الامام علي بن الحسين (عليهما السلام)، السجاد، زين العابدين، سيد الساجدين، ذو الثفنات، سيد العابدين، زين الصالحين، وارث علم النبيين، وصي الوصيين، خازن وصايا المرسلين، إمام المؤمنين، منار القانتين، الخاشع، المتهجد، الزاهد، العابد، العدل، البكّاء، إمام الأُمة، أبو الأئمة، الزكي، الأمين، الخالص، المتهجد، الرهباني، وغيرها.
يوم ٥ شعبان من سنة ٣٨ للهجرة ولادة النور الرابع من أنوار أهل بيت العصمة والطهارة الامام السجاد، علي بن الحسين، زين العابدين عليه السلام
الامام علي بن الحسين (عليهما السلام)، السجاد، زين العابدين، سيد الساجدين، ذو الثفنات، سيد العابدين، زين الصالحين، وارث علم النبيين، وصي الوصيين، خازن وصايا المرسلين، إمام المؤمنين، منار القانتين، الخاشع، المتهجد، الزاهد، العابد، العدل، البكّاء، إمام الأُمة، أبو الأئمة، الزكي، الأمين، الخالص، المتهجد، الرهباني، وغيرها.
حفظ الأمانات
روي أنه بلغ عبد الملك أن سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند الإمام زين العابدين (عليه السلام). فبعث يستوهبه منه ويسأله الحاجة. فأبى عليه، فكتب إليه عبد الملك يهدده، وأنه يقطع رزقه من بيت المال.
فأجابه (عليه السلام): «أما بعد، فإن الله ضمن للمتقين المخرج من حيث يكرهون، والرزق من حيث لا يحتسبون، وقال جل ذكره: {إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}(1)، فانظر أينا أولى بهذه الآية في حلمه وتواضعه»(2).
أ لك حاجة؟
شتم بعضهم زين العابدين (صلوات الله عليه) فقصده غلمانه. فقال (عليه السلام): «دعوه؛ فإن ما خفي منا أكثر مما قالوا ـ ثم قال له ـ أ لك حاجة يا رجل؟».
فخجل الرجل.
فأعطاه ثوبه، وأمر له بألف درهم، فانصرف الرجل صارخاً يقول: أشهد أنك ابن رسول الله(3).
مهلاً كفوا
في رواية: كان الإمام السجاد (عليه السلام) يوماً خارجاً. فلقيه رجل فسبه، فثارت إليه العبيد والموالي. فقال لهم علي (عليه السلام): «مهلاً كفوا». ثم أقبل على ذلك الرجل فقال: «ما ستر عنك من أمرنا أكثر، أ لك حاجة نعينك عليها؟».
فاستحيا الرجل، فألقى إليه علي (عليه السلام) خميصةً كانت عليه، وأمر له بألف درهم.
فكان ذلك الرجل بعد ذلك يقول: أشهد أنك من أولاد الرُسُل(4).
العفو عن القاتل خطأ
كان عند الإمام السجاد (عليه السلام) قوم أضياف، فاستعجل خادم له بشواء كان في التنور. فأقبل به الخادم مسرعاً، فسقط السفود منه على رأس بني لعلي بن الحسين (عليه السلام) تحت الدرجة، فأصاب رأسه فقتله.
فقال علي (عليه السلام) للغلام ـ وقد تحير الغلام واضطرب ـ: «أنت حر، فإنك لم تعتمده». وأخذ في جهاز ابنه ودفنه(5).
أمنت عقابك
روي أن علي بن الحسين (عليه السلام) دعا مملوكه مرتين فلم يجبه، فلما أجابه في الثالثة، قال له: «يا بني، أما سمعت صوتي!». قال: بلى. قال: «فما لك لم تجبني؟». قال: أمنتك. قال: «الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنَّي»(6).
وفي رواية: ثم أعتقه.
ثم لا يتوهم أن هذا العمل يوجب تعليم المماليك مخالفة ساداتهم؛ لأنه:
أولاً: هذا تربية الناس على مداراة مماليكهم، وعدم العنف معهم، قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ}(7).
