الأسبرين الذي يعد أحد أشهر الأدوية وأكثرها استخداما، لا يزال محط اهتمام الكثير من الباحثين والمتخصصين. خصوصا وان البعض يرى ان الأسبرين ربما يكون علاجا سحريا وفعالا للعديد من الأمراض فهو مسكن للآلام، ويعمل على تخفيض درجة الحرارة، وتقليل أعراض التهاب المفاصل ومانع محتمل للجلطات، ومكافح مفترض للسرطان، وعاد الأسبرين إلى الواجهة مؤخرا وكما تشير بعض المصادر، بعد أن نشرت دراسة في مجلة لانسيت، تقول إن حبة أسبرين يوميا يمكنها على ما يبدو خفض مخاطر الإصابة بالسرطان بنسبة 20 في المائة على الأقل خلال فترة 20 عاما.
وبحسب بعض الخبراء فان استخدام الأسبرين وعلى الرغم من الفوائد المهمة فهو لا يخلو من الأضرار وخصوصا لمن يعاني من الحساسية الخاصة بالأسبرين، ولابد ان استخدام هذه المادة تحت إشراف طبي واع، حتى لا يصاب المريض الذي يتعاطاه بالنزيف الدموي وفي حالات نادرة يصيب المريض بنزيف بالمخ. كما يجب عليه مراعاة أن الأسبرين له تأثيره على جسم المريض ككل وعلى أجهزته ووظائفها. والجرعات العالية منه يمكن أن تسبب فقدان السمع أو طنينا دائما بالأذن. وقد لا تظهر هذه الأعراض على مرضي القلب والشرايين الذين يتناولون كميات قليلة من الأسبرين.
السكتة الدماغية
وفي هذا الشأن ينصح الأطباء بعدم وصف الأسبرين بشكل دوري في بعض حالات الإصابة بأمراض قلب قد تزيد من مخاطر الإصابة بالسكتة الدماغية. ووضع المعهد الوطني للصحة والرعاية المتميزة توصيات استرشادية لوصف أدوية بديلة عن الأسبرين للمرضى الذين يعانون من اضطرابات في ضربات القلب، تعرف طبيا بـ"الرجفان الأذيني". وذكرت مسودة التوصيات، التي من المقرر أن ينتهي المعهد من إعدادها الشهر الحالي، أن عقار "وارفارين" وغيره من مضادات تخثر الدم هي الأفضل لهذه الحالة.
ومن المتوقع أن يؤثر ذلك على مئات الآلاف من المرضى. لكن خبراء يقولون إن معظم الأطباء يصفون عقارات أخرى غير الأسبرين. وتعتبر مشكلة "الرجفان الأذيني" من أكثر مشكلات القلب شيوعا، ويعاني منها ما يقرب من 800 ألف شخص في بريطانيا وحدها، بنسبة واحد من كل مئة بريطاني تقريبا. وفي حالة الرجفان الأذيني، لا يمكن للقلب أن يعمل بنفس كفاءته مما يتسبب في حدوث تجلط في الدم، وهو ما يؤدي إلى زيادة مخاطر الإصابة بالسكتة نتيجة لذلك.
ويستخدم الأسبرين لسنوات كحل طبي يساعد في وقاية المرضى من الإصابة بالسكتات الدماغية، إلا أن هناك تزايدا في الشواهد التي تشير إلى أن فوائد الأسبرين في ذلك لا تذكر إذا ما قورنت بغيرها من العلاجات الأخرى. ويبدو أن هذه التوجيهات التي يقدمها المعهد للأطباء في انجلترا وويلز تتفق على أن الاستخدام اليومي للأسبرين لا يزال مفيدا في بعض الحالات، إلا أنه ينبغي في أغلب الحالات وصف أدوية أخرى مع الأسبرين أو بديلة عنه.
ويرى المعهد، طبقا لتلك النصيحة الطبية، أنه من الأفضل الاعتماد في الغالب على عقار وارفارين أو غيره من الأنواع الجديدة. وترى مؤسسة القلب البريطانية أن أغلب الأطباء يلجأون إلى تلك الطريقة بالفعل كبديل عن الأسبرين. ويقول بيتر ويسبيرغ، المدير الطبي بالمؤسسة، إن حالات الإصابة بالسكتة نتيجة للرجفان الأذيني هي حالات "شائعة ولا يمكن الوقاية منها إلا إذا ما جرى التأكد في المقام الأول من الاضطرابات غير الاعتيادية التي تطرأ على نبض القلب، وما إذا كان المريض قد تناول عقاقير فعالة من شأنها أن تمنع تكوّن جلطات الدم". بحسب بي بي سي.
