وشهر رمضان هو شهر الرَّحمة لأن ثلثه رحمة وفي الحديث: (أوله رحمة)، وبما أن أوله رحمة وكأن أوله بسملة لأن فيها الرحمة ثلث الأسماء الموجودة فيها، (الله، الرحمن، الرحيم)، فهذا الشهر المبارك يبدأه الله بالرَّحمة بعباده، ويأمره بالتراحم فيما بينهم، من أجل أن يضاعف عليهم رحمته، لأن التعاطي بالاسم...
مقدمة رحمانية
الله مَنَّ علينا بأسمائه الحسنى التي بثَّها في كتابه بكلا طرفيه؛ كتاب الكون المترامي الأطراف وما نطلق عليه (الكتاب التكويني)، وكتاب الله القرآن الحكيم وهو ما نسمِّيه (الكتاب التدويني)، وقد أشار سبحانه وتعالى إلى الكتاب الكوني أو التكويني بكلا طرفيه أيضاً، حيث أنه ينقسم إلى كتاب الله وآياته التي تتجلى في الآفاق، والقسم الآخر الذي هو خُلاصة القسم الأول وهو آياته تتجلى في النفس البشرية، حيث قال ربنا عن ذلك: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فصلت/53)، وكلها آيات يتجلَّى بها أسماء الله الحسنى وصفاته العليا، وجميل ما قاله حكيم الإنسانية وأمير المؤمنين الإمام علي (ع) في شعر الحِكمة الذي يقول فيه:
دَواؤُكَ فيكَ وَما تُبصِرُ *** وَدَاؤُكَ مِنكَ وَما تَشعُرُ
أَتَزعُمُ أَنَّكَ جُرمٌ صَغير *** وَفيكَ اِنطَوى العالَمُ الأَكبَرُ
فَأَنتَ الكِتابُ المُبينُ الَّذي *** بِأَحرُفِهِ يَظهَرُ المُضَمَرُ
والأسماء الحسنى التي هي عند العوام مئة، وأما لدى الخواص فإنها ألف وأكثر جعلها الله أوتاد الكتاب الحكيم فمَنْ يدرسها ويتأمَّلها ويتدبَّر فيها من حيث ورودها وتوزُّعها في الآيات الكريمة لا سيما في أواخرها فإنه سيتوصَّل إلى حقيقة دامغة وهي أن هذه الأسماء يقوم بها الكتاب التدويني والتكويني كله، فما من ركن من أركان الكون إلا وفيه ملائكة كرام يسيِّرونه ويفعلون ما يؤمرون بواسطة اسم من أسماء الله الحسنى، كالرحمن أو الرحيم، فأي عظمة ولطف وكرامة لهذا الإنسان أن جعل الله له اسمين فيهما الرَّحمة ليتعامل بهما في حياته فيرحم الآخرين ويرحمه الآخرون أيضاً والرُّحماء يرحمهم الله تعالى.
والعجيب أن الله سبحانه وتعالى بفضله ورحمته بالعباد أنه جعل أعظم آية في كتابه الحكيم وأول آية فيه وهي البسملة (بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، فيها ثلاثة أسماء من أسمائه اثنين من الرَّحمة والأول هو الاسم الجامع وكررها في القرآن الحكيم 114 مرة في مفتتح كل السور القرآنية، إلا سورة البراءة فإن بسملتها سحبتها سورة النمل إليها، وبعض الأعلام يقولون: نعم إنها ابتدأت بالبسملة ولكن اكتفت بالباء لموقعها ومكانتها وعظمتها.
الرَّحمن: هذا النَّعت الخاص للباري تعالى ولا يتسمَّى به غيره لقد ورد هذا الاسم الشريف في سبعة وخمسين موضعاً من القرآن، اقترن في ستة منها باسم الرَّحيم، ولم يقترن بغيره في بقية المواضع، هذا عدا عن البسملة حيث تكررت فيه بعدد سور القرآن الحكيم.
