نجح فريق من الباحثين في تحقيق حلم راود العلماء على مدار عقود، عندما أزاحوا الستار عن إثبات رياضي لحدسية لاجلاندس الهندسية، وهذا الإثبات، الذي أسفرت عنه جهود هائلة، يعطي مصداقية لمجموعة حدسيات برنامج لانجلاندس بتعقيدها ومدلولها الواسع، والتي كثيرًا ما يُشار إليه على أنها تشكل النظرية الموحدة الكبرى في الرياضيات...
ألهمت مجموعة الحدسيات الرياضية في «برنامج لانجلاندس» علماء الرياضيات وحيَّرتهم على مدى أكثر من 50 عامًا. واليوم بفضل تقدُم كبير أحرز في هذا المجال يمكنهم استكشاف آفاق جديدة في علم الرياضيات.
في الوقت الحالي، في فلك الرياضيات المجردة، تدور أحداث واحدة من أعظم قصص العلوم. فخلال العام الماضي، نجح فريق من الباحثين في تحقيق حلم راود العلماء على مدار عقود، عندما أزاحوا الستار عن إثبات رياضي لحدسية لاجلاندس الهندسية، وهي ركن مهم في مجموعة من المسائل الرياضية المترابطة التي تشكل معًا ما يُعرف باسم «برنامج لانجلاندس». وهذا الإثبات، الذي أسفرت عنه جهود هائلة، يعطي مصداقية لمجموعة حدسيات «برنامج لانجلاندس» بتعقيدها ومدلولها الواسع، والتي كثيرًا ما يُشار إليه على أنها تشكل النظرية الموحدة الكبرى في الرياضيات، إلا أنها تبقى حدسيات غير مثبتة في جانب كبير منها. وقد لا يكمن المدلول الحقيقي لهذا العمل البحثي في المسائل التي يحسمها بل في آفاق الاستكشاف الجديدة التي يسفر النقاب عنها.
حول هذا الحدث، يقول ديفيد بِن-زفي، من جامعة تكساس في مدينة أوستن الأمريكية، والذي لم يشارك في الدراسة: "إنه لنصر هائل. فعوضًا عن غلق باب التفكير في مسألة رياضية ما، يفتح هذا الإثبات أبوابًا على مصراعيها للتفكير في عشرات المسائل الرياضية الأخرى".
لطالما عُد إثبات حدسية لاجلاندس الهندسية من أكبر الألغاز وأعقدها في تاريخ الرياضيات الحديثة. لكن في نهاية المطاف، جاء حل اللغز، في سلسلة من خمسة أوراق بحثية تمتد لألف صفحة تقريبًا، تطلب إنتاجها فريقًا قوامه تسعة من علماء الرياضيات.1–5. قاد الفريق البحثي دينيس جايتسجوري من معهد ماكس بلانك للرياضيات في مدينة بون الألمانية، وسام راسكين من جامعة ييل في مدينة نيوهايفن بولاية كونيتيكيت الأمريكية، والذي أتم دراساته لنيل درجة الدكتوراه مع جايتسجوري عام 2014.
وسرعان ما أشاد مجتمع الرياضيات بعظم هذا الإنجاز. ففي إبريل الماضي، حاز جايتسجوري جائزة «بريك ثرو» Breakthrough في الرياضيات وقيمتها 3 ملايين دولار أمريكي. أما راسكين، فمُنح جائزة «نيو هورايزونز» New Horizons التي تُكرم ضمن فعاليات «بريك ثرو» علماء الرياضيات الواعدين ممن في مقتبل مسيرتهم المهنية. وعلى غرار الكثير من النتائج البحثية الشهيرة في علم الرياضيات، يبشر الإثبات بمد جسور بين مجالات مختلفة من هذا العلم، لتتصدى أدوات مجال علمي للمسائل المعضلة في مجال آخر. بعبارة أخرى، إجمالًا، يعيش الباحثون في هذا المجال بالوقت الحالي أجواء من الحماس.
وعن الإثبات، يقول بِن-زفي: "إنه يقدم لنا أقوى الأدلة حتى اليوم على صحة نظرية تبنيناها لعقود. والآن صار بإمكاننا أن نتساءل عما تعنيه حقًا هذه النظرية".
