ألقى المرجع السيد صادق الشيرازي ، كلمة قيّمة مهمّة، فالأخلاق كانت هي الأساس في حكومة رسول الله ، ويقول القرآن الحكيم للبشر تعلّموا من رسول الله. وهكذا حكومة أمير المؤمنين في الكوفة التي حكم منها أكبر منطقة في دنيا ذلك اليوم، حيث كانت تضمّ عشرات الدول...
تقرير: علاء الكاظمي
ألقى المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، كلمة قيّمة مهمّة، بجمع من المؤمنين والمؤمنات، القادمين من دولة الكويت، الذين زاروا بيت سماحته دام ظله المكرّم في مدينة قم المقدّسة، في مساء يوم السبت التاسع من ربيع الأول 1440 للهجرة (17/11/2018م)، إليكم نصّها الكامل:
هلّموا إلى التنافس
قال الله عزّ وجلّ في القرآن الحكيم: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) سورة المطفّفين: الآية26. والتنافس في اللغة العربية بمعنى التسابق، فالمنافسة تعني المسابقة. فالناس قد يتسابقون في السلبيات، وفي غير أمور الخير. وقد يتسابقون في الإيجابيات، وفي أمور الخير، وفي الفضائل، وفي المكرمات. وهنا، القرآن الكريم بعدما يذكر بعض نِعَم الآخرة يقول: وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، يعني فليتسابق المتسابقون.
التسابق في الخير والفضيلة
وبيّن سماحته: هذا اللام في (فليتنافس) في اللغة العربية يسمّى بلام الأمر، ويعني انّ هذا أمر من الله عزّ وجلّ لعامّة البشر للمسابقة في الفضائل والخيرات وبتنمية المصالح الدنيوية والأخروية، وبتصعيد الأمّة ككلّ، وتصعيد البشر ككلّ، وتصعيد العائلة ككلّ، وبتصعيد الأفراد في الخير وفي كل ما هو صالح لدنيا البشر ولآخرتهم، فالقرآن الكريم ليس خطاباً للمؤمنين فحسب، وليس خطاباً للمؤمنات فقط، وإنما خطاب لعامّة البشر. فالقرآن يدعو كل البشر للتسابق في الخيرات والفضائل، بدءاً من العائلة المكوّنة من زوج وزوجة وإلى العائلة التي تضم أكثر، من بنين وبنات، وإلى العشائر وإلى القبائل وإلى الحكومات، وإلى الأمم والبشر ككلّ، رجالاً ونساء، فكلّ مأمور من الله عزّ وجلّ بأن يحاول أن يسبق الآخرين في الفضيلة.
التسابق في العائلة
وأضاف سماحته: فالزوج يحاول أن يسبق زوجته في الأخلاق وفي الفضيلة والخدمة، وفي تنمية الزوجية في طول الحياة الزوجية. والزوجة أيضاً بدورها تحاول أن تسبق الزوج في كل ذلك. والمشاركة في المسابقة هي بأن يفرغ المرء كلّ طاقته وكلّ همّته حتى يكون هو السابق. وهكذا في مستوى العائلة، أمّاً وأباً، وبنين وبنات، كلّ واحد من هذه المجموعة المؤلّفة من أربعة أو عشرة أو أقلّ أو أكثر، كل واحد منهم يحاول أن يكون هو السابق في الفضيلة والخير وفي التنمية بالعائلة، وهكذا على المستويات المختلفة. ولا يكون العكس والعياذ بالله، أي التسابق في السلبيات.
تسابق الحكومات بالتقدّم
وأوضح سماحته، بقوله: وهكذا على المستويات الرفيعة، كالحكومات، الإسلامية وغير الإسلامية. فإذا كان مستوى الجرائم في حكومة ما عشرة بالمئة في سنة، تحاول الحكومة الأخرى، والحكومات الأخرى بأن تكون النسبة عندها أقلّ من عشرة بالمئة. وإذا كان مستوى الفقر في حكومة عشرين بالمئة، تحاول الحكومة الجارة أو غيرها بأن يكون مستوى الفقر فيها أقلّ من عشرين بالمئة. وهكذا في مستوى الأخطاء في مجال الصحّة في المستشفيات والعيادات وغيرها، فتحاول الحكومات أن تكون نسبة الأخطاء عندها أقلّ وأقلّ، وأن تكون نسبة الصحّة عندها أكثر وأرفع. وهكذا في السياسة، بأن تتنافس الحكومات بأن تكون نسبة الإعدامات عندها، ونسبة السجون والمساجين فيها، أقلّ من الأخرى وأقلّ. فالتنافس أمر القرآن الحكيم للجميع، وعلى جميع المستويات، وهذا الأمر هو على جميع الأصعدة.
