ملفات - شهر رمضان

لماذا يكتمون نهج الامام علي(ع)؟

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الثَّانيَةُ عشَرَة (٢٢)

الذينَ يخفُونَ حقائقَ نهجِ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) ويستُرونَ قيمَهُ ويطمسُونَ سيرتهُ في الحقِّ والعدلِ هُم أَخطرُ النَّاسِ على الإِطلاق، لأَنَّ [كُتمان البيِّنات والهُدى] كذِبٌ ونِفاقٌ وتضليلٌ وتدليسٌ ودجلٌ وهو مرضٌ نفسيٌّ أَقربُ إِلى الكُفرِ منهُ إِلى الإِيمانِ، فهي صِفةٌ بأَلفِ سيِّئةٍ ولذلكَ قال الله تعالى عن أَمثالهِم...

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ).

 إِنَّ الذينَ يخفُونَ حقائقَ نهجِ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) ويستُرونَ قيمَهُ ويطمسُونَ سيرتهُ في الحقِّ والعدلِ هُم أَخطرُ النَّاسِ على الإِطلاق، لأَنَّ [كُتمان البيِّنات والهُدى] كذِبٌ ونِفاقٌ وتضليلٌ وتدليسٌ ودجلٌ وهو مرضٌ نفسيٌّ أَقربُ إِلى الكُفرِ منهُ إِلى الإِيمانِ، فهي صِفةٌ بأَلفِ سيِّئةٍ ولذلكَ قال الله تعالى عن أَمثالهِم (أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ).

 لقد وصفَ القُرآن الكريم [الكُتمان] بأَشدِّ العِبارات وأَقساها فقال عزَّ مَن قائِلٍ؛

 (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۙ أُولَـٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

 (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗوَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ).

 (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا).

 (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ).

 (وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ ۖ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ۗوَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَاتَعْمَلُونَ عَلِيمٌ).

 تأسيساً على كُلِّ ذلكَ فأَنا أَرى أَنَّ الذين يكتمُونَ نهجَ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) على نوعَينِ؛

- النَّوع الأَوَّل هم أَعداؤُهُ وحسَّادهُ ومبغضِيه وهؤُلاء لا علينا بهِم هُنا فمواقفَهم معرُوفةٌ ونتائجَ أَفعالهِم محسُومةٌ، ولقد ابتُليَ بهِم الإِمام (ع) منذُ الصِّغر فلقد [بشَّرهُ] رسُولُ الله (ص) بذلكَ في قولهِ (لَوْ ضَرَبْتُ خَيْشُومَ الْمُؤْمِنِ بِسَيْفِي هَذَا عَلَى أَنْ يُبْغِضَنِي مَا أَبْغَضَنِي ولَوْ صَبَبْتُ الدُّنْيَا بِجَمَّاتِهَا عَلَى الْمُنَافِقِ عَلَى أَنْ يُحِبَّنِي مَا أَحَبَّنِي وذَلِكَ أَنَّه قُضِيَ فَانْقَضَى عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ (ص) أَنَّه قَالَ يَا عَلِيُّ لَا يُبْغِضُكَ مُؤْمِنٌ ولَا يُحِبُّكَ مُنَافِقٌ).

 وبالتَّأكيدِ فإِنَّ المُبغِضَ يكتُمُ حتى إِذا عرِفَ الحقَّ (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًامِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).

- النَّوع الثَّاني هُم الذينَ يدَّعونَ انتماءهُم لعليٍّ (ع) ثمَّ يُقدِّمُونَ بسلوكيَّاتهِم في الحُكمِ تحديداً نماذجَ سيِّئةٍ وخبيثةٍ وفاسِدةٍ وباطِلةٍ عن طريقِ مفهومِ الآيةِ الكريمةِ (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) فهُم يتلاعبُونَ بالمُصطلحاتِ والعِباراتِ ليحسبَ الغافلَ أَنَّ هذا هوَ نهجُ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) وأَنَّ هؤُلاء هُم حملتهُ وأُمناءهُ وأَنَّهم يمثِّلونهُ في عصرِنا الحاضرِ!.

 مُصيبتُنا معَ هؤُلاءِ خاصَّةً إِذا تزيَّوا بعمامتهِ وهُم البلاءُ على الأُمَّةِ.

