q

قضية الاستفتاء الخاص باستقلال شمال العراق الذي دعت اليه حكومة مسعود برزاني، وما عقبها من تطورات مهمة بعد دخول القوات الإتحادية إلى كركوك، ماتزال محط اهتمام واسع داخل وخارج العراق، حيث اكد بعض المراقبين ان عناد وتهور مسعود البرزاني قد اضر كثيرا بمصالح أكراد العراق في هذه المرحلة. فالإصرار على إجراء الاستفتاء في هذه الظروف كان مغامرة حذر كثير من عواقبها، ولم تأتِ هذه الدعوات من خارج الإقليم فحسب بل من أطراف وقوى كردية أيضاً، بعضها كان يرى مخاطر الاستفتاء في ظل رفض بغداد وتهديدات تركيا وإيران وتحذيرات أطراف دولية، وبعضها كان يتخوف مما يعتبره حسابات فردية أو حزبية لها تبعاتها على الإقليم وتوازنات القوى فيه.

والاستفتاء كان ورقة تفاوضية قوية قبل إجرائه، وكان بمقدور الأكراد أن يستخدموها للحصول على مكاسب أكبر تعزز وضع الإقليم. واليوم يجد الأكراد أنفسهم في وضع أسوأ مما كانت عليه أمورهم قبل الاستفتاء، بل قد تنزلق الأمور إلى ما هو أخطر بكثير إذا استمرت روح العناد والقراءة الخاطئة لحجم المخاطر والتحديات في ظل الأحداث المتسارعة. بعد التطورات الأخيرة واستعادة الحكومة المركزية في بغداد سيطرتها على كركوك ومناطق أخرى متنازع عليها، إضافة إلى حقول النفط التي فقدتها في ظل فوضى الانسحاب من الموصل عام 2014، يضاف الى ذلك العداء القديم الذي تجدد بين أكبر حزبين سياسيين في شمال العراق، وهما الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، الامر الذي قد يجعل احتمال تطور المواجهة بينهما واردة، مع احتمال حدوث تحالفات جديدة لإحداث تغيير داخل كردستان. خصوصا من تزايد الاصوات المعارضة لمسعود برزاني وباقي القادة الكرد، هذا بالإضافة الى الضغوط وتحركات الحكومة المركزية العازمة على وضع حد لتجاوزات مسعود برازاني الذي اصبح اليوم في موقف صعب جداً.

استقالة بارزاني

وفي هذا الشأن دعت حركة التغيير المعارضة في كردستان العراق إلى استقالة رئيس الإقليم مسعود بارزاني بعد سيطرة القوات الحكومية العراقية على المناطق التي كانت تحت سيطرة البيشمركة في كركوك. ودعا شورش حاجي، عضو الهيئة التنفيذية بالحركة التي تحوز 24 مقعدا من أصل 111 في البرلمان الكردستاني، بارزاني ونائبه كوسرت رسول إلى الاستقالة.

وقال في مؤتمر صحفي عقب اجتماع المجلس الوطني بالحركة إن "الاجتماع بحث الأوضاع الحالية في إقليم كردستان، وخسارة ما يعادل نصف أراضي الإقليم". وأضاف حاجي أن "رئيس الإقليم ونائبه لا يمتلكان الشرعية وعليهما تقديم استقالتهما"، مشيرا إلى ضرورة "حل مؤسسة رئاسة الإقليم وتنظيم عمل البرلمان". وأدى التقدم السريع للقوات الحكومية العراقية في محافظة كركوك إلى تبادل الحزبين الرئيسين في كردستان الاتهامات بـ "الخيانة".

ودعا حاجي إلى "تشكيل حكومة إنقاذ وطني، لتقوم بالإعداد للحوار مع بغداد، وتنظيم الانتخابات". وأشار إلى أن "الوضع الحالي ناجم عن عدم الأخذ بالحسبان تداعيات إجراء الاستفتاء". وكانت السلطات في إقليم كردستان العراق قالت إنها مستعدة للحوار مع الحكومة المركزية في بغداد. وسيطرت قوات البيشمركة الكردية على أجزاء كبيرة من كركوك منذ عام 2014، عندما اجتاح تنظيم داعش مناطق واسعة شمالي البلاد. بحسب بي بي سي.

