q
مرة أخرى يجد الاقتصاد الأرجنتيني نفسه وسط أزمة، حيث أن انخفاض قيمة العملة المحلية والرفع الكبير في معدل الفائدة إلى 60 بالمائة، في محاولة يائسة من البنك المركزي لاحتواء انهيار البيسو، فتحا الباب أمام سيناريوهات تتسم بعدم اليقين على نطاق واسع، فشبح الإفلاس يخيم على الأرجنتين...

مرة أخرى يجد الاقتصاد الأرجنتيني نفسه وسط أزمة، حيث أن انخفاض قيمة العملة المحلية والرفع الكبير في معدل الفائدة إلى 60 بالمائة، في محاولة يائسة من البنك المركزي لاحتواء انهيار البيسو، فتحا الباب أمام سيناريوهات تتسم بعدم اليقين على نطاق واسع، فشبح الإفلاس يخيم على الأرجنتين بعدما تحولت الديون إلى قضية سيادية، بينما تتفق الحكومة والمعارضة لأول مرة على ضرورة رص الصفوف ذوداً عن مصالح البلاد، كون الأرجنتين تعاني من ارتفاع حاد في نسبة الفقر والبطالة. ورغم وعود الرئيس الأرجنتيني الجديد ماوريسيو ماكري باتخاذ خطوات لإنعاش الاقتصاد وتحسين ظروف الأرجنتينيين، لا زال الكثير من الأرجنتينيين يكافحون من أجل تأمين لقمة عيشهم.

فكما يبدو أن محاولات الأرجنتين لوقف أزمة اقتصادية من التصاعد لا تعمل. انخفض البيزو إلى مستوى قياسي منخفض، وأصبح أكثر تكلفة على أي شخص أن يقترض. رفع البنك المركزي سعر فائدته إلى 60 في المائة، وهو أعلى سعر في العالم.

وتعد الأرجنتين واحدة من البلدان التي تخطت ديونها حاجز الـ100 مليار دولار رغم أنها كانت تعتبر من الاقتصاديات المتقدمة، فقد تعرض البلد لأزمة دستورية خانقة أدت إلى تدهور الوضع السياسي الداخلي، ما أدى إلى توالى خمس رؤساء على السلطة وهو ما لم تشده الأرجنتين في تاريخها.

فقد هبط البيزو Peso الأرجنتيني إلى مستويات قياسية أمام الدولار الأمريكي، فقد خسر أكثر من أربعين بالمئة من قيمته مقابل الدولار. يأتي هذا وسط اضطرابات شديدة في أسواق المال والعملة في الأرجنتين بسبب حالة الغموض بشأن التضخم والتراجع الاقتصادي والعجز في الميزانية وارتفاع الأسعار.

ويرى خبراء الاقتصاد ان الأداء الضعيف جاء بعد موجة مبيعات في العملة الأرجنتينية (البيزو) دفعت البلاد إلى توقيع اتفاق تمويل بقيمة 50 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي. ويدعم اتفاق البلاد مع الصندوق توجهات الحكومة التي تتطلع إلى الحد من عجز الموازنة بعد أن وصل إلى 6.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي (شاملا خدمة الدين).

وتثير عودة الصندوق قلق المواطنين من تكرار تجربة الانهيار الاقتصادي التي شهدتها البلاد في 2000 - 2001. حيث يلقي باللوم على الصندوق في مفاقمة الديون الخارجية للبلاد آنذاك، ووصول الديون لمستوى قياسي عند 100 مليار دولار، بجانب السياسات التقشفية للصندوق التي أوقعت الملايين في براثن الفقر.

ومن بين أسباب التراجع الاقتصادي موجة جفاف ضربت قطاع الزراعة في الأرجنتين في أوائل 2018. وهوى الإنتاج الزراعي 31 في المائة في يونيو بينما انخفض قطاع الصناعات التحويلية 7.5 في المائة وهبطت تجارة التجزئة والجملة 8.4 في المائة.

