تشير الأدبيات الخاصة بالدور الجامعي على المستوى الاجتماعي من ان الجامعة تشكل بالضرورة أداة تحرر من الجمود والتطرف والكسل الفكري وإنها أداة اتصال عالية التأثير في من يدخل أبوابها ، وهذا القول يستند على افتراضات او مسلمات متعددة منها ان الجامعة هي مكان حضاري منظم يجمع طبقات مختلفة...
تشير الأدبيات الخاصة بالدور الجامعي على المستوى الاجتماعي من ان الجامعة تشكل بالضرورة أداة تحرر من الجمود والتطرف والكسل الفكري وإنها أداة اتصال عالية التأثير في من يدخل أبوابها ، وهذا القول يستند على افتراضات او مسلمات متعددة منها:
1- ان الجامعة هي مكان حضاري منظم يجمع طبقات مختلفة بغرض الإدماج والتفاعل ورفع المهارات بما يحقق للشخص والمجتمع منفعة عليا، ولو تم تحليل وتصنيف هذا القول على وفق مخرجات جامعاتنا اليوم لاكتفينا بمتغير نسبي واحد، وذلك للأسباب آلاتية :
* في ظل تأصيل الجامعات المناطقية ( لكل محافظة جامعة ) تعمل على ضعف التفاعل والإدماج وتقلل من خبرة الطالب في اكتساب مهارات الحوار المتنوعة ، باعتبار إن الجامعة مكوّن فيسفائي يمثل كل الاتجاهات والأديان والطوائف، مما يزيد الجامعي خبرة اجتماعية ورمزية بتقاليد وثقافات تلك المكونات ،عندها يخرج الى المجتمع ولديه كفاءة معرفية ملموسة بالنسيج والتآلف الاجتماعي .
* ما يتعلق برفع المهارات، فان التصور النمطي المأخوذ عن الجامعات لدينا هو الدراسة او التعليم او الحصول على شهادة، في حين ان التعليم الجامعي في الأصل هو رفع مهارات الفرد كي يحسن تعليم نفسه وينمي تفكيره باتجاه مهني محدد، أي يتعلم كيف يتعلم ويبدع من خلال السعي وممارسة طرق البحث والاستنتاج والاستقراء والحوار وبالتالي تتكون لديه مهارات ميدانية تؤهله ان يواجه المجتمع بالنفع والقيادة ،فضلاً عن آخر المستجدات والمعارف والمكتشفات في مجال تخصصه .فلا زالت جامعاتنا تنمّط التعليم وتُؤسلبه بالشكل الذي انتقل من الملامح الجامعية الى المدرسية ، فلدينا تقاليد مدرسية لكنها تطبق في الجامعة.
* النقطة الأساسية للمراوحة التفاعلية في الجامعات وتاكيداً على مخلفات الأسلوب المدرسي ...نؤكد ضمور وتردد شخصية اغلب الطلبة الجامعيين من حيث فنون التأثير ( إبداء الرأي، روح المبادرة ، القدرة على الاستنتاج ، خاصية الاستدلال بالرأي ، الحوار التفاعلي ، الاعتزاز بالاختصاص ....) وكل واحدة تحمل في طياتها العديد من المسببات والتفرعات .وهذه تعد من أبجديات التأصيل الجامعي في شخصية الطالب .
* ان عدد الساعات الدراسية التي يقضيها الطالب الجامعي في العراق اغلبها تتوزع على محورين الأول : حجرة الدرس والثاني باحة او نادي الطلبة ، على الرغم من ان الجامعات تضم بين طياتها العديد من الأنشطة وأدوات صقل المهارات ، وإذا كانت متوفرة كالمرسم والمسرح وغرفة الموسيقى والرياضة ، فهي للغرض الإداري فلو أجرينا مسحا للجامعات العراقية وأحصينا درجات الإقبال على تلك الأنشطة لأصابنا الذهول ، وربما اقتصرت الأنشطة على بعض الفعاليات الثقافية والتي لا ترتقي الى مستوى التعبير عن حاجات الطلبة في الأصل .
