تواصل الانتقادات العالمية الموجهة لدولة قطر، بسبب سياستها الداعمة للجماعات الاسلامية المتطرفة وملفات الفساد المرتبطة بحصولها على حق استضافة بطولة كاس العالم لكرة القدم في 2022 وانتهاكات حقوق الانسان وأعمال السخرة وغيرها من الامور الاخر كما يقول بعض المراقبين، الذين اكدوا ايضا على ان السلطات القطرية قد سعت على اعتماد خطط جديدة، في سبيل مواجهة هذه الفضائح والضغوط وذلك من خلال استخدام قوتها المالية و ثروتها الغازية الضخمة التي ستكون عامل مهم لاستقطاب الدول الكبرى الامر الذي سيمكنها من استعادة دورها وتحويلها الى لاعب اقليمي مهم، وبلغ نفوذ قطر اوجه مع انطلاق الربيع العربي.
ويرى بعض الخبراء الغاز القطري وفي ظل ما يشهده العالم من ازمات ومشكلات اقتصادية كبيرة، سيكون لاعب أساسي في تغير الكثير من الواقف والانتقادات، وتواجه قطر منذ فترة طويلة انتقادات من عدة دول بينها دول خليجية عربية مجاورة لاستخدام ثروتها الضخمة من الغاز والنفط لدعم التنظيمات الارهابية ومنها تنظيم داعش في المنطقة. وتشير تقارير صحفية عالمية عدة إلى ارتباط الدوحة بعدد من الحركات الجهادية، ويتهمها مسئولون دوليون بتمويلها.
وقد اتهمت الصحف البريطانية على سبيل المثال كثيرا قطر بتمويل عدد من الجماعات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط خاصة في ليبيا وسوريا والعراق. وأوضحت صحيفة تليجراف البريطانية أن الدوحة تستثمر ملايين الأموال في لندن من أجل حصد المزيد من الأرباح لتمويل الإرهاب وتزويد الجماعات التي تهدد الغرب بالسلاح. هذه الاتهامات والفضائح وبحسب بعض المراقبين دفعت السلطات في قطر الى الاعتماد على قوتها المالية وثرواتها الطبيعية، واستخدامها كسلاح جديد لتقرب من بعض الدول الكبرى الامر الذي سيمكنها من ممارسة ضغوط اضافية على تلك الحكومات من اجل تغير بعض المواقف.
تعميق العلاقات مع أمريكا
في هذا الشأن تأمل قطر أن تسهم صفقات استثمارية وتجارية ضخمة مع واشنطن في استعادة مكانتها كإحدى القوى المؤثرة في الشرق الأوسط بعد ما لحق بها من اتهامات بالفساد في تنظيم نهائيات كأس العالم في كرة القدم وسوء معاملة العمالة الوافدة وصلات بجماعات متشددة. كما تريد قطر التي تمرست على استخدام قوة المال كشكل من أشكال "القوة الناعمة" أن تغير ما ترى أنه ضعف الاهتمام الأمريكي بدول الخليج العربية وضمان ألا يؤدي التقارب الأمريكي مع إيران إلى إبعادها عن مركز النشاط السياسي في الشرق الأوسط.
وكانت قطر تختط لنفسها في فترة من الفترات نهجا يختلف عن نهج بقية دول الخليج لكنها خففت في العامين الأخيرين سياستها الخارجية التي سعت فيها للتأكيد على أهمية دورها وذلك بعد انتكاسات تعرضت لها في مصر وسوريا وبعد أن ساعدت في تمويل انتفاضات الربيع العربي. لكن الحكومات الغربية ترى في قطر رغم كل ذلك دولة يمكن أن تؤدي دور الوسيط الإقليمي البارز بسبب علاقاتها مع الإسلاميين في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وهو دور قد تزداد قيمته إذا تسارعت الجهود لوضع نهاية للحرب الأهلية في سوريا.
