أساليب مكافحة الإرهاب السياسي

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

إن اللاعنف دائما يكون الحل المناسب للجميع، وهو الأسلوب الناجع لمكافحة الإرهاب والعنف، وفي حال الإصرار على العنف السلطوي، فإن المواجهة مع الشعب قادمة، وغالبا ما تُهزَم الحكومات في المعارك ضد شعوبها، حتى لو نجحت في بعض الأحيان من كتم المعارضة، لكن من المحال أن يصمت الشعب على حقوقه المستلبة من الحكومة المستبدة...

(اللاعنف هو الذي يتغلب على القوى المادية وغيرها) الإمام الشيرازي

توجد للإرهاب تعريفات مختلفة بحسب نوعه ومصدره وأهدافه، وكما يقول المعنيون بدراسة الإرهاب، إنه قضية باتت تشغل العالم وانظمته السياسية والدولية لما تخلفه من آثار على الامن والاستقرار الدوليين، ويعد الارهاب السياسي ظاهرة اجتماعية سياسية في ان واحد. الأمر الذي يتطلب الاهتمام بها بقصد ايجاد الحلول الجذرية لها. فالعالم يعيش اليوم تحت رحمة الارهاب ولم تعد لشعوب العالم خيارات كثيرة للتخلص من دائرة الإرهاب. 

وهناك خطوات إجرائية يجب اتخاذها، لكي تتم محاصرة الإرهاب السياسي، ويتم تقليل أضراره العديدة، ومخاطره الكبيرة، سواء على الدول والمجتمعات، أو على الأفراد، وهنالك حلول ممكنة، على الجهات المعنية أن تبادر بقوة لاتخاذها، لأن ترك الإرهاب يتكاثر يعني منحه الفرصة لتأجيج الأوضاع العالمية أكثر فأكثر.

وفي الغالب يكون الأكثر هشاشة وضعفا، هم وقود الإرهاب السياسي، لهذا يجب مكافحة هذا النوع من الإرهاب، عبر الخطوات التي يمكن القيام بها، وهي عبارة عن سلسلة من الإجراءات المتماسكة والمتتابعة كأنها سلسلة مترابطة، وأول هذه الخطوات الوعي.

بمعنى يجب أن يكون الناس على وعي بحقوقهم، خصوصا السياسية، ولا يسمحوا بالتجاوز عليها، خصوصا من قبل الأنظمة السياسية والحكومات الدكتاتورية التي تحاول أن تلتف على هذه الحقوق بألف طريقة وطريقة، لهذا يأتي الوعي في الصدارة، مع اللامركزية والتعددية وحماية المؤسسات الدستورية ودعم استقلالها وفاعليتها.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) يقول في كتابه القيم الموسوم بـ (فقه السلم والسلام/ الجزء الثاني):

(الخطوة الأولى التي تساعد على التقليل من مخاطر الإرهاب السياسي تتمثل بالوعي العام والتعدّدية السياسية والانتخابات الحرّة وفاعلية واستقلالية المؤسسات الدستورية).

من الخطوات الفعالة في مكافحة الإرهاب السياسي الذي تمارسه الأنظمة والحكومات المستبدة، نشر العدل بين الناس، وفي مؤسسات الدولة، وتحقيق مبدأ المساواة، لاسيما في جوان حياتية مهمة مثل فرص العمل، والخدمات الأساسية، وفرص التعليم والصحة، وعندما يلاحظ الشعب هذه الإجراءات الصحيحة سوف يكون داعا للحكومة.

مراعاة العدالة وتكافؤ الفرص

كما أن هذا النوع من المساواة يطفئ الضغينة، ولا يترك سببا عند الناس لكي يكونوا معارضين للسلطة، ولهذا يتحقق التأييد الكبير للحكومة عندما تكون عادلة، وعندما تعمل على نشر المساواة بين الناس، فهذه كلها خطوات فعالة لسحب البساط من تحت الإرهاب، ولا يمكن للناس أن يهددوا السلطات عندما تكون عادلة معهم.

حيث يؤكد الإمام الشيرازي ذلك في قوله:

(تطبيق العدل والمساواة وإعطاء كل ذي حق حقه حتى يعمّ السلم والسلام من أقصى الشعب إلى أقصاه).

كما أن مراعاة العدالة، وتكافؤ الفرص، والمساواة بين الناس، تمنع أسباب العنف، وترفع الظلم والحيف عن الناس المقهورين، على خلاف ما يحدث من قبل الحكومات الفاسدة والدكتاتورية، حيث يتعرض الجميع إلى الإرهاب السياسي، والملاحقات والسجون، لمجرد أنهم يطالبون بحقوقهم المشروعة، ولا تتم الاستجابة لهم.

لذلك تبقى الاضطرابات قائمة، ويبقى فتيل الأزمات مشتعلا، ويبقى العنف والعنف المقابل هو الذي يتحكم بطبيعة العلاقة بين الشعب والسلطة، ويؤكد المعنيون أن الشعب في حال حصل على حقوقه، ووجد الاهتمام اللازم، وحصل على ما يحقق له الحياة الكريمة، فإن العنف لن يكون له وجود، وبالتالي تنطفئ أسباب الإرهاب السياسي السلطوي.

