q
عرفتُ جنابه من ثماره اليانعة، وعطاءاته المختلفة، فالسيد المسيح يقول: (مِنَ الثَّمَرِ تُعْرَفُ الشَّجَرَةُ) فعرفتُ السيِّد الشيرازي عملاقاً في إنسانيته، مثالاً في أخلاقه، مرجعاً فقيهاً في أمته، عالماً في معارفه، وبحراً في موسوعيته، ومحبوباً في بلده (كربلاء)، ومعشوقاً في حوزته، ومقبولاً في كل أوساطه هكذا...

الأصل الطيب

أنا لم أعرف السيد الشيرازي (رحمة الله تعالى عليه) وهذا ما يؤسفني..

وأنا لم ألتقِ السيد الشيرازي (قدس الله روحه الطاهرة) وهذا ما يُحزنني..

نعم عرفتُ جنابه من ثماره اليانعة، وعطاءاته المختلفة، فالسيد المسيح يقول: (مِنَ الثَّمَرِ تُعْرَفُ الشَّجَرَةُ) (متى 12: 33)، فعرفتُ السيِّد الشيرازي (رحمة الله عليه) عملاقاً في إنسانيته، مثالاً في أخلاقه، مرجعاً فقيهاً في أمته، عالماً في معارفه، وبحراً في موسوعيته، ومحبوباً في بلده (كربلاء)، ومعشوقاً في حوزته، ومقبولاً في كل أوساطه..

هكذا عرفتُ السيد الشيرازي الراحل من ثمراته الكثيرة، وروافده المختلفة، فمن كتبه الكثيرة عرفتُ فكره، ومن تلاميذه عرفتُ درسه، ومن حوزته عرفتُ فقهه، ومن أبنائه عرفتُ أصله وفصله، لأنني التقيتهم أكثرهم فكانوا جميعاً في قمم العطاء والفضيلة والإنسانية.

فالسيد الشيرازي من أسرة عريقة في الأصل لأنها من الشجرة الطيبة المباركة التي ضربها الله مثلاً لخلقه في كتابه فضلُّوا عنها حيث، قال سبحانه: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (إبراهيم: 25)

تلك هي شجرة الأنبياء (ع) وذروتها السامقة، وفرعها النامي كان رسول الله محمد (ص) وعترته المباركة الطاهرة، الذين وصفهم الله تعالى في كلامه الحكيم وقرآنه العظيم في كثير من الآيات والسور المختلفة، ولكن صبيان النار من أبناء الشجرة الملعونة في القرآن، حيث قابلت الشجرة الطيبة بشجرة خبيثة، قال سبحانه: (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) (إبراهيم: 27)

هذه الشجرة الخبيثة لعنها وقال سبحانه عنها أيضاً: (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا) (الإسراء: 60)

هذه الشجرة التي لعنها الله، ورسوله، والمسلمون، وحاربوها في مكة ثلاثة عشرة سنة، وفي المدينة المنورة كل الحروب والغزوات، وحرَّم الله عليهم أي منصب في الحكومة الإسلامية لم يمض على رحيل رسول الله (ص) غلا اثني عشرة سنة حتى صاروا في دست الحكم، فركبوا رقاب الناس وحوَّلوا الأمة إلى عبيد لهم لأن شعارهم كان (الملك غاصبية وأوتاد الأرض بني أمية، ولا ندري ما الجنة والنار) كما قال كبيرهم رأس الشرك والكفر والنفاق صخر بن حرب بن أمية أبو سفيان.

فهؤلاء عندما تمكَّنوا من كرسي الحُكم كان همهم الوحيد دفن الإسلام كما صرَّح معاوية بن أبي سفيان للمغيرة بن شعبة: (لا والله إلا دفناً دفنا)، وسعى أربعين سنة في سبيل ذلك فلم يستطع وسلمها لصبيه الشرير يزيد الشر ليُكمل ما بدأه جده ووالده فأباد أهل البيت (ع) في يوم عاشوراء حيث المأساة الخالدة، ولكن مشيئة الله غالبة حيث نجى من كل محاولات القتل والتصفية الإمام علي بن الحسين السجاد (ع) وزين العباد، ليحفظ الله تعالى به نسل رسوله الكريم(ص) ووليه العظيم (ع) ولتكون منه فروع تلك الشجرة النامية بنور الله والسامية في ملكوت الله، فأرادوا أن يطفؤوا نور الله بأفواههم وأعمالهم غلا أن الله غالب على أمره وناصر لدينه وأوليائه.