* ضمور الدور القيادي للقاعدة الطلابية ، والتي يمكن لها ان تؤسس ملتقيات او نوادي او تجمعات تشترك في الهم الثقافي او هم الاختصاص .
* الطرد المركزي السلبي للمؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني للخريجين ، بالشكل الذي أصبحت لدينا شريحة ( ضغط سياسي ) وأحد البرامج الانتخابية ، تحت يافطة تعيين الخريجين، بالشكل الذي جعل من الجامعة ليس كما خطط لها كأداة اكتمال مستقبلي او مهني، بل في أحيان كثيرة أصبحت عامل تأخير ان لم تكن عامل ضعف على رؤوس الخريجين الجدد.
* توجد تقاليد اتصال في الجامعات العريقة تسمى ( برامج إعادة تأهيل الخريجين ) او رابطة الخريجين ،او يوم الخريجين ..الخ يسمح لهم بالمشاركة والتفاعل الثقافي والعلمي مع القسم العلمي والاشتراك في الأنشطة لزيادة المهارات والخبرات في جانب معين وبالأخص في الأقسام التطبيقية والميدانية، في حين ان الجامعات العراقية في الأغلب تمنع دخول خريجيها بعد انتهاء سنتهم الرابعة، بالشكل الذي يحصل قطعاً فورياَ وتاماً بين الفضاء الجامعي وتقاليده وعلاقاته ،مع المتخرج الذي لا يُحتضن ، إلا من سلك الجيش والشرطة والحراسات .
* إذا كانت الجامعة لها الريادة والمفتاح الأوحد لتعليم مهارات البحث العلمي تفكيراً وكتابتةً وسلوكاً فان المؤشرات تشير الى ثانوية ذلك المنحى، من خلال التركيز بشكل أساسي على مشروعات الدراسات العليا، في ان دول العالم المتحضر ترى في مادة البحث والاستكشاف اللبنة الأولى لمهارة التفكير المنتج ، فضعف الاهتمام بمادة البحث ومشروعات الطلبة الميدانية تجعل من الطالب الجامعي يسير كما أسلفنا على وفق النمط المدرسي التلقيني، إذا ان إجراء البحوث والتقارير والواجبات الاستطلاعية والاستكشافية باعتقادي العمود الرئيس للتعليم العالي، فمن خلاله يُمارس طرق التفكير والإبداع والكشف في المكتبات والمواقع الالكترونية والمخطوطات ،ويلم بكل أدوات القياس الاجتماعي والعلمي التجريبي، مما يؤهله ذلك السلوك الى مواصلة خطه البحثي المعبّد والمختزل بالخبرة والجهد، وما نشهده من مستوى طلبة الدراسات العليا يثبت ما نقول، فالفقر في الأدوات، واللغة العلمية، والاستنتاج وعدم الفهم العلمي لآليات وأدبيات كتابة البحث العلمي امتد الى مستوى الدكتوراه ...وهذا بالطبع بسبب تهميش ملكة البحث والاهتمام بتقنياته في الدراسات الأولية.
