فعملية الرَّبط بين السماء والأرض يجب أن تكون دائمة ومستمرة وهذا ما يكون في ليلة القدر العظيمة في كل عام وحيث أنها خير من ألف شهر بدون ليلة القدر، فليلة القدر عظمتها بنزول القرآن الصامت كاملاً ودفعة واحدة على الكتاب الناطق والرسول الأعظم ليكون دستوراً يجب تطبيقه لرفع...
مقدمة عقائدية
الله سبحانه خلق الإنسان ولم يتركه سدى بل كرَّمه وفضَّله على كثير من المخلوقات الأخرى، فوهبه العقل ليكون ميزاناً داخلياً فيه ليقيس به المسائل والأشياء، ثم أعطاه الإرادة ليفعل ويترك بحرية ومشيئة منه، وذلك ليكون مسؤولاً عن نفسه ومحاسباً على أعماله وتصرفاته، كما أنه فضَّله بأفضل تفضيل وأكمل كرامة حينما ربطه بالسماء مباشرة، ولم يتركه يعيش على هواه في هذه الدنيا كبقية الحيوانات.
ومسألة ربط الإنسان بالسماء هي مسألة أساسية في هذا الكون، وهي من الأصول التي لا يمكن الاستغناء عنها منذ آدم الأول وهبوطه إلى هذه الأرض نبياً من الصالحين، مقارناً بإبليس الغوي الرَّجيم، فالنبوَّة والرِّسالة عندما تطوَّر الإنسان وانتقل من مرحلة البداوة الأولى التي كانت أشبه بحياة الحيوان إلى نوع من الاستقرار والحياة الاجتماعية الحضرية فانتقلت رسالة السماء من النبوة الضيِّقة إلى الرسالة الموسَّعة على يدي رسول الله نوح (ع) الذي عاش طويلاً ربما ثلاثة آلاف عام يدعو قومه إلى عبادة الله ويعيدهم إلى ارتباطهم بالسماء وأن يفك ارتباطهم بالشيطان اللعين الرجيم وعبادة أشياء الأرض كالأصنام والأوثان، حتى أن الله أبادهم عن بكرة أبيهم بالطوفان المعروف ليطهِّر الأرض منهم وينشئ من بعدهم قوماً آخرين يوثقون ارتباطهم بالسماء لا سيما بالعبادة الخالصة والمخلصة لله تعالى رب الأرض والسماء وما بينهما الواحد القهار.
الكتب السماوية
والرابطة الفعلية بين الإنسان والرب، وبين السماء والأرض، لها ركنان أساسيان مترابطان ومتكاملان لا ينفصلان ولا يتعارضان، وكل منهما طرف من الأعلى والطرف الآخر من الأدنى، وهما ما عبَّر عنهما مراراً وتكراراً الرسول الأعظم (ص) في أحاديثه وأقواله الأخيرة في حجة الوداع وما بعدها والمعروف بحديث الثقلين المتواتر في هذه الأمة، وله ألفاظ مختلفة، لأنه كان في أماكن وظروف مختلفة ولكن الجوهر واحد، قال (ص): (وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُما كِتَابُ اللهِ، فيه الهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا به، فَحَثَّ علَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قالَ: وَأَهْلُ بَيْتي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتي). (صحيح مسلم: 2408 وهو صحيح)
وذلك لأن لله حجتان على هذا الإنسان المكرَّم وهما (حُجَّةً ظَاهِرَةً، وَحُجَّةً بَاطِنَةً، فَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَالْأَئِمَّةُ، وَأَمَّا الْبَاطِنَةُ فَالْعُقُولُ)، فيجب أن يتكاملا ويترابطا مع حجة السماء فكان لا بدَّ من الكتب والصحف المنزلة من الله تعالى على الأنبياء والرسل الكرام ليكون أبلغ في الحجة وألزم بالالتزام، فكان هذا الترابط العضوي الحقيقي بين الكتاب المعصوم، والعترة الطاهرة المعصومة، وذلك لضمان عصمة الأمة من الضلال والانحراف ولذا رسول الله (ص) كان يؤكد ذلك بقوله: (ولن يفترقان حتى يردا عليَّ الحوض)، فنفي الضلال في الأمة يقترن بتلازم الثقلين العظيمين الكتاب كنص صامت من السماء، والعترة الطاهرة ككتاب ناطق من الأرض، وضرورة الكتاب الناطق ألزم من الصامت لأنه يفسره ويؤوله في أرض الواقع وفي حياة الناس، وهو دور أئمة المسلمين من آل محمد (صلوات الله عليهم) الذين تنكَّرت لهم الأمة، وجحدتهم حقهم الذي جعله الله لهم جعلاً تكوينياً وتشريعياً، ولذا ضلوا وزلُّلوا وذُلُّوا منذ ذلك اليوم الذي تركوا فيه إمامهم ونصبوا من عند أنفسهم خليفة وحاكماً عليهم لا يعرف الخمسة من الطمسة، ولا يميِّز كوعه من بوعه، فكيف يهديهم وهو بحاجة إلى هداية كما قال ربنا سبحانه: (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (يونس/35)
تكامل الإنسان بالثقلين
والإنسان هبط من السماء وجنَّة الحق، إلى الأرض ودنيا الابتلاء والامتحان والعمل، وفيه كل ما يلزمه للتكامل من عقل وإرادة داخلية ورسول وكتاب خارجي، ولم يبقَ عليه إلا الطاعة التي هي الجوهرة التي تميِّزه عن غيره وبها يتفاضل بين أبناء جنسه وخلاصتها التقوى، ولذا جعلها الله المقياس لديه فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات/13) فهي المعيار والميزان وليس أي شيء آخر، فلا الأقوى، ولا الأجمل، ولا الأطول ولا الأغنى، بل التقوى هي التي تعطيه الكرامة عند ربه سبحانه حتى ولو كان عبداً زنجياً، والمعصية تذلَّه حتى لو كان سيداً قرشياً كما في الحديث الوارد.
ولا يمكن للإنسان أن يتكامل في حياته ويتسامى في نفسه وروحه بمعزل عن ذلك كله وبمعزل عن الثقلين ولذا أكبر ضربة وُجِّهت لهذا الدين العظيم هي الفصل بين الكتاب النازل من السماء، والتطبيق الواجب في الأرض، ولذا كانت نظرية رجال قريش (حسبنا كتاب الله) هي الإسفين الذي دُقَّ في ظهر هذا الدِّين فراح يتفرَّق إلى فرق مختلفة يجمعها الضلال وتلفها الظلمات لأنها كلها بُنيت على الباطل والتفريق بين الثقلين الذين لا يفترقان إلا على حوض الكوثر، فالذي ألَّف هذه الأمة منذ البداية تقارن نزول القرآن الحكيم على الرسول الكريم في غار حراء، ويجب أن يستمر بالقرآن الكريم مع الإمام الحاكم وليس الخليفة الظالم، وهذا بالضبط ما يجب أن يحصل في اجتماعهما لتكون الأمة الوسطى وخير أمة أخرجت للناس يقودها إمام ناطق يطبَِّق الكتاب الصامت.
ليلة القدر العظيمة
فعملية الرَّبط بين السماء والأرض يجب أن تكون دائمة ومستمرة وهذا ما يكون في ليلة القدر العظيمة في كل عام وحيث أنها خير من ألف شهر بدون ليلة القدر، فليلة القدر عظمتها بنزول القرآن الصامت كاملاً ودفعة واحدة على الكتاب الناطق والرسول الأعظم ليكون دستوراً يجب تطبيقه لرفع أهل الأرض إلى السماء إذا ما طبَّقوا وأطاعوا الرسول في كل ما يأمرهم به، ولكنهم كان الرسول الأكرم يقول بأمر الله وهم يقولون بآرائهم، وفي كل أمر يأمرهم به يسألونه: (هذا منك أو من الله)، وكأنهم كانوا يفرقون بينهما وهم يقرأون في كتاب الله (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم/4)، فنطقه بل ونفسه الشريف كان بأمر الله وسورة النجم كانت من أوائل السور المكية، ولكنهم كانوا في شك منه مريب للأسف الشديد لأنهم لا يريدون الطاعة بل يختلقون الأعذار، لا سيما عندما يتعلق الأمر بوصيه وأهل بيته حفظة الكتاب والشريعة والأمة.