 إِنَّهم يظلمُونَ المَنهج ويظلمُونَ الأُمَّة ويظلمُونَ أَنفسهُم وصدقَ الله تعالى الذي قالَ (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).

 فمثلاً في نهجِ الإِمامِ (ع) لا يتمُّ التَّلاعُب بالمُصطلحاتِ للإِلتفافِ على الخطأِ [الحرام] لتبريرِ السَّرقةِ والتَّجاوزِ على بيتِ المالِ ونهبِ خزينةِ الدَّولة والولُوغِ في الفسادِ الإِداري، فالسَّرقةُ سرِقةٌ مهما غلَّفها أَصحابها بالمُصطلحاتِ الفقهيَّةِ أَو ما أَشبهَ ذلكَ، كما أَنَّ الرَّشوةَ هي الرَّشوةُ واللصوصيَّةَ هي اللصوصيَّةُ لا تتغيَّر معانيها ولا يتغيَّر جَوهرها إِذا ما حاولَ صاحبَها التستُّر عليها أَو تبريرها بعناوينَ يُخفِّف بها من ثقلِها!.

 يقول (ع) (وأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ طَارِقٌ طَرَقَنَا بِمَلْفُوفَةٍ فِي وِعَائِهَا ومَعْجُونَةٍ شَنِئْتُهَا كَأَنَّمَا عُجِنَتْ بِرِيقِ حَيَّةٍ أَوْ قَيْئِهَا فَقُلْتُ؛ أَصِلَةٌ أَمْ زَكَاةٌ أَمْ صَدَقَةٌ؟! فَذَلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ! فَقَالَ؛ لَا ذَا ولَا ذَاكَ ولَكِنَّهَا هَدِيَّةٌ، فَقُلْتُ هَبِلَتْكَ الْهَبُولُ! أَعَنْ دِينِ اللَّه أَتَيْتَنِي لِتَخْدَعَنِي؟! أَمُخْتَبِطٌ أَنْتَ أَمْ ذُو جِنَّةٍ أَمْ تَهْجُرُ؟! واللَّه لَوْ أُعْطِيتُ الأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللَّه فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُه وإِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا، مَا لِعَلِيٍّ ولِنَعِيمٍ يَفْنَى ولَذَّةٍ لَا تَبْقَى! نَعُوذُ بِاللَّه مِنْ سُبَاتِ الْعَقْلِ وقُبْحِ الزَّلَلِ وبِه نَسْتَعِينُ).

 أَمَّا أَنتم الذين تتلفَّعونَ بنهجِ عليٍّ (ع) أَسالكُم؛ هل رفضتُم مرَّةً ملفوفةٍ هي في حقيقتِها رشوةٌ لكنَّكم برَّرتمُوها بعنوانِ الهديَّة مثلاً؟!.

 هل تنزَّهتم عن أَكلِ الحرامِ فرفضتُم أَن تمدُّوا أَيديكم إِلى المالِ العام؟! أَم برَّرتموهُ بالشَّرعِ والفقهِ بعنوانِ [مجهُول المالكِ] مثلاً؟!.

 لماذا تخدعُونَ أَنفسكُم وتكذبُونَ على النَّاسِ؟!.

 إِلى متى هذا الإِتِّجارِ الرَّخيصِ والخطيرِ باسمِ الدِّينِ والمذهبِ والتُّراثِ المُقدَّسِ لإِمامِنا المظلُوم لتشوِّهُوا سُمعةَ الدِّينِ والمذهبِ؟! حتَّى هتفَ المُستضعفُونَ بالشِّعارِ المعرُوفِ!.

 إِنَّ تغييرَ العناوينِ لا يُغيِّرُ من حقيقةِ الأَشياءِ [الفساد] وأَنَّ التذرُّعَ بالشُّبهةِ لا يُبرِّر فسادكُم، أَم هل نسيتُم قولَهُ (ع) (وإِنَّمَا سُمِّيَتِ الشُّبْهَةُ شُبْهَةً لأَنَّهَا تُشْبِهُ الْحَقَّ؛ فَأَمَّا أَوْلِيَاءُ اللَّه فَضِيَاؤُهُمْ فِيهَا الْيَقِينُ ودَلِيلُهُمْ سَمْتُ الْهُدَى وأَمَّا أَعْدَاءُ اللَّه فَدُعَاؤُهُمْ فِيهَا الضَّلَالُ ودَلِيلُهُمُ الْعَمَى فَمَا يَنْجُو مِنَ الْمَوْتِ مَنْ خَافَهُ ولَا يُعْطَى الْبَقَاءَ مَنْ أَحَبَّهُ).