وقد أبعدت قوات الحكومية المركزية المقاتلين الأكراد من شمالي محافظة كركوك الغنية بالنفط، ومن مناطق في محافظتي نينوى وديالى. وجاءت هذه التطورات العسكرية بعد الاستفتاء الذي أجراه إقليم كردستان يوم 25 سبتمبر/ أيلول للانفصال عن العراق، ووصفته الحكومة المركزية بأنه "غير شرعي". ودعت حركة التغير إلى حل المجلس الأعلى السياسي الكردستاني الذي تم تشكيله عقب الاستفتاء، وقالت إنه "هو الآخر غير شرعي ويجب حله".

الى جانب ذلك قال هندرين محمد رئيس اللجنة الانتخابية في إقليم كردستان العراق إن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لن تجري كما هو مقرر في الأول من نوفمبر تشرين الثاني إذ أن الأحزاب السياسية لم تقدم مرشحين. وقال عضو كردي بالبرلمان طلب عدم نشر اسمه إن الأحزاب لم تتمكن من التركيز على الانتخابات بسبب الاضطرابات التي أعقبت استفتاء أجري يوم 25 سبتمبر أيلول على استقلال الأكراد.

وتعارض السلطات في بغداد فضلا عن إيران وتركيا المجاورتين الاستفتاء الذي أظهر تأييد الأغلبية للاستقلال. وقال محمد رئيس اللجنة الانتخابية إن اللجنة الانتخابية سترفع الأمر إلى البرلمان لتحديد موعد جديد. وانتهت المهلة المحددة للتقدم بمرشحين وجرى تمديدها. وأضاف أن من المتوقع أن تواصل رئاسة الإقليم الحالية التي يتولاها برزاني منذ 2005 والبرلمان الذي انتخب في 2013 العمل حتى إجراء انتخابات جديدة.

اوامر قبض

من جانب اخر أصدرت محكمة عراقية أمرا بالقبض على كوسرت رسول، نائب رئيس إقليم كردستان العراق، بعد وصفه القوات الحكومية في كركوك بأنها "محتلة". وذكر المتحدث الرسمي لمجلس القضاء الأعلى القاضي عبد الستار بيرقدار أن "محكمة تحقيق الرصافة أصدرت أمرا بإلقاء القبض بحق كوسرت رسول على خلفية تصريحاته الأخيرة التي اعتبر فيها قوات الجيش و الشرطة الاتحادية في محافظة كركوك قوات محتلة".

لكن بيانا صادرا عن رئاسة إقليم كردستان وصفت قرار المحكمة بأنه "قرار سياسي يؤكد وبكل وضوح شكل وحقيقة العقلية المتسلطة الحاكمة في بغداد" ، وأصدر رسول بيانا ينتقد فيه حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي ينتمي إليه وسط تقارير أن الزعماء الآخرين في كردستان العراق أمروا قوات البيشمركة بألا يقاوموا القوات العراقية عند تقدمها صوب كركوك. بحسب بي بي سي.

وقال رسول إن الخسائر في الأراضي تمثل "أنفال جديدة لكردستان"، في إشارة إلى مذابح الأكراد على يد الرئيس السابق صدام حسين بين 1987 و1988. وقال متحدث باسم المجلس القضائي الأعلى إن محكمة في بغداد اصدرت أمر اعتقال بحق رسول فيما يتعلق بشأن تصريحه. وقال المتحدث "تعتبر المحكمة هذه التعليقات استفزازا ضد القوات المسلحة، وفقا للمادة 226". ولم يتسن معرفة ما إذا كانت قوات الأمن العراقية ستحاول اتخاذ إجراء بموجب مذكرة الاعتقال لأنها لا تمارس أنشطتها داخل كردستان العراق. ولكن المذكرة قد تمنع رسول من مغادرة البلاد.

الحوار مع بغداد

الى جانب ذلك رحبت حكومة إقليم كردستان في شمال العراق بدعوة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي للحوار لحل الأزمة التي فجرها استفتاء الأكراد على الاستقلال. وقال العبادي إنه يعتبر أن استفتاء الذي أيد فيه الأكراد بأغلبية ساحقة الاستقلال على الرغم من معارضة بغداد، ”انتهى وأصبح من الماضي“. وقالت حكومة كردستان العراق في بيان بعد اجتماع في أربيل عاصمة الإقليم ”لا يمكن كسر إرادة شعب كردستان باستخدام السلاح والعمليات العسكرية ولا يمكن حل المشاكل العراقية بهذه الطريقة“.

