الإرادة المكللة بالصدق والنية الخالصة لله والايمان هي في حقيقتها شجاعة في مواجهة العقبات وبدورها تؤدي حبس النفس عن غضب الله، وتحريم النفس كل ما يخالف الشرع الإسلامي، فالارتباط الروحي مع الله الناتج من الايمان الحقيقي والتقرب الى الله مع ارادة قوية صالحة هي ثمار الوصول الى الجنة...
يعد مبدأ سلطان الإرادة أحد ابرز المبادئ التي شكلت الأساس النظري للعلاقات التعاقدية في الفكر القانوني، حيث يتجلى مفهوم مبدأ سلطان الإرادة في التشريع الوضعي وتبنته العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية، فهو مصطلح قانوني يقصد به منح الإرادة الحرة للأفراد في انشاء الالتزامات وتنظيم اثارها، فالحرية أساس النشاط الذي يظهر في الإرادة التي تنشئ العقد وتحدد اثاره وتختار ما تشاء من المصالح التي تلائمها، فهو مبدأ يعد من أهم المبادئ القانونية التي منُحت للمتعاقدين فلهما حرية اختيار ابرام العقود وترتيب اثارها، فضلا عن انه من النظم القانونية الثابتة فمعظم القوانين اشارت إلى هذا المبدأ بشكل صريح، إلا ان هذا المبدأ لمْ يكن مطلقا ولكن ضمن حدود معقوله لغايات تحقيق التوازن ما بين الإرادة والعدالة والصالح العام.
غير ان التساؤل الذي يفرض نفسه هو: هل ان مبدأ سلطان الإرادة نتاجُ حصري للفكر القانوني ام ان له جذوراً اعمق واسبق في منظومة الشريعة الإسلامية التي اعتنت بإرادة المتعاقدين ووضعت لها ضوابط شرعية دقيقة؟
فالمقصود بمبدأ سلطان الإرادة في الشريعة الإسلامية حيث بدأ بالظهور مع بداية الإسلام ونزول الوحي النبي محمد (ص)، وقد وصل مداه الى ان جعله الله أساس الدين كله، قال تعالى (لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصال لها والله سميع عليم) وقال أيضا (وقل الحق من بكم، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، وقال أيضا (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)، وواضح من هذه النصوص القرآنية ان حرية الانسان وسلطان الإرادة هي أساس صحة الايمان بالله، وبقية التصرفات من باب أولى لأنها أقل شأنا من الاعتقاد ذاته.
وعندما اعطى الله سبحانه وتعالى للإنسان الإرادة ولكن هذه الإرادة تبقى محددة، بما اعطا الله تعالى من القدرة والامكان، وعليه يجب ان تستعمل تلك القدرة والإمكان لطاعة الله سبحانه وتعالى، وبناء على هذا المبدأ جاء التكليف من الله وصدرت الأوامر والنواهي، لاختبار الانسان في ارادته، وليميز الله الخبيث من الطيب فيظهر من يطيعه في أوامره ويظهر من يعصيه، فيجب خضوع هذه الإرادة البشرية لمشيئة الله تعالى.
لقد اعترف القرآن والقانون بمبدأ سلطان الإرادة او حرية الإرادة والاختيار، فقد زود الله تعالى الانسان الى جانب الإرادة الحرة القدرة على اتخاذ القرار بالعقل والبصيرة والفطرة التي تمكنه من التشخيص السليم والتمييز الدقيق، فعندما يمتلك الفرد الوعي الكافي والقدرة الكافية على التشخيص فان إرادة الانسان تكون قادرة على التخلص من الظروف الاجتماعية مهما كان سلطانها وقوتها.
فقد خلق الله سبحانه وتعالى إرادة تمكنه من التصرفات التي يبغي مرضات الله واتخاذ القرار نحو الصحيح، فلا يكون الفرد عنصرا جامدا للمحيط الاجتماعي، وعليه تكون ارادته هي الأصل وتدور في مساحة واسعة من الممكنات، فالإرادة في الأصل حرة الا ان هناك مجالين يبدو لنا انها اخطر مجالين ترك فيهما للإنسان مطلق الحرية لا قيد عليها، فالعلاقة بين الانسان والخالق علاقة حرة فاطلق له العنان في مجال الاعتقاد أي (الكفر والايمان) فالخطورة تكمن ان هذه العلاقة حرة لا يجبر الانسان على الايمان كما لا يجبر على الكفر ويتخذ قراره بحرية تامة، الا انه يجب توجيه الإرادة الى كل فعل يكسب الانسان قبول الاعمال، ويكون ايمانه بالله نابع من إرادة حرة مختاره.
فالإرادة تعني أيضا هي تلك القوة الباطنة القادرة على بعث روح العزم والتصميم في العمل الخالص لله، فالإرادة ليست شيئا ماديا وانما هي قوة معنوية تبعث فيك روح بكل ما للقوة من معنى، ولا يمكن للإرادة ان ترقى الا بالرجوع الى الله لتحقيق الأهداف والغايات، فهي تعد ضبط لنفس الانسان وتصرفاته، فضلا عن هي القدرة على مقاومة جميع ما يخالف احكام الله.
وترك لنا التاريخ مصداق للإرادة وسلطانها على الانسان فكان النبي (ص) المثل الأعلى لقوة الإرادة والعزم، فقد وقف صامدا امام كل التحديات وقاوم كل أفكار الجاهلية وتصدى بإرادة وعزم وتصميم لكل الأعداء، وناضل بإرادة جبارة في سبيل مبادئه وأهدافه، حيث اعلن موقفه بقوله ((لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على اترك هذا الامر ما تركته، حتى اموت او يظهره الله)) فكان قوله واضح وصريح في التعبير عن ارادته والتصميم القوي في تحطيم الاصنام واباد قوى الشرك.
ويمكن لنا ان نعبر عن الإرادة القوية بالرحلة الطويلة التي تتطلب الصبر والايمان والاستمرار للاستفادة من القدرات الذاتية وذلك بالتوجه نحو الدعاء والصلاة وقراءة القران وتفسير احكام الله لتطبيقها في واقعنا العملي، ويجب ان نأخذ بنظر الاعتبار المصاديق التي تركها لنا منهج اهل البيت (ع) لتكون منهاجا للتطبيق، لا سيما في يومنا الحاضر الذي نواجه الكثير من التحديات الذي يعيشها البلد بشيء من الانفلات والابتعاد عن المفاهيم القرآنية والاقتراب نحو ملذات الدنيا، فهذه بالحقيقة تعد لنا دروسا وعبر، وعليه يجب ان تكون سلطان ارادتنا موجه نحو الخير والصلاح ونحو كل ما يقربنا الى الله سبحانه وتعالى، كما ان الاستمرار والاجتهاد بالتفكير والتأمل للعمل الصالح مرتبط بما يبذله الانسان من جهد ولا يتحقق ذلك إلا عن طريق العلم والاختيار والإرادة القوية.
فالإرادة المكللة بالصدق والنية الخالصة لله والايمان هي في حقيقتها شجاعة في مواجهة العقبات وبدورها تؤدي حبس النفس عن غضب الله، وتحريم النفس كل ما يخالف الشرع الإسلامي، فالارتباط الروحي مع الله الناتج من الايمان الحقيقي والتقرب الى الله مع ارادة قوية صالحة هي ثمار الوصول الى الجنة، فالمفروض ان نتسامى على سلبياتنا وان تتوجه سلطان ارادتنا الى كل ما يحبه الله ويرضاه.
اضف تعليق