للعولمة Globalization أبعاد ومظاهر سياسية واقتصادية وفكرية وثقافية، وثمة من يقول ان العولمة كشعار ليست جديدة، لكن الظاهرة ترجع جذورها إلى أول يوم بدأ منه الغرب الاستعماري بغزو أسواق العالم بسلعه، وبضائعه، ونتاجا ته الفكرية بقصد الاستحواذ والهيمنة والاستعلاء الحضاري على الشعوب والأمم الأخرى...
في مفهوم العولمة (المعرفة قوة) هذه الصرخة التي أطلقها فرنسيس بيكون* (1561-1626) إذ بين هذا الفيلسوف الى ان المعرفة هي التي ستكون الفاصل الأساس في صراع الأمم والشعوب، وانطلاقا من (المعرفة قوة) كانت العولمة تجسد هذا المنحى في ابتلاع العالم في كف واحدة.
والعولمة مصطلح تم تداوله في الدراسات والبحوث الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على انه الظاهرة التي ستقود العالم وتربطه بنطاق الأثير التكنولوجي وبذلك فأن العولمة تحتاج إلى وقفة وتأمل تأريخي.
وللعولمة (Globalization) أبعاد ومظاهر سياسية واقتصادية وفكرية وثقافية، وثمة من يقول ان العولمة كشعار ليست جديدة، لكن الظاهرة ترجع جذورها إلى أول يوم بدأ منه الغرب الاستعماري بغزو أسواق العالم بسلعه، وبضائعه، ونتاجا ته الفكرية بقصد الاستحواذ والهيمنة والاستعلاء الحضاري على الشعوب والأمم الأخرى.
والعولمة ليست ظاهرة جديدة من مستحدثات وآليات القرن العشرين، بل هي مصطلح جديد للتعبير عن واقع قديم كان ملازما لجميع الأمم والقوى العظمى التي استخدمت جيوشها للهيمنة على غيرها من الدول والممالك، فالإمبراطورية الرومانية مثلا بسطت نفوذها على العالم المعروف والمحسوس في زمانها، ونشرت أنظمة حكمها وأنماط حياتها السياسية والاجتماعية والثقافية، ممارسة بذلك ضربا من ضروب العولمة، وهناك من يرى إنها ممتدة عبر التاريخ ومن قرون خلت، معللا ذلك لارتباطها بالنزعة الإنسانية في التملك والسيطرة والمصلحة وحب الذات، وتم التعبير عنها بشكل اعتداءات فردية وجماعية وحروب وغزوات لم تسلم منها نقطة على وجه الارض ماضيا وحاضرا، ويبدو ان النشأة الفعلية والمحسوسة للعولمة قد تصنف مع وجود النمط الرأسمالي منذ نشأته الاوربية كموقع خصب لدعواتها. وكما يقول ناعوم تشومسكي (لا جديد في النظام الدولي فالقواعد الأساسية مازالت كما هي قواعد القانون للضعفاء أو سطوة القوة للاقوياء، والعقلانية الاقتصادية والإصلاح الاقتصادي للضعفاء وقوة الدولة وحق التدخل والسيطرة للأقوياء).
بينما يرى باحثون عرب ان تاريخ العولمة يرجع الى عام (1492م)* وهي تاريخ سقوط غر ناطة وطرد اليهود من إسبانيا، عندها تم قطع التواصل الجغرافي المهم للعطاء الثقافي والحضاري للثقافة العربية الإسلامية، مما أتاح المجال لأوربا ان تظهر وتحتل الساحة التجارية والثقافية على العالم. ويرى آخرون ان العولمة ظهرت بهذا الشكل من خلال مراحل متعددة ابتدأت بالجنينية والنشؤ (التكوين) ثم الانطلاق وبالتالي الانتروبي (Entropy) أي عدم اليقين الكلي ثم الظهور المادي.
بينما يرى إحدى باحثي العولمة الغرب من العولمة ارتبطت جدليا باختراع السكك الحديدية والسفينة التجارية والسيارة، ومن ثم ان حقيقة العولمة اليوم قامت على أساس تكاليف واختراعات لاسلكية تتخصص بصورة مستمرة بفضل حسب ما سمي (بشذرات الكومبيوتر) الدقيقة (microchips) والأقمار الصناعية وبصريات الألياف والانترنيت.
أما مفهوم العولمة والمشكلات التي رافقتها وترافقها فأن الباحث سيورد قسما للمفهوم تبعا لآراء الدارسين لهذا الموضوع ومن ثم صياغة المفهوم الإجرائي (العملي) الذي سيخدم الدراسة. فالعولمة (Globalization) مصطلح مشتق من الإنكليزية والذي يعني في صفات متعددة، العالمية، الكونية، النطاقية، الكوكبية وما الى ذلك. وانه اشتق عربيا من (عالم) على صيغة فاعل وعولم على صيغة (فوعل) و(عولم) فعل يراد به ان يشيعه ويستخدمه عالميا وهو فعل قصدي يختلف عن (العالمية) والتي تعني في أغلب الأحيان بالاتفاق والتفاهم حول بعض الأنشطة التي تستدعي العالمية، كالألعاب الرياضية، المؤتمرات، الفرق الصحية والبرامج الغذائية والمنظمات الإنسانية أما معجم ويبسترز(1)(Webster’s) فهي تعني إكساب الشيء طابع العالمية وبخاصة جعل نطاق الشيء أو تطبيقه عالميا وكالآتي:
وفي هذا المعنى فأن المصطلح شديد البراءة والحيدة، وقد لا ينسجم في عمقه وآلياته مع ما يظهر اليوم من استلاب شامل للآخر.وقد تم تعريف العولمة تعريفات متعددة سنورد بعضا منها، فالعولمة لفظا واصطلاحا تستخدم لوصف ما يحدث في العالم اليوم من تضاؤل سريع في المسافات الفاصلة بين المجتمعات الإنسانية سواء فيما يتعلق بانتقال السلع أو الأشخاص أم رؤوس الأموال والاستثمارات أم المعلومات أم الأفكار أم القيم والعادات.
