المشهد الظاهر للعيان، تلقي داعش ضربة قاصمة للظهر في الساحة العراقية بعد قتال أثبتت في مجاله القوات المسلحة قدرة جيدة ميدانياً، والمشهد الباقي في الظل أن داعش لا زالت قادرة على العمل ولو بحدود دنيا في المناطق التي كانت نافذة فيها احتلالاً لثلاث سنين وفي أخرى بقدرة أقل.
واقع حال لو تم التفتيش عن أسباب حصوله على الرغم من تلقيها الضربة العسكرية القاصمة وتقلص مواردها من المال وكذلك من المجندين لظهرت في الواجهة عديد من الأسباب يتعلق بعضها بالإدارة ويتعلق بعضها بالجهد الاستخباري المتاح وبعضها الآخر بالناس.
نحن الناس المعنيين في العيش داخل أسوار متعددة لهذا البلد الذي تهدمَ سوره الأكبر بعد سقوط النظام واتجه أهله بدلاً عن ترميم ذاك السور الكبير والعيش داخله بسلام، الى بناء أسواراً محلية أضيق، حتى أصبحت للعشيرة سور وللطائفة بل ولأجزاء من الطائفة سور ولكل قوم سور، وأصبح الأهل لاهثين علي تمتين أسوارهم وترميم حالهم داخل السور الذي يعتقدون هو من يحميهم وخارجه ليسوا به معنيين، فسهل عملياً خرق جميع الأسوار بل وهدم بعضها، إذ تهدم السور السني بسهولة، وتهدم من بعده السور الكردي بمفاجأة وتصدع السور الشيعي حتى اقترب من الخرق ويتعرض السور العشائري لعوامل التعرية التي تقربه من الهدم.
ان المشكلة في مجتمعنا مُتعدد الأسوار أنه لم يتعظ بعد، ولم يتعلم من تجارب السنين، لذا يصح القول أنه يتحمل أكثر من غيره ذنوب الخطأ والاضطراب والبقاء الحالي لداعش قادرة على التحرك بين أسواره المتعددة وان تلقت ضربات موجعة عسكرياً، لان داعش هذه المنظمة الارهابية لا تتحرك تماماً تحت الارض، ولا تجمع معلومات عن أهدافها بوحي من السماء، انها موجودة ان لم يكن بيننا فقريب منا، واذا لم يكن في داخلنا دافع لمقاتلتها داخل اسوارنا ستستمر فاعلة الى أمد طويل، واذا لم يكن لدينا ميل للإخبار عن تحركها ستستمر بالتنقل من هنا وتذهب الى هناك الى فترة زمنية قد تمتد طويلاً.
ويصح القول لقد سكت بعضنا ودخلت داعش، وخاف بعضنا وحكمت داعش، ووقف على التل بعضنا الآخر واستمرت داعش تفجر هنا وتنصب كميناً هناك، وفي الجانب الآخر من معادلة البقاء الفاعل لهذه الآفة يتحسس بعضنا فيعطي الفرصة ان تقترب داعش، ويجهل قواعد الاشتباك بعضنا فيعطي المجال لأن يقوى فعل داعش ويتنافس بعضنا مع البعض لكسب ذاتي لأهل سوره الخاص على حساب الصالح العام، فيهيئ دون علم منه المجال الى داعش أن تظهر في المكان الذي تريد.
ويصح القول أيضاً ان عديد من الخيوط وربما أغلبها باتت بأيدينا نحن الناس، ان لم نحسن احكام السيطرة عليها ستنهدم جميع الاسوار ليس من فعل داعش التي تحتضر، بل ومن فهمنا الخاطئ للعيش في عديد من الأسوار.
اضف تعليق