q
يُقدَّر عدد الذين يصابون بفيروس نقص المناعة البشرية (HIV) كلَّ عام بحوالي 1.5 مليون شخص. ورغم أن هذا العدد آخذٌ في التناقُص، يُلاحَظ أنه ليس بالسرعة التي تضمن بلوغ الهدف الذي حدَّدتْه الأمم المتحدة، وهو ألا يتجاوز العدد 370 ألف إصابة جديدة سنويًا بحلول عام 2025...

يُقدَّر عدد الذين يصابون بفيروس نقص المناعة البشرية (HIV) كلَّ عام بحوالي 1.5 مليون شخص. ورغم أن هذا العدد آخذٌ في التناقُص، يُلاحَظ أنه ليس بالسرعة التي تضمن بلوغ الهدف الذي حدَّدتْه الأمم المتحدة، وهو ألا يتجاوز العدد 370 ألف إصابة جديدة سنويًا بحلول عام 2025. وفي تطوُّر يدعو للتفاؤل، أوصَتْ منظمة الصحة العالمية بعقار جديد، يقي من الإصابة بهذا الفيروس.

أظهرت نتائج تجربة سريرية عشوائية أن هذا العقار، الذي يُسمَّى «كابوتجرافير» cabotegravir (ويحمل الاسم التجاري «أبريتيود» Apretude)، ويُعطَى عن طريق الحَقن ست مرات في العام، هو خيار وقائي عالي الفعَّالية، مقارنةً بغيره من الوسائل المُستخدمة حول العالم، والتي تتمثل في الأدوية الوقائية التي يتناولها الشخص قبل التعرض لفيروس نقص المناعة البشرية، وهي جرعة يومية تُؤخَذ عن طريق الفم من عقار «تينوفوفير ديسوبروكسيل فيومارات» tenofovir disoproxil fumarate، وعقار «إمتريسيتابين» emtricitabine (S. Delany-Moretlwe et al. Lancet 399, 1779–17).

توصية منظمة الصحة العالمية، التي جاء فيها أن عقار «كابوتجرافير» يُعَدُّ "وسيلةً وقائية شديدة الفعالية ضد مرض نقص المناعة البشرية"، تفتح الطريق أمام إدراج العقار ضمن برامج الوقاية من المرض. وقد تعهدت شركة «فيف هيلث كير» ViiV Healthcare، وهي الشركة المُصنِّعة للعقار، ومقرها لندن، بتوفير الدواء بسعر لا يهدف للربح لبرامج الوقاية الحكومية في البلدان ذات الدخل المنخفض. وكما تقول ديبورا ووترهاوس، المديرة التنفيذية للشركة، فإن هذه الخطوة من شأنها "تغيير قواعد اللعبة في مجال الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية".

نتيجة هذه الخطوة تتوقَّف على مدى توفُّر هذا الدواء للفئات الأكثر احتياجًا، وبالتحديد الفتيات والسيدات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و24 عامًا في البلدان الأكثر فقرًا. في العام الماضي، أصاب الفيروس 250 ألف سيدةً وفتاة من هذه الفئة العمرية، أكثر من 80% منهن في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وسيتوقف نجاح دواء «كابوتجرافير» على أن يتم توفيره بأقل سعر مُمكن؛ الأمر الذي يتطلب توفُّر الشفافية فيما يتعلق بكيفية حساب سعر الدواء.

عادةً ما تُحْجِم شركات الأدوية عن الإفصاح عن المعلومات المُتعلقة بهذه الحسابات، وذلك لأسبابٍ عدَّة، منها ما يتَّصل بمقتضيات السرية التجارية. وفي حين أن الحكومات تنتظر أن تُمَدَّ بالبيانات التي تساعدها على التدقيق والتحقق من المعايير، نجد أنها، هي الأخرى، لا تنشر ما يتصل بعلمها من هذه البيانات، وفقًا لما تبيَّن لأعضاء البرلمان الأوروبي من تجربة جائحة كورونا. فعلى الرغم من إنفاق دول الاتحاد الأوروبي عشرات المليارات من الدولارات على لقاحات وعلاجات فيروس كورونا، نلاحظ أن الجهات المورِّدة للقاحات، وكذلك الحكومات المتعاقِدة، لم توضِّح الأساس الذي استُند إليه في تحديد الأسعار، عندما طلب أعضاء البرلمان الأوروبي منها ذلك.

