من تمكن الغنى في قلبه إنه غني وإن صفرت يده عن حطام الدنيا فتراه لا يبالي بما فات منه إذا حصل على أيسر عيش وما أهناه من معيشة والشخص الأول يسمى بـ (الحريص) كما أن الشخص الثاني يسمى بـ (القنوع). والإسلام يذم الحرص ويمدح القناعة أفضل مدح...
من الناس من تمكن الفقر من قلبه، فلا يزال يطلب المزيد وإن كانت مفاتيح خزائنه تنوء بالعصبة ذات القوة وإن سألته: لم هذا الطلب؟ رأيته يتمتم في الجواب وأي جواب له؟ ولو كشفت عن أحشائه لرأيتها مطوية على الفقر.
وبالعكس من هذا من تمكن الغنى في قلبه إنه غني وإن صفرت يده عن حطام الدنيا فتراه لا يبالي بما فات منه إذا حصل على أيسر عيش وما أهناه من معيشة؟!.
والشخص الأول يسمى بـ (الحريص) كما أن الشخص الثاني يسمى بـ (القنوع).
والإسلام يذم الحرص أبلغ ذم.
كما وإنّه يمدح القناعة أفضل مدح.
إنه يريد أن يقلع جذور الفقر من القلب، حتى لا يكون للشخص باعث داخلي يوخز ضميره ويقلق راحته ويسهد ليله ثم ما المنفعة؟ إنّها لا شيء!!.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لو كان لابن آدم واديان من ذهب لتمنّى وادياً ثالثاً! ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب)(1).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (منهومان لا يشبعان: منهوم العلم، ومنهوم المال)(2).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (يشيب ابن آدم وتشب فيه خصلتان: الحرص وطول الأمل)(3).
وقد مثّل الإمام الباقر (عليه السلام) للحريص بأحسن مثال:
قال (صلى الله عليه واله وسلم): (مثل الحريص على الدنيا كمثل دودة القز كلما ازدادت على نفسها لفّاً كان أبعد لها من الخروج حتى تموت غمّاً)(4).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم):(رب حريص على أمر قد شقي به حين أتاه ورب كاره لأمر قد سعد به حين أتاه)(5).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (إن فيما ينزل به الوحي من السماء لو أنّ لابن آدم واديين يسيلان ذهباً وفضة لابتغى لهما ثالثاً، يا ابن آدم، إنما بطنك بحر من البحور وواد من الأودية لا يملأه شيء إلا التراب)(6).
إلى غيرها...
وليس الفرق بين الحريص والقنوع إن الأول يركض في طلب الدنيا دون الثاني إنما الفرق: إن الحريص يجمع قواه لطلب الدنيا ويمنع رفده خوفاً من الإنفاق وليس هكذا القنوع إنّه يطلب الدنيا بقدر ويؤدّي ممّا يُحمد إداؤه فالحريص يضر نفسه أولاً، وغيره ثانياً، بينما القنوع ينفع نفسه ويفيد غيره.
وقد وردت الآثار في مدح القناعة إنها صحة للجسم، وراحة للنفس، وبذل للغير فلم لا تكون ممدوحة؟.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (طوبى لمن أسلم وكان عيشه كفافاً)(7).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (ما من أحد من غني ولا فقير إلا ود يوم القيامة انه كان اُوتي قوتاً في الدنيا)(8).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (أيها الناس أجملوا في الطلب فإنه ليس للعبد إلا ما كتب له في الدنيا ولن يذهب عبد من الدنيا حتى يأتيه ما كتب له في الدنيا وهي راغمة)(9).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (نفث روح القدس في روعي: انه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب)(10).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (كن ورعاً تكن أعبد الناس وكن قانعاً تكن أشكر الناس وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمناً)(11).
وفي الخبر القدسي إحتجاج ظريف قال: (يا ابن آدم لو كانت الدنيا كلها لك لم يكن لك منها إلا القوت، فإذا أنا أعطيتك منها القوت وجعلت حسابها على غيرك فأنا إليك محسن)(12).
وفي الحديث: (أن موسى (عليه السلام) سأل ربه تعالى، وقال: أي عبادك أغنى؟ قال: أقنعهم لما أعطيته)(13).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (ابن آدم إن كنت تريد من الدنيا ما يكفيك، فإن أيسر ما فيها يكفيك وإن كنت إنما تريد ما لا يكفيك، فإن كل ما فيها لا يكفيك)(14).
وقال الإمام الباقر (عليه السلام): (إياك أن تطمح بصرك إلى من هو فوقك فكفى بما قال الله عز وجل لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم): (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم...)(15) وقال: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا...)(16) فإن دخلك من ذلك شيء فاذكر عيش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنما كان قوته الشعير وحلواه التمر ووقوده السعف إذا وجده)(17) وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (من قنع بما رزقه الله فهو من أغنى الناس)(18).
وهذه قاعدة عامة لراحة الدنيا: فإن من نظر إلى من فوقه لا يزال يبغض عيشه ويراه نكداً فهو في عذاب دائم، وقلق مستمر فإن الأفراد لا يزالون مختلفين من حسب المراتب والمعيشة.. أما من رضي بما قسم الله له فهو في رضى وراحة ويا لها من معيشة هنيئة سائغة؟!.
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (من رضي من الله بالقليل من الرزق قبل الله منه اليسير من العمل ومن رضي باليسير من الحلال خفّت مؤنته وزكت مكسبته وخرج من حدة الفجور)(19).
وقال (عليه السلام): (مكتوب في التوراة: ابن آدم كن كيف شئت؟ كما تدين تدان، من رضي من الله بالقليل من الرزق قبل الله منه اليسير من العمل)(20).
وقال (عليه السلام): (إن الله عز وجل يقول: يحزن عبدي المؤمن إن قترت عليه، وذلك أقرب له مني، ويفرح عبدي المؤمن إن وسعت عليه وذلك أبعد له مني)(21).
وغيرها... وغيرها
وربما يسأل الإنسان: وما علاج الحرص لمن اُبتلي به؟.
والجواب: إنّ علاجه علاج سائر الملكات الرديئة فإن النفس كالورق الأبيض، يلونّه المجتمع والمحيط وما يتطبّع فيها من المدرسة والكتب وما إليها... وربما ساعدت ذلك الهواية النفسية، فإن الأشخاص مختلفون من حيث الفطرة. وإذا تلونت النفس بلون، فلا بد من المجاهدة لإزالتها، والحرص بما إنّه يلائم الطبائع الزائفة وما أكثرها؟! فالجهاد لإزالته كبير....
فليذكر الحريص: إنه لا ينال ما يريده بالحرص فلم الحرص؟.
وليراجع الآيات والروايات الناهية عن الحرص، ولينظر إلى من هو دونه في المعيشة كي يرضى بعيشه.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إذا نظر أحدكم إلى من فضّله الله عليه في المال والخلق، فلينظر إلى من هو أسفل منه)(22).
وقال أبو ذر (رحمه الله): (أوصاني خليلي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: انظر إلى من هو تحتك ولا تنظر إلى من هو فوقك، فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عليك)(23).
اضف تعليق