فمن الإمام زين العابدين كان أصل السيد الشيرازي، ولذا تراه عشق كربلاء، فسكنها بعد أن سكنته بكل جوانحه وجوارحه فأعطاها كله فكراً وممارسة، فأعطته حبها وقلوب الكثيرين من أهلها الكرام الذي عرفوا السيد الشيرازي علماً من أعلامها، ومرجعاً من علمائها، وطار صيته فيها حتى سماه بعضهم (ملك كربلاء)، لأنه ملك القلوب فيها، لأن كربلاء ملكته، وملأت قلبه الكبير، فكان لا يفتأ يذكر كربلاء، ويصرخ في أواخر أيامه الشريفة: (لقد اشتقتُ إلى كربلاء).

معرفتي بالسيد الشيرازي

أذكر في بداية القرن الماضي وحيث كنتُ في مكان لا يُحسدُ فيه، وعليه عاقل، جاءني خبر صاعق يقول: "وفاة السيد محمد الشيرازي في قم المقدسة"، فوجمتُ، وحزنتُ، ولا أدري الآن كم بكيتُ، على نفسي وما أنا فيه من ضيق، وما سمعته من هذه الفاجعة الأليمة على قلبي لأنني طالما أحببتُ أن أتعرَّف على جنابه، وأحضر في مجلسه، وأتبارك بنور وجهه الشريف، وأرشف من عذب علمه العذب، ولكن وا اسفاه عليك سيدي يا أبا الرضا..

بل وا اسفاه على نفسي وقلبي الذي طالما اشتاق لمعرفتك، والنظر إلى طلتك البهية.

وذلك لأنني تتبعتُ الكثير من الكتب، كبيرها وصغيرها لجنابه وقرأتُ الكثير منها، وربما شاركتُ في تحقيق بعضها، والتقديم لكثير منها حينما كانت الحركة العلمية في السيدة زينب (ع) وحوزتها المباركة في أوج عطائها من تسعينيات القرن الماضي..

فعرفتُ السيد الشيرازي من خلال كتبه التي قرأتها..

وعرفته من خلال لقائي مع أبنائه وأنجاله وأحفاده الكرام الذين كانوا مستقرين في السيدة زينب أو الذين كانوا يترددون عليها لا سيما في أيام الصيف، وكلهم أعلام كبار وسادة كرام يفيضون علماً وخُلقاً وفضيلةً لا أستثني منهم أحداً، ولا أخصُّ منهم علماً.

كما عرفته من خلال تلاميذه المقربين وكثير منهم ما زالوا في مرتبة الأخوة لي، فكانوا كثيراً ما يُحدِّثوني عن السيد الشيرازي وعلمه وعطائه وأخلاقه ولكل منهم حكايته وقصته المختلفة فالكل كانت يتحدَّث عن ذاك الأب الكبير، والمرجع المتواضع بشكل قليل النظير.

فكم عرفتُ جناب السيد الشيرازي فكراً، ورؤى، ونظريات علمية وحضارية كنتُ كثيراً ما أتعجب من موسوعيته، لا سيما حين قرأت له (فقه البيئة)، أو (فقه الإدارة)، أو (فقه السياسة)، الذي ما كتبه إلا بعد أن قرأ أربعمائة كتاب عن السياسة وعلومها كما نقل لي أحد الخواص لجنابه.

والأعجب حينما تقرأ لمرجع كبير في السن والمسؤوليات وجالساً في بيته تلك الكتب عن الطب، والمرور، والنظافة، والبيئة، والعولمة، وكلها تتضمَّن نظريات كبيرة تحتاج إلى مراكز دراسات وأبحاث ودكاترة متخصصين كل في مجاله وبحثه، ولكن السيد الشيرازي تراه ملماً فيها ويُعطي راياً فقهياً إسلامية فيها، وربما جنابه الوحيد الذي أثبت نظرياً وعملياً القاعدة التي تقول: (أن لله حكماً في كل شيء في هذه الحياة)، لا سيما في هذا العصر الرقمي الذي تفجَّرت فيه العلوم التطبيقية والدقيقة وصارت الكرة الأرضية قرية إلكترونية صغيرة.