القصة برمتها
تعود أصول مجموعة حدسيات برنامج لانجلاندس إلى 60 عامًا مضت، أو إلى أبحاث عالم رياضيات كندي شاب باسم روبرت لانجلاندس، صاغ مجموعة الحدسيات في خطاب مكتوب بخط اليد إلى عالم الرياضيات البارز أندريه ويل . وعلى مدى عقود، حظيت الحدسيات باهتمام متزايد بين علماء الرياضيات، الذين ذهلوا من استيعابها لجميع جنبات علم الرياضيات. وكانت هذه السمة هي ما دفع إدوارد فرينكل من جامعة كاليفورنيا ببيركلي، الذي قدم إسهامات في الجانب الهندسي من البرنامج، إلى وصف مجموعة الحدسيات باسم "النظرية الموحدة الكبرى في علم الرياضيات".
سعى لاجلاندس إلى اكتشاف العلاقة بين فرعين كبيرين وشديدي الاختلاف من علم الرياضيات، هما نظرية الأعداد (دراسة الأعداد الصحيحة)، والتحليل التوافقي (العلم الذي يُعنى بتمثيل الإشارات والدوال المعقدة في هيئة موجات بسيطة). ومن القضايا الفريدة التي انبثقت عن مجموعة حدسيات «برنامج لاجلاندس»، يبرز الإثبات الملحمي الذي نشره آندرو وايلز عام 1995 لمبرهنة فيرما الأخيرة — والتي تقضي باستحالة وجود ثلاثة أعداد صحيحة موجبة تحقق المعادلة an + bn = cn، إذا كان n عددًا صحيحًا تربو قيمته على 2.
ناقش روبرت لاجلاندس أفكاره في خطاب إلى أندريه ويل عام 1967. وعلى صفحة غلاف الخطاب (يسارًا)، يقول لاجلاندس: "إن كنت على استعداد لقراءة هذا الخطاب على أنه محض تكهنات، سأكون ممتنًا لك، وإن لم تكن كذلك، فلا شك لدي بأنه ستكون في متناولك سلة قمامة تفي بالغرض".
حدسية «لاجلاندس الهندسية طُرحت أول ما طُرحت في عام 1980 على يد فلاديمير درينفيلد، الذي كان آنذاك يعمل في «معهد بي. فيركِن لفيزياء وهندسة الحرارة المنخفضة» في مدينة خاركيف الأوكرانية. وهذه الحدسية، شأنها شأن حدسية لاجلاندس الأصلية أو الحسابية، توحي بدورها وجود علاقة من نوع ما بين مجموعتين مختلفتين من الكائنات الرياضية. وبعكس حدسية لاجلاندس الحسابية التي تربط بين مجالات هي "عوالم" رياضياتية مختلفة عن بعضها البعض، تربط حدسية لاجلاندس الهندسية بين جانبين لا تفصل بينهما اختلافات كبيرة إلى هذا الحد. فكلا الجانبين يُعنى بخواص أسطح رايمان، وهي متشعبات معقدة، أي بِنى يمكن تمثيلها بإحداثيات من أعداد مركبة (أعداد حقيقية وتخيلية). وقد تأخذ هذه المتشعبات شكلًا كرويًا أو شكل كعك الدونات أو أشكالًا شبيهة بمخبوزات البريتزل، التي تحتوي على ثقبين فأكثر.
وعدد كبير من علماء الرياضيات يعتقد بقوة أن "الشبه" بين الجانبين يدل على أن إثبات حدسية لاجلاندس الهندسية قد يعطي في نهاية المطاف زخمًا لجهود إثبات الحدسية الحسابية، التي تُعد فيها العلاقة بين الجانبين أكثر غموضًا. حول ذلك، يقول فرينكل: "لنفهم حقًا العلاقة بين شقي حدسية لاجلاندس، علينا أن ندرك أن "العالمين" فيها ليسا مختلفين هذا الاختلاف، بل هما بالأحرى وجهين للعملة نفسها والعالم نفسه. وإدراك هذه الوحدة يتطلب منظورًا مختلفًا وفهمًا جديدًا. ولا يزال يفصلنا عن هذا الفهم شوط كبير في الحدسية الأصلية. لكن تقارب العالمين نوعًا ما في حال أسطح رايمان، يعني أننا صرنا أقرب إلى فهم هذه الوحدة الكامنة التي يرتكز عليها برنامج لاجلاندس برمته".
أحد شقي حدسية لاجلاندس الهندسية يُعنى بخاصية تُعرف باسم "الزمرة الأساسية". وببسيط العبارة، الزمرة الأساسية للسطح في حال أسطح رايمان هي وصف للطرق المختلفة التي يمكن بها صنع الأشكال الحلقية حول هذا السطح. على سبيل المثال، في حال شكل كعك الدونات، يمكن أن يمتد الشكل الحلقي أفقيًا حول الأطراف الخارجية للسطح، أو عموديًا عبر ثقب الكعكة ليلتف حول طرفها الخارجي. وتتصدى حدسية لاجلاندس الهندسية، في شقها الأول، لـ"تمثيل" الزمرة الأساسية لأسطح رايمان، أي للتعبير عن خواص هذه الزمرة في هيئة مصفوفات (شبكات من الأعداد).
