لاشك أن الاهتمام بالرسالة التعليمية الانسانية هي من ضروريات تكامل المناهج، وتقع على عاتق المعلمين والمدرسين المسؤولية الكبرى في وضع التصورات العلمية المستندة إلى الواقع لإتمام المنهج التربوي الذي يعد من خلاله الجيل القادم، حيث تقع عليهم مهمة غرس المبادىء والقيم الأخلاقية، في الوقت الذي يقومون بتنمية المهارات العلمية والثقافية للأفراد وكل حسب اختصاصه العلمي...
لا شك أن الاهتمام بالرسالة التعليمية الانسانية هي من ضروريات تكامل المناهج، وتقع على عاتق المعلمين والمدرسين المسؤولية الكبرى في وضع التصورات العلمية المستندة إلى الواقع لإتمام المنهج التربوي الذي يعد من خلاله الجيل القادم، حيث تقع عليهم مهمة غرس المبادىء والقيم الأخلاقية، في الوقت الذي يقومون بتنمية المهارات العلمية والثقافية للأفراد وكل حسب اختصاصه العلمي.
ومثلما دخلت العولمة اليوم في كافة المجالات الإنسانية؛ فمن الطبيعي أن يتكثف حضورها في الجانب المتعلق بتنشئة الأجيال ومستقبل مجتمعاتهم ، لذلك لابد للمتصدي للعملية التدريسية أن يوازن هو الآخر بين أصالته وحداثته في ظل التحديات التي تفرضها العولمة، والتي باتت أمراً واقعاً يتعالق فيه الممكن مع غير الممكن، وكذا بين المعنى واللامعنى ، فليس للمتصدي أن ينطوي على كلاسيكية تقليدية بليدة تعتمد النقل الآلي للمعلومات وفرضها على المتلقي بوسائل تسلطية ، وبنفس الوقت عليه الانتباه من الانفتاح الفوضوي غير المشروط ؛ لأن ذلك سيزيد المسألة تعقيداً. وهذا يعني إن مسؤوليته كبيرة أيضاً في تجديد نفسه وتطوير قدراته وإمكانياته، مما يتطلب استنفار معرفي من المؤسسات المختصة في اعتماد هياكل تربوية ناضجة قادرة على الربط بين تقنيات الحداثة والعولمة، والتفاعل مع مستجدات الثورة المعلوماتية، وبين الأصول والموروثات التي تعبر عن خصوصية الأجيال وهويتهم الثقافية والحضارية.
التنشئة الروحية
تنشئة الأجيال لا ينبغي أن تقتصر على تحصل العلوم ــ على أهمية وضرورة تحصلها ــ فقط ، بل من الضروي أن نأخذ بنظر الاعتبار القيم الروحانية التي تأخذ مساحتها الشاسعة في نفسية الفرد الانساني، وتفرض فطرياً تأثيراتها على هذه النفس. فالقيم الروحانية لها دورها في عملية تكامل التنشئة. في عالمنا الإسلامي يحضر شهر رمضان الكريم كأيقونة أخلاقية متعددة الأبعاد والصور التي تقدم للإنسانية قيمة فكرية ومعرفية تتجاوز الاختصار الخاطىء على انها قيمة تتعلق بتنفيذ شرط ديني. كم هو جميل أن يتفكر الإنسان المتحصل للعلوم والمعارف بماوراء الإيحاءات الرمضانية ومقصدياتها بشكل متجرد وموضوعي بعيداً عن أي انحياز مؤدلج.
تتجلى في هذا الشهر الكريم صور من تفاعل بني الإنسان فيما بينهم تبتعد عن الصورة النمطية المختزلة بالجوع والعطش. لذلك علينا حين نهتم بتنشئة أولادنا على القيم الأخلاقية والتربوية الصحيحة؛ أن نستثمر وجود شهر رمضان المبارك لإدامة الزخم الإيجابي لروحانية هذا الشهر الكريم، وبكل ما يرتبط به من قيم.
