عندما يصل الانسان الى مرحلة الشباب تتوجه أنظاره نحو العش الذهبي و مغادرة العزوبية، بحثا عن حياة جديدة تسودها المحبة والاستقرار، وقد ورد استحباب الزواج في القرآن الكريم والاحاديث النبوية الشريفة التي تدل على تفضيل الزواج والمتزوجين كما في قوله (ص): (ركعتان يصليهما متزوج افضل من سبعين ركعة يصليها اعزب)، و ايضا وردت اهمية الزواج والذم على تركه في كلام اهل البيت عليهم السلام بأنه: (ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الاسلام افضل من زوجة مسلمة تسره اذا نظر اليها، وتطيعه اذا أمرها، و تحفظه اذا غاب عنها).
إن مفهوم الزواج له ابعاد كثيرة ومختلفة وانه لا يقتصر على شيء معين او مجال واحد، فمن خلال الزواج يتم تكوين الاسرة التي هي الاساس واللبنة الاولى التي يتكون منها المجتمع، لذلك يكون على عاتق الزوجين تحمل مسؤولية هذه الاسرة وتوفير كافة احتياجاتها والاهم من توفير احتياجات الاسرة، مسؤولية التربية الصحيحة التي يجب ان تشمل وتغطي كافة الجوانب ومنها الدينية والاخلاقية والاجتماعية والنفسية.
وبعد اجتياز مرحلة اختيار الزوجين لبعضهما يتم الزواج ويبدأ مشوار الحياة الزوجية، ويبدأن بمواجهة عدة تحديات وصعوبات ستواجه المتزوجين الجدد حتما، وهذا شيء طبيعي، ففي الغالب يكون كلا منها قد عاش حياة مختلفة وفي بيئة مختلفة ومجتمع عائلي مختلف، فقد بات كلا منهما معتادا على نوع معين من النظام والطباع، وبالتالي سيكون هناك اختلاف في السلوكيات والعادات واختلاف في شخصية كل منهما.
الحاجة الى استيعاب الآخر
لذلك تبرز وتطفو على السطح عقبات وتحديات منها صعوبة ايجاد صيغ تفاهم بينهما، خصوصا في بداية الزواج، لأنهما لم يتعرفا على بعضهما بشكل كافي ليصلا الى مرحلة فهم واستيعاب بعضهما البعض، لذلك يحتاجان الى متسع من الوقت ليعتادا على المرحلة الجديدة من حياتهما، وان يجعلا من الحوار الهادف الذي يجب ان يكون على مستوى من التفهم والدراية بكل ما يمكن ان تخبئه لهم الحياة، لكي يصلا الى مرحلة الانسجام وان يكمل احدهما الاخر، وهناك الكثير من الاحاديث الجميلة التي تدل على ان الرجل والمرأة اوالزوج والزوجة هما مكملان لبعضهما، ومن هذه الاقوال: يحلم الرجل بامرأة كاملة! و تحلم المرأة برجل كامل! ولا يعلمون ان الله خلقهما ليكملا بعضهما البعض.
وقد تكون الظروف التي تواجههم ظروفا واعباء مادية، فاذا لم تكن الزوجة متفهمة لوضع زوجها وساندة له لربما يصعب استمرار الزواج بوجود هذه المعوقات، لذلك يجب ان يسعى الزوج للتخلص من هذه العقبة بالبحث عن عدة مصادر لتلبية حاجات العائلة والزوجة وعلى الاقل سد حاجات الاسرة الاساسية، وبالتالي على الزوجة ان تدعم وتساند زوجها في كل الظروف والاحوال وحتى اذا تطلب الامر ان تعمل في مجال مناسب لها لتوفر مصدرا اضافيا من الاموال ولتخفف بذلك العبء عن كاهل زوجها، وان ذلك يزيد من تقربهما وانسجامهما ليكمل بعضهما الاخر.
وهناك مشكلات اخرى كاختلاف المستوى التعليمي والثقافي بين الزوجين، أو ان كلا منهما له أسس ثقافية وتعليمية تختلف عن الاخر، من شأن ذلك ان يؤثر في مدى تفهمهما لبعضهما البعض، وقد يشكل صعوبة في ايجاد حلول مشتركة للمشكلات التي تعترضهما، لذلك عليهما ان يوسعا من نطاق تفكيرهما وأن يقدما لبعضهما التضحيات والود والمحبة، ليتجاوزا ما يواجههما من مشاكل وتحديات ويسيران معا جنبا الى جنب في طريق الحياة.
الحياة الزوجية استقرار وأمان
وللتوسع اكثر في موضوعنا هذا، أجرت (شبكة النبأ المعلوماتية) حوارا مع بعض المتزوجين، كي نتعرف على آرائهم وبعض العقبات والتحديات التي واجهتهم في حياتهم الزوجية، وكيفية ايجاد الحلول المشتركة بينهما لتجاوز هذه التحديات.
