باتت متطلبات العمل اليومي في الحياة العصرية تتركز على الاهتمام بالجوانب الذهنية أكثر من البدنية، حيث يكمن للآلات المتطورة القيام بالدور البدني بدلا من العمال، لكن الاعتماد على الة الحاسبة والمعرفة المعلوماتية في العمل بدرجة كبيرة يؤدي الى الإرهاق الذهني...
باتت متطلبات العمل اليومي في الحياة العصرية تتركز على الاهتمام بالجوانب الذهنية اكثر من البدنية، حيث يكمن للآلات المتطورة القيام بالدور البدني بدلا من العمال، لكن الاعتماد على الة الحاسبة والمعرفة المعلوماتية في العمل بدرجة كبيرة يؤدي الى الإرهاق الذهني الذي يعرف بانه الطريقة التي يستجيب بها جسمنا جسديا وعاطفيا، حين تواجهنا ضغوطات نفسية ومطالب تثقل وتتعب أذهاننا ومشاعرنا أو جسدنا، مثلا حين تتوقعون أن يطلب منكم إلقاء كلمة أمام أناس غرباء، فمن المحتمل أن تصابوا بالتوتر والعصبية والخوف.
يعتقد الخبراء في مجال الصحة النفسية ان الإرهاق الذهني أقوى تأثيراً من الإجهاد البدني، فمن الممكن أن يكون الموظف بالمكتب قد بذل جهد أكبر من عامل يعمل بالمصنع وذلك لان الموظف قد تم إجهاده ذهنياً واما العامل قد تم إجهاده بدنياً ودائماً الإجهاد الذهني أقوى تأثيراً علي الإنسان بعكس ما قد يعتقد البعض بالعكس وهو أن الإرهاق البدني أشد تأثيراً من الإجهاد الذهني.
مما لا شك فيه أن الإنهاك بات أحد القضايا الملحة اليوم، ولا سيما بعد الكشف عن الأعداد المخيفة للمصابين بالإجهاد في القطاعات المستنزفة للمشاعر، مثل قطاع الصحة. إذ توصلت دراسة أجراها أطباء ألمان إلى أن نحو 50 في المئة من الأطباء يعانون من حالة من الإجهاد تعرف باسم "الاحتراق النفسي".
ومن بين الأعراض التي ذكرها هؤلاء الأطباء، على سبيل المثال، أنهم يشعرون بالتعب في كل ساعة على مدار اليوم، ومجرد التفكير في العمل في الصباح يجعلهم يشعرون بأن قواهم منهكة.
لكن المثير للدهشة أن الرجال والنساء يتعاملون مع الاحتراق النفسي بطرق مختلفة، بحسب دراسة فنلندية أخيرة. إذ وجدت الدراسة أن الموظفين الذين يعانون من ذلك الإنهاك يميلون إلى الحصول على إجازة مرضية أكثر بمراحل من الموظفات اللائي يعانين من الاحتراق النفسي، على سبيل المثال، وبما أن الاكتئاب يؤدي إلى فتور الهمة والعزلة، فإن البعض يزعم أن الاحتراق النفسي هو تسمية أخف وقعًا على النفس من الاكتئاب.
على الصعيد نفسه يبدو أن الاهتمام بالشكل الخارجي وتغيير الملابس يومياً يرهق الجسم، فمثلاً الشخصيات الشهيرة من العلماء والأذكياء نجدهم يختارون ارتداء ملابس مماثلة كل يوم للحد من القرارات التي يجب أن يقوموا بها، وذلك بسبب كمية المعلومات الزائدة التي يحملونها وتؤدي إلى "الإرهاق الذهني".
هل تعلم أن الإنسان العادي يستوعب 74 جيجابايت من المعلومات يومياً؟ هذا رقم مذهل بالنسبة لعقل الإنسان، ولكن كيف نحافظ اليوم على التفكير والتركيز السليم بوجود حمل معلومات زائد كهذا؟
يشير عالم الأعصاب والنفس دانيل ليفيتين إلى أن حمل المعلومات الزائد هو محاولة لاستيعاب أكثر مما يمكن لدماغنا تحمله، وأضاف: "كنا نعتقد أن الإنسان قادر على الانتباه لما بين خمسة وتسعة أشياء في آن واحد، أما اليوم فنحن نعرف أن هذا ليس صحيحاً، وهو مبالغة غريبة، فالعقل الواعي يمكن أن يستوعب نحو ثلاثة أمور في وقت واحد، وأكثر من ذلك يفقد الإنسان بعض قدراته العقلية"، وذلك وفقاً لـ"سي إن إن بالعربية".
