ان توازن العقل والقلب هو المحرك والمنظم الأساسي للتعامل مع النفس والمجتمع، بعيدا عن الظلم والمعاصي والقسوة، ومهما بلغ الانسان من الدراية والمعرفة يواجه صعوبة في مسعاه لتوازن دين العقل وهي عقلانية التفكير وعقيدة القلب وهي رغبات الروح، اذا لم يغض الطرف عن ما هو ليس من حقه...
ان توازن العقل والقلب هو المحرك والمنظم الأساسي للتعامل مع النفس والمجتمع، بعيدا عن الظلم والمعاصي والقسوة، ومهما بلغ الانسان من الدراية والمعرفة يواجه صعوبة في مسعاه لتوازن دين العقل وهي عقلانية التفكير وعقيدة القلب وهي رغبات الروح، اذا لم يغض الطرف عن ما هو ليس من حقه، والتجاوز عن الهفوات والتغافل عن الزلات وصغائر الامور.
متى نغض الطرف؟
ليس كل ما يمر من امامك يجب ان تراه وتستعمله، ولا كل ما يقال عليك سماعه ونقاشه، وليس كل ما يدور حولك يستحق وقوفك، فبصرف النظر عن بعض الاشياء وتجاوز القضايا التي تتعب المسير والتغافل عن حماقة وهراء الاخرين، ستحصد راحة البال، وتعينك بإصدار الاحكام الانسانية العادلة، ولا تتجاوزك الافراح والمسرات.
فكلما ركزت طاقتك على ما يفيدك وليس ما يضايقك ويحزنك، ادخرت جهدك ووقتك لتعلو ولا تنخفض، ولكن صرف النظر متعلق بشروط كما يوضحها العارفون ان لا تكون مغفلا بل متغافل عمد، وتتظاهر بالجهل ولست بجاهل، وتهمل ولست بمهمل، وفي الوقت ذاته تتساهل وتسامح.
كما ان هناك اخطاء لا يمكن التغاضي عنها خوفا ان تتكرر والوقوف عندها ومحاسبة المخطئ خصوصا تلك المتعلقة بنشأة الاولاد وتربيتهم والتي يؤدي السكوت عنها الى طبع وعادة يمارسها الاولاد تتحول الى عيوب في شخصياتهم تؤثر على حياتهم الشخصية والعملية.
غض الطرف في الاسلام
انزل الله تعالى امرا ربانيا بغض الأبصار عن ما حرمه في كتابه الحكيم: ﴿قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِم﴾، وقال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} ويقول عز وجل {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ}، والغض المأمور به كما يفسره المفسرون هو غض البصر عن المحارم، وكف النفس عن الشهوات، ولان القلب يتعلق حين يرى ما يعجبه ويفتتن به ولا يستطيع الوصول اليه، امرنا الله بغض البصر عن محل الشهوة في جسد الاجنبي سواء من الرجال والنساء، وتهذيب النفس ومنعها من النظر إلى ما حرمه الله، فإذا وقع البصر فجأة على محرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعاً ولا ينظر مرة أخرى.
مساوئ غض الطرف
هناك من يغض الطرف بدافع الخوف او النفاق، فمنهم من يغض الطرف عن امور تتعارض مع قناعاته الشخصية التي يؤمن بها بدافع الخوف وانعدام الثقة بنفسه برغم الضرر الذي يلحق به لتغافله عن المواقف، فيفقد طموحه بالخلاص ويضعف اليقين بإرادته في ايجاد الحلول مما يجعله راضخا متقبلا مع مرور الوقت، وصرف النظر عن الإخطاء والتواطؤ بدافع النفاق، ومخالفة سره علانيته حيث انه يرى المساوئ ويظهر عدم الاهتمام والمعرفة، ويحتمل المكروه له ولغيره من دون الأخذ بالفعل والمحاسبة، وهو ما يعرقل التقدم الصحيح في الحياة.
والعلاج يكمن في حماية النفس بالابتعاد عن ما نهانا الله عنه، وما فرضه عز وجل على البصر والبصيرة، يقول عز وجل: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).
وجعل النبي صلى الله عليه وآله غض البصر أحد حقوق الطريق حين قال لأصحابه رضي الله عنهم: " إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا: يا رسول الله مالنا من مجالسنا بدٌ نتحدث فيها. فقال: "فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟. قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر".
والحفاظ على سلامة القلب بالتمييز الصحيح فيما يستحق التجاهل والتغافل بمجرد التفكير والتمييز بالأمور والأحداث لبساطة اسبابها وبين من تشكل نواة لمشاكل حقيقة، كذلك تقبل الطرف الآخر بحسب مرتبته في حياتنا فأما عدم الانتباه لصغائر الامور ليس لأننا نجهل حقيقتها ولكن نعطيه الفرصة ليراجع نفسه ويصحح اخطاءه، والتغاضي عن ما لا يعجبنا فيه من صفات مادامت لا تحمل مردود سلبي كبير، او الابتعاد عنه روحيا وجسديا.
اضف تعليق