q
كلف الرئيس التونسي قيس سعيد، الحبيب الجملي بتشكيل حكومة بعد أن رشحه حزب النهضة الإسلامي لرئاسة الوزراء، ليواجه تحديات هائلة لإصلاح الاقتصاد المتعثر والاستجابة للمطالب الاجتماعية المتزايدة. وتعاني تونس من أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة بعد الاطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي في 2011...

بعد مشاورات ومناقشات قامت بها الأحزاب الفائزة بالانتخابات التشريعية التونسية في الفترة السابقة من اجل تشكيل الحكومة الجديدة والتي يرى البعض انها ستكون حكومة توافقات حزبية، حيث كلف الرئيس التونسي قيس سعيد وكما نقلت بعض المصادر، الحبيب الجملي بتشكيل حكومة بعد أن رشحه حزب النهضة الإسلامي لرئاسة الوزراء، ليواجه تحديات هائلة لإصلاح الاقتصاد المتعثر والاستجابة للمطالب الاجتماعية المتزايدة. وتعاني تونس من أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة بعد الاطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي في 2011. وارتفعت معدلات التضخم إلى نحو سبعة بالمئة وتراجع مستوى الخدمات العام بشكل ملحوظ بينما قفزت معدلات البطالة إلى 15 بالمئة مقارنة مع 12 بالمئة في 2010.

ويقول محللون إن الحكومة الجديدة تحتاج إلى إرادة سياسية واضحة وتأييد قوي في البرلمان للمضي قدما في الإصلاحات الاقتصادية التي بدأها رئيس الوزراء المنتهية ولايته يوسف الشاهد الذي يقود حكومة تصريف الأعمال لحين تشكيل الحكومة الائتلافية. وتعهد الجملي بأن يكون منفتحا على كل القوى السياسية دون إقصاء في حكومته. وقال عماد الخميري المتحدث باسم النهضة ”حزبنا قرر اختيار السيد الحبيب الجملي مرشحا لرئيس الحكومة“.

وأمام الجملي شهران لتشكيل ائتلاف حكومي من البرلمان الذي يشغل فيه حزب النهضة، أكبر حزب في البلاد، ربع عدد المقاعد فقط. وفي حال فشله في تشكيل حكومة خلال شهرين، يكلف الرئيس شخصية أخرى بالمهمة. وفي حال الفشل مرة أخرى، يدعو الرئيس لانتخابات جديدة. وقال الجملي في أول خطاب عقب تكليفه من الرئيس سعيد ”مقياس اختيار أعضاء الحكومة سيكون الكفاءة والنزاهة مهما كانت الانتماءات وسأكون منفتحا على كل القوى السياسية دون تحفظ على أي حزب“ وأيد حزب قلب تونس الذي نافس حزب النهضة انتخاب راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة لرئاسة البرلمان في إشارة إلى أن الحزبين قد ينحيان جانبا خلافاتهما السابقة ويشكلان معا حكومة ائتلافية.

وتحتاج أي حكومة جديدة يمكن أن يشكلها الجملي إلى تأييد حزبين على الأقل لتحوز الأغلبية البسيطة اللازمة وللموافقة على القوانين الجديدة وهي 109 مقاعد. وشغل الجملي، وهو مهندس زراعي، منصب كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة في أول حكومة تشكلت بعد الثورة في أواخر 2011 والتي قادها حزب النهضة أيضا. وقال راشد الغنوشي زعيم النهضة ”هناك فرصة لتونس لانطلاقة جديدة.. بعد أن أتمت تونس انتقالها الديمقراطي اليوم، نتجه للتنمية والتشغيل ومحاربة الفساد وغلاء الأسعار كي يشعر التونسيون بأن أوضاعهم تتحسن“.

رئيس البرلمان

انتخب البرلمان التونسي راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الإسلامي رئيسا له، بعد أن دعمه منافسه حزب قلب تونس، مما يفتح الطريق لائتلاف محتمل بينهما في الحكومة المقبلة. وحصل الغنوشي على 123 صوتا من مجموع 217 ليشغل أول منصب رسمي له منذ عودته من منفاه في لندن في 2011 عقب انتفاضة أنهت حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي. وأفرزت الانتخابات ، التي جاءت فيها حركة النهضة الإسلامية أولى بحصولها على 52 مقعدا فقط من إجمالي 217، برلمانا منقسما بشكل حاد مما يعقد الوضع ويتطلب تكوين ائتلافات لتشكيل حكومة.

ونافس على منصب رئيس البرلمان كل من راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة وغازي الشواشي القيادي بحزب التيار الديمقراطي وعبير موسي وهي من مؤيدي نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي. وفشلت النهضة في الوصول لاتفاق مع حزبي التيار والشعب بعد مفاوضات في الأسابيع الماضية. وطالب حزبا التيار والشعب خلال مفاوضات النهضة بالموافقة على مرشح من خارجها لرئاسة الحكومة حتى تدعم الغنوشي رئيسا للبرلمان. بحسب رويترز.