أما الشق الثاني لمجموعة حدسيات برنامج لانجلاندس الهندسية فيُعنى بأنواع فريدة من "الحزم" الرياضية. والحزم هي من أدوات الهندسة الجبرية، وتتمثل في قواعد تُعين "فضاءات متجهية" (مجموعة من عدة متجهات يمكن جمعها بعضها مع بعض أو ضربها بأعداد) لنقاط على المتشعب، على نحو يشبه تقريبًا ذلك الذي يمكن من خلاله لدوال وصف مجالات الجاذبية تعيين أرقام معبرة عن شدة المجال لنقاط في الفضاءات القياسية ثلاثية الأبعاد.
مد الجسور
يعود تاريخ الأبحاث الرامية إلى مد الجسور واكتشاف العلاقة بين حدسيات برنامج لاجلاندس إلى التسعينيات من القرن الماضي. فبالاستعانة بأبحاث سابقة حول جبر كاك-مودي، الذي "يترجم" تمثيلات الزمرة الأساسية إلى حزم والعكس، وصف درينفيلد وألكساندر بايلينسون، وكلاهما يعمل حاليًا في جامعة شيكاجو بولاية إلينوي الأمريكية كيفية صوغ حزم مناسبة تحقق هذه العلاقة. وورقتهما البحثية في هذا الإطار (انظر go.nature.com/4ndp5ev)، تمتد لقرابة 400 صفحة، ولم تُنشر بصفة رسمية قط. بعد ذلك، في عام 2012، توصل جايتسجوري مع ديما آرينكين من جامعة ويسكونسون ماديسون إلى شكل أكثر دقة لهذه العلاقة6. ومن هنا، أتبع جايتسجوري بمفرده هذه الدراسة بشرح خطوة بخطوة للكيفية التي يمكن بها إثبات حدسية لاجلاندس الهندسية7.
حول ذلك يقول بِن-زفي: "الحدسية في حد ذاتها تبدو معقدة للغاية، وليس فقط لغير المتخصصين في المجال. وأعتقد أن الحماس لإثبات حدسية لاجلاندس الهندسية صار أكبر بكثير اليوم منه قبل عقد مضى، لأننا صرنا أفضل دراية بالسبب الذي يستمد منه هذا الطرح وجاهته، وكيف أنه قد يخدم نظرية الأعداد".
ومن أبرز الآثار المباشرة لهذا الإثبات الجديد الزخم الذي يكسبه للأبحاث حول عدة أشكال "خاصة" من حدسيات لاجلاندس المختلفة، وهي أشكال "تركز" على كائنات رياضية محددة في سياقات "عامة". على سبيل المثال، في حال برنامج لاجلاندس الهندسي، يُعنى الشكل "الخاص" من هذا البرنامج بخواص كائنات رياضية ذات أقراص حول نقاط السطح الرايماني، وليس بخواص المتشعب بأكمله، وهو المجال الذي يُعنى به الشكل "العام" من البرنامج.
وقد لعب بيتر شولتزه من معهد ماكس بلانك للرياضيات دورًا مهمًا في صوغ العلاقات بين برامج لاجلاندس الخاصة والعامة. لكنه نفسه وجد في البداية الشق الهندسي من البرنامج مهيبًا.
فيقول: "إحقاقًا للحق، حتى عام 2014 تقريبًا، بدا برنامج لاجلاندس الهندسي عصيًا على الفهم لي". غير أن هذا الوضع اختلف عندما طرح لوران فارجِس من «معهد جوسيو للرياضيات» في باريس تصورًا جديدًا لحدسيات لاجلاندس الحسابية الخاصة يستخدم أوصافًا هندسية8. ومعًا، عمل شولتزه وفارجس لسبع سنوات على برهنة أن هذه الاستراتيجية قد تساعد في إحراز تقدم على طريق إثبات أحد شكال حدسية لاجلاندس الحسابية الخاصة9 والذي يتعلق بأعداد هانسل، وهي أعداد تتضمن الأعداد الأولية وقيمة الرفع الأسي لها. ووجدا علاقة بين هذا الشكل من حدسية لاجلاندس الحسابية والحدسية الهندسية العامة التي أثبتها لاحقًا فريق بحثي بقيادة جايتسجوري وراسكين.