بالإضافة إلى ذلك، فإن حمل المعلومات الزائد يؤدي أيضاً إلى إرهاق ذهني، لذلك نرى العباقرة يرتدون ثيابهم نفسها دائماً، مثل: ألبرت أينشتاين وبدلته الرمادية، وستيف جوبز بكنزته السوداء عالية الرقبة، ومارك زوكربرغ بكنزته الرمادية المعتادة، إذ أنهم لم يريدوا تضييع طاقتهم بأخذ قرارات غير مهمة تخص ملابسهم.
فيما يرى مختصون بالقضايا النفسية انه من المهم أن نعرف أن الراحة لا تعني بالضرورة عدم النشاط، والذي ربما يتسبب في إصابة بعض الناس بالتوتر والقلق بينما تئن رؤوسهم بالعمل الذي ما زال يتعين عليهم القيام به.
وتقول هؤلاء المختصون في بعض الأحيان يمكن أن تعني الراحة الخروج وممارسة نشاط بدني. هذا التغير في النشاط يمكنه تحفيز الشخص من ناحية ذهنية، وقد أظهرت الدراسات أن التأمل الذهني يساعد على تخفيف الإرهاق الذهني لبعض الذين يعانون من إصابات دماغية، ومع أن الشفاء الكامل غير مرجح إلا أن التحسن الكبير أمر ممكن، وتضيف: "يمكن أن يكون غاية ما يصل إليه شخص ما هو شعوره بالقدرة على السيطرة على هذا الإرهاق".
حيث لا تزال الأبحاث حول هذا الداء العصري تجرى في أكثر من مركز علمي في النرويج ستستمر حتى عام 2017. ويأمل الباحثون أن تسفر دراساتهم وتجاربهم عن دواء وطريقة علاج فعالة تنهي معاناة المرضى وتساعدهم في العودة إلى ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي وهم يتمتعون بالصحة والعافية.
أسباب الإرهاق الذهني وكيف تتعامل معه؟
قد يحدث التعب نتيجة الأضرار التي تلحق بالعقد العصبية القاعدية، والتي تظهر هنا في دماغ شخص يعاني من مرض باركنسون، غالباً ما يواجه الذين أصيبوا بجروح عدة وأمراض عصبية إهراقاً غامضاً لا يمكن تخيله يمكن أن يستمر لسنوات عديدة. فما السبب وراء ذلك؟
ربما يكون هناك حالة عدم فهم إضافية ناجمة عن حقيقة أن التعب الذهني يختلف عن التعب اليومي الذي ينتج عن بذل كثير من الجهد. يمكن للكثيرين توقع متى سنشعر بالتعب، في ظهيرة يوم الجمعة على سبيل المثال أو بعد قضاء يوم في قاعة المحاضرات، بينما يحدث التعب الذهني دون سابق إنذار.
"إنه يأتي من حيث لا تحتسب"، كما تقول مالي، التي تضيف: "إحدى العبارات الشائعة لوصف التعب الذهني هي أنه كما لو كان الدماغ يتوقف فجأة عن العمل، أو أن الأمر يشبه الموجة التي تأتي بلا مقدمات وتجتاح الدماغ".
يصف آخرون هذا التعب بأنه ضباب ذهني يجتاح الدماغ، أو يتحدثون عن "دماغ ثقيل"، أو كأن تروس العقل كلها تتوقف فجأة. تقول مالي: "يبدو وكأن العالم يدور بهم بسرعة فائقة". حتى مشاهد وأصوات المتاجر، أو اتخاذ قرار بشراء نوع معين من الحليب، يصبح وكأنه أمر يحتاج تحفيزاً كبيراً".
ويشعر بعض الناجين من الإصابات الدماغية بأن هذه الصعوبات لا يمكن التغلب عليها. تقول ناتاشا لوكيار، معالجة طبيعية تعمل بمؤسسة هيدواي شرق لندن: "الإرهاق يعني أن المصابين لا يستطيعون البدء في العمل أو الإستمرار فيه. فالإرهاق يؤثر على علاقاتهم الشخصية، وعلى حياتهم الأسرية وعلى قدرتهم على اتخاذ القرارات. لا يمكن للبعض القيام بأي وظيفة أو نشاط، ويصبح منفصل تقريباً عن العالم من حوله".
