مجازر نخيل هنا وأخرى هناك إذا ما جمعت العوامل المشتركة لها في الكفل/الكوفة كانت أو في الدورة أو في حافات المدن الأخرى سترى الأسباب واضحة لا تتعدى سعي أصحاب البساتين هذه الى ازالتها بالتدريج ليسهل عليهم توزيعها أراض سكنية ومن ثم تغيير جنسها حسب قوانين...
من يقصد النجف بالسيارة زائراً مؤمناً أو ضاقت به الأمور ليتذكر موتاه الراقدين في تلك القبور أو ساعٍ لمعاودة صديق اشتاق اليه بعد فراق طويل. أي كانت الغاية، سيعبرَ القاصد في مسعاه ذاك الطريق الرابط بين الكفل والكوفة، وعلى طوله سيرى أكوماً من بقايا نخيل (كرب) مذبوح على الطريقة العراقية، عرضت للبيع المباشر (جماراً) مرصوفاً فوق تلك الأكوام بمنظر يجلب النظر...
واقع عرض يثير الناظر ليس لجمال الرصف وحافات شذبتها سكين، ولا لألوان عرض تجانست بين الأبيض والأخضر الفاتح والأحمر البني، بل لكثر نخيل قُتلت في مجزرة لهذا اليوم أو قبل يوم من هذا، تتكرر كل يوم، تُذكر أهل الماضي ومن قرأ عن نخيل العراق والثروة وفضل النخلة ولقبها العمة ودورها في تحسين الطقس بأن أهلها الفلاحون وأصحاب مزارعها المرموقون قد تنكروا لها وللعراق دولة زراعية قبل أن يدخلوا بوابات الصناعة أو التجارة أو السياحة التي ومهما دخلوها لا تعوض عن الزراعة مصدر عيش لأهل البلاد.
إذا ما أخذتك العزة بالماضي والخشية من الحاضر والمستقبل، وتوقفت عند أحد الباعة الكثر لهذا الجمار المهدور وتسأله عن واقع العرض هذا ستسمع إجابات تكاد أن تكون موحدة، أن أهل هذه البساتين يبيعون نخيل منها بسعر يختلف من واحدة الى أخرى لكنه محصور بين العشرة آلاف الى العشرين ألف دينار.
وإذا ما عصرك الهم وأنت بغدادي وتركت باعة جمار الكفل واقتربت في عودتك من بغداد العاصمة سالكاً في دخولها الطريق السريع سترى مجزرة نخيل من نوع آخر، بساتين الدورة المطلة على نهر دجلة، نخيلها ذاك الذي شهد زهو بغداد وعزها وصمد واقفاً يقاوم جل حروبها وتلك الثورات والانقلابات وزحف البداوة والترييف، مات معظمه واقفاً، بطريقة جزر لئيمة، مئات تيبست في أماكنها.
النخيل لا تنتحر جماعياً ولا تموت بهذه الطريقة التي يلتوي فيها الرأس ويتيبس السعف فجأة الا بفعل فاعل، صب النفط مثلاً في أعلاها أو وضع شيء ما في جذورها، يميتها في وقت واحد وكأن عدوى طاعون قد أصابها.
مجازر نخيل هنا وأخرى هناك إذا ما جمعت العوامل المشتركة لها في الكفل/الكوفة كانت أو في الدورة أو في حافات المدن الأخرى سترى الأسباب واضحة لا تتعدى سعي أصحاب البساتين هذه الى ازالتها بالتدريج ليسهل عليهم توزيعها أراض سكنية ومن ثم تغيير جنسها حسب قوانين شرعت لتسهل عليهم هذا التغيير.
في العالم تُسجلُ كل الأشجار في دوائر الزراعة والغابات، يمنع على المالك قطعها الا بموافقة الدولة مع شرط زراعة أخرى مكانها، فهل يأتي اليوم الذي تسجل فيه نخيلنا وتمنع الدوائر المعنية بعض الفلاحين الجهلة من قتلها غدراً في وضح النهار؟.
اضف تعليق