السيد الشيرازي؛ سلطان المؤلفين

ولذا صدق الأستاذ الدكتور أسعد أحمد علي المرشد الأعلى للمؤلفين في اللغة العربية بوصفه جناب السيد الشيرازي بأنه (سلطان المؤلفين)، في إحدى كلماته الكثيرة التي كان يُلقيها في الحوزة الزينبية وغيرها في الشام.

وهنا لن أتوسَّع عن السيد الشيرازي الراحل في هذه العُجالة، ولكن أحببتُ أن آخذ بعض الشهادات من أولئك العلماء والأعلام الذين تحدَّثوا عن السيد الشيرازي، لأنه ممَن شغل الناس به كثيراً وكانوا ما بين محب، وكاره له وهذا شأن العظماء في هذه الدنيا، فهو كجده أمير المؤمنين (ع) الذي كان ومازال ميزان في كل شيء لا سيما (المحب الغالي، والمبغض القالي).

يقول جناب السيد المرجع محمد تقي المدرسي (حفظه الله) وهو من ابن أخت السيد، ومن أخصِّ وأخلص، واعلم، وأبرز تلاميذه في كتابه الذي كتبه عن خاله وأستاذه بعنوان: (في رحاب الإمام الشيرازي؛ القائد الأسوة) ما يلي: " ترك أكثر من ألف ومائتين وخمسين كتاباً، وآلافاً من المؤسسات الخيرية والهيئات الدينية، وربّى أجيالاً من العلماء العاملين، وخلف نهجاً فكرياً متميزاً، وسيرة طيبة، وذكريات لا تنسى من الأخلاق الرفيعة".

ثم يقول سماحته معرِّفاً به: " آية الله العظمى الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي نادرة من نوادر التاريخ الشيعي، في شخصيته، وسيرته، وفكره، وآثاره.. ومع مرور الأيام سوف تتجلى جوانب العظمة في هذه الشخصية الفريدة.. وينمو الأثر الذي تركه على الناس عاماً بعد عام، فهو في الدرجة الأولى مؤمن شديد الإيمان بالله واليوم الآخر.. متدين شديد المحبة لأهل البيت (عليهم السلام)، وكان زاهداً في زخارف الدنيا ومباهجها.. ثم هو مرجع للفتوى، وزعيم ديني، من الطراز الأول.

ولكنه لم يكن ذلك فقط، بل كان زعيماً جماهيرياً يحرك الناس باتجاه ما يؤمن به من أهداف، وله كل صفات الزعماء من الشجاعة والإقدام والعبقرية.. الخ.

والى جانب ذلك كان كاتباً ومؤلفاً، ترك من الآثار ما تعجز عن تصديقه الأذهان: أكثر من ألف كتاب! وكان - الإمام الشيرازي - مفكراً صاحب رأي وتحليل ونظرية في شتى جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وقد صدرت عدة كتب عن منهجه الفكري في الآونة الأخيرة.

وكان الإمام الشيرازي؛ مثالاً للأخلاق، وصانعاً لأمة حتى كان يقول أعداؤه وخصومه: "لا تزوروه فإنه يسحر الناس بأخلاقه"! (وأنا شخصياً كم سمعتُ هذه الكلمة من تلاميذه الذين التقيتهم).

وأخيراً كان الإمام الشيرازي أباً نموذجياً لأولاده وجداً لا يُنسى لأحفاده، يحتفظ كل واحد منهم معه بعشرات المواقف والقصص الجميلة. محبوباً لديهم إلى درجة أنهم لا يتركون مزاره ليلاً إلا لكي يأتوه نهاراً ولا نهاراً إلا لكي يأتوه ليلاً.. يكادون لا يصدقون موته حتى بعد مرور أربعين يوماً على وفاته.

كل من عاشر الإمام الشيرازي فترة من الزمن، كانت تتجمع لديه قصص لا تنسى من كريم أخلاقه، وحسن سيرته، وجميل صفاته.. حتى أنه ما زاره أحد إلا وأحبه، ولا عاشره أحد إلا وصادقه ولا عرفه أحد من قريب إلا وأكبر فيه الروح العالية، والأخلاق العظيمة.

شخصية نادرة، ذات أبعاد متعددة، من يطّلع على موسوعته الفقهية التي جاوزت المائة والخمسين مجلداً قد يتصور أن صاحبها مجرد (فقيه) ولا غير.. ومن ينظر إلى كتبه ومؤلفاته يراه صاحب نظرية فكرية للنهوض بالأمة، وبناء مجتمع سعيد. ليس إلا.. ومن ينظر إلى مشاريعه ومؤسساته الدينية والاجتماعية التي تنتشر من كربلاء.. إلى واشنطن يتصور انه كان باني (المؤسسات الخيرية)، فقط.