وفي وقت مبكر من هذا الشهر، رفع البنك المركزي الأرجنتيني أسعار الفائدة إلى 45 في المائة، مقابل 40 في المائة، في اجتماع غير متوقع استهدف تخفيف الضغوط القائمة على العملة المحلية وكبح التضخم الذي وصل إلى 31 في المائة الشهر الماضي.

وما زاد من تعقيد الوضع الاقتصادي في البلاد هو فضيحة الفساد في عقود الأعمال العامة، حيث وجهت اتهامات إلى الرئيسة السابقة للبلاد كريستينا فيرنانديز دو كريشنر بتلقي ملايين الدولارات على سبيل الرشوة من الشركات التي تعاقدت معها الدولة ونفت الرئيسة كريشنر هذه الادعاءات.

و أصبحت الأرجنتين عاجزة عن تسديد ديونها - للمرة الثانية عام 2014، بعد انهيار محادثات في اللحظة الأخيرة بين الحكومة ومجموعة من حاملي السندات في نيويورك بهدف تجنيب البلاد الغرق في الديون، ويطالب المستثمرون بدفع كامل مستحقاتهم، البالغة 1.3 مليار دولار، وهى قيمة السندات التى يملكونها، وأعلنت الأرجنتين أنها غير قادرة على سداد هذه القيم، واتهمت المستثمرين باستغلال أزمة الديون لتحقيق أرباح ضخمة.

لذا يجد الأرجنتينيون أنفسهم مضطرين الى ايجاد طرق مبتكرة لمواجهة تفشي التضخم، الذي تقدره الحكومة بعشرة فاصلة ثمانية في المئة، ولكن الخبراء يقولون انه يصل في الواقع الى حوالى خمسة وعشرين في المئة، أي الى معدل قريب من ذلك الذي سجل أثناء الأزمة الاقتصادية الحادة في العام 2001.

تقلبات البيزو؟

أغلق البيزو الأرجنتيني مرتفعا 2.9 بالمئة يوم الخميس، في انعكاس لتفاؤل المستثمرين بأن البلد الذي يعاني ركودا سيتوصل إلى اتفاق جديد على تمويل مشروط من صندوق النقد الدولي بهدف ضمان قدرة الحكومة على الوفاء بديونها.

وجرى تداول البيزو عند 38.25 مقابل الدولار الأمريكي في نهاية الجلسة. وخسرت العملة المحلية نحو نصف قيمتها هذا العام مع قلق المستثمرين بشأن ما إذا كانت الأرجنتين ستفي بالتزامات ديونها العام القادم، وهو ما دفع الحكومة إلى طلب دعم من صندوق النقد، وقال متحدث باسم صندوق النقد الدولي يوم الخميس إن ”تقدما مهما“ تحقق في محادثات بين الصندوق والحكومة لتعزيز اتفاق قرض مشروط بقيمة 50 مليار دولار أُبرم في يونيو حزيران.، ويقول مستثمرون إن البيزو تلقى دعما أيضا من طلب قوي للمستثمرين الأجانب في مزاد لبيع ديون حكومية يوم الأربعاء. ويقول متعاملون إن أدوات خزانة قصيرة الأجل تُقدر قيمتها عند 950 مليون دولار بيعت إلى مستثمرين أجانب. وجرى إصدار أدوات الخزانة بسعر فائدة يبلغ 50 في المئة تقريبا. بحسب رويترز.

وبدأت موجة بيع البيزو في مايو أيار، مدفوعة بارتفاع التضخم وشكوك بشأن قدرة البنك المركزي على سداد ديونه المتنامية القصيرة الأجل. وانزلق الاقتصاد منذ ذلك الحين إلى الركود، مع وصول التضخم إلى أكثر من 34 بالمئة في الاثني عشر شهرا حتى أغسطس آب، وفي الشهر الماضي، اضطر الرئيس ماوريسيو ماكري لإعادة التفاوض على اتفاق صندوق النقد، طارحا سياسات تهدف إلى التخلص من العجز في ميزانية البلاد العام القادم مقابل صرف أموال من صندوق النقد بمعدل أسرع من المخطط.