وأضاف ويسبيرغ: "تعكس إرشادات المعهد تراكم الأدلة على أن اللجوء إلى عقار وارفارين وغيره من مضادات التخثر الجديدة أكثر فعالية من الأسبرين فيما يتعلق بمنع حدوث الإصابة بالسكتات الدماغية". لكنه أشار إلى أن "ذلك لا يقلل من أهمية الأسبرين أو فعاليته في علاج الأزمات القلبية والسكتات الدماغية في حالات أخرى. لذا فإنه ينبغي للمريض الذي قد يشعر بالحيرة تجاه الاستمرار في تناول الأسبرين من عدمه استشارة طبيبه المعالج."
النوبات القلبية
الى جانب ذلك تساءلت إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية عن جدوى تناول الاسبرين لحماية الأشخاص الذين لم يعانوا من قبل من مشكلات بالقلب من أول نوبة قلبية أو جلطة دماغية. وجاء بيان إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية بعد قرارها رفض طلب شركة الأدوية الألمانية باير إيه.جي لتغيير الارشادات المكتوبة على العبوات للترويج لقيمة الاسبرين في منع النوبة القلبية الأولى لدى من لم يتعرض قط لأمراض قلبية.
وأصدرت إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية "تحديثا للمستهلكين" قال فيه الدكتور روبرت تيمبل نائب مدير الادارة للعلوم السريرية إن على الأشخاص استخدام الاسبرين يوميا كعلاج فقط بعد التحدث إلى متخصص بالرعاية الصحية يستطيع تقييم الفوائد والأضرار. ويقول الخبراء إن مثل هذا العلاج بالاسبرين يمكن أن يخفض من عمل التجلط للصفائح الدموية وربما يمنع حدوث نوبة قلبية لكن الخبراء يحذرون أيضا من احتمال حدوث آثار جانبية خطيرة جراء الاستخدام اليومي للاسبرين من بينها النزيف الداخلي.
وقال تيمبل في بيان على موقع ادارة الأغذية والعقاقير الأمريكية "منذ التسعينات أظهرت البيانات السريرية ان الاشخاص الذين تعرضوا لنوبة قلبية أو جلطة دماغية أو يعانون من مرض بالأوعية الدموية في القلب يمكن ان يتناولوا جرعة يومية صغيرة من الاسبرين للمساعدة على منع تكرار هذا الأمر." لكن الوكالة أضافت أنه "بعد الفحص المتأني للبيانات العلمية المأخوذة من دراسات كبرى خلصت ادارة الأغذية والعقاقير الأمريكية إلى ان البيانات لا تدعم استخدام الاسبرين كعلاج واق من جانب الاشخاص الذين لم يصابوا بنوبة قلبية أو جلطة دماغية أو مشكلات تتعلق بالقلب وهو الاستخدام الذي يطلق عليه ’وقاية أولية.’"
وقالت الادارة إن بالنسبة لهؤلاء الاشخاص "لم تثبت الفائدة بالنسبة لهم وان المخاطر -مثل النزيف الخطير بالمخ أو المعدة- ظلت قائمة." وتدعم بعض منظمات الصحة تناول الاسبرين يوميا للاشخاص المصنفين بأنهم معرضون بقوة للاصابة بنوبة قلبية. وتوصي رابطة القلب الأمريكية "بتناول الاشخاص العرضة بقوة للاصابة بنوبة قلبية جرعة قليلة يوميا من الاسبرين اذا نصحهم مقدمو الخدمة الطبية بذلك وتناول الناجين من النوبات القلبية جرعة قليلة من الاسبرين بصفة منتظمة." بحسب رويترز.
وقال الدكتور جريج فونارو طبيب القلب بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس والممثل عن رابطة القلب الأمريكية إن ادارة الأغذية والعقاقير الأمريكية أوضحت باستفاضة موقفها بشأن السماح بكتابة ارشادات تفيد بأن تناول الاسبرين وقاية أولية من نوبات القلب والجلطات الدماغية وما اذا كان ذلك يتماشى مع معاييرها التنظيمية. وأضاف فونارو ان هناك احتمالا بحدوث ارتباك بين الناس العاديين بعد بيان ادارة الأغذية والعقاقير.