ثانياً: كان إيذاء العبيد آنذاك متعارفاً عند الكثير من الناس، حتى أنهم كانوا ينكّلون بهم، بصلم آذانهم، وجدع آنافهم، وجعلهم في الأغلال وحبسهم، بل وقتلهم لأشياء تافهة. وقد بيَّن الإمام زين العابدين (عليه السلام) بطلان هذه الأعمال، التي هي من أكبر أنواع الظلم، وأصبح أسوة في مداراة العبيد والرفق بهم.
كما ورد أن أهل المدينة لم يكونوا يرغبون في نكاح الجواري، حتى وُلد علي بن الحسين (عليه السلام) من جارية، فرغبوا فيهن.
فكان للأئمة الطاهرين (عليهم السلام) الدور الأكبر في تربية المجتمع، وتحسين تعاملهم مع العبيد، وعدم إيذائهم، وترك ظلمهم، وتشجيعهم على عتقهم.
قيل: إن مولى لعلي بن الحسين (عليه السلام) يتولى عمارة ضيعة له. فجاء ليطلعها، فأصاب فيها فساداً وتضييعاً كثيراً، غاضه من ذلك ما رآه وغمه. فقرع المولى بسوط كان في يده، ـ أي قرعاً خفيفاً أقل مما يستحقه ـ وندم على ذلك. فلما انصرف إلى منزِله، أرسل في طلب المولى، فأتاه فوجده عارياً والسوط بين يديه، فظن أنه يريد عقوبته، فاشتد خوفه. فأخذ علي بن الحسين السوط ومد يده إليه، وقال: «يا هذا قد كان مني إليك ما لم يتقدم مني مثله، فدونك السوط واقتص مني». فقال المولى: يا مولاي، والله إن ظننت إلا أنك تريد عقوبتي، وأنا مستحق للعقوبة، فكيف أقتص منك!. قال: «ويحك اقتص». قال: معاذ الله أنت في حل وسعة. فكرر ذلك عليه مراراً، والمولى كل ذلك يتعاظم قوله ويجلله، فلما لم يره يقتص. قال له: «أما إذا أبيت، فالضيعة صدقة عليك». وأعطاه إياها(8).
وكان الإمام (عليه السلام) يريد بهذه القصة ـ على فرض تماميتها ـ أن يبين للناس كيفية التعامل مع العبيد.
الإحسان إلى المسيئين
كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) يحسن إلى من يسيء إليه.
كان هشام بن إسماعيل ـ أمير المدينة ـ يسيء إليه، ويؤذيه أذى شديداً. فلما عُزل، أمر به الوليد أن يوقف للناس. فمر به وسلم عليه، وأمر خاصته أن لا يعرض له أحد(9).
وكان له ابن عم يؤذيه، فكان يجيئه ويعطيه الدنانير ليلاً، وهو متستر. فيقول: لكن علي بن الحسين لا يصلني، لا جزاه الله خيراً. فيسمع ويصبر، فلما مات انقطع عنه، فعلم أنه هو الذي كان يصله(10).
ولما طرد أهل المدينة بني أمية في وقعة الحرة، أراد مروان بن الحكم أن يستودع أهله، فلم يقبل أحد أن يكونوا عنده إلاّ علي بن الحسين (عليه السلام)، فوضعهم مع عياله، وأحسن إليهم مع عداوة مروان المعروفة له ولجميع بني هاشم(11).
وعال في وقعة الحرة أربعمائة امرأة من بني عبد مناف إلى أن تفرق جيش مسرف بن عقبة(12).
غفر الله لك
كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) يقول لمن يشتمه: «إن كنتُ كما قلتَ فأسأل الله أن يغفر لي، وإن لم أكن كما قلتَ فأسأل الله أن يغفر لك»(13).
التواضع
كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) لا يسافر إلاّ مع رفقة لا يعرفونه، ويشترط عليهم أن يكون من خدم الرفقة فيما يحتاجونه، ويقول: «أكره أن آخذ برسول الله (صلى الله عليه وآله) ما لا أعطي مثله».
عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «كان علي بن الحسين (عليهما السلام) لا يسافر إلاّ مع رفقة لا يعرفونه، ويشترط عليهم أن يكون من خدم الرفقة فيما يحتاجون إليه. فسافر مرة مع قوم، فرآه رجل فعرفه، وقال لهم: هذا علي بن الحسين. فوثبوا إليه، فقبلوا يده ورجله. وقالوا: يا ابن رسول الله، أردت أن تصلينا نار جهنم لو بدرت منا إليك يد أو لسان، أ ما كنا قد هلكنا؟.