وأضاف البيان أن الإقليم ”دعا المجتمع الدولي إلى مساعدة الطرفين للحوار ... من اجل وضع الحلول للمشاكل العالقة بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية على أساس الدستور العراقي“. وكان العبادي قد طلب من إقليم كردستان العراق إلغاء نتيجة الاستفتاء كشرط مسبق لبدء المفاوضات. ولم يشر البيان إلى الاستفتاء الذي ردت بغداد عليه بسلسلة من الإجراءات العقابية منها السيطرة على كركوك التي تقع خارج الإقليم مباشرة لكن قوات البشمركة وضعت يدها عليها منذ عام 2014.

وقال سعد الحديثي، المتحدث باسم المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، في تصريح صحفي سابق، إن الحكومة العراقية استندت إلى القرار القضائي ببطلان الاستفتاء، فضلاً عن قرار البرلمان باتخاذ جميع الخطوات لفرض سلطة الدولة العراقية. وأشار الحديثي إلى شروط جديدة للحوار مع حكومة الإقليم تستند إلى التأكيد على “وحدة البلاد والدستور واحترام سيادة بغداد على المنافذ الحدودية والمطارات والثروات السيادية وقوات البشمركة والأجهزة الأمنية الكردية وفرض القانون في المناطق المتنازع عليها ومنع أي سلوك مناف للدستور من قبل الإقليم”.

في سياق متصل اعتبر، بافيل طالباني، نجل الرئيس العراقي السابق جلال طالباني، في حوار تلفزيوني، أن إجراء استفتاء استقلال كردستان في الوقت الحالي هو “خطأ فادح”. ولفت إلى أنه كان من الأفضل قبول المقترح الأمريكي بتأجيل الاستفتاء لعامين. في الأثناء رحبت حكومة إقليم كردستان بدعوة وزارة الخارجية الأميركية للحوار بين أربيل وبغداد، في بيانها الذي تحدث عن تدهور الأوضاع في المناطق المتنازع عليها. وأعلنت الحكومة في بيان لها استعدادها للحوار مع الحكومة العراقية بأسرع وقت ودون شروط مسبقة. وكانت الخارجية الأمريكية الأطراف المشاركة في المعارك الجارية بكركوك إلى وقف أعمال العنف والتحركات الاستفزازية.

من جانب اخر قالت مصادر برئاسة الوزراء التركية إن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي سيزور تركيا لبحث خطوات مشتركة محتملة ضد حكومة إقليم كردستان العراقي عقب إجرائها استفتاء على الاستقلال الشهر الماضي. وأضافت المصادر أن العبادي ونظيره التركي بن علي يلدريم سيبحثان أيضا قضايا الأمن والاستقرار والسلام بالمنطقة. وكانت تركيا قالت إنها ستغلق مجالها الجوي إلى منطقة كردستان وتعمل على تسليم السيطرة على المعبر الحدودي الرئيسي مع الإقليم إلى الحكومة المركزية العراقية.

وا كد رئيس الأركان التركي خلوصي أكارفي وقت سابق، اتخاذ بلاده التدابير اللازمة لمواجهة أي تهديد قد يطال أمنها على خلفية استفتاء إقليم كردستان العراق. ونقلت وكالة "الأناضول" التركية الرسمية عن أكار قوله، "اتخذنا كافة التدابير اللازمة لمواجهة أي تهديد يطال أمننا، على خلفية الاستفتاء الباطل شمالي العراق". وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هدد، بغلق حدود بلاده مع كردستان "في أية لحظة"، وذلك بعد أن أغلقت مجالها الجوي مع الإقليم، جراء استفتاء الانفصال الذي أجري في الخامس والعشرين من أيلول الماضي. وتوعد أردوغان بـ"عدم مسامحة" إدارة إقليم كردستان بسبب "استقبالها" حزب العمال الكردستاني، فيما أكد أن أنقرة ستتواصل "فقط" مع الحكومة الاتحادية العراقية.

اضف تعليق