القدوة بالخير والفضيلة
وذكر سماحته النموذج الأرقى في التنافس في الخير والفضيلة، وقال: لقد مثّل ذلك كلّه رسول الله صلى الله عليه وآله في حكومته المباركة خلال عشر سنوات في المدينة المنوّرة، ومن المدينة المنوّرة إلى كافّة المناطق التي امتدّت فيها حكومة رسول الله صلى الله عليه وآله. فالأخلاق كانت هي الأساس في حكومة رسول الله صلى الله عليه وآله، ويقول القرآن الحكيم للبشر تعلّموا من رسول الله صلى الله عليه وآله. وهكذا حكومة أمير المؤمنين صلوات الله عليه المباركة في الكوفة التي حكم منها أكبر منطقة في دنيا ذلك اليوم، حيث كانت تضمّ عشرات الدول من الدول الإسلامية ضمن خريطة دول العالم اليوم، وبعض الدول غير الإسلامية في خارطة العالم اليوم. فلقد كانت نسبة الإعدام في حكومة عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه هي (صفر).
فرغم كل الأعداء الذين كانوا يعادون الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه منذ يوم رسول الله صلى الله عليه وآله وهم المنافقون من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله، وإلى هذا اليوم، مع ذلك لم يسجّلوا على أمير المؤمنين صلوات الله عليه في طول التاريخ وفي طول تاريخ حكومته، إعداماً سياسياً واحداً، رغم كل المشكلات التي عاشها صلوات الله عليه، ورغم كل السلبيات التي كان يؤجّجها أعداء أمير المؤمنين من المنافقين والمنافقات. ولم يسجّل التاريخ سجيناً سياسياً واحداً في طول تاريخ حكومة أمير المؤمنين صلوات الله عليه المباركة. ولم يسجّل التاريخ أنّ فقيراً واحداً بقى على فقره إلى آخر عمره، في طول تاريخ حكومة أمير المؤمنين صلوات الله عليه. فلتتعلّم الحكومات هذا الأمر من أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
حكومة السلبيات
وأردف سماحته، قائلاً: أما معاوية وفي زمان حكومته على الشام، التي كانت منفصلة عن حكومة الإمام عليّ صلوات الله عليه، وكانت بنسبة واحد بالمئة من مجموع نسبة حكومة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه على الدول الإسلامية، حدثت مشكلة ولم يعرف كيف يتصرّف معها. فكتب رسالة إلى أحد المنافقين في الكوفة، انّه اسأل عليّ بن أبي طالب، كيف نتصرّف معها، ولا تقل له انّ معاوية هو السائل. فجاء الرجل إلى الإمام وأخبره بالمشكلة، وطلب منه كيفية التصرّف معها. فسأل الإمام صلوات الله عليه الرجل قبل أن يجيبه وقال: هذا ليس بأرضنا؟ وكانت تلك المشكلة هي بين شخصين فقط، وكانت مشكلة أخلاق سلبية.
إنّ كلمة (هذا ليس بأرضنا) هي كلمة عديمة النظير في طول التاريخ، فلا أحد يقدر على قولها أبداً، حتى اليوم، ورغم كل الحريّات الموجودة، ورغم كل النمو، ورغم كل التكنولوجيا المتقدّمة، ورغم كل التطوّر في الدنيا. فلتتعلّم الدنيا من أمير المؤمنين صلوات الله عليه أيضاً.