فليلة القدر يكمن سرها وعظمتها بهذا الاتصال بين السماء والأرض حيث (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (القدر/5)، فهذا التنزُّل لا يكون اعتباطياً -حاشا لله- ولا على الحاكم الظالم الجائر الذي لا يفقه من الدين إلا لماماً، بل تتنزل الملائة على مَنْ خير وأفضل من الملائكة وهو الإمام المعصوم المفترض الطاعة، وليس على أحد غيره من أهل الأرض الذين هم ليسوا بمستوى أن تتنزَّل عليهم الملائكة بأوامر السماء لسنة كاملة فمَنْ يحتمل أو يطيق ذلك إلا المخلَصين من عباده؟
ولذا ورد في الروايات الشريفة أمرهم بأن نخاصم بهذه السورة المباركة، فعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الباقر (عليه السلام)، قَالَ: (يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ؛ خَاصِمُوا بِسُورَةِ (إِنّا أَنْزَلْناهُ) تَفْلُجُوا (تنجحوا)، فَوَ اللهِ؛ إِنَّهَا لَحُجَّةُ اللهِ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ عَلَى الْخَلْقِ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، وَإِنَّهَا لَسَيِّدَةُ دِينِكُمْ، وَإِنَّهَا لَغَايَةُ عِلْمِنَا) (الكافي: ج 1ص 619)
فهذه حجة واضحة لهذه الأمة على أئمة الجور والضلال إذا ما خاصمناهم وسألناهم: على مَنْ تنزَّل الملائكة في ليلة القدر؟ فإنهم يُخصمون ويسكتون ولا يمكن أن يدَّعون أنها تنزل عليهم، لأن كذبهم سيفضحهم، ولكن أبعدوها من مسارها الصحيح كما فعلوا في كل القرآن الحكيم الذي هجروه من التطبيق في واقعهم وراحوا يتغنون به ويتزينون به في مجالسهم وكأن القرآن نزل لعبد الباسط ليتغنى به ويتقلَّب به في صوتهن أو من أجل أن نزخرفه بأنواع الزخارف ونكتبه بماء الذهب ونضعه على صدر المجالس، كلا وألف منها لم ينزل القرآن الحكيم إلا ليحكم به (النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء) (المائدة: 44)، وهؤلاء ثلاث أجيال متعاقبة تحكم بكتاب الله تعالى النبي الأكرم، ومن بعده الوصي المنصوص والمنصَّب، ومن بعده العلماء الفقهاء العدول الذين يحرصون كل الحرص على تطبيق الكتاب في واقع الأمة.
شهر رمضان وربط الأرض بالسماء
والعجيب أن هذا الشهر الكريم هو شهر ربط الأرض بالسماء لأنه نزلت به كل الكتب السماوية -على ما يبدو- وليس القرآن الحكيم فقط، فقد ورد في الرواية عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (شَهْرُ رَمَضانَ اَلَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ اَلْقُرْآنُ)، وَإِنَّمَا أُنْزِلَ فِي عِشْرِينَ سَنَةً بَيْنَ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): نَزَلَ اَلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَى اَلْبَيْتِ اَلْمَعْمُورِ، ثُمَّ نَزَلَ فِي طُولِ عِشْرِينَ سَنَةً، ثُمَّ قَالَ: قَالَ اَلنَّبِيُّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): نَزَلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَتِ اَلتَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ اَلْإِنْجِيلُ لِثَلاَثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ اَلزَّبُورُ لِثَمَانِيَةَ عَشَرَ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ اَلْقُرْآنُ فِي ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ). (الکافي: ج۲ ص6۲۸)
فشهر رمضان المبارك هو شهر الله الذي ربط أهل الأرض بالسماء حيث نزلت كل الكتب على الأنبياء والرسل الكرام فيه، رغم أنه يكفي نزول القرآن كاملاً فيه لنقول ذلك لأن القرآن الحكيم خلاصة كل الكتب السماوية وجامعها وهو الدستور الكامل المنزَّل على الرسول الخاتم (ص)، كما أن شرائعه أكمل وأشمل الشرائع، وبذلك أكمل الله الدين وأتم النعمة ورضي هذا الدين الحنيف للبشرية لتسير عليه فتحقق الفلاح في الدنيا والآخرة.
فرحة الإنسان بشهر رمضان
وجميل بل رائع ما جاد به السيد الشهيد السعيد حسن الشيرازي في أحاديثه الرمضانية حيق كتب يقول: "ولكن الإنسان قبل كل شيءٍ أحوج إلى مناهج تصمم إرادته وأقداره.. فالبالغ الذي استكمل رشده، وفتح عينيه، فرأى القانون يراقبه، والمجاهر تتـناهبه من جميع أطرافه، دون أن يعزب عنها لحظة أو أقل من لحظة، وعيون السماء مشرئبَّة تحصي أنفاسه في اليقظة والرُّقاد.. وتصوّر كل شيء منه حتى النفحة والنأمة، ورسل الملائكة يسجِّلون كل ما يلفظ ويعمل ويريد، (فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى) (طه/52).. ويجد أمامه خضم الحياة الهائج الرَّهيب، ويعلم: أنْ سوف تتلاقفه الأمواج الهادرة المريعة، ولا تسلِّم إلاّ الشاطئ إلاّ جثته يوم موته، حيث تخف بها إلى الجنّة، أو تجلد بها قرار الجحيم..
