إن القانون هو وسيلة لاستمرار الحياة العادلة على كوكب الأرض، فهو ضمان لحقوق الإنسان وهو الميزان المؤكد والناطق، لذا اختلفت وتنوعت القوانين لارتباطها بمجموعة من العوامل التي لعبت دورا كبيرا في تشريعها وتطبيقها وأبرزها العامل الديني والاقتصادي، لكن ليس الجميع يتقبل القوانين بقناعة بل أحيانا يكون مرغما على تطبيقها !.
ونأخذ مثالا على ذلك الاعتراضات التي سمعناها في الواقع او عبر العالم الافتراضي (شبكات التواصل الاجتماعي) حول البيان الذي أصدرته وزارة الداخلية قبل حلول شهر رمضان، وقد جاء فيه: "غلق المطاعم وأماكن بيع الأطعمة من شروق الشمس إلى الغروب باستثناء المطاعم الموجودة في المصانع والمطاعم الطلابية والمطاعم من الدرجة الأولى داخل المدن والمطاعم السياحية على الطرق الخارجية مشددة على ضرورة أن تكون تلك المطاعم مستترةً خلف أغطية على الأبواب، كما يحاسب المواطن على الإفطار العلني".
فقد علق البعض على هذا الإجراء بأنه غير عادل وبعضهم يرى أنه انتهاك لحرية الفرد مرددين (لا إكراه في الدين)، بينما يراه آخرون (وهم الأغلبية) إلتزاما بقدسية الشهر الفضيل واحتراما لطقوسه الروحانية، ونظرا لأهمية هذا الموضوع قامت (شبكة النبأ المعلوماتية) باستطلاع آراء عدد من المواطنين وإعطاء آرائهم بصراحة ان كانوا (ضد او مع) هذه التعليمات والضوابط التي تصدرها وزارة الداخلية في كل سنة قبيل شهر رمضان المبارك، وهذه بعض آرائهم حول الموضوع.
لشهر رمضان خصوصية مقدسة
بدأنا سؤالنا مع الصحفي علي محمد الذي قال: لا شك أن شهر رمضان له خصوصية بالغة تجعله شهرا مختلفا عن شهور السنة الأخرى، وأول هذه الاختلافات، تلك الأجواء الإيمانية الكبيرة، حيث تزدهر القيم الإنسانية ويتوجه الناس الى مساعدة بعضهم البعض وتسود الرحمة والوئام بين الجميع وتذوب الفوارق بين الأغنياء والفقراء، كما أن هذا الشهر هو شهر السيطرة على النفس والقضاء على رغباتها غير المشروعة لذلك أنا مع غلق المطاعم بصورة تامة مع الإبقاء على القليل منها لمن يحتاجها من المسافرين والمرضى، أما الشباب فإن هذا الشهر يعد الاختبار الحقيقي لهم ولقدرتهم على تحمل الجوع والعطش والاستمرار بأعمالهم، فهذا الشهر يهدف الى تربية الشباب على القيم النبيلة وأهمها القدرة على مواجهة المصاعب والجوع والعطش، لذلك نتمنى على الشباب استثمار هذا الشهر لتطوير الجانب الروحاني لديهم، مع أهمية الالتزام بالقيم العظيمة التي ترسخ أكثر فأكثر في هذا الشهر، قد تبدر اعتراضات هنا وهناك على غلق المطاعم ولكن هذه هي أجواء شهر رمضان وهذه هي إحدى أهم معالمه، فغلق المطاعم وعدم المجاهرة بالإفطار أو شرب الماء أمر صحيح جدا، حتى يبقى هذا الشهر ذو خصوصية تميزه عن غيره من الشهور، ويبقى المعيار الأهم الذي نقيس من خلاله قدره الشباب والإنسان بشكل عام على مواجهة المصاعب، مع تنمية الشعور بالآخرين، وإطلاق قيم الخير العميم في هذا الشهر الكريم.
بينما اختلف الناشط في حقوق الإنسان عبد الحسين ضرغام في رأيه حين قال: الصيام والإفطار حق شخصي لا يجوز فرضه والإجبار عليه خصوصا نحن في دولة ديمقراطية تشكلت تحت دستور يحترم خصوصية الفرد ومذهبه وتقاليده وافكاره بشرط ان لا تتجاوز على حرية الآخرين، والصيام فريضة كفريضة الصلاة من اجل غفران الذنوب وتهذيب النفس وهي رغبة خالصة يختارها الفرد بقناعته دون تأثير من حوله عليه، والدليل إنّ في سوريا ولبنان لا يوجد قانون يمنع الإفطار العلني مع ذلك لم يؤثر على نفسية الصائم، وأنا ضد هذا الإجراءات.