واقع مؤسف
وقال سماحته: من المؤسف كثيراً أن نرى في الدول الإسلامية الألوف من السلبيات والملايين منها. فلماذا يزداد الفقر يومياً في كل الدول، وبالذات في الدول الإسلامية؟ أليس القرآن الحكيم هو كتاب الدول الإسلامية وكتاب المسلمين؟ وأليست الآية الكريمة: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) هي من آيات القرآن؟ فلماذا تجد السلبيات الكثيرة في الكثير من المسلمين والحكومات الإسلامية؟ ومن المسؤول عن ذلك؟
مسؤولية على الجميع
كذلك بيّن سماحة المرجع الشيرازي دام ظله بقوله: إنّ الكل مسؤول، كلّ بنسبته، وكلّ بحسبه. فحسب الاصطلاح العلمي، على الكل أن يرتّبوا مقدّمات الوجود، حتى يصل البشر، وبالخصوص المسلمون، إلى التنافس في الخير وفي الفضيلة وفي الأخلاق، وكل يبدأ من نفسه، وكل يبدأ من داره، وكل يبدأ من عائلته، ومن محلّته، ومن قريته ومن مدينته. وهذا أمر من القرآن الحكيم، وليس مجرّد اقتراحاً، وخصوصاً الشباب المؤمنون، والفتيات المؤمنات، فهؤلاء مسؤوليتهم أكبر لأنّ طاقتهم أكبر، ولأنّه في إمكانهم ترتيب مقدّمات الوجود أكثر من غيرهم. أي الشباب على جميع الأصعدة، في الجامعات والأسواق، والطلبة والطالبات، وشباب العشائر، وكذلك الفتيات، في كل مكان، في البيوت، وغيرها. فالفتاة المؤمنة والمرأة المؤمنة هي دنيا من الطاقة. وهكذا هو أيضاً الشاب المؤمن، والرجل المؤمن. فيحاول كل واحد أن يتنافس في الفضيلة وفي الأخلاق، وفي تنمية الفضيلة، وتصعيد الفضيلة، وينمّي نفسه أكثر ممن يعيش معهم. وهكذا بالنسبة لغيره وغيره. فإذا حاول الكل في تهيأة مقدّمات الوجود لذلك، فستصلح البلاد شيئاً فشيئاً، وشيئاً فشيئاً يكون البلد في تقدّم في الاقتصاد وفي السياسة وفي الحريّة وفي الصحّة، وفي الفضائل، وفي الزواج.
من السلبيات
وأضاف سماحته: لكن مع الأسف نرى اليوم العكس. فمثلاً، ومع كل الأسف، ترى في معظم البلاد، انّ نسبة الطلاق للسنة الجارية فيها أكثر من السنة الماضية والسابقة، وترى الإجرام أكثر من السنة السابقة، فلماذا يحدث هذا الأمر؟ ولماذا؟
لقد قرأت في صحف إحدى الدول انّه يوجد فيها كذا ألف مشكلة صحيّة معروضة على القانون في تلك الدولة، فلماذا؟ وهذه مسؤولية من؟
نعم هي مسؤولية الحكومة، ومسؤولية المفكّرين، وفي الوقت نفسه هي مسؤولية كل رجل وكل امرأة أيضاً، وكل شاب وفتاة، كل بنسبته.
النهوض مسؤولية عامّة
وشدّد سماحته، قائلاً: فمن ينهض بالمسلمين إلى الفضيلة والأخلاق؟ أليسوا أنفسهم هم؟ ومن أين يبدأون؟ أليس البدء من أنفسهم؟
إذن لنحاول جميعاً، أن نعمل بالآية الكريمة التي ابتدأنا بها الكلام، من دارنا ومن بيتنا ومن عائلتنا إلى قريتنا ومدينتنا وإلى حكومتنا وإلى الحكومات الإسلامية، وإلى الحكومات كلّها في العالم.
وأكّد سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، في ختام كلمته القيّمة: الشعائر المقدّسة لأهل البيت صلوات الله عليهم، وخاصّة الشعائر الحسينية المقدّسة، صلوات الله وسلامه على الإمام الحسين، لابدّ أن تكون في تنافس وفي تنمية، في الهيئات وفي المواكب وفي الحسينيات والمؤسسات، في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية، أي التنافس في التقدّم وفي الصعود، بأن تكون الشعائر في هذه السنة أفضل من السنة الفائتة، وأن تكون الأحسن في السنة القادمة من السنة الحالية.
بلى، يوجد من وفّقه الله تعالى بالتنافس في الشعائر الحسينية المقدّسة، وهنيئاً لهم. ولكن هذه المنافسة هي مسؤولية الكلّ.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّق الجميع لذلك. وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
اضف تعليق