قسَماً بالعصر والزمان، الذي هو سبب خسر الانسان أو ربحه لأنه إذا مرّ والانسان مشغول بالطاعة كان في ربح، وإن مرّ والانسان لاه أو مشغول بالمعصية كان في خسارة: كل إنسان في خسارة، إلا المؤمن العامل بما أمر الله سبحانه، وحيث يمل الانسان كان محتاجاً إلى التواصي...
من الناس من يواظب على أمره، حتى لا يخرج عن المنهاج المستقيم، والجادة التي عبدت له، والدستور المقرر، فيكون ذلك ملكة له، لا يصدر إلا عنها، ولا يواظب إلا عليها، ولا يزيغ قيد شعرة وإن مالت به نفسه ذات مرة، أو غلبت هواه حتى تنكّب، رجع وتاب، ولزم الشارع مرة ثانية.
ومن الناس من كان أمره فرطاً، إن أطاع فلا عن ملكة واستقامة وإن عصي فلا يبالي بالمعصية.
وهاتان الحالتان توجدان عند كل فئة من الناس الذين لهم منهج خاص، وأمامه طريق مسلوك.
وإنما الكلام هنا حول إطاعة الله ومعصيته.
فالإطاعة: جمال واستراحة ونجاح، والعصيان: تنكب وانحراف وفشل.. فإنّ الله سبحانه الذي خلق الانسان والكون هو الذي وضع الدستور والمنهاج على طبق الفطرة، وعلى وفق الحكمة والمصلحة، فكل زيغ عن منهاجه سبحانه خبال وخسارة، خسارة في الدنيا، وفي الدين، ولذا قال تعالى: (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصبر)(1).
قسَماً بالعصر والزمان، الذي هو سبب خسر الانسان أو ربحه لأنه إذا مرّ والانسان مشغول بالطاعة كان في ربح، وإن مرّ والانسان لاه أو مشغول بالمعصية كان في خسارة: كل إنسان في خسارة، إلا المؤمن العامل بما أمر الله سبحانه، وحيث يمل الانسان كان محتاجاً إلى التواصي بكل من الحق والصبر، حتى يلزم الجادة فلا ينحرف، وحتى يستمر في العمل فلا يقف.
فمن الضروري على الانسان أن يهيّئ نفسه للطاعة، ويجنّب نفسه عن العصيان.
والإسلام قد حذر من المعصية غاية الحذر، في نتف متفرقة من الأدلة، وبين لكل عصيان عقاباً ـ كما يظهر ـ من الآيات والأحاديث.
كما حذر عن العصيان والذنب، جملة وإجمالاً.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ في حديث طويل: (إنّ العبد ليحبس على ذنب من ذنوبه مائة عام، وإنّه لينظر إلى أزواجه في الجنة يتنعمن)(2).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا تبدين عن واضحة وقد عمتك الأعمال الفاضحة ولا تأمنن البيات، وقد عَمِلت السيئات)(3).
فعلى الانسان أن لا يظهر سوأة غيره، وإن كانت واضحة بادية للعيان، وإلا انكشفت عورته، وهل هنالك أحد لا جريرة له، ولا ذنب عليه.
لسانك لا تبدي به سوأة امريئ-----فكلك سوءات وللنــــاس ألسن
أما البيات فهو العقاب الذي يأخذ الانسان بليل. إنّ المسيء يجب أن لا يأمن العذاب الذي ينزل به ليلاً، وإلا فليقلع عن الذنب أو يمحوه بالندم والاستغفار.
ومن أعجب الأحاديث ما قاله الإمام الباقر (عليه السلام): فليتنبه الإنسان لذلك، قال (عليه السلام): (إنّ الله قضى قضاءً حتماً إلا ينعم على العبد بنعمة فيسلبها إياه حتى يحدث العبد ذنباً يستحق بذلك النقمة)(4) وقد أخذ هذا الكلام الشاعر، فقال:
اذا كنت في نعمة فارعها-----فإن المعاصي تزيل النــعم
وحافظ عليها بشكر الإله----فإنّ الإله شديـــد النقــــــم
وقال (عليه السلام): (ما من شيء أفسد للقلب من خطيئته، إنّ القلب ليواقع الخطيئة، فما يزال به حتى يغلب عليه فيصير أعلاه أسفله)(5).