ولا عجب في أن الكثير منهم يصبح بحاجة ماسة إلى العلاج. إنها تلك المشكلة المعقدة المتمثلة في أن الأطباء ما زالوا يجدون صعوبة في شرح السبب الكامن وراء تكوين الإصابة الدماغية لكل هذه المشاعر، على الرغم من الجهود الكثيرة المبذولة لتحديد الآلية.
ولقياس الإرهاق الذي يعاني منه شخص ما، يطلب العلماء من المرضى ملئ استبيانات، أو يستخدمون فحوصاً ذهنية بسيطة لدراسة الطريقة التي يتغير بها أداؤهم مع مرور الوقت كإشارة على تعب الدماغ.
ولعل الشيء المحير في هذا الأمر يكمن في أن شدة الإرهاق لا ترتبط بالضرورة بشدة الإصابة الدماغية، لكن تم ربط بعض المناطق بالإرهاق، مثل المناطق التي تربط القشرة الأمامية، أي السطح المتجعد للدماغ الذي يقع مباشرة خلف العينين والمسؤول عن التفكير التحليلي الواعي والانتباه والذاكرة، مع مناطق أعمق في الدماغ مثل النتوءات القاعدية المعقدة والمنطقة لوزية الشكل المسئولة عن الأفعال الغريزية التلقائية والتصرفات.
في العادة، ترسل كل من النتوءات القاعدية المعقدة والقشرة الأمامية إشارات جيئة وذهاباً وتقارن الجهد المبذول في نشاط معين بالجائزة المتوقعة. ويعتمد ذلك على الناقل العصبي لمادة الدوبامين، فإذا تشوش إنتاج الدوبامين، فربما تتلاشى الحسابات العقلية، بحيث يبدو أي نشاط قليل صعباً للغاية.
ولعل الشيء المهم هو أن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عصبية مثل مرض التصلب العصبي المتعدد يحدث لديهم أنشطة غير عادية في هذه المناطق، ويبدو أن هذه الاختلافات ترتبط بمستوى الإرهاق. بحسب البي بي سي.
إذا كانت مؤشر الدوبامين يلعب دوراً في هذا الأمر، فربما يأتي العلاج عن طريق العقاقير التي تزيد من حجم الفراغات بين الخلايا العصبية في الدماغ. وقد ثبت حتى الآن عبر التجارب الإكلينيكية أن أحد هذه العقاقير المعروف باسم ريتالين قد أظهر نتائج واعدة في علاج الإرهاق الذهني الناتج عن إصابات دماغية حدثت عن طريق الصدمة.
كما أن التجارب المستمرة تهدف إلى معرفة ما إذا كان العقار يخفض من مستوى الإرهاق الذي يصاحب مرض التصلب العصبي المتعدد أيضاً، لكن هذا الأمر لا يعدو كونه عامل واحد من بين عوامل كثيرة مثل زيادة التوتر والقلق، ومشاكل التركيز والانتباه، والذاكرة والتواصل، والمزاج، والتي يمكنها جميعاً التسبب في تعب الدماغ بسهولة أكبر.
وفي الوقت الحالي، يقوم المتخصصون في العلاج الطبيعي الوظيفي من أمثال مالي ولوكيار بمساعدة مرضاهم على التعامل مع الإرهاق بإجراء تغييرات عملية على عاداتهم اليومية، ويبدأون بمحاولة فهم ووصف الأعراض التي يعانون منها قبل أن يتعلموا كيفية ملاحظة المؤشرات التحذيرية الأولى. تقول مالي: "يمكن أن يكون ذلك عبارة عن رنين في آذانهم، أو صعوبة في الرؤية، وربما الشعور بقلة التركيز، أو تعكر المزاج، وازدياد القلق، أو أن يصبح الشخص أقل تسامحاً مع العالم من حوله"، وبعد أن يتعلم المريض كيف يتعرف على هذه الإشارات ربما يجد وسيلة للقيام بأنشطته، بحيث يمكنه إعادة شحن بطاريته قبل أن تنفذ طاقتها بالكامل.
