بعد تجاهل المرض على مدى عقود، يجب على الدول مرتفعة الدخل المسارعة إلى مشاركة اللقاحات والعلاجات مع الدول الأخرى، أعداد الإصابات بمرض جدري القرود آخذةٌ في الزيادة. عندما قررت منظمة الصحة العالمية، قبل شهر من الآن، عدم إعطاء التفشي الفيروسي للمرض حول العالم صفة حالة الطوارئ الصحية العامة التي تثير قلقًا دوليًا...
الكاتب: دورية Nature
أعداد الإصابات بمرض جدري القرود آخذةٌ في الزيادة. عندما قررت منظمة الصحة العالمية، قبل شهر من الآن، عدم إعطاء التفشي الفيروسي للمرض حول العالم صفة حالة الطوارئ الصحية العامة التي تثير قلقًا دوليًا، كان قد سُجِّل ما يقرب من 3 آلاف حالة إصابة مؤكدة بالمرض منذ بداية شهر مايو الماضي في أكثر من 50 دولة. وبحلول الثالث والعشرين من يوليو، ارتفع هذا الرقم إلى ما يربو على 16 ألف حالة في 75 دولة وإقليمًا، حسبما أفادت المنظمة.
قررت المنظمة، في الثالث والعشرين من يوليو، اعتبار المرض حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقًا دوليًا، بالرغم من عدم تأييد معظم الخبراء من مستشاري المنظمة لهذا القرار، وذلك في اجتماعهم الذي عُقد في الحادي والعشرين من الشهر نفسه. أما وقد صدَر هذا الإعلان، فقد أصبح لزامًا على الدول أن تتكاتف معًا لمواجهة انتشار المرض، والعمل على تقديم ما يكفي من الموارد اللازمة لتحقيق هذا الهدف إلى الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، التي يشهد التاريخ أن المرض قد تفشَّى فيها أكثر من غيرها. ولابد من تلافي تكرار الأخطاء التي وقعت في مواجهة جائحة «كوفيد-19».
على سبيل المثال، التنافُس على اللقاحات عند التعرُّض لطارئ صحي مشكلة لا تصبُّ في مصلحة أحد، وهي المشكلة تجلَّت وغلبت على تعامُل كثير من الدول لجائحة «كوفيد-19». صحيحٌ أن لقاحات مرض الجدري فعالة ضد جدري القرود، لكن لا ينبغي أن ننسى أن إمدادات اللقاحات والإمكانات التشخيصية، في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، يعتريها ضعف واضطراب. على الجهات المانحة للقاحات أن تتعاون مع الباحثين والسلطات الصحية لتحديد احتياجات كل دولة، لزيادة قدرتها على مجابهة هذا المرض المُعدي.
عند إعلان حالة الطوارئ الصحية العامة التي تثير قلقًا دوليًا، توصي منظمة الصحة العالمية الدول بالالتزام بالتوسع في إنتاج وتوفير وسائل الفحص التشخيص، والعلاجات، واللقاحات. كما يحصل قطاع البحث العلمي عادةً على الدعم من الحكومات، والجامعات، والقطاع الصناعي، كما حدث في حالة جائحة «كوفيد-19».
علَّل مستشارو المنظمة المعارضون لإعلان حالة الطوارئ الصحية العامة موقفهم هذا بإمكانية علاج المرض عن طريق التدخلات العلاجية الموجَّهة. في الوقت الحاضر، يُلاحَظ أن أكثر الحالات المصابة بجدري القرود في أوروبا وأمريكا الشمالية تقع بين الرجال الذين يمارسون الجنس مع رجال، ومن ثم، فمن الممكن توجيه جهود التطعيم إلى هذه الفئة خصِّيصًا. أما المستشارون المؤيدون لإعلان حالة الطوارئ الصحية العامة فقد علَّلوا موقفهم باستيفاء المعايير الأساسية لإعلان هذه الحالة؛ فالتفشي الفيروسي يُعَدُّ حدثًا استثنائيًا، والمرض يمثل خطرًا عالميًا على الصحة العامة، ويستجوب استجابة مُنسَّقة.