إنّ الخطيئة قد تكون عملاً عابراً، وقد تكون عن ملكة قلبية باعثة على الذنب فإذا صارت الخطيئة حالة للقلب، انقلب القلب عن صفائه ونظافته إلى كدرة نجسة، ويكون حينذاك مبعث كل شر وإثم.
وقال (عليه السلام): (إن العبد ليذنب الذنب فيزوى عنه الرزق)(6).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (يقول الله تعالى إنّ أدنى ما أصنع بالعبد إذا آثر شهوته على طاعتي أن أحرمه لذيذ مناجاتي)(7) أرأيت كيف يلتذ الإنسان بالتكلم مع الملوك والكبراء، أو العلماء والصلحاء ـ حسب مجانسة الإنسان وإلفته مع كبير أو صالح ـ؟! إنّ لذّة مناجاة الله تعالى، أكبر وأكبر، كيف والإنسان في ذاك الحال يناجي أعظم الملوك وأكبر الكبراء؟ فإذا عصى الإنسان الإله، حرم هذه اللذة حتى انه يكون كالمريض الذي لا يعرف طعم الأكلة الشهيّة.
وقال (عليه السلام): (من همّ بسيّئة فلا يعملها، فإنه ربّما عمل العبد السيئة فيراه الرب تعالى، فيقول: وعزتي وجلالي لا أغفر لك بعد ذلك أبداً)(8).
وقال (عليه السلام): (أما إنّه ليس من عرق يضرب، ولا نكبة ولا صداع، ولا مرض إلاّ بذنب، وذلك قول الله عز وجل في كتابه: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)(9) (10).
وقال (عليه السلام): (وما يعفو الله أكثر مما يؤاخذ به)(11).
إنّ المعصية لا بد لها في الدنيا من جزاء، فكيف بالآخرة؟ ولذا يجب على الانسان العاقل أن يتجنّب العصيان مهما كلّف الأمر، وانظر إلى هذا الحديث المروي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: (حقّ على الله أن لا يعصى في دار إلا أضحاها للشمس حتى يطهرها)(12).
فالعاصي منقوص الرزق، معرّض للنكبات، وداره معرّضة للخراب، وهل يبطئ به الجزاء؟ كلا، فاسمع إلى هذا الحديث الشريف: (إنّ العمل السيء أسرع في صاحبه من السكين في اللحم)(13) فأي عاقل يقدم على مثل هذا العمل الذي يسيء إليه في دنياه وآخرته.
وقد يغتر العاصي بما يرى من تأخير العقوبة، ألا فلا يغترر لذلك.
فلربّ معصيــــةٍ أتاك عقابها-----من بعد لأي حيــــن تلهو غافلاً
فاحذر عقاب الذنب حين أتيته-----واقلع عن العصيان إن تك عاقلاً
هذي ديار الظالمــين بلاقعــــاً-----مـن بعد ما كانت ثوىً معــــاقلا
والانسان مهما كان نظيفا نزيهاً، لا بدّ وأن تصدر منه المعصية ـ ما خلا المعصومين ومن يتلو تلوهم ـ فإن دواعي الشهوات، ونوازع النفس، ومغريات الحياة، تجذب الانسان مهما كان قويّاً، ولذا يقول الشاعر:
نفسي وشيطاني ودنيا والهوى-----كيف الخلاص وكلهم أعدائي
وانما الفرق بين النزيه وغيره: إنّ النزيه بطيء الخطأ نحو العصيان، سريع الاستغفار والإنابة، وغيره: سريع الخطأ نحو الإثم بطيء الإنابة والرجوع، قال سبحانه: (إنّ الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ ثم لا يقصرون)(14).