لماذا انتشر الشعور بالإرهاق البدني والنفسي بيننا كثيرا؟
تتضاعف أعداد من يعانون من الإجهاد و"الاحتراق النفسي" يومًا بعد يوم، فهل ننحي باللائمة على نمط الحياة الحديثة؟ أم أن الإنهاك، سواء كان بدنيًا، أو ذهنيًا، أو نفسيًا، هو حالة ملازمة للبشر منذ قديم الزمن؟
منذ بضعة سنوات، وقعت آنا كاثرينا شافنر فريسة لـ "وباء" الإجهاد، وكانت أولى علاماته الشعور بالفتور الذهني والبدني، على حد وصفها؛ إذ كانت تستثقل كل الأعمال، حتى المهام المعتادة كانت تستنفد طاقاتها، وبات من الصعب عليها التركيز في العمل، وحتى حين كانت تحاول الاسترخاء، كانت تجد أنها لا تكف عن مطالعة رسائل البريد الإلكتروني في كل الأوقات، وكأن علاج الملل سيأتي إلى بريدها الالكتروني من حيث لا تحتسب.
ولم تكن شافنر تعاني من التعب والإعياء فحسب، بل كانت تشعر أيضًا باليأس، وقالت: "كنت مصدومة، ومحبطة، وفاقدة للأمل"، وهذه المشاعر تبدو مألوفة لعدد لا يحصى من الناس، من البابا بنيديكت السادس عشر، إلى ماريا كاري، الذين عانيا من الإنهاك النفسي. وإن كنت تصدق وسائل الإعلام، فإن الإنهاك النفسي هو حالة مرضية حديثة تمامًا، إذ كلما تشغل شافنر التلفاز، تشاهد جدالًا حول التجارب التي نواجهها في ظل تواصل العمل ليلًا ونهارًا.
وتقول شافنر: "يشير كل المعلقين إلى العصر الذي نعيشه بأنه الأسوأ على الإطلاق، وأن الحياة في هذا العصر ستقضي تمامًا على مخزون الطاقة لدينا"، ولكن هل تكمن المشكلة في هذا العصر بالفعل؟ أم أن الإنسان يجب أن يمر بفترات من فتور الهمة والعزلة، كجزء لا يتجزأ من حياته، مثلها مثل الإصابة بالبرد وكسور الأطراف؟.
وقد عقدت شافنر العزم، لكونها ناقدة أدبية ومؤرخة طبية بجامعة كنت بالمملكة المتحدة، على أن تجري المزيد من الأبحاث في هذا الأمر، وأثمرت جهودها عن كتاب "الإجهاد: من وجهة نظر تاريخية"، وهو دراسة رائعة تتناول طرق فهم الأطباء والفلاسفة لحدود العقل والجسم والطاقة البشرية.
وقد استشهدت شافنر في كتابها بمقالة في جريدة ألمانية تزعم أن الاحتراق النفسي يصيب المهنيين الناجحين، وذكرت المقالة أن "الاكتئاب لا يصيب إلا الفاشلين"، وبشكل عام، يعد الاكتئاب والاحتراق النفسي حالتين منفصلتين. وتقول شافنر: "يجمع واضعو النظريات على أن الاكتئاب يلازمه فقدان الثقة بالنفس، أو كراهية الذات، أو احتقار الذات، على عكس الاحتراق النفسي، الذي لا يغير في الغالب من صورة الذات في الذهن".
وتابعت شافنر: "لا يصب المريض الذي يعاني من الاحتراق النفسي جام غضبه على الذات، بل على المؤسسة التي يعمل لحسابها، أو العملاء الذين يعمل معهم، أو النظام الاقتصادي أو السياسي والاجتماعي الأشمل".
كما يختلف الاحتراق النفسي عن متلازمة التعب المزمن، التي يعاني فيها المريض من فترات طويلة من الإنهاك الذهني والبدني المؤلم لما لا يقل عن ستة أشهر، وقد ذكر الكثير من المرضى أنهم يشعرون بآلام بدنية عند بذل أقل مجهود.
ويقال إن عقولنا لم تتطور بما يكفي للتعامل مع بيئة العمل الحديثة. إذ أن زيادة الاهتمام بمعدل الإنتاج، فضلًا عن احتياج الشخص النفسي لإثبات قيمته من خلال النجاح في العمل، جعلا العاملين في حالة تأهب دائمة لمواجهة الأخطار، فيما يسمى بـ "استجابة العراك أو الفرار"، وهو رد فعل فسيولوجي حيال المخاطر المحدقة بالشخص، ولكن إذا واجهنا هذا الضغط يومًا تلو الآخر، فعلينا تحمل مآلات ارتفاع هرمون التوتر في الجسم بمعدل ثابت، وستعاني أجسامنا من أجل محاربة هذا الهجوم المستمر.
