شهد العالم عدة أزمات دولية جاءت بسبب الهجمات الالكترونية "السيبيرية" التي غالبا ما تنسب ضد مجهول او "هاكرز" لصعوبة تحديد الجهة الفاعلة، الا ان عدم تحديد هوية الفاعل لا يعني عدم تحديد الجهة التي تقف خلف هذه الهجمات التي عادة ما تستهدف البنى التحتية او المعلومات التي تتعلق بمشاريعها السرية او حتى لأجل الثأر او معاقبة دولة ما، وقد طورت العديد من الدول المتقدمة منظوماتها الرقمية وخبراتها في مجال تكنولوجيا المعلومات (التي تحتاج الى أموال ضخمة لتمويل هكذا مشاريع) من اجل الحصول على موقع الريادة ومنافسة الاخرين بعد ان تحول السلاح الرقمي الى سلاح فاعل ومهم في الصراعات الدولية التي قد تجري اغلبها خلف الكواليس.
واعلن مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "جون برينان" إن "الوكالة تدشن واحدة من أكبر التعديلات في تاريخها تهدف في جانب منها إلى زيادة التركيز على عمليات الإنترنت ودمج المبتكرات الرقمية في عملية جمع المعلومات، وقال برينان إنه "بصدد تشكيل وحدات جديدة داخل الوكالة تدعى (مراكز المهام) بهدف زيادة تركيز الوكالة على تحديات معينة مثل انتشار الأسلحة أو مناطق جغرافية مثل أفريقيا"، وعلى الصعيد الرقمي قال برينان إنه سيؤسس "هيئة الابتكار الرقمي" لقيادة جهود الوكالة لرصد واستغلال التطور في التكنولوجيا الرقمية، وقال برينان إن الهيئة الرقمية الجديدة سيكون لها وضع مساو لأربع هيئات أخرى موجودة منذ أعوام، وتابع قوله "قدراتنا على تحمل مسؤولياتنا، باتت أكثر صعوبة في العالم الرقمي اليوم، ولذا ما يتعين علينا فعله كوكالة هو التأكد من أننا قادرون على فهم كل جوانب هذه البيئة الرقمية".
اما في بريطانيا، فقد أعلن وزير الدفاع البريطاني "فيليب هاموند" أن بلاده تبني قوة جديدة للهجمات السيبيرية، لشن حروب بواسطة خبراء الكمبيوتر بدلاً من القنابل والرصاص، وقال هاموند لصحيفة (ميل أون صندي) إن "بريطانيا هي الدولة الأولى في العالم التي ستعلن على الملأ أن لديها قدرات لشن هجمات سيبيرية وتعكف على تطوير جيش من الحواسيب، لأن حروب المستقبل ستُخاض من خلال تكنولوجيا المعلومات وفي غرف، بدلاً من الجنود أو الدبابات أو الطائرات المقاتلة"، وأضاف أن "الكثير من الحروب الحديثة سيشنها أناس يجلسون في مخابئ أمام شاشات الكمبيوتر وبأسلحة سيبيرية لتعطيل اتصالات الدول المعادية، وأسلحتها النووية والكيميائية، وطائراتها وسفنها الحربية وأجهزتها الالكترونية الأخرى"، وأشار وزير الدفاع البريطاني إلى أن "النظرية النمطية هي أن ساحات المعارك في البر والبحر والجو، لكن تم الاعتراف قبل فترة طويلة بوجود ساحة رابعة هي الفضاء، وهناك الآن ساحة خامسة هي المجال السيبيري، والذي بات يشكل الآن جبهة جديدة للدفاع".
وشهد العالم العديد من الهجمات التي نفذت على مواقع واهداف دقيقية، أحدث الكثير منها اضرارا بالغة لدى الخصوم، من دون ان يملك الطرف الاخر أية وسيلة للرد او تحديد الجهة التي قامت بهذا الهجوم، فمنفذ عملية الهجوم غالبا ما يبقى في إطار التخمين والشك، وكما حدث في عام 2009 عندما اتهمت الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل بعملية رقمية لتخريب البرنامج النووي الإيراني طوال عامين، ومنها أيضا اتهام كوريا الشمالية بالهجوم الالكتروني على شركة "سوني" بسبب رفضها عرض فيلم "المقابلة" الذي يسخر من قائدها كيم جون أون، إضافة الى اتهام الولايات المتحدة الامريكية بالرد على هذا الاعتداء من خلال تعطيل شبكات الاتصال في كوريا الشمالية لعدة ساعات.
كما ان عشرات الهجمات الأخرى والتهم المتبادلة بين الصين وكوريا الشمالية والولايات المتحدة وغيرها من الدول تظهر الى وسائل الاعلام بين الحين والآخر، من جهتها كشفت عملاقة أمن المعلومات الروسية شركة "كاسبر سكي" عن مجموعة من الأدلة، تظهر أن أنظمة مراقبة متطورة قد تم دمجها داخل الآلاف من أجهزة الكمبيوتر العاملة لدى مسؤولين وعلماء ورجال أعمال وصحفيين في دول مثل روسيا وإيران والصين، بدءا من عام 2001، وتدير أنظمة المراقبة المتطورة هذه مجموعة قراصنة تحت اسم (Equation Group)، وكان واحدا من أقوى الأدوات التي يستخدمها فريق التجسس هذا فيروس موضوع داخل البرامج المدمجة في القرص الصلب لكافة الشركات الكبرى تقريبا المُصنعة لأجهزة الكمبيوتر، ويسمح هذا الفيروس للبرمجيات الخبيثة للقراصنة بالسيطرة على جهاز الكمبيوتر، حتى قبل تحميل نظام التشغيل للمرة الأولى على الجهاز، وعلى الأرجح كانت هذه التقنية موجودة على الأقل منذ عام 2007، وتوضح "هرافنسون" إنه من المرجح أن تكون وراء العملية هذه وكالة الأمن القومي الأمريكية، وتقول "لا توجد جهة أخرى لديها القدرات والموارد للقيام بذلك".
بالمقابل فان سلاح التكنولوجيا الرقمي لم يعد حكرا على الدول المتقدمة او حتى الدول النامية، بل أصبح في متناول الإرهاب والمنظمات المتطرفة (وان كان بمرتبة اقل) وقد استخدمت هذه المنظمات المتعاطفين معها من المتطرفين وغيرهم ممن يملكون القدرة والخبرة على الهجمات السيبيرية لتنفيذ عدة عمليات ناجحة، بالإضافة الى استخدامهم لمواقع الانترنت وصفحات التواصل الاجتماعي المنتشرة على الانترنت لكسب المزيد من المقاتلين الى صفوفها، وقد استخدمت التنظيمات المتطرفة شبكات الانترنت بشكل واسع ومكثف لجمع التبرعات وتنفيذ الهجمات الالكترونية وتجنيد المقاتلين وبث عملياتهم الجهادية، ومن بين ابرز التنظيمات والحركات التي استخدمت السلاح الرقمي كجزء من سلاحها الفعال، يعتبر تنظيم "داعش" المتفوق على جميع التنظيمات الأخرى، بعد ان استطاع كسب عشرات الالاف من المقاتلين الأجانب من اكثر من 90 دولة حول العالم، كما استفاد من خبرة المنظمين الى صفوفه خصوصا القادمين الدول الاوربية والغربية الأخرى.
اضف تعليق