وإذا أردنا أن نبدأ من العائلة؛ لابد لنا من التأكيد على أبنائنا أن يستثمروا وجود الشهر الكريم لخلق حالة من التوازن بين الموروثات والعبادات المتعلقة بهذا الشهر، وبين ما تتيحه من تجديد للأفكار والانطلاق منها نحو بناء المستقبل، ولا بأس بابتكار سلوكيات جديدة تنسجم مع روح العصر ومستجداته، وبنفس الوقت لاتؤثر على القيم الأصلية التي نشأوا عليها.
ومثل هذا التوازن؛ لن يكون مستحيلاً فيما لو تحصلنا على الإرادة في فعل ذلك. إذ يمكن لنا بقليل من الإصرار أن لا ندع المسلسلات التلفزيونية وغيرها من البرامج التي يُعتقد أنها ترفيهية تستحوذ على اهتماماتنا، بحيث تكون بديلاً عن بعض الممارسات المجتمعية التي تزيد من مساحة المحبة والتعايش، كصلة الأرحام، وزيارة الأهل والأقارب، أو حضور الندوات والفعاليات الثقافية والفكرية النافعة. وكذلك يمكن للتوازن أن يحدث من خلال الحرص على الوقت وعدم هدره في أشياء سطحية لانفع فيها كالحديث عن تنوع الأطعمة في موائد الإفطار، الأمر الذي يفهم منه أن هم الصائم الحقيقي من تنفيذ هذه العبادة البطن فقط، وهو فهم غير صحيح، لكنه يتأكد من خلال الحديث المتواصل عن الطعام المتنوع، وبهذا سيكون الفرد فارغاً من روحانية الشهر الكريم، وبعيداً عن قيم الاعتدال التي تتوهج خلال أيامه المباركة.
الميديا في رمضان
ولأننا في عصر الاتصالات والتقنيات التواصلية الحديثة، وانتشار الميديا المكثف؛ علينا تجنيب أبنائنا وخصوصاً في هذا الشهر الآثار السلبية للبرامج والأفلام والمسلسلات التلفزيونية التي ترسل رسائل تحاول من خلالها خلط الأوراق بتداخل القيم المتناقضة فيما بينها. وكذلك نحثهم على تجنب التأثر السريع بالأفكار التي ستنتشر بكثرة في هذا الشهر بقصدية واضحة من خلال وسائل التواصل المختلفة، والتي عادة ما تناغم مشاعر ابنائنا ثم تدس ما تريد من أفكار وانحرافات تجعلهم في حالة من الاضطراب، وتشوش عليهم، وتربك الأجواء الإنسانية والروحانية لهذا الشهر الفضيل. وعملية تجنيب أبنائنا التأثر بالميديا لاينبغي أن تتم بفرض الآراء وإرغامهم على تقبلها؛ لأن ذلك سيؤدي لنتائج معكوسة. المطلوب هو مناقشة الأفكار وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن آرائهم والتوقف عند بعض الجزئيات التي نراها تثلم القيم الأصيلة، فنفتح معهم حوارات نافعة في صراع الحضارات، ونفهمهم بشكل عقلاني وموضوعي مايريده الغرب ومشاريعه، وآليات تنفيذ تلك المشاريع التي تبدأ بضرب الأسس القيمية لنا نحن المسلمين؛ لتنفذ إلى مساحات أوسع فينا، توهمنا أن الصراع البشري هو صراع أديان وطوائف، وتغذي هذا الصراع بضرب المعتقدات بعضها ببعض. بينما الهدف الرئيس هو إدامة السيطرة على العالم سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وبالتالي إدامة لمصالحها التي تتضرر حتماً بالتعايش السلمي، وبقيم التصالح والمعرفة، وهي القيم التي يؤكد عليها شهر رمضان الفضيل الذي يُراد لأجيالنا الابتعاد عنه بشتى الوسائل والطرق.
اضف تعليق