ولذا يلزم على الانسان مراقبة نفسه، فإذا زلّ، تدارك الزلّة بالتوبة، وقد أرصد الإسلام رصيداً كبيراً للتوبة والتجسيد اليها.
قال الله تعالى: (... إنّ الله يحبّ التوابين ويحب المتطهرين)(15) وقال عزّ اسمه: (... توبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون...)(16). وقال رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم): (التائـــب حبيب الـــله والتائب مـــن الذنــب كمن لا ذنب له)(17).
وانظر إلى هذا الحديث الذي يقطر عطراً وندى، قال الإمام الباقر (عليه السلام): (إنّ الله أشدُّ فرحاً بتوبة عبده من رجل أضلَّ راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها، فالله أشدُّ فرحاً بتوبة عبده من ذاك الرجل براحلته حين وجدها)(18).
إنّ الله سبحانه لا يفرح مثل فرحنا، ولا يحزن مثل حزننا، وإنما المراد بهذا الحديث، وأمثاله، فعله، تعالى بالعبد فعل الفرح أو الحزين، أو الغاضب أو ما أشبه، ولذا قيل بالنسبة إليه تعالى (خذ الغايات، واترك المبادئ) فما هي الغاية التي ينتهي إليها الفرح؟ إنّها الإحسان إلى من أفرحه... وغاية الغضبان عقاب من أغضبه وهكذا، والله يفعل الإحسان، أو العقاب، بالنسبة إلى من أطاع أو عصى.
وقال الإمام الباقر (عليه السلام): (التائب مـــن الذنب كمـــن لا ذنـــب له، والمقيم على الذنب، وهو مستغفر منه كالمستهزئ)(19) أرأيت من قال لك: إنّي نادم من إساءتي إليك. ثم أساء ثانياً وثالثاً فإنّ كلامه هراء واستهزاء، وكذلك من يذنب ويستغفر انه ـ وإن لم يقصد الاستهزاء ـ لكنه كالمستهزئ، فليقلع الانسان من الذنب حتى لا يكون عاصياً ولا كالمستهزئ... نعم تكرّر الذنب الذي يعقبه الندم حقيقة لا يضر، فإن الانسان ضعيف، وكيد الشيطان مغرٍ فربما أذنب الانسان ثم ندم حقيقة، ثم وقع في إحبولة الشيطان ثانياً، وثالثاً وهكذا، ولذا قال الإمام الصادق (عليه السلام): (ان الله يحب من عباده المفتن التواب)(20) يعني كثير الذنب كثير التوبة فكلما أصابته فتنة ندم وتاب توبة حقيقية.
وقال (عليه السلام): (إذا تاب العبد توبةً نصوحاً، أحبه الله فستر عليه) قال الراوي: وكيف يستر عليه؟ قال (عليه السلام): (ينسي ملكيه، ما كانا يكتبان عليه، ويوحي إلى جوارحه والى بقاع الأرض أن اكتمي عليه ذنوبه، فيلقى الله عزّ وجل حين يلقاه، وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب)(21).
إنّه غاية الفضل أن ينسي الله الملكين وما أشبه حتى ذنب عبده حتى لا يكون مهاناً لديهم، أرأيت إنّ الانسان قد يذنب إلى أحد ذنباً ثم يغفر ذلك له ذنبه، لكن الانسان يبقى خجلاً لديه، لأنه اقترف إساءةً في حقّه في زمان؟.
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث: إنّ الله أعطى التائبين ثلاث خصال، ثمّ قرأ الآيات الكريمات:
1 ـ (... إنّ الله يحبّ التوّابين...)(22).
2 ـ (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربّهم...فاغفر للذين تابوا.... وذلك هو الفوز العظيم)(23).
3 ـ (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر.. ـ.. يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً إلا من تاب وآمن... وكان الله غفوراً رحيماً)(24).