كذلك فإن ثروة قطر من الغاز تعني أن قيمتها كشريك اقتصادي لم ينتقص منها شيئا وهو أمر ظلت قطر تركز عليه في الآونة الأخيرة مع واشنطن أبرز حلفائها خارج العالم العربي فخصصت المليارات لتعميق العلاقات مع الولايات المتحدة أكبر قوة اقتصادية في العالم. ولدى إطلاق الحوار الاقتصادي والاستثماري الأمريكي القطري في واشنطن في أكتوبر تشرين الأول الماضي قال نائب وزير الخارجية الأمريكي توني بلينكن إن شراكة واشنطن مع قطر "ضرورية وجوهرية للغاية" للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
وأضاف أن الولايات المتحدة عازمة على مساعدة دول الخليج في الدفاع عن نفسها في مواجهة الأخطار الجديدة والناشئة. وقال بلينكن "الولايات المتحدة وقطر شركاء على الصعيد الاقتصادي مثلما نحن شركاء في المجال الأمني." وأضاف أن قطر تلعب دورا كبيرا على الصعيدين الدبلوماسي والاستراتيجي كما أنها مصدر "مهم جدا" لرأس المال الأجنبي.
وكان بلينكن يتحدث بعد أن أعلنت هيئة الاستثمار القطرية التي تعد من أنشط صناديق الثروة السيادية في العالم أنها تتعهد باستثمار 35 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال السنوات الخمس المقبلة. وقالت الهيئة إنها افتتحت مكتبا في نيويورك لتيسير الاتصال بالشركاء الاستثماريين الحاليين والجدد. وتساهم الهيئة في إدارة ثروة قطر من إيرادات النفط والغاز من خلال محفظة استثمارية تركزت تقليديا على أوروبا.
وعلى الصعيد التجاري أبرمت قطر صفقات تتجاوز قيمتها الإجمالية 20 مليار دولار مع شركات أمريكية مثل ريثيون ولوكهيد وبوينج في العامين الأخيرين. وقال المحلل غانم نسيبة من كورنر ستون جلوبال أسوشييتس "الاستثمارات القطرية ليست مالية محضة. لكنها تحمل في طياتها جانبا سياسيا." وأضاف "القطريون يحاولون أن يقولوا للأمريكيين ’علاقتنا تتعلق بما يتجاوز السياسة... فهي كلية وتشمل قطاعات أخرى وهذا الاستثمار للتعويض عن أي خلافات سياسية مع الأمريكيين’."
ومن تلك التوترات خلافات مع واشنطن حول النهج القطري إزاء صراعات مثل ما يجري في ليبيا وسوريا. وقد أعرب ساسة أمريكيون عن انزعاجهم من علاقات الدوحة مع جماعات إسلامية مسلحة يرى الغرب أنها متطرفة. غير أن قطر تقول إن قيمتها كشريك قادر على الوساطة في النزاعات والحروب من الصومال والسودان إلى لبنان تكمن بالتحديد في الصلات الجيدة التي تربطها بشبكة واسعة من الأطراف رغم أنها تقول إن هذه الأطراف ليس من بينها من هم إرهابيون.
وتفخر قطر بقدرتها على حشد مجموعة متباينة من كبار الضيوف في اجتماع واحد وهو أمر أكثر تعقيدا في دول خليجية أخرى مثل البحرين والإمارات حيث أدت خلافات طائفية وسياسات مناهضة للإسلاميين إلى وضع قوائم سوداء يستبعد من ترد أسماؤهم فيها من الحضور. وتستضيف قطر أكبر قاعدة عسكرية برية أمريكية في الشرق الأوسط وبها فروع لست جامعات من كبرى الجامعات الأمريكية كما أنها تستضيف مندوبين من حركة طالبان الأفغانية وحركة حماس الفلسطينية وجماعات إسلامية أخرى.
وزارت ميشيل أوباما السيدة الأولى في الولايات المتحدة الدوحة للترويج لتعليم البنات. وقال مسؤول قطري رفيع المستوى "الشرق الأوسط منطقة بتحالفات وسياسة معقدة. ونحن نعتقد أن ثمة حاجة ماسة لبلد يمكنه تيسير بدء حوار. والهدف هو محاولة فتح حوار في النهاية واتصالات بين جماعات رفضت المحادثات لفترة طويلة وركزت بدلا من ذلك على العنف." وأضاف "تعمل قطر بكل جد من أجل أداء هذا الدور. ونحن نعتقد أنه سيفيد الولايات المتحدة أن تكون جزءا من ذلك الحوار."