وقال عماد الخميري القيادي بالنهضة ”إذا لم يدعمونا اليوم فالأرجح أن يكون حزبا التيار والشعب خارج الائتلاف الحكومي المقبل“. وفي مفاجأة صوت حزب قلب تونس الذي يرأسه قطب الإعلام نبيل القروي، وهو خصم رئيسي للنهضة في انتخابات الشهر الماضي للغنوشي. وقال رضا شرف الدين النائب عن قلب تونس ”هناك قرار بالتصويت للنهضة بعد اتفاق“. وأضاف قائلا إن المهم الآن هو التركيز على اختيار شخصية لقيادة الحكومة وخدمة مصالح المواطنين. ويشير ذلك بوضوح إلى تحالف متوقع بين الحزبين في تشكيل الحكومة المقبلة رغم أن النهضة قالت سابقا إنها لا يمكنها التحالف مع قلب تونس بسبب شبهات فساد لبعض قياداته.

وقالت سميرة الشواشي النائبة عن "قلب تونس" "كان اتفاقا على مستوى رئاسة المجلس، رأينا انه من حق النهضة كحزب فاز بالمرتبة الأولى أن يكون في رئاسة المجلس، ونحن من حقنا ككتلة ثانية ان نطالب بنيابة رئاسة المجلس". ووصف النائب عن "قلب تونس" أسامة الخليفي الاتفاق بأنه "في صالح تونس". وكان رجل الأعمال نبيل القروي، مؤسس حزب "قلب تونس" رفض في تصريحات صحافية سابقة، امكانية التحالف مع حزب النهضة، بل انه اتهمه بالوقوف وراء سجنه بتهم غسل أموال وتهرب ضريبي خلال الحملة الانتخابية للرئاسية التي ترشح لها.

ويقول لمين بن غازي من منظمة "بوصلة" التي تتابع أنشطة البرلمان ان "ذلك يدل على رغبة قوية في التجديد كما كان عليه الحال في الرئاسية" حين تم انتخاب رجل القانون قيس سعيّد رئيسا للبلاد بدعم شبابي واسع. ويؤكد بن غازي على انه ان تم اللجوء الى التوافق في تشكيل الحكومة "فقد يكون هناك عود على بدء".

ومن المنتظر ان يتناول النواب الجدد وبصفة استعجالية النظر في قانون المالية والموازنة للعام 2020 قبل نهاية السنة الجارية كما يمثل انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية احد أبرز الملفات التي تنتظر النواب للبث فيها. ونص الدستور على إنشاء محكمة دستورية لها سلطات لإلغاء القوانين التي تعتبر غير دستورية. ينص الدستور على أن يعين البرلمان أربعة من أعضاء المحكمة الـ 12، وبعد ذلك يختار كل من الرئيس و"المجلس الأعلى للقضاء" أربعة من الأعضاء الثمانية الباقين.

حكومة كفاءات

الى جانب ذلك عرض حزب النهضة الاسلامي الذي تصدر الانتخابات التشريعية التونسية، "وثيقة اتفاق" قال انه سيناقشها خلال مفاوضاته مع بقية الاحزاب بغرض توصل الحزب الى تشكيل حكومة جديدة تضم "وزراء اكفاء". وقال الناطق باسم الحزب عماد الخميري خلال مؤتمر صحافي إن هذه الوثيقة بمثابة "عقد" يتعين توقيعه بعد المشاورات من كل طرف يشارك في الحكومة الجديدة. وأضاف ان الوثيقة تلخص الخطوط العريضة لبرنامج عمل الحكومة الجديدة التي ستضم "شخصيات نزيهة وكفؤة".

وتشمل الوثيقة مكافحة الفساد والفقر، وتعزيز الامن، وتنمية التربية والخدمات العامة، وزيادة الاستثمارات، واستكمال المؤسسات الدستورية وارساء الحكم المحلي. واضاف الخميري "لاول مرة في تونس نبدأ بمباحثات حول البرنامج قبل اختيار أعضاء الحكومة الجديدة (..) التي سترى النور قريبا". واضاف الخميري أن حزبه بدأ مشاوراته الاولية مع ثلاثة أحزاب هي حزب التيار الديموقراطي (22 مقعدا-يسار الوسط) وائتلاف الكرامة (21 مقعدا-اسلامي شعبوي) وحركة الشعب (16 مقعدا- قومية ناصرية) واضاف الناطق ان حزب النهضة سيواصل مباحثاته مع أحزاب أخرى باستثناء.