* ضعف الاهتمام بالاتصال العلمي والعلاقات العامة(*) ، في الوقت غدا فيه الإعلام العلمي احد التخصصات الأساسية لعلم الاتصال والإعلام ، والمتعلق بفنون الاستمالة والثقافة العلمية للمجتمع ، بالإضافة الى بث وإشاعة ونشر المشروعات والبحوث ونتاجات أساتذة الجامعات والطلبة من خلال القنوات المتخصصة فيها او المجاورة ، فلم تستطع وزارة التعليم العالي ان تنشئ فضائية أو إذاعة او مطبوع مركزي يمكن ان يغطي تلك الأنشطة، فعشرات الجامعات في العراق لا يمكن ان يكون دورها وصوتها وتأثيرها مخنوق بحجة الإنشاء المستقبلي... أو سيجري دراسة... أو التعويل على لقطة او خبر أو تحقيق (كمادة إعلانية ) لجامعة ما .فعلى مستوى الإعلام الجامعي لم يرتقي إلى ألان بمستوى مؤسسة تقود المجتمع لا من حيث طرق التأثير أو المضمون او الصدى ( الانتشار ) فالجميع يعاني فرقة أكاديمية وظلام إخباري بكل متعلقات الوزارة أو الجامعات .وهذا الأمر بالطبع يرجع الى سببين أساسيين :
* تجاهل قيادات التعليم الجامعي لدور الإعلام الجامعي، والتوهم بان نشاطه يقتصر على نشر الأخبار وأنشطة الجامعات والرد على الشكاوى، في الوقت الذي أسس لنفسه علم ونظريات وأدوات جديدة تواكب التطور في تقنيات التعليم والمتغيرات النفسية والثقافية للقطاع الجامعي، وهذا يسبر على وحدات العلاقات العامة من خلال فقرها في رفد الجامعات بأساليب الانفتاح والتفاعل مع قطاعات المجتمع المختلفة ، وغالباً ما نلاحظ بؤس وافتقار أدواتها سواء أكانت مقوماتها الشخصية ام عناصر الاتصال الأخرى كالمطبوع والملصق والمواقع الالكترونية .
* تشهد الجامعات العراقية ضعف العمل بأسلوب التعليم الالكتروني ( باستخدام الحاسوب وتقنياته ) في عمليات رفع المهارة، أنما يُعتمد بشكل أساسي على جهود الأستاذ المحاضر بأسلوب ( محاضر _ متلقي )أو باستخدام نظام تعليم وندوز او بعض البرامج التي أصبحت الآن من بديهيات مهارات الأطفال ، وهذا بالطبع لا يكفي في ظل اتساع الاستخدام والشيوع الذي يشهده المجتمع العراقي بالعمل بالحاسب ، وهذا من شانه ان يؤصل الأمية التقنية التي نشهدها في مؤسساتنا وقطاعاتنا الخدمية .
* الفرقة الاتصالية والعلمية أهدرت ( تلاقح الاختصاصات ) وضعف العلاقات بين تدريسي الجامعات ،نتيجة شحة اللقاءات والمؤتمرات وبرامج الإدماج الشهرية والسنوية وعدم وجود إرادات وزارية لتفعيل الخطاب العلمي وإثراءه في بناء المشروعات المشتركة، سواء أكانت على مستوى الجامعات العراقية ام على مستوى الجامعة الواحدة.
* ان الجامعات جعلت من نفسها أدوات تعليمة بحتة وانغلقت على الهموم اليومية للمجتمع واكتفت بالأداء اليومي على حساب الأثر الحقيقي، في حين ان مكونها وسطوتها العلمية يمكن أن تضع لها بصمات التغيير والتأثير في مجمل المتغيرات، اقتصادية كانت ام تنموية ام دستورية ام تربوية...الخ باعتبار إنها الرافد الأساس لتلك القطاعات ، فكيف لها ان تبتعد ، فالجميل أن تأخذ المبادرة لقيادة الأولويات بالاستشارات العلمية على الأقل في محافظاتها.
* لا تزال طلائع الجامعات العراقية منها ( بغداد، البصرة ، الموصل ) مستوردة للمناهج وللمادة العلمية الدراسية في اغلب الأحيان ،في الوقت الذي نمتلك كبلد شخصيات ومفكرين وقادة علميين في مجال الكتابة والتأليف وفي معظم التخصصات ، كان بالإمكان توجيههم بإنتاج مراجع ومصادر مساعدة وعلى مستوى العراق والوطن العربي، تعين الطالب في تطوير مهارته ومما يرفع من هيبة الوزارة أو الجامعة في المجتمع.
اضف تعليق