فقال: إني سافرت مرة مع قوم يعرفونني، فأعطوني برسول الله (صلى الله عليه وآله) ما لا أستحق، فصار كتمان أمري أحب إليَّ»(14).
وفي المناقب: قيل للإمام زين العابدين (عليه السلام): إذا سافرت كتمت نفسك أهل الرفقة؟.
فقال: «أكره أن آخذ برسول الله (صلى الله عليه وآله) ما لا أعطي مثله»(15).
رد الأمانة
قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): «لو أن قاتل الحسين (عليه السلام) استودعني السيف الذي قتل به الحسين لرددته إليه»(16).
مداراة الأعداء
عن سفيان بن عيينة، قلت للزهري: لقيت علي بن الحسين (عليه السلام)؟. قال: نعم لقيته، وما لقيت أحداً أفضل منه. واللهِ ما علمت له صديقاً في السر، ولا عدواً في العلانية. فقيل له: وكيف ذلك؟!. قال: لأني لم أر أحداً ـ وإن كان يحبه ـ إلا وهو لشدة معرفته بفضله يحسده. ولا رأيت أحداً ـ وإن كان يبغضه ـ إلاّ وهو لشدة مداراته له يداريه(17).
مع مروان العدو
لما أخرج أهل المدينة بني أمية منها، جاء مروان بن الحكم إلى الإمام زين العابدين (عليه السلام)، وأودع أهله وعياله عند الإمام (عليه السلام)، فرحب بهم وجعلهم مع نسائه وعياله، وأنفق عليهم كما ينفق على عياله.
وكذلك في وقعة الحرة حافظ على أهل مروان، حيث آوى إليه ثقل مروان بن الحكم، وامرأته عائشة بنت عثمان بن عفان.
وقد كان مروان بن الحكم لما أخرج أهل المدينة عامل يزيد وبني أمية من المدينة، كلَّم عبد الله بن عمر أن يغيب أهله عنده، فأبى ابن عمر أن يفعل. وكلَّم مروان علي بن الحسين (عليه السلام)، وقال: يا أبا الحسن إن لي رحماً، وحرمي تكون مع حرمك. قال: «أفعل». فبعث بحرمه إلى علي بن الحسين (عليه السلام)، فخرج بحرمه وحرم مروان حتى وضعهم بينبع(18).
وهذا منتهى مكارم الأخلاق، والمجازاة على الإساءة بالإحسان، قال الشاعر:
ملكنا فكان العفو منا سجية---فلما ملكتم سال بالدم أبطح
وحسبكم هذا التفاوت بيننا---وكل إناء بالذي فيه ينضح
وقد كان مروان خرج لحرب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) مع أهل الجمل، وحارب الإمام (عليه السلام) بصفين مع معاوية.
وقال مروان للوليد في حق الحسين (عليه السلام): إنه لا يبايع، ولو كنت مكانك لضربت عنقه.
وقال له: لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتى تكثر القتلى بينكم وبينه ولكن احبس الرجل فلا يخرج حتى يبايع أو تضرب عنقه.
فقال الحسين (عليه السلام) له: ويلي عليك يا ابن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي، كذبتَ والله ولؤمت(19).
وقال مروان لما جيء برأس الحسين (عليه السلام):
يا حبذا بردك في اليدين---ولونك الأحمر في الخدين
كأنما حف بوردتين---شفيت نفسي من دم الحسين
والله لكأني أنظر إلى أيام عثمان(20).
فمروان مع هذا التاريخ الأسود، والعداء الكبير ضد العترة الطاهرة (عليهم السلام)، عندما يأتي للإمام زين العابدين (عليه السلام) ليلجأ إليه، يستقبله الإمام (عليه السلام)، ويرحب به وبأهله وعياله وأطفاله.
جرعة غيظ لا تُكافأ
قال علي بن الحسين (عليهما السلام): «ما تجرعت من جرعة أحب إليّ من جرعة غيظ لا أكافئ بها صاحبها»(21).