وقال الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): (أحبّ العباد إلى الله المفتـّنون التوّابون)(25).
ثم ان الانسان اذا أساء إلى شخص أو حكومة أو ما أشبه، كان الغالب عدم غفران المسيء إليه، اذا ندم المسيء وأظهر الندم لكن الله سبحانه بفضله وكرمه، يقبل التوبة ويعفو عن السيئات. ولو كانت كثيرة، فعن القرآن الحكيم: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده)(26). وفي آية أخرى: (ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً)(27).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لو عملتم الخطايا حتى تبلغ السماء، ثم ندمتم لتاب الله عليكم)(28).
لو كانت الخطايا أجساماً، فكم من هذه الأجسام تتكدّس حتى تبلغ السماء؟ انها لو كانت بهذا المقدار الهائل تكفيه التوبة الصادقة في نسفها ومحوها، بل يبدّل الله سبحانه سيئاتهم حسنات ـ في بعض الأحيان ـ فهل رأيت أكرم من الله سبحانه، إنه أوّلاً: تفضل بدون استحقاق، ثم إذا أذنب الانسان لم يقطع لطفه عنه، ولم يعاجله بالعقوبة وبعد ذلك لو ندم أو اتاب عفى عنه وستر عليه وأعطاه حسنات... إنّ الأم والأب وهما أرأف الناس بالولد، ثم عصاهما الولد، قطعا لطفهما عنه، ولو خالفهما ثم جاء معتذراً لم يقبلا عذره في كثير من الأحيان، لكن الله هو وحده أرحم الراحمين الذي من صفاته الأبديّة اللطف والإحسان، حتى بالنسبة إلى أعظم المذنبين.
اسمع إلى هذا الحديث الذي قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّ العبد ليذنب الذنب، فيدخل في الجنة. قيل: كيف ذلك يا رسول الله؟ قال: يكون نصب عينيه تائبا منه فارّاً حتى يدخل الجنة)(29).
ومثله ما قاله الإمام الصادق (عليه السلام): (إنّ الرجل ليذنب الذنب فيدخله الله به الجنة، قيل: يدخله الله بالذنب الجنة؟ قال (عليه السلام): نعم إنّه ليذنب فلا يزل منه خائفاً ماقتاً لنفسه فيرحمه الله، فيدخله الجنة)(30).
أما بالنسبة إلى كتابة الذنب، فإنه لا يسجل بمجرد إن أذنب الانسان بل يؤجل لعلّه يتوب ويؤدّب. قال الإمام الصادق (عليه السلام): (العبد المؤمن إذا أذنب أجّله الله سبع ساعات، فإن استغفر الله لم يكتب عليه شيء، وإن مضت الساعات ولم يستغفر كتبت عليه سيئة، وإنّ المؤمن ليذكر ذنبه بعد عشرين سنة حتى يستغفر ربه فيغفر له، وإنّ الكافر لينسى من ساعته)(31) إنّ الكافر لا يعدّ الذنب معصية حتى تخزّ ضميره وتبقى في ذاكرته ويخاف منها، ولذا ينسى الذنب من ساعته.
وقد روي عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حديث يدل على كثرة فضل الله سبحانه بالتائب، وإنّه يقبل توبته إلى آخر لحظة من حياته، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (من تاب قبل موته بسنة قبل الله توبته، ثم قال: إنّ السنة لكثير، من تاب قبل موته بشهر قبل الله توبته؟ ثم قال: إنّ الشهر لكثير، من تاب قبل موته بجمعة قبل الله توبته، ثم قال: إنّ الجمعة لكثير، من تاب قبل موته بيوم قبل توبته، ثم قال: إنّ يوماً لكثير، من تاب قبل أن يعاين ملك الموت قبل الله توبته)(32).