 فالشُّبهةُ مُفترقُ طُرقٍ تقفُونَ عندهُ، فأَينَ تذهبُونَ؟! مع أَولياءِ الله أَم معَ أَعدائهِ؟!حسبَ تقسيماتِ الإِمامِ (ع)!.

 إِختارُوا طريقاً واحداً بِلا خِداعٍ أَو تدليسٍ! فـ (شَرُّ الْقَوْلِ الْكَذِبُ) كما يقُولُ (ع) ونصيحتهُ (جَانِبُوا الْكَذِبَ فَإِنَّه مُجَانِبٌ لِلإِيمَانِ الصَّادِقُ عَلَى شَفَا مَنْجَاةٍ وكَرَامَةٍ والْكَاذِبُ عَلَى شَرَفِ مَهْوَاةٍ ومَهَانَةٍ) على الأَقلِّ (وتَرْكَ الْكَذِبِ تَشْرِيفاً لِلصِّدْقِ) كما يقُولُ (ع).

 لقد شرحَ (ع) فلسفةَ [تقاتُلِ] المسلمينَ بضَياعِ الحقِّ والباطلِ بالشُّبهةِ، وهو حالُنا اليَوم، فعندما تشبَّثَ المدَّعُونَ بالشُّبهةِ للإِفلاتِ من الحقِّ وتبريرِ الباطلِ في آنٍ تدهورَت أُمورنا إِلى الدَّرجةِ التي نراها.

 يقولُ (ع) (ولَكِنَّا إِنَّمَا أَصْبَحْنَا نُقَاتِلُ إِخْوَانَنَا فِي الإِسْلَامِ عَلَى مَا دَخَلَ فِيه مِنَ الزَّيْغِ والِاعْوِجَاجِ والشُّبْهَةِ والتَّأْوِيلِ فَإِذَا طَمِعْنَا فِي خَصْلَةٍ يَلُمُّ اللَّه بِهَا شَعَثَنَا ونَتَدَانَى بِهَا إِلَى الْبَقِيَّةِ فِيمَا بَيْنَنَا رَغِبْنَا فِيهَا وأَمْسَكْنَا عَمَّا سِوَاهَا).

 ولذلكَ حذرَّ (ع) من الشُّبهةِ بقولهِ (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ الْمُبِينُ وبَعْدَ الْبَيَانِ إِلَّا اللَّبْسُ؟! فَاحْذَرِ الشُّبْهَةَ واشْتِمَالَهَا عَلَى لُبْسَتِهَا فَإِنَّ الْفِتْنَةَ طَالَمَا أَغْدَفَتْ جَلَابِيبَهَا وأَغْشَتِ الأَبْصَارَ ظُلْمَتُهَا).

 ويصفُ (ع) العلاقةَ بينَ الورعِ والشُّبهةِ بقولهِ (لَا مَالَ أَعْوَدُ مِنَ الْعَقْلِ ولَا وَحْدَةَ أَوْحَشُ مِنَ الْعُجْبِ ولَا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ ولَا كَرَمَ كَالتَّقْوَى ولَا قَرِينَ كَحُسْنِ الْخُلُقِ ولَا مِيرَاثَ كَالأَدَبِ ولَا قَائِدَ كَالتَّوْفِيقِ ولَا تِجَارَةَ كَالْعَمَلِ الصَّالِحِ ولَا رِبْحَ كَالثَّوَابِ ولَا وَرَعَ كَالْوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبْهَةِ ولَا زُهْدَ كَالزُّهْدِ فِي الْحَرَامِ ولَا عِلْمَ كَالتَّفَكُّرِ ولَا عِبَادَةَ كَأَدَاءِ الْفَرَائِضِ ولَا إِيمَانَ كَالْحَيَاءِ والصَّبْرِ ولَا حَسَبَ كَالتَّوَاضُعِ ولَا شَرَفَ كَالْعِلْمِ ولَا عِزَّ كَالْحِلْمِ ولَا مُظَاهَرَةَ أَوْثَقُ مِنَ الْمُشَاوَرَةِ).

اضف تعليق