فيما يرى برهان غليون هو (الدخول بسبب تطور ثورة المعلوماتية والتقنية والاقتصادية معا في طور من التطور الحضاري، يصبح منه مصير الإنسانية موحدا او نازعا الى التوحد) ويستدرك في هذا غليون في معنى الوحدة ويشير الى انها تعني درجة عالية من (التفاعل Interaction)) بين مناطق وتجمعات بشرية مختلفة وليست معنى التجانس والتساوي.
والعولمة بحسب تعبير ماكرو هي (تعددية الروابط بين الدول والمجتمعات التي يتشكل منها النظام العالمي، وبموجبها يكون للأحداث والقرارات والنشاطات في أحد أجزاء العالم نتائج هامة ومؤثرات على الافراد والمجتمعات في الأجزاء الأخرى، وهذا يرتبط بمدى هذه الآثار وكثافتها (intensity) او عمقها (deepening).
بينما يحدد مالفيه ولفوس في كتابه العولمة (1997) بانها (تبادل شامل إجمالي بين مختلف أطراف الكون يتحول العالم على أساسه الى محطة تفاعلية للإنسانية كلها… وان العولمة هي نموذج القرية الكونية التي ترتبط بين الناس والأماكن ملغية المسافات ومقدمة المعارف من دون قيود).(5) ويذهب البعض الى اتساقها (بالامركة) باعتبارها نموذج لشيوع مود يل (model) على نطاق العالم. والامركة هنا يقصد بها (امركة مظاهر الحياة كلها، سواء الاقتصاد او العلوم او القيم والتقاليد وحتى الألعاب والفنون والأمراض والجوع).
وعلى ذلك تتباين وجهات النظر المختلفة حول العولمة ليس فقط في جانبها التاريخي، إنما في معناها ومقاصدها الاصطلاحية والوظيفية وما تبعته من أهداف وتداعيات، وقد اختلفت الزوايا المختلفة لمفهوم العولمة بين معارض لها ومرحب بها وبين ما يجعلها ظاهرة اقتصادية، أم حضارية، أم اتصالية، وطبعا الجميع يرحّل المصطلح على مايراه قريبا من مرجعيا ته واختصاصه، ذلك انه ليس من السهل ان نحدد مفهوما نهائيا وثابتا عن العولمة، فهي عدا كونها لاتزال مشروعا ألان، فأنها متعددة المعاني والدلالات والمواقف حيث تعكس مقدارا في المواقف والمصالح والأهداف، فالاقتصاديون والسياسيون وعلماء الاجتماع والإعلام والفن من مختلف الاتجاهات يتحدثون عنها بزوايا مختلفة، لكن ذلك في كل الحالات لا يشمل افقها المترامي الانتشار والتأثير.
ونرى ان اجمل واقرب تعريف لدراستها هي ما حددها كتاب عربي اتساقا مع ما أشار* لها المفكر الفرنسي روجيه غارودي على ان (العولمة هي اخر مراحل الرأسمالية، وانها نهب منظم وقاس لثروات الشعوب فضلا عن تهديدها للهوية الثقافية والقومية).
وعلى الرغم من هذا التباين في التناول والرؤية تجاه العولمة إلا أنها مازالت في طور التبلور والتكوين والصراع، ولازالت في طور النماء والتكوين ولذلك يمكن وصفها بالضابية وعدم الركود والمعرفي والتاثيري المحسوس، إذ ان الظواهر حتى يمكن قياسها ودراستها عليها ان تخضع للتكميم والضبط حتى يمكن استخراج محددات تأثيراتها وتجلياتها.
ويعد غموض المفاهيم وعدم الاتفاق على تعريفات محددة لها، من ابرز المشكلات التي تؤثر ايضا في أساليب دراسة الظاهرات العلمية ومعالجتها وتطور البحث العلمي في المجالات العلمية، ولذلك يعتبر التعريف (definition) أمرا ضروريا وملازما للمفهوم حيث يتم من خلاله الاتفاق على المحددات الخاصة بكل مفهوم، لتأكيد الاتفاق على التعميمات والتفسيرات العلمية التي تقوم على بناء المفاهيم.
وعليه لزاما على الباحث بعد هذه المسوحات لمفهوم العولمة ان ينطلق بتحديد او تعريف* يخدمه في متن البحث وانطلق بذلك من تعريف العولمة إجرائيا بمايلي:
(هي ظاهرة أساسها السيطرة الثقافية والاقتصادية والسياسية تعمقت في العقد الاخير من خلال التطورات المتلاحقة لتكنولوجيا الاتصال واتساع المصالح الرأسمالية الممثلة بشركات متعددة الجنسية، والمنظمات الدولية الاقتصادية، من شأنها إلغاء الحدود الجغرافية، وشيوع الثقافة الواحدة –الانكلوسكسونية- من خلال تذويب وسحق الثقافات الوطنية والمحلية للدول، والعمل على تصدير وانتقال رؤوس الأموال والمعلومات والأشخاص عبر النطاق العالمي اعتمادا بشكل أساس على الوسائل الإلكترونية الفضائية).
اضف تعليق