وتتوقع إدارته أن يبلغ العجز هذا العام 2.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وكشفت الحكومة يوم الاثنين عن مقترحها لميزانية 2019، عارضة تخفيضات في الإنفاق وزيادات في الضرائب على الصادرات كوسيلة للوصول إلى التوازن في الميزانية.

في وقت سابق شهد البيزو الأرجنتيني خمسة أيام متتالية من التراجع وخسر الجمعة 0,72% مقابل الدولار في سوق القطع، ليصل تراجعه الإجمالي هذا الاسبوع إلى 6,81% بالرغم من عدة تدخلات للبنك المركزي.

وكان صندوق النقد الدولي منح الأرجنتين في حزيران/يونيو قرضا بقيمة 50 مليار دولار إثر أزمة مالية أولى في نيسان/أبريل وأيار/مايو، مع دفعة فورية قدرها 15 مليار دولار، وكانت حكومة الرئيس ماوريسيو ماكري من وسط اليمين تعتقد أن ذلك سيكون كافيا، لكن مع الأزمة النقدية في آب/أغسطس اضطرت الأرجنتين إلى طلب تسديد دفعات مبكرة لإرساء الاستقرار في اقتصادها، وتعاني الدولة على غرار دول ناشئة أخرى، من أزمة ثقة داخلية تتزامن مع ظروف دولية غير مؤاتية، مع ارتفاع نسب الفوائد في الولايات المتحدة، وخسر البيزو 50% من قيمته منذ مطلع العام، وتشير التوقعات إلى أن معدل ارتفاع الأسعار السنوي سيقارب 45% عام 2018، بزيادة ثلاثة أضعاف عن التوقعات الحكومية الأساسية.

تقشف جديد

أعلن الرئيس الارجنتيني ماوريسيو ماكري الاثنين إجراءات تقشف جديدة، تتضمن خفض عدد الوزارات وفرض ضرائب قاسية على الصادرات لتقليل عجز الموازنة وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، واقر ماكري في خطاب للأمة أن الارجنتين تواجه "حالة طارئة"، وقال في خطاب متلفز "لابد أن نواجه معضلة أساسية" ألا ننفق أكثر مما نملك وان نبذل جهودا لتحقيق التوازن في ميزانية الدولة"، والارجنتين احد اكبر مصدري الذرة وفول الصويا.

ومتحدثا إلى المصدرين الزراعيين الأغنياء الذين يواجهون الآن ضرائب صادرات، قال ماكري "ندرك أنها ضريبة سيئة ولكنني اطالبكم بأنّ تتفهموا أنها حالة طارئة"، وفي محاولة لتهدئة مخاوف شعبه المتزايدة بخصوص تطبيق إجراءات التقشف، قال ماكري إنه سيخصص المزيد من المساعدات للفقراء في البلاد والذين يعانون من أثار التضخم المرتفع.

وقال ماكري "سنتجاوز الازمة عبر الاعتناء بالأكثر احتياجا"، ووعد "باعتمادات اضافية وبرامح للاغذية ووضع حد أقصى لأسعار بعض السلع"، كما أوضح أنه سيتم تقليص عدد من الوزارات مما سيخفض الموازنة وعدد الموظفين.

واقر وزير الاقتصاد الأرجنتيني نيكولاس دوخوفن في مؤتمر صحافي لاحق بأن "أخطاء ارتُكبت" في إدارة الاقتصاد، معلنا إجراءات للحد من عجز الموازنة إلى 1,3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2019. بحسب فرانس برس.

وجاءت تصريحات دوخوفن قبل توجهه إلى واشنطن للقاء مسؤولي صندوق النقد الدولي الثلاثاء لوضع الصيغة النهائية لاتفاق تسريع منح بلاده قرضا بقيمة 50 مليار دولار تم التوصل إليه في حزيران/يونيو الفائت.

