لو نصح وأراه الصواب شكره وقدره ونصحه هو بدوره فيما احتاج الناصح إليه، ولا يزال ينصح حتى يعرف بالخير واستقامة الرأي فيحبه الناس، ويعيشون في كشف أفكاره وتدبيره.. وهل فوق ذلك من سيادة؟ إنّ الإنسان ربما لا ينصح، الحسد أو بخل أو حقد وهل ينفعه ترك نصحه...
من الناس من تسمو نفسه عن النقائص، فلا يزال يحب الخير والعلو لنفسه ولسائر الناس بل للوجود قاطبة. ولأجل ذلك يتحرك ويسكن، ويغضب ويرضى ويُعقل ويكمل ومثل هذا الشخص من أفضل الناس فإنه لا ينفك يصلح ويصلح حتى يأتي بالآخرة بقسط مهم من عمارة الأرض وتوجيه النفوس وستر الخلل.
فيحرز بذلك شرف الدنيا وسعادة الآخرة، يحبه الناس ويمدحه القريب والبعيد، وكل من تجده من العظماء والمصلحين في غضون التاريخ، كانت ميزته الأولى هذه الخصلة الرفيعة والطبيعة السامية.
والإسلام ـ الذي يحب كل خير، ويأمر بكل فضيلة، يؤكد على المسلم أن يكون هكذا ويتحلّى بهذه الحلية الإنسانية النبيلة.
ويسمي هذه الصفة السامية بـ (النصيحة).
روى الإمام الصادق (عليه السلام): (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّ أعظم الناس منزلة عند الله يوم القيامة أمشاهم في أرضه، بالنصيحة لخلقه)(1).
وقـــال الإمـــام الباقر (عليه السلام): (قــــال رســـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لينصح الرجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه)(2).
وقال (عليه السلام): (يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه)(3).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة له في المشهد والمغيب)(4).
وقال (عليه السلام): (عليك بالنصح لله في خلقه، فلن تلقاه بعمل أفضل منه)(5).
ولم لا ينصح الإنسان أخاه؟
الأنه يبخل بلسانه أم بفكره؟ وما نفع هذا البخل؟.
إنه لو نصح وأراه الصواب شكره وقدره ونصحه هو بدوره فيما احتاج الناصح إليه، ولا يزال ينصح حتى يعرف بالخير واستقامة الرأي فيحبه الناس، ويعيشون في كشف أفكاره وتدبيره.. وهل فوق ذلك من سيادة؟. إنّ الإنسان ربما لا ينصح، الحسد أو بخل أو حقد وهل ينفعه ترك نصحه؟ انه يجمع إلى صفاته الذميمة صفة ذميمة أخرى.. ثم يهجره المجتمع ولا يقيمون لرأيه وزناً، فهل هذا خير أم ذاك؟.
وقد نهى الإسلام أشدّ النهى عن الخيانة في مقام النصح فإنه بالإضافة إلى كونه من الصفات الذميمة، توجب إلقاء الناس في المكاره، وإضلالهم عن الطريق، وأقبح بها من صفة بشعة، ورذيلة تافهة.
قال الإمام الصادق (عليه السلام): (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من سعى في حاجة لأخيه المسلم، فلم يناصحه فقد خان الله ورسوله)(6).
وقال (عليه السلام): (من مشى في حاجة أخيه، ثم لم يناصحه فيها كان كمن خان الله ورسوله وكان الله خصمه)(7).
وقد دحض الإسلام الغيبة ـ التي هي أكل لحم الأموات ـ في مورد النصح فقد أوجب نصح المستشير فإن الكشف عن دخيلة أمره أهون في نظر الإسلام من إلقاء بريء في مأزق.
والنصيحة في الغالب وليدة حب الخير للناس، الذي هو بدوره لا يسكن إلا في القلوب الخالية من الحسد والغل. والذي يمدح الإسلام طهارة القلب من رذيلة الحسد كما يمدح حب الخير، وحب أهل الخير وحب الصلحاء.
قيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (الرجل يحب القوم ولمّا يلحق بهم؟ فقال: المرء مع من أحب)(8).
وقال رجل بحضرته (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ما ذكرت الساعة:
(ما أعددت لها مـــن كثير صـــلاة ولا صيام إلا أنّي اُحــــبّ الله ورسولـــه، فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنت مع من أحببت)(9).
ويروى أنّه قيل له (صلى الله عليه وآله وسلم): (الرجل يحب المصلين ولا يصلّي، ويحبّ الصوّام ولا يصوم حتى عدّ أشياء؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): هو مع من أحب)(10).
والمنطق يؤيّد هذه الأحاديث إنّ من أحبّ شخصاً لا يزال يدنوه حبه إلى أعماله حتى يأتي بمثل عمله، إن خيراً وإن شرّاً. ومن هنا أوجب الإسلام موالاة الأولياء ومعاداة أعداء الله، فإنّ من والى شخصاً تشبّه به في أعماله وأقواله من عادى أحداً تبرّأ من عمله.
وهذا وذاك يوجبان رفعة المجتمع، وإصلاح الفاسد، وتقوية أواصر الأفراد بعضهم إلى بعض.
أما بالنسبة إلى تطهير القلب من أدران الحسد ونحوه مما يمنع عن نمو الملكات الفاضلة: فقد روي: (أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شهد لرجل من الأنصار: إنّه من أهل الجنة)(11) فلمّا فحصوا عن سببه؟ وجدوا أن العلة تعود إلى انه لا يغشّ أحداً، ولا يحسد على خير أُعطي إلى أحد من المسلمين!
ويروى: (أن موسى الكليم (عليه السلام) لما تعجل إلى ربه، رأى في ظل العرش رجلاً، فغبطه بمكانه، وقال: إن هذا لكريم على ربّه فسأل ربه أن يخبره بإسمه؟ فلم يخبره بإسمه، وقال: أحدّثك من عمله، كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله وكان لا يعق والديه، ولا يمشي بالنميمة)(12).
اضف تعليق