تقضى هذه الحياة بين العسر واليسر، وخلال المسير سيمرّ المرء بالعديد من التحديات، فليس كل شيء مثالي ولا يكن دوما على ما يرام، مما يستدعي للاستعداد قبل التخطيط لإنجاز ما يريده التحرر من شكوك عدم الحصول عليه، إلا ان حسن الاعتماد على النفس والقدرات تتطلب عدم الإفراط...
تقضى هذه الحياة بين العسر واليسر، وخلال المسير سيمرّ المرء بالعديد من التحديات، فليس كل شيء مثالي ولا يكن دوما على ما يرام، مما يستدعي للاستعداد قبل التخطيط لإنجاز ما يريده التحرر من شكوك عدم الحصول عليه، إلا ان حسن الاعتماد على النفس والقدرات تتطلب عدم الإفراط، حيث ان خسائر ثقة المرء العالية او المنخفضة بنفسه تأتي من الإفراط او التفريط.
يختلط الامر كثيرا على البعض بين الثقة بالنفس المبنية على معرفة الانسان بمستوى قدراته ونقاط ضعفه في بعض المهام، والمتعالي الذي يولد قناعات ذهنية خاطئة عن نفسه تجعله شديد الثقة بصحة كل ما يفعله.
في علم النفس يبين ان ايمان الانسان بقدراته وثقته بإمكانياته هي العمود الفقري لشخصية الانسان الناجح ولكن بشرط دون إفراط (تكبر أو عناد) ودون تفريط (ذلة أو خضوع غير محمود)، اي لا يشعر انه افضل من غيره، وثقته تتجاوز الحد الطبيعي، وينكر كل مساعدة قدمت له لمبالغته في اهميته وقيمته، او يسهل انقياده ويمد عنقه مطأطأ ومهانا.
ان قوة الايمان بفكرة او معتقد ستتحول الى سلوك والسلوك يتحول الى نتائج، وهي حصيلة الايمان أكانت ايجابية أو سلبية، وعليه كثيرا ما نسمع او نرى اشخاصا متيقنين من صحة اعمالهم واقولهم، ويهزون الرأس ثقة حتى لو اخبره الجميع انه على خطأ، ويتفاخر بإنجازاته البسيطة ودائما يحاول ان يظهر نفسه انه يعلم ويفهم كل شيء ويجيد العثور على مبررات لإخطائه، وهذه الصفة اصبحت مشتركة وثابتة نجدها عند الكثير ممن نتعامل معهم من الاقارب والاصدقاء والمعارف وزملاء العمل.
تقول النظرية النفسية (تأثير دانينغ كروجر):" المصابون بوهم التفوق هم المبالغين في قدراتهم المعرفية بشكل يجعلها تبدو أكبر مما هي عليه في الحقيقة، وينتج التحيز المعرفي لوهم التفوق من انعدام قدرة هؤلاء الأشخاص على الإدراك، فبدون إدراك الذات لا يُمكن لهؤلاء الأشخاص أن يقيموا ذواتهم بشكلٍ عادل، وهو أمر شائع، يمكن ملاحظته في الصف، وفي العمل، وفي كافة نواحي الحياة".
ان هذا التكاثر جعلنا نتحمل آرائهم وتصرفاتهم كأنها صفة طبيعية سوية، فلماذا ينتشر هذا النوع من البشر، وما هي سلبياته على المجتمع؟.
قد توصل علم النفس وأطباءه الى إن "ذوي الكفاءات لا يدركون قيمتهم بينما الأغبياء يميلون الى المبالغة وتضخيم إيجابياتهم"، ويصيب ذوي المعرفة السطحية والذين يفتقرون للمهارات احساسا بالتفوق والثقة المفرطة بالذات، وهو احساس وهمي يجعلهم يظنون انهم اذكياء، والسبب في ذلك انهم يجدون صعوبة الاعتراف بقدراتهم الحقيقية والاعتراف بعدم كفاءتهم، بعكس الذين يتمتعون بالذكاء والمهارة العالية في عملهم يعتقدون ان السهولة التي يرونها في عملهم يمكن ان تكون سهلة على الاخرين أيضا، وتملؤهم الشكوك.
ويوضح تدرج مستوى التفكير والمهارات عند الانسان والذي سمي (منحنى تأثير دانينغ كـروجر) وهو يفسر التدرجات العقلي والفكري التي يمر بها الانسان في الحياة والعمل.
ففي المستوى الأول يكون الانسان جـاهل ومعرفته محدودة جداً، في نفس الوقت ثقته بنفسه مرتفعة جداً، إلى أن تصل إلى ما يسمى (قمة الغباء)، وبمرور الوقت، يشعر بغبائه، وتبدأ ثقته بنفسـه تنهـار تدريجياً نتيجة رصد الظواهر المحيطة بعين المعرفة، إلى أن يصل لقــاع الشك.
ووجوده في قاع الشك يجعله يسعى للمعرفة بشكلٍ أكبر، فيبدأ يتعلم ويعرف ويقرأ ويفهم، ووعيه يزداد، وثقته تزيد تدريجياً مرة أخرى مدعـومة بالمعرفة، وليس بالجهـل. واستمرار تحصيله المعرفي يصبح اكثر وعيا لإدراك ذكاء وغباء الآخرين ودرجة وعيهم، وقادر على تمييّـز قدرته وثقته في نفسه عالية، لكنها أقل من ثقـة الجاهل بنفسه.
ومع ان الانسان هو انتاج طبيعي للبيئة التي ترعرع وتأقلم بها الا ان هذه المراحل يمر بها الجميع ويعد الارتياب او الشك عند احدهم بممارساته او الوثوق بنفسه امرا طبيعيا وأحد اسباب وصوله لما يطمح ويحلم به، ولكن ما هو غير الطبيعي ويسبب الشقاء والمعاناة والبؤس وتعد حالة سلبية تؤثر على الافراد والمجتمعات اولئك الذين يبقون في مرحلة (قمة الغباء).
اضف تعليق