الرَّحيم: هذا الاسم الشريف ورد في القرآن الحكيم ضعف اسم الرحمن، أي (114) مرة، وهو تأكيد على عظيم رحمة الله تعالى، وأن بهذا الاسم قامت السماوات والأرض، وأنه به عاشت البشرية كلها منذ اليوم الأول ولولا الرَّحمة التي جعلها الله في القلوب لكانت الحياة جحيماً لا تطاق، والعجيب أن الله تعالى قسَّم رحمته إلى مئة جزء كما قَالَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): الله (رَحِيمٌ بِعِبَادِهِ اَلْمُؤْمِنِينَ، وَمِنْ رَحْمَتِهِ أَنَّهُ خَلَقَ مِائَةَ رَحْمَةٍ، وَجَعَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً فِي اَلْخَلْقِ كُلِّهِمْ، فَبِهَا يَتَرَاحَمُ اَلنَّاسُ، وَتَرَحَّمُ اَلْوَالِدَةُ وَلَدَهَا، وَتَحْنُو اَلْأُمَّهَاتُ مِنَ اَلْحَيَوَانَاتِ عَلَى أَوْلاَدِهَا). (تفسير الإمام العسكري (ع): ج۱ ص۳۷)
في الحديث أيضاً: (إنَّ لِلَّهِ مِئَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ منها رَحْمَةً وَاحِدَةً بيْنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الوَحْشُ علَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَومَ القِيَامَةِ). (مسلم: ح2752، البخاري: ح6469، والحديث صحيح عندهما)
فهذا الاسم الشريف هو الذي جعله الله بين العباد ليتراحموا فيما بينهم ولولا ذلك لما عطفت أم على ولدها وأحب أحد أحداً ورحمه أبداً، فبهذا الاسم المبارك قامت الحياة الأسرية والاجتماعية وتراحم البشر فيما بينهم وتناسلوا وحافظوا على وجودهم وكذلك الأمر بين الحيوانات حيث رحمة الآباء بالأبناء عجيبة ولولا هذه الرَّحمة والرِّقة لما نشأ صغير ولا سعد كبير، فبالرَّحمة التي بسطها الباري تعالى على خلقه نشأت الحضارات وتعاطفت المخلوقات كلها.
وشهر رمضان هو شهر الرَّحمة لأن ثلثه رحمة وفي الحديث: (أوله رحمة)، وبما أن أوله رحمة وكأن أوله بسملة لأن فيها الرحمة ثلث الأسماء الموجودة فيها، (الله، الرحمن، الرحيم)، فهذا الشهر المبارك يبدأه الله بالرَّحمة بعباده، ويأمره بالتراحم فيما بينهم، من أجل أن يضاعف عليهم رحمته، لأن التعاطي بالاسم يجعله أكثر فاعلية في الواقع، فعندما نتراحم ونتواصل ونزداد حباً لبعضنا وقرباً من بعضنا فإن الله تعالى من فوق عرشه يقربنا إليه، ويحبنا ويأخذ بقلوبنا ونفوسنا وأرواحنا إلى ساحات قدسه وننعم بلطائف محبته ونتنشَّق نسائم محبته، فما أعظمها وأقدسها من لحظات أنعم الله بها علينا في هذا الشهر الكريم.
رمضان اسم من أسماء الله
كما أنه وردت لدينا الكثير من الروايات لدى الطرفين من المسلمين أن رمضان اسم من الأسماء الحسنى، ولذا ورد النَّهي عن تجريده من الإضافة، فقد روى القوم عن أبي هريرةَ، قال: لا تقولوا: رمضان؛ فإن رمضان اسم من أسماء الله، ولكن قولوا: شهر رمضان)، وعن مجاهدٍ؛ قال: (لا تقولوا: رَمَضانُ، ولكن قولوا: شهرُ رَمَضانَ؛ لعلَّه اسمٌ مِن أسماءِ اللهِ عز وجل). (ولكن ضعَّفه القوم).