ويرى كثيرون أن الضغط لا ينتهي مع انتهاء العمل، بل إن المدن والأجهزة التكنولوجية، تضج بالحياة باستمرار، وبات من الصعب، في ظل الانغماس في العمل المتواصل على مدار اليوم، أن يجد المرء وقتًا للراحة ليلًا أو نهارًا. ولهذا فإن مخزون الطاقة لدينا ينخفض دومًا إلى مستويات تنذر بالخطر. بحسب البي بي سي.
ولا تنكر شافنر ضغوط الحياة الحديثة، ولكنها تعتقد أنها تأتى، إلى حد ما، من شعورنا الزائد بالاستقلالية، ففي ظل زيادة المهام الموكلة إلينا، بتنا ندبر أنشطتنا بأنفسنا كما نشاء. ومع عدم وجود حدود للعمل، ينزع الكثيرون إلى بذل مجهود في العمل فوق طاقاتهم.
وتقول شافنر: "هذا يتجلى في شعور الشخص بالقلق خشية أن يكون أداؤه أقل مما ينبغي، أو أن مستواه غير مرضي، أو أنه لا يلبي كل هذه التوقعات"، كما توافق على أن البريد الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي تستنزف طاقاتنا الذهنية، وتقول: "أصبحت الوسائل التكنولوجية التي كان يفترض بها أن توفر طاقاتنا، عوامل تزيد من التوتر بطريقتها الخاصة".
واليوم، بات التوقف عن العمل بعد الخروج من مكان العمل أصعب من أي وقت مضى، لقد تعلمنا من التاريخ أن علاج الإنهاك ليس سهلًا. إذ كان الأطباء في الماضي يصفون لمرضى الوهن العصبي الراحة التامة لفترة طويلة، ولكن الملل في الغالب لا يزيد حالة الضيق إلا سوءًا، واليوم، يتلقى الأشخاص الذين يعانون من الاحتراق النفسي العلاج السلوكي المعرفي لمساعدتهم في التعامل مع الإنهاك العاطفي وتحديد السبل التي يمكن أن يسترد المرء بها نشاطه وعافيته، تقول شافنر: "إن علاج الإنهاك النفسي يعتمد على كل حالة على حدة، ويجب أن تكتشف بنفسك ما الذي يستنفد طاقتك، وما الذي يساعدك في استعادتها". إذ بينما قد يحتاج البعض إلى تحفيز من خلال ممارسة رياضات قاسية، فإن البعض الآخر ربما يفضل قراءة كتاب، وأردفت شافنر قائلة: "والأهم من هذا وذاك أن تفصل بين العمل والراحة، لئلا يطغى العمل على وقت الراحة".
العمل أكثر من 25 ساعة أسبوعيا بعد سن الأربعين قد يضر دماغك
إذا كنت فوق الأربعين، وتعمل أكثر من 25 ساعة في الأسبوع، فقد يؤثر ذلك على ذكائك، وفقا لما توصلت إليه إحدى الدراسات الجديدة، ولا داعي لأن تختبر نسبة ذكائك (من خلال اختبار الآي كيو)، بعد العمل لمدة أسبوع إن كنت فوق سن الأربعين، لأنك على الأرجح ستصاب بخيبة أمل، فإذا كنت فوق الأربعين، وتعمل أكثر من 25 ساعة في الأسبوع فإن ذلك قد يضعف من نسبة ذكائك، طبقاً لدراسة نشرها باحثون من معهد ميلبورن للبحوث الاقتصادية والاجتماعية التطبيقية في أستراليا، في شهر فبراير/شباط الماضي.