لذا لابد أن تسعى الأنظمة السياسية والحكومات بجدية إلى إرجاع الحقوق المسلوبة من الناس، وأن لا تبالغ باستخدام الترهيب والإرهاب والقوة ضد الناس، وأن لا يكون أسلوب البطش هو سبيلها في معالجة الاعتراضات الشعبية في حال حدوثها، بل على الحكومة أن تدرس الأوضاع جيدا وتبحث في الأسباب الحقيقية. 

وتعيد الحقوق المهدورة للناس، فهذا الأسلوب هو الأفضل والأقرب إلى حل المشكلات، لاسيما أن التجارب تؤكد إصرار الشعوب على حقوقها، ولا يمكن أن تتراجع أما أساليب الإرهاب السياسي حتى لو تعاظمت.

يقول الإمام الشيرازي حول هذه النقطة:

(حتى لا يكون لذوي الحقوق المهدورة سبب للقيام بالإرهاب والمخاطرة بأنفسهم وما يملكون، ورفع الحيف عن المظلومين ورد الحقوق المسلوبة إلى أصحابها وربط الشرعية بالقوة والقوة بالشرعية).

من الأمور المعروفة هي أن الشعوب لا تثور إلا في حال حصول الإرهاب السياسي ضدهم من قبل الأجهزة الحكومية السلطوية، وخصوصا في الحكومات المستبدة، حيث ترفع سلاح الإرهاب كنوع من الحلول التي تعالج بها مشاكلها مع الشعب، وهذا الأسلوب لا يمكن أن يكون في صالح الحكومات المستبدة، بل عليها التراجع عن الاستبداد، وأن تكف عن الإرهاب، ومضايقة الناس ومصادرة حقوقهم.

الإقناع وسيلة التغيير الناجح

وعندما تبقى الحكومات مستمرة في أساليبها الجائرة سوف يظهر أناس لا يقبلون بالإرهاب السياسي الذي تطلقه الحكومة ضد من يطالب بحقوقه، لذلك من الممكن أن يحدث هناك نوع من التفاهم المتبادَل بين الطرفين، لاسيما عندما يكون اللاعنف هو الهدف من قبل الجميع، وهذا يتطلب من الحكومة أن تغيّر أسلوب الإرهاب ضد المعارضين، وتستبدل ذلك بالإقناع.

فإذا اقتنع المعارضون بما تقوم به الحكومة من إجراءات، لصالح الناس، فإنهم سوف يقتنعون ويغيرون مواقفهم، ويتحول العنف إلى أسلوب اللاعنف الذي يخدم جميع الأطراف، من خلال اعتماد أساليب غير عنيفة حضارية، ضامنة بقة لحقوق الشعب، وتمنع من استخدام القوة والعنف ضد المعارضين.

لذا يقول الإمام الشيرازي: 

(التوضيح للمعارضين وإقناعهم بأن العنف ليس الوسيلة الصحيحة التي تحقق أهدافهم، بل لابد لهم أن يحققوا تلك الأهداف عبر الموازين الدستورية والقوانين العادية والعرفية والمعايير السلوكية والضغوط الإعلامية والدبلوماسية).

إذن بالإمكان التخلص من بؤر التوتر، والحد من أساليب العنف بين السلطات وبين الشعب، كذلك يمكن تغيير أسلوب البطش السلطوي، إذا آمنت الحكومات ومن يقودها بأن الإرهاب السياسي لا يخدم أهدافها، بل أسلوب البطش والتضييق على الناس يسرّع من إسقاط الحكومة، ويجعلها هدفا في مرمى الأعمال المعادية.

لهذا فإن اللاعنف دائما يكون الحل المناسب للجميع، وهو الأسلوب الناجع لمكافحة الإرهاب والعنف، وفي حال الإصرار على العنف السلطوي، فإن المواجهة مع الشعب قادمة، وغالبا ما تُهزَم الحكومات في المعارك ضد شعوبها، حتى لو نجحت في بعض الأحيان من كتم المعارضة، لكن من المحال أن يصمت الشعب على حقوقه المستلبة من الحكومة المستبدة.

لهذا بدأ النبي محمد صلى الله عليه وآله بعثته النبوية بأسلوب اللين المعروف عنه، وكسب بذلك قلوب وتأييد الجميع له رغم أن الناس قلما تقبل التغيير، إلا إذا كان مقنعا ومقبولا، وكذلك فعل جميع الأنبياء عليهم السلام في تعاملهم باسلوب اللاعنف مع أقوامهم ونجحوا في ذلك.

يقول الإمام الشيرازي:

(هذا هو سبيل اللاعنف الذي ندعو إليه ودلت عليه الآيات والروايات، وقد ألمحنا إليه في السابق، فاللاعنف هو الذي يتغلب على القوى المادية وغيرها، كما استعمله رسول الله صلى الله عليه وآله، في أول البعثة النبوية المباركة ولهذا تغلب على الماديات، وهكذا كان حال جملة من الأنبياء عليهم السلام الذين وصلت إلينا سيرتهم كعيسى المسيح وموسى الكليم وإبراهيم الخليل ونوح شيخ المرسلين).

هذه هي الخطوات التي يمكن اتخاذها في مجال تقليل الإرهاب السياسي ومحاصرته، وفي حال تم استخدام هذه الخطوات، فإنها سوف تفتح الآفاق واسعة أمام تحقيق نوع من اللاعنف يربح منه الجميع بعيدا عن خسارات الأنظمة القمعية والفاسدة، والحكومات السلطوية التي تحرق نفسها، وتلحق أفدح الأضرار بشعوبها.

اضف تعليق