حتى بداية هذا العام، سُجِّلت معظم حالات الإصابة بجدري القرود في وسط وغرب إفريقيا. كما أن جميع حالات الوفيات المعروفة منذ تفشي المرض (يُعتقد أنه قد أودى بحياة ما لا يقل 70 شخصًا حتى الآن) وقعت في بلدان إفريقية، حيث أظهرت الدراسات أن الأطفال، وكبار السن، ومن يعانون من نقص المناعة، أكثر عرضةً لمضاعفات المرض.
سجلت جمهورية الكونغو الديموقراطية الآلاف من حالات الاشتباه بالإصابة بالمرض خلال العقد الماضي، ولقي مئات الأشخاص حتفهم خلال الفترة ذاتها، من جرَّاء الإصابة بسلالة فتّاكة من الفيروس، تتسبب في وفاة نحو 10% من المصابين (Z. Jezek et al. Trop. Geogr. Med. 40, 73–83; 1988). لكن الأعداد الحقيقية غير معروفة، ومن الممكن أن تكون أكبر مما تشير إليه هذه التقديرات.
كما هو معتاد، كان لابُد من وقوع طارئ صحي في أوروبا وأمريكا الشمالية لكي يتنبَّه العالم للمرض. وفي مقال الرأي الذي نُشر في دورية «نيتشر ريفيوز ميكروبيولوجي» Nature Reviews Microbiology، ذكر الباحثان إيمانويل ألاكُنلي ومالاكي أوكيكي أن تفشي جدري القرود ينبغي النظر إليه باعتباره "جرس إنذار، يُبرِز ضآلة الاهتمام بانتشار الفيروس في المناطق الموبوءة، أو انعدامه بالمرَّة" (E. F. Alakunle and M. I. Okeke Nature Rev. Microbiol. https://doi.org/h5v8;2022).
في شهر يونيو الماضي، ذكرت أديسولا يِنكا-أوجنلي، اختصاصية الوبائيات في المركز النيجيري لمكافحة الأمراض في أبوجا، في تصريحات أدلَتْ بها لدورية Nature، أن اختصاصيّي الوبائيات ما فتئوا ينبِّهون، منذ بضع سنوات، إلى أنَّ جدري القرود آخذٌ في الانتشار. وأضافت: "العالم يدفع ثمن عدم الاستجابة كما ينبغي".
لنا أن نجد في إعلان حالة الطوارئ الصحية العامة فرصة لتصحيح هذا الخطأ. يجب على الدول مرتفعة الدخل، على وجه التحديد، التعلم من الأخطاء التي ارتُكِبت في التصدِّي لجائحة «كوفيد-19». في حالات الطوارئ، ليس من العقل أن تتنافس الدول على الاستئثار بجرعات اللقاح والعلاجات. عوضًا عن ذلك، يجب مشاركة التقنيات التشخيصية، واللقاحات، وتوجيهها إلى الدول الأشد حاجةً إليها.
في لقاءٍ إذاعي، بثَّته الإذاعة الوطنية الأمريكية العامة (NPR)، صرح أَتُول جاوندى، مسؤول الصحة العالمية في «الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية» (USAID)، في العاصمة الأمريكية واشنطن، أن الدول منخفضة الدخل عادةً ما تكون آخر من يحصل على اللقاحات. وهذا إقرار مهم، لكونه صادرًا من مسؤول كبير في «الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية»، التي تُعَد أحد المصادر الرئيسية للقاحات والعلاجات. ليس من شكٍّ في أنَّ دول العالم الفقيرة، والأكثر ضعفًا وهشاشة، قد فشل في التصدِّي لجائحة «كوفيد-19». أما الآن، فلدينا بالفعل لقاحات فعالة للوقاية من جدري القرود، ويجب أن توظَّف في مصلحة الجميع. على الدول الغنية ألا تقع في نفس الخطأ مرتين.
اضف تعليق