وقد أجرى الباحثون اختبارات للذاكرة والقدرة على القراءة، على أكثر من 6000 موظف فوق سن الأربعين ليقفوا على تأثير عدد الساعات التي يعملها الشخص في الأسبوع على قدراته المعرفية، وقد توصلت الدراسة إلى أن العمل 25 ساعة في الأسبوع (سواء بدوام جزئي أو ثلاثة أيام في الأسبوع) هو العدد الأفضل لساعات العمل الأسبوعية لكي يعمل الذهن بطريقة سليمة، بينما العمل أقل من ذلك يؤدي إلى الإضرار بالتوقد الذهني لدى الرجال والنساء، ويقول الباحث البارز البروفسور كولن مكنزي، أستاذ الاقتصاد في جامعة كيو في طوكيو: "العمل يؤدي إلى شحذ نشاط الدماغ، ويساعد في المحافظة على قيام الدماغ بعمله بالنسبة لكبار السن من العاملين، وفقا لفرضية "إما أن تستعمله أو تفقده". لكن في الوقت ذاته، يمكن للعمل لساعات طويلة أن يؤدي إلى الإرهاق، والتعب الجسدي، أو النفسي، أو كليهما معاً، ويؤثر سلباً على قيام الذهن بوظائفه"، ولكن لماذا يعتبر سن الأربعين هو نقطة التحول بالنسبة للعقل؟
بحسب مكنزي، يبدأ "ذكاؤنا السائل" والذي يعبر عن مدى قدرتنا على التعامل مع المعلومات بكفاءة، في التراجع في سن العشرين، في حين أن "الذكاء المتبلور"، والذي يعبر عن القدرة على استخدام المهارات والمعرفة والخبرة، يتراجع في سن الثلاثين.
ويضيف مكنزي أنه بالوصول إلى سن الأربعين، يكون أداء غالبية الناس ضعيفاً في اختبارات الذاكرة، ونماذج التعرف على الأشياء، وتمارين السرعة الذهنية، وبينما قررت عدة بلدان رفع سن التقاعد فيها، لتأخير موعد تلقي الناس لمستحقاتهم التقاعدية، فإن ما توصل إليه مكنزي في مجال الإرهاق الذهني يعتبر مهماً جدا.
ويقول في هذا الصدد: "العمل يمكن أن يكون سيفاً ذو حدين: فمن ناحية، بإمكانه تحفيز نشاط الدماغ، ولكن في نفس الوقت، يؤدي العمل ساعات طويلة وأداء أنواع معينة من المهام إلى الإرهاق، والشعور بالضغط والتوتر، وبالتالي يضر بالتفكير والذكاء".
لكن يمكن أن تكون هناك عوامل أخرى تكمن وراء السب في أن سن الأربعين هو نقطة التحول، وينظر مكنزي وفريقه الآن إلى دوافع مثل ما يسمى "سنوات الساندويتش" عندما يكون لدى كثير من الناس شخصاً واحداً على الأقل للعناية به، سواء طفل أو أحد الوالدين الطاعنين في السن، بالإضافة إلى العمل بدوام كامل.
ويلعب النوم أيضاً دوراً في القدرة على تحمل أسبوع كامل من العمل. فحتى وقت قريب، كان المتفوقون يتفاخرون بأنهم ينامون أوقاتاً قصيرة. فقد اعتادت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت ثاتشر القول إنها تستطيع القيام بعملها على خير وجه دون أن تنام في الليل سوى 4 ساعات، مع أن فيديوهات من الأرشيف تظهرها تغط في النوم أثناء ساعات النهار.
الإرهاق الذهنى يقلل تدفق الدم إلى القلب
كشفت دراسة علمية حديثة أشرف عليها باحثون أمريكيون أن الإجهاد قد يكون صعبا بشكل خاص على قلوب النساء الأصغر سنا اللاتى يعانين أمراض القلب، وأوضح الباحثون عبر الدراسة الحديثة التى نشرت مؤخراً عبر الموقع الأمريكى “Health Day News”، وشملت 700 امرأة ورجل يعانى من أمراض القلب، أن الإجهاد يسبب ضعف تدفق الدم إلى القلب، وقالت قائدة الدراسة الدكتورة فيولا فاسكرانو، إن النساء الذين تتراوح أعمارهن بين 50 عاماً أو أقل تقريباً أكثر عرضة لضعف تدفق الدم إلى القلب عند التعرض للإجهاد أو الإرهاق الذهنى بمعدل أربع مرات مقارنة بالرجال من نفس العمر أو كبار السن.
وأشارت فاسكرانو إلى أنه التعرض للإجهاد أو الإرهاق الذهنى ممكن أن يؤدى إلى أزمة قلبية وانخفاض تدفق الدم المعروف طبيا باسم "نقص تروية عضلة القلب"، وأضافت الدكتورة سوزان ستين بيم، مديرة مركز صحة القلب النسائية فى مستشفى لينوكس هيل فى مدينة نيويورك، أنه يجب على النساء ممارسة الرياضة يوميًا للحد من مخاطر الاكتئاب والضغط النفسى، وكذلك أمراض القلب.