أنشأت الأوراق البحثية التي قدمها شولتزه وفارجس ما يصفه شولتزه بـ"الثقب الدودي" بين المجالين الرياضيين، ما سمح بالاستعانة بالأساليب والبِنى الرياضية المستخدمة في برنامج لانجلاندس الهندسي في سياقات حسابية خاصة. من هنا، يقول شولتزه: "أنا راض جدًا عن هذا الإثبات. وأعتقد أنه إنجاز هائل، وأعتزم البناء عليه".
علاقة كمية
وفقًا لبعض الباحثين، مدت مجموعة حدسيات برنامج لاجلاندس الهندسي جسورًا تُعد من الأكثر إثارة للدهشة إلى حقل الفيزياء النظرية. منذ سبعينيات القرن الماضي، سعى علماء الفيزياء إلى دراسة نظير كمي لسيمترية في الفيزياء كلاسيكية، تتمثل في أن المبادلة بين الحقول الكهربية والمغناطيسية في معادلات ماكسويل لوصف التفاعل بين كلا نوعي الحقول تترك هذه المعادلات دون تغيير. وهذه السيمترية المنمقة يرتكز عليها مفهوم أوسع في نظرية الحقل الكمي، يشار إليه باسم "تناظر سِن".
في عام 2007، برهن إدوارد ويتن من معهد الدراسات المتقدمة (IAS) في مدينة برينستون بولاية نيوجيرسي الأمريكية، وأنتون كابوستين من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في ولاية باسادينا10 على أن تناظر سِن في بعض نظريات المقياس رباعية الأبعاد (فئة من النظريات تستوعب النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات) يظهر السيمترية نفسها التي تظهر في العلاقة بين شقي حدسية لاجلاندس الهندسية. فكتب العالمان: "تنشأ بطبيعة الحال مفاهيم تبدو ظاهريًا متخصصة من مجموعة حدسيات برنامج لانجلاندس".
فرغم أن نظرياتهما تفترض وجود جسيمات تُعرف باسم النظائر الفائقة، لم تُرصد قط، تشير رؤيتهما إلى أن حدسية لاجلاندس الهندسية ليست فقط مفهومًا متخصصًا في الرياضيات البحتة، بل يمكن النظر إليها على أنها امتداد لسيمترية قوية في الفيزياء الكمية. فقد كتب ويتن يقول: "أعتقد أنه من المذهل أن برنامج لانجلاندس له نظير كهذا في نظرية الحقل الكمي. وأظن أن هذا في نهاية المطاف قد يكتسب أهمية لدى البناء على برنامج لانجلاندس".
وكان منيهيونج كيم مدير المركز الدولي لعلوم الرياضيات في إدنبرة بالمملكة المتحدة أول من نظر بعين الجد لهذا الاحتمال. وهو يقول في هذا الإطار: "حتى المسائل التي تبدو بسيطة في نظرية الأعداد، مثل مبرهنة فيرما الأخيرة، صعبة الحل". وأحد السبل على طريق الوصول إلى هذا الحل، يتمثل في استخدام مفاهيم الفيزياء، ومنها تلك المفاهيم التي شملتها أبحاث ويتن وكابوستين، على نحو تُستعار فيه هذه المفاهيم لحل مسائل نظرية الأعداد، ومن أمثلتها حدسية لانجلاند الحسابية. ويعمل كيم حاليًا على جعل هذه الاستعارات أكثر دقة وإحكامًا. فيقول: "أستعير العديد من التراكيب المستخدمة في نظرية الحقل الكمي وأحاول الخروج بتراكيب محكمة مناظرة في نظرية الأعداد".
على النحو نفسه، يسعى بِن-زفي ويانيس ساكلاريديس من جامعة جونز هوبكنز في مدينة بالتيمور بولاية ميريلاند الأمريكية وآكشاي فينكاتيش من معهد الدراسات المتقدمة إلى الخروج بإلهام من حقل الفيزياء النظرية، في مشروع هائل يرمي إلى وضع تصور جديد لبرنامج لاجلاندس برمته بالاعتماد على رؤى نظرية المقياس.
درس ويتن وكابوستين اثنين من نظريات المقياس يربط بينهما تناظر سِن، أي أنهما رغم الاختلاف الظاهري الكبير بينهما حسابيًا، تقدمان وصفًا مكافئًا للواقع. وللبناء على دراساتهما، يدرس بِن-زفي وفريقه البحثي سلوك المواد المشحونة في كل من النظريتين، لترجمة وصفهما المزدوج للواقع إلى مجموعة من الحدسيات الحسابية المترابطة.