وأما مَنْ يدرس سيرته مع الحكام فيراه، مجاهداً صلباً في سبيل الله، يقارع الظالمين ويؤلب الأمة عليهم صابراً محتسباً على ما يلاقيه في هذا الطريق.. ولقد كان هذا كله والمزيد، فقد ربّى جيلاً من العلماء العاملين المجاهدين وكان قدوة في أسرته، وقدوة في مجتمعه، وقدوة لأمته، وسيبقى مثلاً يُحتذى لفترة طويلة.

إلى أن يقول سماحته: "وأخيراً؛ قضى الإمام الشيرازي نحبه كأجداده الطاهرين؛ لم يعرف قدره حق المعرفة، ولا أدّي حقه حق الأداء، ولا استفيد من ذلك النبع المتفجر الفيّاض حق الاستفادة، ولما قضى نحبه هزّ نبأ وفاته المفاجئ العالم الإسلامي، وشيع جثمانه بحرارة وحرقة لا نظير لها في تاريخ مدينة قم منذ تأسيسها قبل أكثر من ألف عام.

وهكذا كان الإمام محمد الشيرازي، محمدي الأخلاق والسيرة، علويّ الجهاد والمسيرة.

عاش مجاهداً..

ومات مقهوراً..

ودفن مظلوماً.. وسيكتب التاريخ عنه كثيراً كثيراً.

فسلام الله عليه يوم ولد، ويوم هاجر، ويوم مات صابراً مظلوماً".

وأما رفيق دربه السيد مرتضى القزويني (حفظه الله) فيقول: "لقد عاصرتُ أكثر من عشرين من مراجع التقليد الكبار، وقرأتُ في كتب السيرة والتاريخ عن أحوال العظماء، والفقهاء، والحكماء، بل والسياسيين، وعمالقة التاريخ، وقلَّما وجدتُ عظيماً مثله في زهده، وأخلاقه، وخدماته، وسائر صفاته، ومناقبه التي لا أحصيها.. وما كنتُ أظن أنني سأبقى بعده، ولعلِّي ألحق به قريباً".

وأما آية الله الشيخ محمد الهاجري فيقول في شهادته: " فقدنا علما كبيرا وعالما مجاهدا ومرجعا بارزا قلما يجود الزمان بمثله علما وجهادا وعطاءا وأخلاقا سماحة آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي.. نعم لقد عرفته طالباً مجداً ودارساً مجتهداً وباحثا مثابراً وراوياً حافظاً وعرفته عالماً مجتهداً يبحث في الدقائق العلمية، ويفصل في الاختلافات الفقهية، ويُحقق في الحديث والأصول؛ وعرفته مجاهداً بالقلم والكلمة الطيبة، والموعظة الحسنة، حتى أثرى المكتبة الإسلامية بإنتاج غزير وعطاء جزيل من المؤلفات في مختلف ميادين، والأصول، والعقائد، والفكر الإسلامي الأصيل؛ وعرفته مرجعاً كبيراً وعلماً عظيماً بذل نفسه وسخَّر وقته لنشر علوم أهل البيت وخدمة الموالين وإعلاءَ كلمة الحق؛ وعرفته أخاً مؤمناً ورعاً زاهداً صابراً يدفع بالتي هي أحسن".

وأما شهادة السيد محمد حسن الأمين صاحب مستدركات أعيان الشيعة، وابن صاحبها، فيقول: "خسارة كبيرة في الزمن الصعب، كان (قدس سره) شخصية استثنائية ليس على مستوى رجال عصره وعلمائه فحسب، ولكن على مدى قرون طويلة من تاريخ الإسلام والتشيّع... لقد أثرى المكتبة الإسلامية والفقه الجعفري بنتاج يصعب على الباحث أن يتصور رجلاً واحداً بوسعه أن يقدمه.. ولم يكن فقيهاً كبيراً فحسب بل مفكراً من طراز هو مزيج من الموسوعية الشاملة تراثاً وحداثة.. وإذا أردنا أن نصف هذا الرجل الاستثنائي فإننا لا نتمكن أن نفعل، إذا نحن لم نستعرض شريطاً بالغ الرَّوعة من خُلقه العظيم، من جهاده ورفعة خُلقه.. كان إماماً حقيقياً في تسارع الرؤية وفي الصبر والمثابرة والترفُّع.. لم يستثمر شيئاً من مواهبه الواسعة لشخصه.. كان يتألّق ويدوِّي في آن.. وكان ذلك مصدر قوته وشموخه.. بكل الحب والنبل استطاع أن يخترق القلوب والعقول بما فيها قلوب أولئك الرِّجال الذين أعشت أبصارهم الأغراض والأهواء.