هذا الإنسان الواجف الرعديد، الذي إذا شاء أن يفتح حانوتاً، درس ـ باهتمام ـ بالغ موقع دكانه ـ ومركز بضاعته، ومستقبل السوق... وإذا أراد أنْ يركم لبناً على بعضها ـ باسم البيت ـ ليستريح إليها أحيان الفراغ، ويسلم إليها رأسه فرص الرقاد، فحص طبيعة الأرض، ووضع المكان ومناخ المنطقة، والجو والجيران.. وحتى إذا رام أنْ يمشي خطوات يتحسس مواضع أقدامه، ويبحث عن الهدى والنّور.
هذا الإنسان الذي ينبت على المزالق، ويعيش بين الجنّة التي لم يحلم بمثلها، والهاوية التي فغرت عن مخابئ السموم، وتكشّرت عن أضراس من نار...
هذا الإنسان التائه الجبان، فورما يتفتق وعيه، تستبد به الهواجس، ويلفه القلق والتيه، وتـنبض خواطره برشق من التساؤلات الهائمة الملحة، التي تنقر ذاكرته بلا انقطاع:
ـ من أنا؟.
ـ من أ ين جئت؟.
ـ إلى أين سأمضي؟
ـ لماذا جئت؟.
ـ من جاء بي؟.
ـ ما هو الذي دفعه إلى أن يخلقني؟.
ـ أين الطريق؟.
ـ من يقودني؟.
ـ من ذا يرافقني؟
ـ بماذا أتقوًّت عبر الطريق؟.
ـ ماذا أتزود؟.
ـ بأي شيء أدرأ الأهوال؟.
ـ كيف أسلم؟.
ـ ما هو مصيري؟.
وفيما هو نهب الاستجوابات التي تتوارد عليه بعنف بليغ، ويلتمس بصيصاً خافتا من النّور، يعالج جانباً يسيراً من هذه الطلاسم، إذا بكتب السماء، تسطر الأجوبة الواقعة المقنعة، بأسرع من تقافز الأسئلة في الخيال، وترشده إلى الحاجات الأخرى، التي ذهل عنها وهو يرزح تحت وطأة الارتباك وينشر أمامه الخطط والمناهج الكاملة، ويعين القادة الأمناء، ويسير المواكب، ويهيب بهذا الإنسان المتشنج: نهنه عن وجدك واضطرابك، وأخلد إلى الراحة إلى الراحة والهدوء، وطمئن نفساً وجأشاً. وسر مع القافلة، إن كنت تهاب واقعك، وتلتمس السعادة والنّجاة.
فتغمره الفرحة الكبرى، التي تتجدد، كلما عثر في الطريق على الهالكين، الذين هشمتهم الهاوية الظروسة، أو مزقتهم الأمواج لتسيغ ولائم الأسماك.. وهذه الكتب السماوية، التي حققت أماني البشرية، وانتصارها على الإرهاب. ومخاطرة الحياة تنزلت في شهر رمضان..
فالتوراة، نزلت في السادس من رمضان...
والإنجيل، نزل في الثاني عشر من رمضان...
والزبور، نزل في الثامن عشر من رمضان...
والقرآن، نزل في ليلة القدر..
فحق للبشرية أنْ تحيي رمضان، احتفالات عامة مستمرة، بفرحتها الكبرى، وانتصارها الأكبر...
وحق للمسلمين ـ بالخصوص ـ: أن يتخذوا من رمضان، أكبر أعيادهم، فالقرآن الذي هبط فيه لهم، ليس كتاباً سماوياً فحسب، ودستوراً سماوياً فقط، وإنما هو الإسلام كل الإسلام، ومصدر النبوّة، ودستور المسلمين، وملهم ثقافاتٍ وعلوم، ومعجزتهم الخالدة، التي تؤكد صدقهم، وشارة أسبقيتهم التي يديلون بها على العالمين، وأضخم رصيد يمتاحون منه ولا يترفون، والحصن والسلاح، الذي يتذرعون به ويزحفون...
وإذا كان الإسلام، الكلمة الأخيرة في قاموس السماء، ومنهاج البشرية ـ جمعاء ـ إلى يوم القيامة، وأوسع الأديان وأكملها، وفوق كل دين ومبدأ، وفوق كل شيءٍ... فما أجدر المسلمين، أنْ يتفوقوا على غيرهم في الاحتفاء بميلاد هذا الشرع العظيم، متمثلاً في نزول القرآن.. (حديث رمضان: الشهيد السيد حسن)
اضف تعليق