q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

عقلنة الحرية بين المشيئة والانقياد لله

قراءة في مفهوم الحرية عند الإمام الشيرازي

حرية العدل يتميز بها الفكر الإسلامي عن غيره من الأفكار الوضعية التي شرحت وأطَّرت مفهوم الحرية بعيداً عن منطقة العدل، ووفق المآرب الضيقة، فانغمس كثير من بني البشر ــ للأسف الشديد ــ لهذا الإيغال المادي والسطحي في تفسير معنى الحرية مما سبب حالة من التابعية للغرب...

في كتابه (السلم والسلام)؛ يفرد الإمام الشيرازي صفحات لموضوع "أصالة الحرية" منطلقاً من الأبعاد الإسلامية التي تشرح الحرية وتوضح معناها الذي التبس على كثيرين، حيث يؤكد أن الأصل في الإسلام الحرية المرتكزة على ركيزتي السلم والسلام.

ويرى الإمام الشيرازي أن التسليم المطلق لله تعالى لا يعني أن الإنسان بعيد عن الاختيار، فالقرآن الكريم منح حق الاختيار للإنسان في مفاصل كثيرة، جاء في الكتاب الكريم: "وَقُل الحقُّ مِن رَبِّكَ فَمَن شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ/ الكهف29".

يركز الإمام الشيرازي على مفردة (المشيئة) التي جاءت بها هذه الآية الكريمة وغيرها من الآيات التي جعلت الإنسان مختاراً، وهذه المشيئة تعطيه أكبر المساحات وفق المنطق الإسلامي الذي يرفض الخضوع لغير الله، وبثنائية الخضوع والتسليم لله، والمشيئة التي منحت للعباد يمكن الوقوف على أصل الحرية على نحو عقلاني خال من سوء الفهم، ومن الانطلاق الانفعالي الذي يتيح له ارتكاب الأعمال الضارة التي تمنعه مستقبلاً من ممارسة دوره في تنمية المجتمع وبنائه، وبالتالي سيكون في منطقة حرية اللاعدل وهي منطقة تفرغ الحرية من محتواها الحقيقي، بينما المحتوى الحقيقي يكمن في الوجدان المتحرر من أشكال الخضوع والانقياد للمادة، حرية الإنسان المنقاد لربه، والمتعامل مع المشيئة الممنوحة له بكل الآليات التي توصله إلى العدل.

والعدل لا ينصرف فقط نحو شخصية الحاكم، بل انه يتعدد لأنواع اخرى كثيرة ومنها حرية العدل التي تستلزم الوعي بقيمة الوسطية والاعتدال في النظر لمفهوم الحرية؛ حتى نضمن عدم الانصراف إلى فوضوية مختبئة في ذات المفهوم. والعدل يحقق العلاقة الآمنة بين الذات والمحيط، وتكريس المفاهيم التي تقود إلى الحرية والعدل وغيرها من مكونات الحياة الحضارية. ومفردة (المحيط) التي يراد لها علاقة آمنة مع الذات تتفرع إلى محيط عقائدي واجتماعي وفكري، بحيث تنسجم الذات مع كل مسمى من هذه المسميات بما يحقق تكاملية العلاقة بين أفراد البشرية في جو من الألفة والمحبة والقبول بالآخر الذي يختلف في جزئيات معينة، ويتفق في أخرى وهنا يتحقق جزء مهم من الحرية العقلانية المعتدلة.

وحرية العدل يتميز بها الفكر الإسلامي عن غيره من الأفكار الوضعية التي شرحت وأطَّرت مفهوم الحرية بعيداً عن منطقة العدل، ووفق المآرب الضيقة، فانغمس كثير من بني البشر ــ للأسف الشديد ــ لهذا الإيغال المادي والسطحي في تفسير معنى الحرية مما سبب حالة من التابعية للغرب، وبذلك بدأ الإنسان بفقدان المنحة الإلهية الثمينة وهي المشيئة. وشيئاً فشيئاً تفقده التابعية للمادة حرية الروح وهي من أهم ركائز الحرية في الفكر الإسلامي، بل ان حرية الروح القائمة على ترك الشهوات والجاه وغيرها، تركز عليها بقية الأديان السماوية الأخرى؛ لذلك نرى الإمام الشيرازي يستشهد بقول السيد المسيح (عليه السلام) لأصحابه: "إنكم لن تنالوا ما تريدون إلا بترك ما تشتهون وبصبركم على ما تكرهون"

وبنفس المعنى والمفهوم؛ يستشهد ــ إسلامياً ــ بقول الإمام علي (عليه السلام): "عبد الشهوةِ أسيرٌ لا ينفك أسره".

المشيئة وحرية الاختيار السياسي

إنَّ الحرية المعقلنة من خلال فهم ثنائية الانقياد لله، والمشيئة الممنوحة، تجعل الإنسان مسيطراً على سائر الحريات الأخرى التي يشهدها خلال مسيرة حياته. ويرى الإمام الشيرازي أنَّ الالتزام بالواجبات، والابتعاد عن المحرمات شيء قليل قياساً بسائر الحريات الاخرى، غير أن هذا القليل من شأنه تقديم الدعم النفسي والذهني للإنسان في طريقة تعامله مع حرياته الاخرى وبضمنها حرية الاختيار السياسي الذي يعبر عنه في أيامنا هذه بالانتخابات. فالإنسان لو كان متحرراً يستطيع أن يصل إلى الاختيار السياسي الصحيح من غير الالتفات إلى المؤثرات والاغراءات والضغوط التي تمارس عليه؛ لأنه مستعد روحياً وذهنياً لأن يكون حراً يتصرف بالمشيئة الممنوحة له، مدركاً لأهمية أن يختار ما تفرضه عليه قناعته لا قناعة الضغوط والتأثيرات المادية البعيدة عن حرية العدل وحرية الوجدان؛ لذلك نرى أه يضع نصب عينيه المشيئة وخضوعه لربه الذي لا يريد له إلا الخير.

أما إذا حدث العكس، وهذا العكس هو الأعم الأغلب اليوم؛ فإن المشيئة ستذوب في مادية المصالح الضيقة، والانقياد سيتحول من انقياد إلى الخالق العظيم إلى الإرادات الشريرة، وهكذا يرى الناس أنفسهم في دائرة من التيه تدور بهم في زمان هذياني لا معنى له.

اضف تعليق