وأما في روايات أئمة أهل البيت (ع) ففيها الأحاديث الصحيحة كقول أمير المؤمنين الإمام علي (ع): (لاَ تَقُولُوا: رَمَضَانَ فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ مَا رَمَضَانُ فَمَنْ قَالَهُ فَلْيَتَصَدَّقْ وَلْيَصُمْ كَفَّارَةً لِقَوْلِهِ وَلَكِنْ قُولُوا كَمَا قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: (شَهْرُ رَمَضانَ)، وفي حديث الإمام الباقر (عليه السلام)، قَالَ: كُنَّا عِنْدَهُ ثَمَانِيَةَ رِجَالٍ، فَذَكَرْنَا رَمَضَانَ، فَقَالَ: لَا تَقُولُوا: هذَا رَمَضَانُ، وَلَا ذَهَبَ رَمَضَانُ، وَلَا جَاءَ رَمَضَانُ؛ فَإِنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ لَا يَجِيءُ وَلَا يَذْهَبُ، وَإِنَّمَا يَجِيءُ وَيَذْهَبُ الزَّائِلُ، وَلكِنْ قُولُوا: شَهْرُ رَمَضَانَ؛ فَإِنَّ الشَّهْرَ مُضَافٌ إِلَى الِاسْمِ، وَالِاسْمُ اسْمُ اللهِ عَزَّ ذِكْرُهُ، وَهُوَ الشَّهْرُ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، جَعَلَهُ مَثَلاً وَعِيداً). (الکافي؛ الكليني: ج7 ص391)
وأما الكلمة (رمضان) فقد اختلفوا في اشتقاقها، فعن الخليل بن أحمد الفراهيدي: أنه من الرَّمْض بسكون الميم، وهو مطر يأتي وقت الخريف، (آخر الخريف) يطهر وجه الأرض من الغبار، وسمِّي الشهر بذلك لأنه يطهِّر الأبدان عن أوضار الذنوب والخطايا والأوزار.
وقيل: هو مشتقٌّ من الرَّمَض وهي شدَّة الحرِّ من وقع الشمس، وقال الزمخشري في الكشاف: رمضان مصدر رَمَضَ إذا احترق من الرَّمضاء.. وسُمِّي بذلك إما لارتماضهم (احتراقهم) فيه من حرِّ الجوع، كما سمُّوه ناتقاً؛ لأنه كان ينتقهم أي يزعجهم لشدته عليهم، أو لأن الذنوب ترمض فيه أي تحترق.
وقيل: إنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سمُّوها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق الشهر أيام رمض الحر، فسمِّي بذلك، وربما كلها صحيحة إذ ربما يكون يوم تسميته كان في آخر الخريف حيث الحر الشديد ونزول مطرة آخر الصيف المعروفة عندنا (بمطرة المساطح)، لأن الفلاحين وأهل البوادي يجمعون أرزاقهم ويضمونها ويحفظونها في بيوتهم لأنه قد آن أوان الخريف واحتمال سقوط الأمطار فيه.
ربيع القرآن الحكيم
وأما عن نزول القرآن في شهر رمضان فهذا الذي قاله الباري تعالى في تشريع الصوم وتشريف الشهر الكريم حين قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة/185)
فالقرآن الحكيم نزل في هذا الشهر الكريم دفعة واحدة من اللوح المحفوظ إلى البيت المعمور وهو قلب الحبيب المصطفى محمد (ص) وذلك كان في ليلة القدر المباركة التي هي خير من ألف شهر، ولكنَّ تنزَّل منجَّماً ومرتلاً على مدى الرِّسالة الإسلامية، أي حوالي ثلاث وعشرين سنة، وكان بدأ نزوله في يوم المبعث الشريف في 27 رجب الأصب بقوله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (العلق/1)، وهذا ما يُعرف بأسباب النزول وتاريخ القرآن، وهو لربط الأمة وأحداثها بالقرآن وآياته ليرسخ في القلوب والأذهان وفي الواقع حيث يتحدَّث الجميع حتى النساء والصبيان بنزول الآية الفلانية بيوم كذا بفلان فلا يُنسى.