فإذا بهم عندما يعودون إلى ضمائرهم تتفتح في نفوسهم آيات الإعجاب والإكبار.

آية هذا الرجل أنه اجترح، بفرادة عظيمة، تمثّل النهج العظيم لأئمة أهل البيت وحاول، موفقاً ومسدداً، أن يستحضر عبر سلوكه قبساً من أنوارهم الغامرة".

وأخيراً نأخذها من مسيحي التقى بالسيد الشيرازي وتكلم عنه وشهد له بإنصاف إنه الأديب أنطوان بارا فقال: " أصبحتُ محباً للحسين بفضل الإمام الشيرازي..

يقول: «منذ حقبة السبعينات تعرفتُ على السيد الشيرازي فشجعني على تأليف كتاب «الحسين في الفكر المسيحي» وإليه يرجع الفضل في تأليف الكتاب الصعب الذي لم أكن أستطيع تأليفه بدون مساعدته، تعرفت على قصة كربلاء من خلال الكتب التي أهداني إياها وحدثني كثيراً عن الحسين (ع) فأصبحتُ محباً لهذه الشخصية، ولقد أمضيتُ سنتين في دراسة كل ما أهداني أياه عن الحسين، وكان يُتابع تأليف الكتاب، ويُشجعني عليه لأن هذا أول كتاب لي حيثُ كنتُ شاباً صغيراً ومن الصَّعب أن يؤلف شاب مثلي كتاباً فكرياً سوف يقع بين أيدي العلماء والمفكرين والآن بعد 30 سنة من تأليف الكتاب أندهش كيف استطعتُ أن أكتبَ هذا الكتاب في هذا السن المبكر وأما الآن فإني لا أستطيع تأليف كتاب مثله أبداً ولكن بفضل الله وإشراف الإمام الشيرازي علي استطعت أن أتخطى سنوات طويلة من تحصيل الخبرة وأن أنتج هذا الكتاب الذي أفخر به من بين 15 كتاباً ألفتها ومنذ ذلك الوقت تعرفتُ على الإمام الشيرازي فعرفتُ معدنه وأفكاره فكان ذا فكر متطور عصري وكان حريصاً جداً أن يؤقلم هذه الأحكام الشرعية على مفاهيم العصر وقد نجح في ذلك. وله كتاب مشهور اسمه (تسهيل الأحكام) وهذا الكتاب لا تستطيع أن تتركه إذا بدأت بقراءته لأنه يهم كل الناس المسلم والمسيحي والمؤمن واتباع الديانات الأخرى ليعرفهم بأحكام الدين الإسلامي والإيمان بشكل عام وإحكام العصر"

ويضيف أنطوان بارا مشيداً بأطروحات الراحل: «كانت تطرح نظرياته في المجالس والمنتديات الدينية لأن فكر الإمام كان يشجع الآخرين لكي يستزيدوا منه إضافة إلى مؤلفاته الكثيرة وأحاديثه الإذاعية وله اتباع في كل مكان.. فهذا الفكر المرن والمتفهم لمعطيات العصر وبهذه الوسائل ذاع صيته وانتشر فكره وتظل كتبه وأشرطته التي أغنت المكتبة العربية الإسلامية والتي استطاعت أن تسد فراغاً عظيماً كان الناس بحاجة ماسة لها، فندعو الآخرين لنشر فكره وفاء له وتقديراً لما أعطاهم إياه في حياته من راحة فكر وضمير وساعدهم على تخطي مشاكل حياتهم العصرية لتواكب الأحكام الشرعية والسنة الشريفة".

هذه بعض الشهادات التي اقتطفتها لأضعها في هذه العُجالة بين يدي إخوتي وأحبتي وفاءً لهذا العملاق العظيم المظلوم كما قال السيد المدرسي (حفظه الله).. فالسلام عليه يوم ولد ويوم شُرِّد ويوم سلَّم الأمانة إلى باريها ويوم يُبعثُ حياً أمة بكاملها والله العالم.

اضف تعليق