الإجهاد الذهني يصيبك بالتعب والإرهاق
كشف باحثون من مقاطعة ويلز عن أن الإجهاد الذهني يضعف القدرة على التحمل الجسدي، مؤكدين أن القيام بمهمة ذهنية شاقة قبل البدء بتجربة تتطلب جهداً بدنياً معيناً قد يجعل المرء يصاب بالتعب والإعياء الشديدين.
وتبين لهؤلاء الباحثين، بحسب تقرير نشرته الوكالة الدولية للأنباء (يو بي آي)، أن الاجهاد الذهني لا يجعل القلب أو العضلات تعمل بطريقة مختلفة، وطلب الباحثون من 16 متطوعاً ركوب دراجة ثابتة حتى الشعور بالإجهاد في حالتين، الأولى عندما كانوا مجهدين ذهنياً والأخرى عندما كانوا مرتاحين ذهنياً، وخلال هذه التجربة تمت مراقبة الحالة الصحية لهؤلاء مثل قياس نبضات القلب وتسجيل ضغط الدم وكمية الأوكسجين التي كانوا يستنشقونها وغير ذلك، حسب ما ورد بجريدة ” القبس “، ووجد الباحثون أن الأشخاص الذين تعرضوا لإجهاد ذهني شديد توقفوا قبل مضي 15 دقيقة من إنجاز المهمة التي كلفوا بها، وخلص الباحثون إلى أن الاجهاد الذهني يؤثر على المادة الكيميائية الموجودة في الدماغ، وهي دوبامين، التي تلعب دوراً مهماً في التحفيز على النشاط والحركة.
عليك بالجري التأملي عندما تعاني من الإرهاق
يجمع الجري التأملي بين الفوائد الصحية البدنية والنشاط الذهني في آن واحد. وتقوم هذه الرياضة على مبدأ التركيز الذهني الآني أثناء الجري وعدم تشتيت الأفكار. وهناك تقنيات كثيرة لتحقيق ذلك.
الجري والتأمل في آن واحد، قد يكون القيام بهاتين المهمتين في نفس الوقت أمر غير مألوف بالنسبة للبعض، إلا أن رياضة الجري التأملي التي تجمع بين الجري والتأمل في آن واحد هي عبارة عن طريقة جديدة للمساعدة على تخفيف التوتر وضغوط الحياة اليومية وذلك من خلال شحن الجسم بطاقة ايجابية. فحسب المدرب الرياضي الألماني كلاوديس كوها داداد يقوم هذه الرياضة الجديدة على مبدأ التركيز الذهني في المكان وفي اللحظة التي يحياها المرء خلال عملية الجري، مبتعدا عن التفكير في المشاكل اليومية أوالمهام التي يتوجب القيام بها.
ويتطلب القيام بالجري التأملي تطبيق بعض التقنيات مثل التركيز على العملية التنفسية إلى جانب التركيز على حركات الجري. مثل ذلك يبعد المرء عن التفكير في قضايا الحياة اليومية وضغوطاتها ويساعد على الاسترخاء الروحي، كما يؤكد المدرب الرياضي كلاوديوس كوهاداداد، كما ينصح بلمس الارض عند الجري بأشكال مختلفة لاختبار القدرات المختلفة للجسم.
ممارسة رياضة الجري التأملي غير معقدة. خلال التدريبات الخاصة ينصح كلاوديوس بالقيام بعملية العدّ أثناء الجري، حيث يتم عدّ الخطوات اللازمة للشهيق والزفير. ويساهم هذا التمرين في التخلص مما قد يشغل البال أو يؤثر على تركيز الذاكرة.
يعتبر القيام بالتمارين التشاركية من التمارين الفعالة أيضا ، حيث يجري الشخص خلف شخص آخر ويعمل على تقليد حركاته، ما يساعد على التركيز المركز. ويشير كلاوديوس إلى أن التركيز على الروائح والأصوات المحيطة وعلى الرياح والأمطار أو الشعور بأشعة الشمس على الجلد أثناء الجري قد يساعد على تقوية التركيز الآني في اللحظة الراهنة. فالتركيز الآني أثناء الجري يساعد المرء على التخفيف من مستوى الجهد الذي يبذله، وبالتالي يزيد من متعة.
اضف تعليق