ولكن مشكلة هذه الأمة المستعصية هي أنها فصلت القرآن الصامت عن القرآن الناطق، حين فصلت الثقلين كما بينهما الرسول الأعظم في كثير من الروايات المتواترة حيث قال: (أيُّها النَّاسُ، فإنَّما أنا بَشَرٌ يوشِك أنْ يأتيَ رسولُ ربي فأُجيبَ، وأنا تاركٌ فيكم ثَقلَينِ: أوَّلهما: كتابُ الله، فيه الهُدى والنُّور؛ فخُذوا بكتابِ الله، واستمسِكوا به - فحثَّ على كتاب الله، ورغَّب فيه - ثم قال: وأهل بَيتي، أُذكِّركم الله في أهْل بيتي، أُذكِّركم اللهَ في أهل بيْتي، أُذكِّركم اللهَ في أهْل بيتي) (مسلم: 2408، والحديث صحيح)
فالكتاب الحكيم يلازم العترة الطاهرة لا يفترقان حتى يردا على رسول الله (ص) الحوض في القيامة، ولكن الأمة وأتباع السلطة القرشية اتَّبعوا قول الرجل في يوم الخميس: (حسبنا كتاب الله، إن النبي يهجر)، فتركوا العترة الطاهرة وأهل البيت وهم عِدل القرآن والذي فوَّضهم الله وعلَّمهم تفسيره وتأويله وجعلهم أهل الذِّكر وأمر الأمة بسؤالهم دون غيرهم فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل/44)
فهجروا القرآن الصامت وقتلوا القرآن الناطق وراحوا يتخبَّطون في صحرائهم العجيبة، ويدورون في متاهاتها الغريبة ولا يعلمون خلاصاً، علماً أن القرآن بين أيديهم جميعاً ولكنهم كل منهم يفهمه ويفسِّره برأيه وما تقتضيه مصلحته الشخصية أو القومية، ولذا هم يبحثون منذ أكثر من أربعة عشر قرناً ولا يجدون النور الهادي، ولا الحبل المتين المنقذ لهم من الضلال، فصاروا ربع سكان المعمورة ولكنهم غثاء كغثاء السَّيل لا قوة، ولا هيبة، ولا حتى قيمة في هذه الحياة، وهم يقرأون القرآن ولكنه لا يجاوز تراقيهم لأنهم لا يفهمونه ولا يعرفون تفسيره ولا تأويله حتى قالوا: (لا يعلم تأويله إلا الله)، كما يذهبون في تفسير آية آل عمران التي تؤكد لهم أن الراسخين بالعلم يعلمون تأويله، وهم أهل البيت الأطهار، ولكنهم رفضوا ذلك وأصروا على ضلالهم العجيب.
ولكن لم يتساءل منهم عاقل: إذا لم يكن أحد يفهمه إلا هو تبارك وتعالى فلماذا أنزله علينا؟ فهل أنزل كتابه طلاسم لا يفهمه أحد، أو أنزله قرآناً عربياً مبيِّناً وواضحاً كما في سورة يوسف الصديق: (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (يوسف/2)، ولكن القوم لا يعقلون فكيف يفهمون القرآن الحكيم؟
فهو كتاب عربي بيِّن وواضح لكل ناطق باللغة العربية الأصيلة، وحاشا لله أن ينزل علينا قرآناً يتعبَّدنا بتلاوته وهو طلاسم لا نفهمه ثم يحاسبنا على هجرانه في الآخرة، وكيف سيكون حجة حتى بظواهره لو لم يكن واضحاً وحجة على قارئه؟
كلا أيها الناس بل القرآن الحكيم بلسان فصيح وبيان واضح وبلاغة بالغة لكل مَنْ يقرأه من العرب، والمشكلة قطعاً ليست في القرآن ولكن كل المشاكل في المتلقي وهو الإنسان العربي المسلم الذي أقنعه أولئك الرجال بأنه لا يفهم القرآن وما عليه إلا أن يتلوه للبركة والثواب فقط، لأن العمل بالقرآن يتوجب فهمه أولاً ومَنْ لا يفهمه كيف سيعمل به في حياته؟
والحقيقة أنهم فصلوا القرآن الحكيم عن الإمام العليم بتفسيره وتأويله الذي جعله الله عِدل القرآن بل القرآن الناطق كما قال أمير المؤمنين الإمام علي (ع) ولكنهم هجروا القرآن وتركوا بل قتلوا عِدله وركضوا وراء صبيان الشجرة الملعونة في القرآن الأموية، أو صبيان النار المروانية وتركوا عترة الرسول وأهل بيته الأطهار (ع) فتاهوا وضلوا ضلالاً بعيداً ولن يهتدوا إلا أن يرجعوا إلى القرآن بكلا شقيه الصامت والناطق، والثقلين كتاب الله والعترة الطاهرة، وكلاهما العاصم من ضلال هذه الأمة ولا يجوز انفصالهما بحال من الأحوال.
هدى الله هذه الأمة لرشدها وعودتها إلى الثقلين العاصمين لها من الضياع والضلال.
اضف تعليق