حول ذلك، يقول راسكين: "أبحاث هذا الفريق حركت في الواقع الكثير من الأبحاث، لا سيما في عالم نظرية الأعداد. وبات الكثيرون يجرون أبحاثًا حول هذه المجموعة من المفاهيم".
ومن أكثر نتائج هذا الفريق البحثي إذهالًا، اكتشاف علاقة ثنائية بين مجموعتين مختلفتين نوعًا من الكائنات الرياضية، تعرفان باسم الفترات والدوال اللامية 11. (فرضية ريمان، التي يُحتمل أنها أهم ألغاز علم الرياضيات، تسلط الضوء على سلوك نوع من الدوال اللامية). والفترات هي أحد أفرع التحليل التوافقي، في حين أن الدوال اللامية تنتمي إلى عالم نظرية الأعداد، وكلاهما يشكلان شقي حدسية لاجلاندس الأصلية أو الحسابية. ومن خلال منظور علم الفيزياء، برهن بِن-زفي وفريقه البحثي على أن العلاقة بين الفترات والدوال الامية تشبه شبهًا وثيقًا العلاقة بين شقي برنامج لاجلاندس الهندسي.
سبر الحقيقة
يثق الكثير من علماء الرياضيات في أن إثبات حدسية لاجلاندس الهندسية سيصمد، لكن مراجعة الأقران للأوراق البحثية التي طرحته وهي أوراق قُدمت جميعها للنشر في دوريات علمية، سيتطلب سنوات. لكن جايتسجوري بدأ بالفعل في إحراز تقدم في هذا الإطار على عدة أصعدة.
على سبيل المثال، يتناول الإثبات الحالي حالة "عدم التشعُب"، والتي تسلك فيها المناطق حول النقاط على أسطح رايمان سلوكًا متوقعًا. وفي الوقت الحالي، يأمل جايتسجوري وفريقه البحثي في توسعة نطاق نتائجهما لتشمل حالة التشعب المعقدة، باحتساب أثر السلوك الأكثر تعقيدًا حول نقاط أسطح رايمان والنقاط الشاذة أو "الثقوب" في السطح.
ولتحقيق ذلك، يوسع الفريق البحثي نطاق أبحاثه لتشمل حدسية لاجلاندس الهندسية الخاصة بهدف الوصول إلى فهم أدق لما يحدث حول النقاط المفردة في أسطح رايمان، كما يتعاون مع علماء آخرين ومنهم جيسيكا فنتزن من جامعة بون الألمانية.
وفي هذا الإطار، تقول فِنتزن: "تفتح هذه النتائج الباب أمام طيف جديد تمامًا من الدراسات، وهنا تتلاقى اهتماماتنا رغم أننا ننتمي إلى مجالات علمية مختلفة بدرجة كبيرة. ففريق جايتسجوري يسعى الآن إلى تعميم إثباته، وهذا ما يعزز انجذابي لحدسية لاجلاندس الهندسية. وهذا الإثبات هو نوعًا ما البداية وليس النهاية".
تدرس فنتزن تمثيلات مجموعات أعداد هانسل، وهي مجموعات من المصفوفات مدخلاتها من أعداد هانسل. وتعمل فِنتزن على بناء هذه المصفوفات بدقة، أي أنها تستنج في الأساس وصفة لكتابة معادلاتها، ويبدو أن هذا النوع من معلومات الحدسيات الخاصة يجب إدماجه في حالة الحدسيات الهندسية العامة لتحقيق التشعب فيها، حسبما يفيد جايتسجوري.
ما بدأ كمجموعة من الحدسيات القوية التي تربط بين فروع مجردة من علم الرياضيات تطور إلى مشروع نام متعدد التخصصات، يبدأ من أسس نظرية الأعداد وتمتد آفاقه إلى منتهى نظريات فيزياء الكم. ورغم أنه من المحتمل أن العلاقات بين حدسيات برنامج لاجلاندس لم تصل بعد إلى تشكيل النظرية الموحدة الكبرى في علم الرياضيات، فإن إثبات الشق الهندسي من هذه الحدسيات يصنع حلقة وصل بين أفكار يرجح أن تشكل هذا العلم على مدى الأعوام القادمة.
في ذلك الصدد، يقول فرينكل: "تؤشر العلاقات بين حدسيات لاجلاندس على منظومات أعقد كثيرًا في علم الرياضيات، لم نطرق منها إلا القشور. ولسنا على دراية حقيقية بماهيتها. وهي إلى اليوم غير مستكشفة".
اضف تعليق