أم رونق ( عمرها 25 سنة، مضى على زواجها 6 سنوات)، أجابت قائلة: ان الزواج بكل ما فيه هو مطلوب ومحبذ بالنسبة لي، لان الحياة الزوجية هي استقرار لكلا الزوجين، ويجب ان يتحلى كل منهما بقدر كافي من التفهم والحكمة لمواجهة كل العقبات التي تعترض حياتهما، وأن لا يتخليا عن بعضها مهما حدث من اضطرابات، سواء كانت في داخل الاسرة ا خارجها، وان يجعلا من هذه العقبات وسيلة لتقوية علاقتهما اكثر فاكثر.
اما ابو محمد (30 سنة وقد مضى على زواجه 3 سنوات) اجابنا قائلا: ان الحديث عن الزواج جميل وانه بمثابة اكمال لنصف الدين، وقد اوصى به سيد المرسلين الرسول محمد (ص) والاحاديث والروايات كثيرة التي تحبب الزواج. واضاف الى ذلك: وجوب اداء حقوق الزوج من قبل الزوجة وبالمقابل ايفاء الزوج بواجباته اتجاه الزوجة وان ذلك يساعد ويساهم في تقليل الخلافات واسعاد بعضهما البعض.
وقد كان جواب ام تبارك (عمرها 24 سنة ومضى على زوجها 8 سنوات) بأن الزواج افضل بكثير من العزوبية، وخصوصا اذا كان هناك محبة و ود بين الزوجين، فان ذلك يؤدي الى خلق جو لطيف مملوء بالسعادة والحب، وبالتالي ينعكس ذلك على جميع افراد الاسرة. واضافت قائلة: انني تزوجت في وقت مبكر من عمري فاصبح زوجي هو كل شيء بالنسبة لي، وقد احسست معه بالامان والاطمئنان، مما دفعني اكثر فاكثر كي أقدم له ولاسرتي كل التضحيات وكل ما في وسعي لأجل ان تكون اسرتي الافضل في كل شيء، وهذا يتطلب توفيقا من الله عز وجل، لذلك انا احمد الله على كل شيء وأتمنى لكل المتزوجين الخير والمحبة والسعادة الدائمة.
أجمل ما وهب الله للإنسان
وقد أجابنا أبو عقيل، وكان اكثر خبرة في الحياة من الآخرين ( عمره 65 سنة، ومضى على زواجه 35) قائلا: لا شك ان كل الاديان اكدت على العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة، ولما جاء الاسلام رفد هذه العلاقة عبر القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بكل ما يشد من اواصر العلاقة الزوجية، وأعطاها صفة القدسية ورفعها الاسلام الى اعلى المراتب، لانها حجر الزاوية في بناء اسرة كريمة، وبالتالي تسهم في تحقيق المجتمع المتوازن والمترابط، حتى لا تعم الفوضى والرذيلة عبر علاقات محرمة تنتج التفسخ والانحلال. وأضاف: إن رأيي الشخصي بالعلاقة الزوجية انها اجمل ما وهب الله للانسان، حيث انها سكن ورحمة وصحة نفسية واجتماعية، و اما عن الصعوبات التي تواجه الحياة الزوجية فلاشك انها ستحدث وخاصة في مجتمع الواقع المبتلى بالمشاكل الاقتصادية والامنية، فعلى الزوجين التحمل والصبر والتعاون بينهما ونكران الذات والتضحية، فبذلك يمكن التخلص منها او تذليلها على الاقل، واتباع وتفهم تعاليم الدين والنبي (ص) واهل البيت (ع) ونصائح واقوال العلماء والفقهاء، والاستماع والانصياع الى صوت العقل والمحبة والتسامح والتدبير والتعايش المنزلي، فكل هذه الامور نستطيع من خلالها ان نحل معظم المشاكل الزوجية.
وعلى الرغم من اختلاف الآراء والتحديات والظروف، يبقى الزواج هو المؤسسة المقدسة وهو اللبنة الاساسية المكونة للمجتمع، فكلما كان الزوجان بقدر عال من الثقافة، والقدرة على استيعاب الاخر وان للتضحية عنوان في حياتهما، فبالتأكيد سوف ينعكس ذلك على اطفالهما، وبالتالي غرس كل ما هو جميل في نفسوهم وتعليمهم التضحية والبذل من اجل مصلحة الاسرة والاخرين، وعلى العكس من ذلك، يحصل عدم تفهم الزوجين لبعضهما وان كلا منهما يريد اثبات نفسه على حساب الاخر، وقد يكون ذلك على حساب الاطفال ايضا، فبلا شك سينعكس ذلك على نفسية الاطفال بشكل سلبي وبالتالي يشكل خللا في بناء وتكوين اسرة ناجحة متكاملة.
وحسب رأيي المتواضع عشْ بمحبة واحترام، وقدِّم ما تستطيع للآخرين، واكسب الاخر بأخلاقك وحسن ذوقك، ستجعله يتأثر بك وينجذب اليك حتى لو كانت هنالك عقبات، فسوف تزول من خلال التفاهم والانسجام.
اضف تعليق