الصراعات بكل أنواعها تعد حالة طبيعية بين بني البشر، لكنها في حالة عدم احتوائها سوف تهدر الكثير من فرص البناء التي تحتاجها المجتمعات التي لا تزال متأخرة عن غيرها، علماً أن البناء بكل أنواعه ليس سهلا، ولا هو بالمتاح لكل من يشاء، فهناك مستلزمات وشروط ينبغي...
الصراعات بكل أنواعها تعد حالة طبيعية بين بني البشر، لكنها في حالة عدم احتوائها سوف تهدر الكثير من فرص البناء التي تحتاجها المجتمعات التي لا تزال متأخرة عن غيرها، علماً أن البناء بكل أنواعه ليس سهلا، ولا هو بالمتاح لكل من يشاء، فهناك مستلزمات وشروط ينبغي أن تتوافر في من يروم الشروع بعمليات بناء التعليم أو الاقتصاد أو السياسة وغيرها، وكل عملية بناء تصاحبها معوقات ومشاكل تتوزع بين البسيط والمعقد والمحسوب والطارئ، لذلك على كل من يروم البناء الفردي أو الجمعي أن يتوقع مواجهة سلسلة من المشكلات لها أول وليس لها آخر، فقد قال أحد المفكرين، إن الحياة عبارة عن سلسلة من المشاكل لا تتوقف، الناجح هو من يتصدى لها، والفال هو من يهربُ منها.
إن الناس بطبعهم يفرون من المشاكل ويفلون عدم مواجهتنا طلبا للراحة، وهو سلوك غير سليم لكنه قد يرتكز على ثقافة أو طريقة عيش يعتادها المجتمع، وقد ضُربت الأمثال الشعبية عن هذه الحالة الرديئة كما نطالع في المثل التالي: (الباب اللي تجيك منه الريح سده واستريح)، وهو مثل يدعو الناس إلى عدم مواجهة المشاكل في حين أن من يريد النجاح في حياته فردا كان أو شعبا يجب عليه أن يتعامل من المعوقات والمصاعب ولا يتهرب منها.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في إحدى كلماته التوجيهية القيمة: (عادةً ما يفرُّ الناس من المشكلات، كالفقر والمرض لا سمح الله، وكذلك المشاكل الاجتماعية والمشاكل العائلية والمشاكل السياسية).
بالطبع مواجهة المشاكل تتطلب تضافر الجهود كافة، وعلى الأصعدة كافة، وإن كنا منشغلين بالصراعات الداخلية فلا ريب أننا سوف نفشل قي مواجهة مشاكله ومعوقاته، حتى الفرد يخضع لهذا القانون والأسرة كذلك، فإن كانت غاطسة في خلافاتها العائلية وما يدور بين أفرادها من صراعات، فإن فرص تقدمها وبناءها الصحيح تكون قليلة إن لم تكن معدومة، يُضاف إلى ذلك أن البحث الراحة وعدم مواجهة المصاعب ستكون سببا في تأخر الفرد والمجتمع في حياته الراهنة (الدنيا)، بالإضافة إلى أنها سوف تتسبب بالحسرة في الآخرة.
فالإنسان الذي يتهرب مما يتعبهُ، ويبحث دائما عما يريحهُ، سوف لا تتم مساواته مع الإنسان الذي يقضي حياته في حالة متواصلة من التضحية والمواجهة من أجل تثبيت عقيدة أو مبدأ أو لدعم الخير وفقا لقاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(إنّ ساعات الراحة في الدنيا هي ساعات الحسرة في الآخرة).
مشاكل عصرنا قابلة للزوال
ومما تجدر الإشارة له، أن تقدم التكنولوجيا يسر الكثير من من جوانب الحياة اليوم، والتي كانت حتى الأمس القريب تعد من العوائق العصيبة التي واجهها أناس الزمن الماضي، كما أن عصر التكنولوجيا والآلة جعل من الإنتاج أضعاف ما كان عليه بالأمس، فما كان يبذله الإنسان سابقا كان كبيرا قياسا لما ينتجه العمل المبذول أما اليوم فمقابل جهد قليل يحصل الإنسان على نتائج كبيرة بمساعدة التكنولوجيا، التي يفترض أنها ساعدت البشرية كثيرا وقللت من حجم المشكلات التي يواجهونها في عمليات البناء بمختلف أنواعه.