الاسبرين والسرطان
على صعيد متصل مراجعة واسعة لدراسات علمية إلى ان تناول جرعة يومية صغيرة من الاسبرين يمكن ان يقلل بشكل كبير خطر الاصابة او الوفاة بسرطان الامعاء والمعدة والمريء. وتوصل باحثون قاموا بتحليل جميع الادلة المتاحة من دراسات وتجارب سريرية لتقييم الفوائد والاضرار الي ان تناول الاسبرين لعشر سنوات قد يخفض حالات الاصابة بالسرطان بحوالي 35 بالمئة وحالات الوفاة بالمرض بنسبة 40 بالمئة.
ووجدوا ان معدلات الاصابة بسرطان المريء وسرطان المعدة انخفضت بنسبة 30 بالمئة كما تراجعت الوفيات بهذين السرطانين من 35 الي 50 بالمئة. وقال البروفسور جاك كوزيك رئيس مركز الوقاية من السرطان بجامعة كوين ماري بلندن إن الادلة اظهرت انه لحصد فوائد الاسبرين فان الناس بحاجة الي تناول جرعة يومية من 75 الي 100 مليجرام لمدة خمس سنوات على الاقل وربما لعشر سنوات في الفترة العمرية من 50 الي 65 عاما.
وأفاد كوزيك وفريقه في المراجعة التي نشرت في دورية حوليات علم الاورام بانهم لم يرصدوا اي فوائد لتناول الاسبرين في الاعوام الثلاثة الاولى وان معدلات الوفاة لم تنخفض إلا بعد خمس سنوات. لكن الباحثين حذروا ايضا من ان تناول الاسبرين لفترة طويلة يزيد من مخاطر النزيف في المعدة بين من تزيد اعمارهم عن 60 عاما ويتناولون جرعة يومية من الاسبرين لعشر سنوات وان خطر حدوث نزيف في القناة الهضمية يزيد من 2.2 بالمئة الي 3.6 بالمئة وهذا قد يهدد حياة نسبة صغيرة من الناس. بحسب رويترز.
والاسبرين عقار رخيص يباع بدون وصفة طبية ويشيع استخدامه لتسكين الالم او خفض درجة حرارة الجسم. ويقلل الاسبرين مخاطر تجلط الدم في الاوعية الدموية ولذلك فانه يمكن ان يقي من النوبات القلبية والجلطات وغالبا ما يوصف للاشخاص الذين اصيبوا بالفعل بمرض في القلب او بنوبة او بضع نوبات قلبية.
في السياق ذاته اظهرت دراسة جديدة إن الفائدة المحتملة للاسبرين في خفض خطر الاصابة بسرطان القولون تكاد تقتصر على الاشخاص الذين تفرز جيناتهم مستويات عالية من أحد الانزيمات. وقال علماء في دورية (ساينس ترانسليشينال ميديسن) إن اصحاب المستويات المنخفضة من الانزيم (15-PGDH) لا يستفيدون اطلاقا من الاسبرين. وقال سانفورد ماركويتز الاستاذ بكلية الطب في كليفلاند والذي شارك في قيادة فريق الدراسة "اذا كانت لديك مستويات منخفضة من (الانزيم) فإن تناول الاسبرين للحد من خطر الاصابة بسرطان القولون لن يساعدك على الارجح". ويوضح "لكن الاشخاص الذين لديهم مستويات مرتفعة يستفيدون... فوجود مستويات عالية من الانزيم مع تناول الاسبرين يبدو في الواقع العامل الرئيسي في الحفض الملموس لخطر الاصابة بسرطان القولون."
وتحديد الاشخاص الذين يمكنهم الاستفادة من الاسبرين مهم لان تناوله ينطوي على خطر الاصابة بالقرحة ونزيف الجهاز الهضمي الذي قد يكون مميتا. ولان المخاطر على الجهاز الهضمي كبيرة جدا مقابل تبرير فوائد غير مؤكدة نصحت مجموعة عمل الخدمات الوقائية الامريكية التي تقدم المشورة للحكومة الامريكية بعدم استخدام الاسبرين للوقاية من سرطان القولون بين عامة الناس.