حسن العفو
روي أنه وقف على علي بن الحسين رجل من أهل بيته(22) فأسمعه وشتمه، فلم يكلمه (عليه السلام). فلما انصرف قال (عليه السلام) لجلسائه: «قد سمعتم ما قال هذا الرجل، وأنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا مني ردي عليه».
قال: فقالوا له: نفعل، ولقد كنا نحب أن نقول له ونقول.
قال: فأخذ نعليه ومشى، وهو يقول: {وَالكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْـمُحْسِنِينَ}(23)، فعلمنا أنه لا يقول شيئاً.
قال: فخرج إلينا متوثباً للشر، وهو لا يشك أنه إنما جاءه مكافياً له على بعض ما كان منه. فقال له علي بن الحسين (عليه السلام): «يا أخي، إنك كنت قد وقفت عليَّ آنفاً وقلت وقلت، فإن كنت قد قلت ما فيَّ فأنا أستغفر الله منه، وإن كنت قلت ما ليس فيَّ فغفر الله لك».
قال: فقبَّل الرجل بين عينيه وقال: بل قلت فيك ما ليس فيك، وأنا أحق به(24).
أقول: قوله (عليه السلام) «أنا أحب أن تبلغوا...»، كان من أجل تعليمهم مكارم الأخلاق؛ فإن المشاهدة الحسية تتخذ أسوة يقتدى بها أكثر من مجرد القول، كما هو مذكور في علم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم الأخلاق، وغيرها.
أبريق سقط على وجهه
روي أنه جعلت جارية لعلي بن الحسين (عليه السلام) تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة، فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه، فرفع رأسه إليها، فقالت له الجارية: إن الله يقول: {وَالكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}(25). قال: «قد كظمتُ غيظي».
قالت: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}(26). قال لها: «عفا الله عنكِ».
قالت: {وَاللهُ يُحِبُّ الْـمُحْسِنِينَ}(27).
قال: «اذهبي فأنتِ حرة لوجه الله عز وجل»(28).
اذهبي فأنت حرة
في مناقب ابن شهرآشوب: كسرت جارية للإمام زين العابدين (عليه السلام) قصعة فيها طعام، فأصفر وجهها. فقال (عليه السلام) لها: «اذهبي فأنتِ حرة لوجه الله»(29).
العفو عمن يغتابه
روي أن الإمام زين العابدين (عليه السلام) كان إذا خرج من منزله، قال: «اللهم إني أتصدق اليوم، وأهب عرضي لمن يغتابني»(30). أي أعفو عنه.
التوسط لمن كان يؤذيه
روي أنه كان هشام بن إسماعيل يسيء الجوار، فلقي منه علي بن الحسين (عليه السلام) أذًى شديداً، فلما عزل أمر به الوليد أن يوقف للناس. قال: فمر به علي بن الحسين (عليه السلام)، وقد أوقف عند دار مروان، قال فسلم عليه ـ قال ـ وكان علي بن الحسين (عليه السلام) قد تقدم إلى خاصته ألا يعرض له أحد(31).
لين الكلام
وفي الأسر عندما أُخذوا إلى الشام، قال شيخ شامي للإمام زين العابدين (عليه السلام): الحمد لله الذي أهلككم وقتلكم، وأراح البلاد من رجالكم. فلم يجابهه الإمام زين العابدين (عليه السلام) بسبّ ولا شتم، بل أجابه بلين الكلام. وقال: «هل قرأت القرآن؟»، وذكر الآيات الدالة على فضل أهل البيت، فتاب الرجل بفضل لين كلامه (عليه السلام)(32).
حسن التعامل مع العبيد
كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) لا يضرب مملوكاً، بل يكتب ذنبه عنده، حتى إذا كان آخر شهر رمضان، جمعهم وقررهم بذنوبهم، وطلب منهم أن يستغفروا له الله، كما غفر لهم، ثم يعتقهم ويجزيهم بجوائز(33).
وما استخدم خادماً فوق حول، كان إذا ملك عبداً أول السنة أو وسطها أعتقهم ليلة الفطر واستبدل سواهم كذلك كان يفعل حتى لحق بالله، ولقد كان يشتري السودان وما به إليهم من حاجة يأتي بهم عرفات يسد بهم الفرج فإذا أفاض أعتقهم وأجازهم(34).
اضف تعليق