قرض صندوق النقد الدولي

قال صندوق النقد الدولي في بيان إن مجلسه التنفيذي وافق يوم الأربعاء على اتفاق تمويل بقيمة 50 مليار دولار للأرجنتين، وسيصرف على الفور 15 مليار دولار إلى الحكومة الأرجنتينية، وقال صندوق النقد إن الحكومة تعتزم أن تتعامل مع بقية المبلغ كتمويل ”إحتياطي“، مضيفا أن صرف أي شرائح أخرى من الأموال سيخضع لمراجعة ربع سنوية سيجريها المجلس التنفيذي، وقال الصندوق إنه بمقتضى الاتفاق فإن السلطات الأرجنتينية ستستخدم نصف الشريحة الأولى من التمويل، أو 7.5 مليار دولار، لتسريع جهودها لخفض العجز في الميزانية، وكان البلد الواقع في أمريكا الجنوبية قد أعلن في مايو أيار أنه يسعى للحصول على تمويل من صندوق النقد وذلك بعد هبوط حاد في قيمة العملة المحلية (البيزو). وتنطوي هذه الخطوة على مخاطر سياسية للرئيس موريسيو ماكري لأن معظم الأرجنتينيين يلقوم باللوم على سياسات تقشفية فرضها صندوق النقد في مفاقمة أزمة اقتصادية ضربت البلاد في 2001-2002، وقال الرئيس الجديد للبنك المركزي لويس كابوتو إن وصول أموال صندوق النقد سيساعد في استقرار سوق الصرف الأجنبي بالبلاد.

أزمة العملة تنشّط السياحة

مصائب قوم عند قوم فوائد ... فتراجع سعر صرف البيزو مقابل الدولار ينعكس إيجابا على السياح في الأرجنتين الذين باتت رحلاتهم أرخص بكثير من المتوقّع، ويقول السائح البرازيلي بيدرو دي أزيفيدو "في عشرة أيام أنفقنا أقل بكثير مما كنا نظنّ"، وهو يزور بوينوس ايرس مع زوجته وأولاده الثلاثة.

ويوضح قائلا "لقد حدّدنا ميزانية سبعة آلاف ريال (1500 يورو)، لكننا لم ننفق سوى ما بين ثلاثة آلاف و3500"، والسبب في ذلك أن البيزو الأرجنتيني فقد 20 % من قيمته مقابل الدولار قبيل وصولهم، علما أنه فقد 50 % من قيمته منذ مطلع العام.

ومع أن الريال البرازيلي تعرّض هو أيضا لبعض الهزّات لكنه بقي متماسكا مقارنة بعملة الأرجنتين، ويقول هذا المحامي البرازيلي لمراسل وكالة فرانس برس قبيل العودة إلى بلده مع عائلته "لقد تمكّنا من شراء كلّ ما نريده، وزرنا كلّ المواقع السياحية في بوينوس ايرس"، في أحد أزقّة حي سان تيلمو التاريخي، تتحدّث سائحة فرنسية أتت برفقة صديقها عن دهشتها لتهاود الأسعار. بحسب فرانس برس.

وتقول "الكتيّبات السياحية تشير إلى أن الأسعار في الأرجنتين هي من الأعلى في أميركا اللاتينية، لكننا في عشرة أيام أنفقنا أقل بكثير مما كنا نتوقّع"، وإذا كان الأمر كذلك للسياح الآتين إلى الأرجنتين، إلا أن الحال معاكس لدى الأرجنتينيين الراغبين بالسياحة في الخارج، وتقول رومينا فالنسيزي، وهي محامية في الرابعة والثلاثين تستعدّ للذهاب في رحلة إلى إسبانيا وإيطاليا "كلّ الأسعار تضاعفت".

فقبل ستة أشهر حجزت تذكرة الطائرة بسعر جيّد، لكن مصاريف الإقامة والطعام تضاعفت في حساباتها لأن الدولار كان يساوي 18 بيزوس في كانون الثاني/يناير وأصبح اليوم يساوي 38، فتدهورت قدرتها الشرائية، وتقول "عليّ الآن أن أدفع مصاريف الفنادق ... لا تحتمل ميزانيّتي ذلك"، ويقول فنسان شوفالييه، وهو فرنسي يملك شركة سياحة في بوينوس ايرس منذ 28 عاما "انخفضت مبيعاتنا بما بين 25 % و30 % في الأسابيع الماضية، وقد بدأت الأزمة تلقي ظلالها على السياحة الداخلية أيضا".

اضف تعليق