وإذا فشل النهضة في تشكيل حكومة فإن الرئيس الجديد قد يختار مرشحا بديلا لمنصب رئيس الوزراء ليدخل في جولة جديدة من المحادثات لتشكيل ائتلاف. وإن لم يتفق البرلمان فمن المحتمل الدعوة لانتخابات جديدة. وتواجه الحكومة التونسية بطالة تبلغ حوالي 15.3 بالمئة على الصعيد الوطني و30 في المئة في بعض المدن، وتضخما نسبته 6.8 في المئة، وارتفاع الدين العام وضعف الدينار. وبينما تواجه تونس تزايد المطالب الاجتماعية فإنها تواجه ضغطا قويا أيضا من المقرضين الدوليين لخفض الإنفاق والشروع في إصلاحات لا تحظى بالشعبية.

من جانبه قال رئيس الحكومة المكلف في تونس الحبيب الجملي إن مفاوضات تشكيل الحكومة ستبدأ على أن يتوصل إلى اتفاق خلال شهر. وأوضح مرشح حركة النهضة الإسلامية، الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية، "ستشمل المفاوضات الأحزاب الممثلة في البرلمان والمنظمات الوطنية وشخصيات وطنية وسياسيين من ذوي الخبرة والمجتمع المدني".

وتابع الجملي قائلا "سأكون منفتحا على كل الكفاءات والأحزاب السياسية دون استثناء وكل من يرغب في المشاركة وتحسين الأوضاع الصعبة". ولن تكون المفاوضات يسيرة في ظل التباين الكبير بين مرجعيات الأحزاب المرشحة لدخول الائتلاف بقيادة حركة النهضة، وفي مقدمتها حزب "قلب تونس" الليبرالي الذي يمثل الكتلة الثانية في البرلمان من جهة و"ائتلاف الكرامة" اليميني المحافظ من جهة أخرى. كما أن أحزاب "حركة الشعب" و"التيار الديمقراطي" و"تحيا تونس" الفائزة بمقاعد في البرلمان لم تحسم موقفها بعد من الانضمام الى الحكومة. ومضى الجملي قائلا: "من السابق لأوانه الحديث عن آجال تكوين الحكومة. يرتبط هذا بسلاسة المفاوضات ولكن لدي أمل وحرص بأن تكون المدة خلال شهر". ويقدم الجملي(60 عاما) نفسه على أنه تكنوقراط.

تباين الاراء

أرجأت معظم الأحزاب السياسية المعارضة والنقابات المهنية التونسية وكما نقلت بعض المصادر، حكمها النهائي على الحبيب الجملي رئيس الحكومة المكلف، ولمحت إلى ضعف الماضي السياسي لمرشح حركة النهضة لرئاسة الحكومة المقبلة، والخبرة اللازمة له لقيادة الحكومة المقبلة. ويبقى أن لدى رئيس الحكومة المكلف شهراً يجدد لمرة واحدة لعرض تشكيلة حكومته على الأطراف السياسية التونسية واختيار من سيتولون الحقائب الوزارية في حكومة تعهد لها ملفات اجتماعية واقتصادية شائكة.

وكان الحبيب الجملي أكد إثر تكليفه رسمياً من قبل الرئيس التونسي قيس سعيد أن المقياس في اختيار أعضاء الحكومة هو الكفاءة والنزاهة مهما كانت انتماءاتهم السياسية. ولمح إلى ضرورة تعاون المنظمات الوطنية لتنفيذ برنامج حكم مشترك بين جميع مكونات المجتمع التونسي. وفي هذا الشأن، أكد سامي الطاهري، المتحدث باسم اتحاد الشغل (نقابة العمال)، الطرف الاجتماعي القوي، أن من اختار الجملي عليه أن يتحمل مسؤولية اختياراته على حد تعبيره، في إشارة إلى ضرورة تحمل «النهضة» للمسؤولية. وأفاد بأن اتحاد الشغل سينتظر عرض برامج واختيارات رئيس الحكومة المكلف والفريق الحكومي الذي سيشكله لتنفيذ تلك الخيارات لاتخاذ موقف من الحكومة.

أما اتحاد الصناعة والتجارة (مجمع رجال الأعمال) فقد أبدى بدوره تحفظه من مرشح حركة النهضة، وقال رئيسه سمير ماجول، إنه كان يحبذ حكومة كفاءات، وذكر بضرورة محافظة رئيس الحكومة المكلف على استقلاله، وأن يكون «مستقلاً بالفعل»، على حد تعبيره. وعلى مستوى الأحزاب السياسية، فاجأ حزب النهضة عدداً من الأطراف السياسية باختيارها أحد أعضاء حكومتي حمادي الجبالي وعلي العريض وهما قياديان من حزب النهضة الذي تزعم المشهد السياسي إثر انتخابات2011، غير أن راشد الغنوشي أكد على خبرة ذلك المرشح ونقاوة ملفه الإداري وتجربته الطويلة في التعامل مع الملفات الإدارية، ليفرز هذا التكليف خسارة مضاعفة لكل من حزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب على وجه الخصوص فيما خرج حزب قلب تونس الذي يرأسه نبيل القروي أبرز مستفيد.

اضف تعليق