في سياق التصارع الدائم بين المركز والاقليم أنه لا يحل بالقوة ولا يفرض بحسب سياسة الأمر الواقع، يحل فقط بالتفتيش الجاد مع عوامل ثقة تكون راسخة بين الطرفين، يعيش وسطها المواطنون الكرد والعرب وغيرهم بأمان ورفاه ويعيش فيها الاقليم سلطة شبه مستقلة تلتزم بقواعد اللعبة الفيدرالية...
كان وضع الاكراد في العراق منذ تأسيسه قلقاً، تأسس في الأصل على ثقة معدومة بين المركز في بغداد وبين الجهات السياسية الكردية على الجبل كانت أم في المدينة، وضع لم يتبدل منذ أن كان نوري السعيد بدهائه المعروف ووطنيته الصادقة محوراً ومن بعده عبد الكريم قاسم بثوريته غير الناضجة والى حزب البعث بحقبتيه الزمنية الديكتاتورية، وضعٌ قوامه التوجس والصراع قتالاً مريراً، في مجاله كان الجميع أطرافاً مخطئين، إذ يعتقد الجالس في بغداد بالكرد متمردين لا يوثق بهم، ومن أخذ في المقابل من جبال كردستان موضعاً يعتقد بعنصرية بغداد التي لا يوثق بها، وبين بغداد وذاك الجبل أجهزة دول تتحرك ليلاً وفي النهار لتوسيع هوة عدم الثقة.
هكذا استمر الحال عقود مهما قدمت الحكومة خلالها الى الاكراد يعدونه ناقصا الثقة في تطبيقه واحتمالات الانقلاب عليه، كذلك مهما قدم الأكراد من تنازلات والتزامات يبقى المركز يتوجس خيفة من احتمالات التمرد من أي جهة كردية مهما كانت صغيرة.
أخطأ الجميع التقدير في التعامل مع المسألة الكردية ضناً منهم أنها مرتبطة بالأنظمة والأشخاص والأحزاب، وتبين بعد التغيير عام 2003 أنها مسألة بقيت جمراً يغطيه رماد الديمقراطية المنفلتة التي دفعت الاقليم أن يهرول الى الأمام بفرض إجراءات وأساليب تعامل بسرعة تفوق القدرة الفعلية للهرولة ساعياً الى تأسيس قواعد ثقة يجوز تسميتها (ثقة التمكين) معتقداً أن فرضها بحكم الواقع يشعره بالأمان من مركز بدأ في ذاك العام والى قريب من الآن وكأنه يترنح من شدة ضربات أفقدته الوعي حتى تغاضى عن تلك الاجراءات والاساليب، لكنه في واقع الحال لن ينساها، وهي في الأصل تحمل في طياتها تناقض وابتعاد عن الواقع يجعلها عاملاً في توسيع هوة عدم الثقة.
وجاء الاستفتاء الكردي مستعجلاً راكضا هذه المرة ساعياً بتقديرات استراتيجية خطأ الى تجاوز سياقات ثقة التمكين الى فرض التمكين فأحدث صدمة شعور بالخطر أعادت الوعي الى المركز ودفعته الى اتخاذ اجراءات قوضت كل أسس التمكين وأظهرت الواقع الفعلي للإقليم وامكانيات تحركه محلياً ودولياً.
ان المهم في سياق التصارع الدائم بين المركز والاقليم أنه لا يحل بالقوة ولا يفرض بحسب سياسة الأمر الواقع، يحل فقط بالتفتيش الجاد مع عوامل ثقة تكون راسخة بين الطرفين، يعيش وسطها المواطنون الكرد والعرب وغيرهم بأمان ورفاه ويعيش فيها الاقليم سلطة شبه مستقلة تلتزم بقواعد اللعبة الفيدرالية الى أن يحين اليوم الذي يقتنعون بمصالح ارتباط لهم بالمركز أو طلاق بيّنْ يؤيد حصوله المركز لمصالح له في هذا الطلاق.
من هذا تعد خطوة الحكومة بفتح مطارات كردستان واعطاء الرواتب الى الموظفين الأكراد صحيحة لبناء الثقة كما ان خطوة الإقليم في قبول السلطة الاتحادية وإلغاء الاقامة عن غير الاكراد صحيحه وتسهم في اعادة الثقة، لكن جميعها خطوات لا تكفي وحدها لإرساء ثقة عيش لا يهدده طلاق.
اضف تعليق