لذا لا يصح للإنسان فردا كان أو جماعة أن يتهرب من المشاكل بل يواجهها ويضحي بوقته وفكره وأمواله وحتى بأمنه في بعض الأحيان عندما يتطلب العمل مخاطرة معينة كما في الدفاع عن العقيدة والمبادئ في عصور الطغاة الذين حاربوا الإيمان والمؤمنين خوفا منهم على عروشهم التي تهتز بمجرد أن يصر المؤمنون على مبادئهم وعقيدتهم والتاريخ مليء بالأمثلة والشواهد الدالة على استعداد المؤمنين للتضحية بالغالي والنفيس مقال إجراءات الطغاة القمعية، لذا على الناس الآن أن يستعدوا للتضحية في مواجهة مشاكل الحياة المختلفة، ويغلقوا نوافذ الصراعات الداخلية ما أمكنهم ذلك للتفرغ لمواصلة الكدح والعمل بلا توقف.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(نحن في عصر مشاكله أقلّ من العصور السابقة، ونتائج العمل فيه أكثر من العصور السابقة)
ولا يمكن أن ننفي صعوبة بعض المشاكل وكيفية التعاطي معها، لأن واقع عصرنا الراهن يؤكد أن هناك معوقات عصيبة ومجهدة، لكنها من جانب آخر لها طابع الوجود المؤقت، فهي ليست مزمنة أو دائمة، ومن الممكن التعامل معها وتجاوزها إلى ما أفضل، لكن يحتاج الأمر إلى استعداد وتهيؤ وتصميم على المواجهة، وعدم التهرب أو البحث عن الراحة وغض الطرف عن المشكلات التي يجب مواجهتها بتصميم عال يؤدي إلى تحييدها والقضاء عليها.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكد ذلك بالقول: (بلى قد تكون المشاكل في بعض البلدان شديدة، كمشكلة داعش وأمثالها، لكن هذه مشاكل مؤقتة).
ما المشكلة التي يواجهها الشيعة؟
وقد عرج سماحة المرجع الشيرازي على جانب من المشاكل التي يواجهها الشيعة في عالم اليوم، فالشيعة كما هو معلوم يمتلكون الكثير من الطاقات المتميزة في مجالات الحياة المختلفة، ولديهم مواهب فريدة من نوعها في بعض الحقول العلمية والعملية، بيد أنهم منشغلون بأمور أخرى لا تستحق الانشغال مطلقا، ونعني بها تلك الصراعات الداخلية التي تهدر الكثير من طاقاتهم وقدراتهم وأوقاتهم وحتى مواردهم، وهم في هذا يدخلون في ضياع الإمكانات والموارد في وقت يحتاجونها أشد الاحتياج، لذا هذا الأمر يدعو للأسف حقا.
فالمطلوب أن يتماسك الشيعة والمسلمون جميعا، وأن لا يهدروا قدراتهم في خلافات داخلية لا طائل منها، ولا تجدي أي نفع، سوى إلهاء الناس عما هو أهم بالانشغال والمواجهة، فالعالم يتقدم إلى أمام بطريقة هائلة، وتحقق الأمم والدول وحتى الأقليات خطوات كبيرة في مجال التفرد والابتكار ومواكبة العصر، في حين ننصرف نحن في الصراع الداخلي الذي يلحق الأذى بالجميع دون استثناء، من خلال التفريط بالفرص وهدر الأموال التي يمكن توظيفها في مشاريع إستراتيجية تجعل منا في مقدمة الأمم كما كنا في عهود سابقة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) حول هذه النقطة بالذات:
(المشكلة الكبيرة للشيعة التي تدعو إلى التأسّف حقّاً، هي إنّ طاقات الكثير من الشيعة تُصرف في الصراعات الداخلية، وبالأخص الأموال. بلى إنّ كل الأمم والمذاهب عندهم صراعات داخلية، لا شكّ، ولكن عند الشيعة أكثر).
لذلك لابد من الانتباه إلى أن الحياة لا يمكن أن تخلو من العقبات والمشكلات، وهناك حالة واحدة يمكن للإنسان أن يتجنب فيها المشكلات، وهي أن ينعزل ويجلس في البيت ينام ويأكل ويشر من دون أي دور مشرف في إدامة الحياة، وهذه الحالة من السبات والانعزال تتناقض مع الهدف من خلق الإنسان الذي جاء إلى المعمورة لا لينام أو ليأكل ويشرب فقط، وإنما كي يعمر الحياة، ويصنع الركيزة الصحيحة لمستقبل مضمون للأجيال القادمة، فنحن هنا على الأرض كي نواصل العمل دونما توقف وبلا كلل أو ملل أو تعب، هذا هو دور الإنسان في الحياة، أن يواجه المصاعب بعيدا عن نوعها ومدى صعوبتها، وأن يواصل العمل ويصد المشاكل، لأن الحياة للعاملين وليس للنائمين الكسولين المتهربين.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(رغم كل المشاكل، ورغم كل السلبيات، على الإنسان أن يواصل، وبالنتيجة يوفّق بعض الشيء، لأنّه إذا لم يواصل لا يوفّق حتى لبعض الشيء هذا. بالنتيجة الحياة للعاملين، والحياة للمواصلين في العمل).
اضف تعليق