الحاجة ام مرتضى مدرّسة متقاعدة في ثانوية الحرائر للبنات قالت: الحمد الله الذي هدانا برحمته وفضله وجعل سعادتنا في خشيته وتعظيم شعائره فقد قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ وتعظيم شعائر الله: أي نحيطها بالإجلال وتكون لها مكانة كبيرة في قلوبنا لنؤديها برغبة ومحبة وخشوع وتذلل للباري عز وجل، وأكيد أنا مع هذه الإجراءات ومحاسبة المجاهرين بالإفطار وشهر رمضان قد ذكره رب العزة: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾.
إنها أيام تجلى فيها القلوب من كل زيغ وتفتح بها أبواب المغفرة ورحمة وعلى المستهينين بهذه الأيام الفضيلة أن يحاسبوا أنفسهم قبل محاسبة الدولة لهم.
تميّز العلاقة الروحية الخالصة
بينما قال الشاب مصطفى عزيز: إن علاقتنا بالله نحن نطورها او نهدمها كونها علاقة روحية خالصة لوجه الله ونابعة من قناعة الشخص ذاته ولا اعتقد ان هناك قانون على وجه الأرض يستطيع أن يعمق علاقتنا بالله إن لم نكن مستعدين لها، وأنا ضد هذا القانون لأنه شجعنا على النفاق فخوفنا من نظرة المجتمع وليس من الله جعل من البعض يمثل دور الصائم وهناك بينهم من كبار السن!.
الطالبة نور محمد من جامعة كربلاء علم النفس قالت: الإفطار والمجاهرة به من دون عذر بحد ذاته حرام بالذات أننا نعيش في مجتمع إسلامي، فشهر رمضان له لذته وله أجواؤه الخاصة به والتي اعتدنا عليها منذ الصغر وهو خط سرنا عليه منذ أسلافنا السابقين، لكن مع الأسف تغيرت بعض الأمور في هذا الوقت وأصبح الجهر شيء طبيعي ولا يوجد احترام لهذا الشهر الفضيل عند الكثير وخصوصا بعض الشباب وبمرور السنين نفقد الكثير من الأجواء الرمضانية، أكيد أنا مع هذا القانون ولا يوجد فيه أي اثر نفسي سلبي.
أما أبو محمد (كاسب) من سكنة النجف الاشرف قال: طبعا أنا مع هذه التعليمات لكن أتمنى من الحكومة ان تزيد من عدد المطاعم المرخصة بشهر الخير والبركة من اجل الشيوخ والمرض، ولقد حدث معي موقف حزين منذ سنين لن أنساه عندما ذهبت أنا وجدي (رحمه الله) لإتمام معاملة في محافظة ميسان وكانت رحلة متعبة خصوصا أننا وصلنا ساعة الظهيرة الحارة ونسيت أن اجلب معي شيئا يأكله فقد كان مصابا بمرض السكري والضغط والمحال والمطاعم مغلقة، لا زلت اتذكر كيف كانت ساعات صعبة وانا ارى جدي منهكا تعبا لا يحتاج سوى شيء مالح يأكله وماء بارد يشربه ليتحسن.
ختاما بعد سؤالنا (مع او ضد) كانت النتيجة الأكثر هي (مع) فتعظَّيم شعائر الله تعظيم لله جل وعلا وعظمته في قلوبنا واجبة، معتبرين المجاهرة بالإفطار سلوكا معيب وفعل فاضح يكسر حرمة الشهر ويحبط معنويات الصائم. فشهر رمضان تشتاق له الأرواح الطاهرة ويحسب المؤمن له الايام وكأنه ضيف عزيز، ليجهز نفسه ويعد العدة إكراما لمكانته العظيمة في النفوس ملتزما بكل التعاليم لاستقباله، حيث تكمن سعادته في إتمام اليوم وهو على مائدة الإفطار، فكيف لا وهو جسرنا الرابط بين الإيمان والنور وباب للجنة وقياس محبتنا لله ومدى طاعتنا لتعاليم ديننا الكريم .
اضف تعليق