في الولايات المتحدة الأمريكية، بلغ السعر التجاري لجرعة دواء «كابوتجرافير» 3700 دولار (ما يُعادل 22,200 دولار للفرد في السنة). ولم يُفصَح بعدُ عن السعر غير الهادف للربح للجمهور، لكنه سيكون، في أكبر الظن، أقل بكثير من السعر التجاري.

وقد أوضح ديفيد ريبين، كبير الموظفين العلميين في «مبادرة كلينتون للصحة»Clinton Health Access Initiative ، وهي مؤسسة خيرية مقرها مدينة بوسطن بولاية ماساتشوستس الأمريكية، أن بإمكان شركات الأدوية طرح دواء «كابوتجرافير» بسعر 23 دولارًا للفرد في السنة، مع احتمال أن ينخفض السعر إلى 16 دولارًا في حال البيع على نطاق واسع. هذا السعر يشمل تكلفة المادة الفعَّالة، وتحويلها إلى مادة قابلة للحقن، وتعقيم المنتج النهائي. وقد تم نشر ملخص لحسابات ريبين على الإنترنت (انظر: go.nature.com/3bdoa8x).

وفي الوقت الراهن، يعكف ائتلاف قوي، يضمُّ 74 شخصية من النُشطاء والمسؤولين الحكوميين والباحثين، من بينهم ويني بيانيما، المديرة التنفيذية لـ«برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز» (UNAIDS)، على مطالبة ووترهاوس بتحديد سعر عقار «كابوتجرافير» ليقارب 60 دولارًا للفرد في السنة؛ وهو سعر يعادل ما تنفقه الآن الحكومات والمؤسسات الخيرية نظير الحصول على الأدوية الوقائية الفموية التي تؤخَذُ قبل التعرض للفيروس.

وفي تصريح أدلى به مسؤول بشركة «فيف هيلث كير» لدورية Nature، ذكَرَ أن هذا السعر غير مقبول من جانب الشركة، ولكن ما يُمكنها الالتزام به، حسب قول المسؤول، هو السماح لشركات الأدوية بتصنيع نُسَخٍ مقلَّدة من دواء «كابوتيجرافير»، بما يتيح إنتاجه وتوزيعه بشكل سريع، على أن تتولى الشركة إتاحة الدواء بسعر غير هادف للربح. هذه خطوات مُبشرة. ولكن يتبقى على الشركة أن تتخذ خطوةً إيجابية أخرى، وهي أن تُعلن السعر الذي سيُطرح به دواء «كابوتجرافير»، وتقدِّم بيانًا مفصَّلًا عن الكيفية التي جرى على أساسها التسعير.

وفي الوقت نفسه، أصبح في استطاعة قطاعٍ أكبر من الباحثين أن يطرحوا تقديراتهم الخاصة؛ إذ من شأن ذلك أن يمد الحكومات وجهات التمويل الأخرى برقم استرشادي، للاستعانة به في نقاشاتهم حول المبالغ التي سوف تتحملها هذه الحكومات. ووفقًا للتقرير الأخير الصادر عن «برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز»، الذي نُشر الشهر الماضي (انظر: go.nature.com/zkhaix)، فإن احتمال الحصول على تمويل محلي ودولي ضعيف. وإذا تعذَّر توفير دواء «كابوتجرافير» بسعر مماثل لأسعار الأدوية التي تؤخذ عن طريق الفم المتاحة حاليًا – إنْ لم يكن بسعرٍ أقل، على أحسن الفروض – فقد تُضطر الدول إلى اتخاذ قرارات صعبة. من حق المواطنين أن يكونوا على دراية بما تنفقه حكوماتهم، وأن يملكوا تفسيرًا لهذا الإنفاق.

اضف تعليق