فهل بعد هذا من مفزع والتوبة عبارة عن الندامة، فلا حاجة حتى إلى الاستغفار اللفظي، ولذا قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (كفارة الذنب الندامة) لكن للندامة آثار، فإن من يندم على نهب مال زيد، من آثار ندامته أن يردّ المال إلى صاحبه، ومن ندم على ترك الصلاة أو الخمس، من أثار ندمه القضاء والإعطاء، وهكذا.
واسمع إلى هذا الحديث لترى كثرة فضل الله سبحانه، قال الإمام الباقر (عليه السلام) لمحمد بن مسلم: (ذنوب المؤمن اذا تاب منها مغفورة له، فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة والمغفرة، أما والله إنّها ليست إلاّ لأهل الإيمان، قال محمد بن مسلم: فقلت له: فإن عاد بعد التوبة والاستغفار من الذنوب، وعاد في التوبة؟ قال: يا محمد بن مسلم! أترى العبد المؤمن يندم على ذنبه ويستغفر منه ويتوب ثم لا يقبل الله توبته، قال: فإن فعل ذلك مراراً يذنب ثم يتوب ويستغفر؟ فقال (عليه السلام): كلما عاد المؤمن بالاستغفار والتوبة، عاد الله عليه بالمغفرة، وإنّ الله غفور رحيم، يقبل التوبة ويعفو عن السيئات فإياك أن تُقنط المؤمن من رحمة الله)(33).
وقد كان من فضل الله سبحانه على الانسان أن تفضّل عليه بقبول التوبة ووسع له في ذلك أكبر توسعة، فاسمع إلى هذا الحديث المروي عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (إنّ آدم (عليه السلام) قال: يا رب سلطت علي الشيطان وأجريته مني مجرى الدم، فاجعل لي شيئاً! فقال تعالى: يا آدم جعلت لك إنّ من همّ من ذريتك بسيّئة لم تكتب عليه، فإن عملها كتبت عليه سيئة، ومن همّ منهم بحسنة، فإن لم يعملها كتبت له حسنة، فإن هو عملها كتبت له عشراً: قال: يا رب زدني، قال: جعلت لك إن من عمل منهم سيئة ثم استغفر غفرت له، قال: يا رب زدني، قال: جعلت لهم التوبة وبسطت لهم التوبة حتى تبلغ النفس هذه، قال: يا رب حسبي)(34).
وأعجب من هذا الحديث أكثر فأكثر، وإن لم يكن فضل الله عجباً.
قال الإمام الصادق (عليه السلام): (ما من مؤمن يقارف في يوم وليلته أربعين كبيرة، فيقول وهو نادم: استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، بديع السماوات والأرض ذا الجلال والإكرام وأسأله أن يصلى على محمد وآل محمد وأن يتوب علي، إلا غفرها الله له، ولا خير فيمن يقارف في يومه أكثر من أربعين كبيرة)(35) ولا عجب من فضل الله سبحانه، أن يغفر للمذنب ولو تكرّرت منه الخطايا أربعين مرة، في يوم وليلة، أليس الله غفار الذنوب؟ أو أليس يتوب على المذنب، ولو انقلع بعد سبعين سنة من الذنب؟ لكن العجب أن يفوت الانسان مثل هذا الغفران الذي وسع كل شيء.
ولقد عجبت لهالكٍ ونجاته-----موجودة ولقد عجبت لمن نجى
إنّ كل واحد منهما يورث العجب، فكيف يهلك الانسان مع هذه السعة في المغفرة والرحمة؟ وكيف ينجو الانسان مع هذه المغريات والمهلكات؟.
فعلى الانسان أن يهتم كل اهتمام حتى لا يذنب، فإذا أذنب ـ والعياذ بالله ـ فعليه أن يهتم في أن يتوب ولا يعود، فإن زلّت قدمه، فلا ييأس من روح الله، وإنّما على الانسان أن يجدد التصميم، ويبدأ الدور من جديد، ويتوب توبة نصوحاً.
اضف تعليق