية الجميع، والمسؤولية الأكبر في هذا المجال على العلماء، وأكثر من غيرهم.
عليكم أن تعرفوا انّ تعظيم الشعائر الحسينية المقدّسة هو من تقوى القلوب، ومصداقه عرفي. ويعني: كل ما من شأنه، عرفاً، تعظيم وتجليل الإمام الحسين عليه السلام، فهو من الشعائر الحسينية. وكل العزاء، والمراسيم، واستقبال محرّم، ورفع السواد وغيرها، هي من الشعائر الحسينية، ومن يعارض ذلك، فإما يعارض عن جهل أو للاحتيال على الناس. فمن قرأ اللمعة والرسائل وغيرهما، لا يخالف ولا يعارض. والذي يعارض هذه الشعائر، فهذا منطقه الشخصي، وليس منطق أهل البيت عليهم السلام.
لذا، ابذلوا الجهود واسعوا كثيراً في سبيل تعظيم الشعائر الحسينية، واعملوا على توسعتها حتى السنة القادمة. ومن الجدير أن تستقرضوا في هذا السبيل، كما تستقرضون وتستدينون لأمور حياتكم.
لقد استشهد النبي الأكرم والإمام علي صلوات الله عليهما وآلهما، وعليهما الديون التي كانت لأجل إعلاء كلمة الإسلام ولأمور المسلمين. فيجدر بنا أن نتّبع سيرتهما صلوات الله عليهما وآلهما، وأن نستقرض في سبيل توسعة الشعائر الحسينية، وهذا الأمر كرامة وفضيلة لنا.
وأكّد سماحته دام ظله، أيضاً، وقال:
أسعوا إلى أن تستمر كل الشعائر الحسينية المقدّسة، وتتّسع، وكذلك تضاف عليها باقي الشعائر الجائزة، كاستقبال شهر محرّم. هذا أولاً. والثاني: في الرواية الشريفة عن الإمام الصادق عليه السلام: «عُلَماءُ شيعَتِنا مُرابِطونَ فِي الثَّغرِ الّذي يَلي إبليسَ وعَفاريتَهُ، يَمنَعونَهُم عَنِ الخُروجِ عَلى ضُعَفاءِ شيعَتِنا، وعَن أن يَتَسَلَّطَ عَلَيهِم إبليسُ وشيعَتُهُ». والترابط بهذا المعنى: يوجد في بلاد الكفر والبلدان الإسلامية، من يرابط ويحافظ، لكي يحمي البلاد الإسلامية من الأعداء، ومن هجومهم. وفي الرواية الشريفة المذكورة، شُبّه العلماء بالمرابطين للدين، قبال الشياطين. ولذا على الشباب أن يحافظوا على الدين والشعائر الحسينية، جنباً إلى جنب العلماء.
وختم سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، كلمته القيّمة، بالحديث عن شعيرة الأربعين الحسيني المقدّس، وقال:
القضية الأخرى، هو الأربعين الحسيني وتعظيم الشعائر الحسينية بأيّام الأربعين. وكل التكريم والتقدير للشعب العراقي، لما يبذله ويقوم به أيّام الزيارة الأربعينية الحسينية المقدّسة. فصمّموا من الآن على أن تخطوا في سبيل إحياء الأربعين الحسيني بأحسن ما يمكن ويكون، قدر ما تتمكّنون، في كل نقطة من العالم، حتى لا يقع التقصير تجاه الزيارة الأربعينية كما حصل بالسنة الماضية.
وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
اضف تعليق