وقال اندرو تشان الطبيب بالمستشفى العام في ماساتشوستس في بوسطن والذي قاد الدراسة مع ماركويتز "لكن اذا امكنك ربط الوقاية بأشخاص تزداد لديهم احتمالات الاصابة بالمرض واحتمالات الاستفادة من الاسبرين فإن ذلك قد يغير المعادلة." ويستهدف كل من الانزيم (15-PGDH) والاسبرين ما يسمى البروستاجلاندين وهي جزيئات تساعد على نمو خلايا القولون والالتهاب الأمر الذي يزيد خطر الاصابة بالسرطان.
ويحد الاسبرين من انتاج البروستاجلاندين بينما يعمل الانزيم على تدميرها وتكون النتيجة مستويات منخفضة من الجزيئات المسببة للسرطان. واظهرت الدراسة التي اجراها فريق تشان وشملت آلاف المشاركين ان خطر الاصابة بسرطان القولون انخفض بمعدل النصف لدى اصحاب المستويات العالية من الانزيم (15-PGDH) بفضل الاستخدام المنتظم للاسبرين. وقد تصل هذه النسبة إلى الثلثين. لكن لدى أصحاب المستويات المنخفضة من الانزيم قلص تناول الاسبرين من احتمال الاصابة بسرطان القولون بنسبة 10 بالمئة فقط.
ضعف البصر
من جانب اخر قالت دراسة استرالية بحثت في معلومات جمعت على مدى 15 عاما إن تناول قرص أسبرين على الأقل أسبوعيا يرتبط بالإصابة بضعف البصر المرتبط بكبر السن. وكتب الباحثون في دورية جاما للطب الباطني انه حاليا يجري استهلاك أكثر من 100 مليار قرص أسبرين سنويا. ويشيع استخدام الأسبرين للوقاية من النوبات القلبية أو السكتات الدماغية.
وفي عام 2011 خلصت دراسة أوروبية إلى أن كبار السن الذين تناولوا الأسبرين يوميا أكثر عرضة بمقدار الضعفين للإصابة بضعف البصر مثل الضمور البقعي مقارنة بأولئك الذين لم يفعلوا ذلك مما دفع المشرفة على الدراسة الجديدة جي جين وانغ إلى محاولة تأكيد هذه النتائج. وحصلت وانغ من جامعة سيدني وزملاؤها على معلومات عن 2389 شخصا تتجاوز اعمارهم 45 عاما. ومن بين هؤلاء قال 257 شخصا انهم تناولوا الأسبرين مرة أسبوعيا على الأقل.
وفي نهاية الدراسة اصيب 63 شخصا بما يسمى الضمور البقعي الرطب وهو النوع الأكثر حدة. واصيب 5.8 في المئة من مستخدمي الأسبرين بانتظام بفقدان الرؤية مقارنة بإصابة 2.3 في المئة من الأشخاص الذين لم يتناولوا الأسبرين بشكل منتظم. وكتبت وانغ وزملاؤها "يرتبط استخدام الأسبرين بانتظام بزيادة خطر الضمور البقعي (الرطب) المرتبط بكبر السن بعيدا عن تاريخ أمراض القلب والشرايين والتدخين." وعلى الرغم من ذلك حذروا من أنه لا توجد أدلة كافية تفيد بأن تناول الأسبرين يؤدي إلى هذه الحالة. وقالت وانغ "ما زلنا بحاجة لجمع المزيد من الأدلة." بحسب رويترز.
لكن في تعليق نشر مع الدراسة حذر سانجاي كول وجورج دياموند من أن الدراسة لها حدود وأوضحا أن الدراسات السابقة خلصت إلى نتائج متباينة عند النظر في استخدام الأسبرين وفقدان البصر. وكتب الباحثان أن الأدلة ليست مقنعة بما فيه الكفاية لتغيير طريقة وصف الأطباء للأسبرين وخاصة مع فوائده في الوقاية من النوبات القلبية والسكتات الدماغية. وكتبا "في التحليل النهائي تتخذ أفضل القرارات في استخدام الأسبرين عن طريق الموازنة بين المخاطر والفوائد وفقا للتاريخ الطبي لكل فرد وتقدير حجم الاستفادة." وأقرت وانغ أن هذه النتائج ليست قوية بما يكفي لدعم تغيير الممارسة الطبية لكنها قالت إن بعض الأطباء قد يرغبون في المزيد من متابعة المرضى الأكثر عرضة للإصابة بالضمور البقعي والذين يستخدمون الأسبرين أيضا.
اضف تعليق