ومازال بعض القطريين يتوجسون من التطمينات الأمريكية أن بلدهم سيبقى حليفا قويا. فهم يخشون أن تكون المصالح الاستراتيجية الأمريكية في الخليج قد تأثرت بالوفاق الحذر الذي بدأ يأخذ مساره في العلاقات مع طهران وأن هذه المصالح قد لا تقترن على الدوام بالرغبة في تقديم قوات وضمان أمن المنطقة. وقال مسؤول قطري سابق في إشارة إلى سياسات الرئيس الأمريكي باراك أوباما "ثمة اعتقاد أن الولايات المتحدة لم تعد تلعب الدور الذي اعتادت أن تلعبه في الشرق الأوسط." وأضاف "أوباما ينسحب في وقت يتدخل فيه آخرون مثل روسيا وإيران ويصبحون أكثر انحراطا (في المنطقة). بالطبع لابد من أن تفكر أمريكا في مستقبلها وحلفائها في المنطقة وهذا طبيعي... لكن علينا أن نفكر في مستقبلنا أيضا."
ويقول دبلوماسيون إنه بتخصيص المليارات للاستثمار في الولايات المتحدة فإن قطر لا تظهر لواشنطن فقط أنها قد تستفيد من إبرام الصفقات مع الدوحة حتى إذا اختلف الطرفان على الصعيد السياسي بل تستطيع أيضا أن تفسح لنفسها مجالا للمناورة. ومن أبرز هذه الخلافات ما يتعلق بسوريا.
وفي الجمعية العامة للامم المتحدة في سبتمبر أيلول الماضي عرض أمير قطر الشيخ تميم بن حمد أن تستضيف بلاده حوارا مفيدا لرأب الصدع بين دول الخليج العربية وإيران. كما أبدى شعوره بالإحباط من مساعي السلام السورية في تعليقات قال دبلوماسيون إنها تستهدف فيما يبدو الدعم الأمريكي الباهت للمعارضة في سوريا. ووصف فشل العالم الخارجي في تسوية الصراع بأنه "جريمة كبرى". بحسب فرانس برس.
وفي حين أن قطر من أشد خصوم الرئيس السوري بشار الأسد فإن قيودها المخففة على أطراف يشتبه أنها تمول جماعات المعارضة أعطتها في واشنطن صورة أنها مكان يسهل فيه تمويل الإرهاب. وقد حاولت الدوحة الرد على الانتقادات بمساعدة الولايات المتحدة عام 2012 في تحرير الصحفي بيتر ثيو كيرتس الذي كان محتجزا في سوريا وذلك من خلال وساطة مكثفة. ووافقت على الإشراف على أنشطة خمسة من قيادات طالبان تم الإفراج عنهم من السجن الأمريكي في خليج جوانتانامو ونقلوا جوا إلى قطر في إطار مبادلتهم بالجندي الأمريكي بو بيرجدال الذي كان محتجزا في أفغانستان لسنوات. ويقول محللون إن القنوات التي تربط قطر بجماعات إسلامية تعجز الولايات المتحدة عن التواصل معها تجعل من الصعب التخلي عنها كحليف.
فرنسا ضغوط واتهامات
من جانب اخر رفض البرلمان الاوروبي رفع الحصانة البرلمانية عن نائب اوروبي فرنسي مستهدف بدعوى رفعتها قطر بتهمة التشهير بعدما المح الى ان هذا البلد يمول الارهاب. وكانت قطر رفعت في الثاني من نيسان/ابريل الماضي دعوى بتهمة التشهير على النائب الفرنسي فلوريان فيليبو بعد تصريحات ادلى بها الى اذاعتين فرنسيتين غداة الاعتداء الذي استهدف صحيفة شارلي ايبدو الساخرة.
وامتثل النواب في اجتماع عام لرأي اللجنة البرلمانية المكلفة الشؤون القضائية التي اكدت ان "اعضاء البرلمان الاوروبي لا يمكن جلبهم او اعتقالهم او ملاحقتهم بسبب آرائهم او تصويت اجروه خلال ممارستهم مهامهم". وقال فيليبو في بيان ان "هذا التصويت يكشف تورط الحكومة الفرنسية وخصوصا وزيرة العدل السابقة السيدة (كريستين) توبيرا التي وقعت بيدها طلب رفع الحصانة في مخالفة للقانون بعد شكوى غير مسبوقة من قبل قطر ضد شخصي". وطالب فيليبو ايضا بتشكل لجنة تحقيق برلمانية حول "العلاقات المالية المحتملة الوثيقة والوثيقة بافراط بين ديكتاتورية قطر زمسؤولين سياسيين ومؤسساتيين كبار في بلدنا".
وطلبت محكمة الاستئناف في فيرساي مطلع ايلول/سبتمبر من البرلمان الاوروبي رفع الحصانة البرلمانية عن الرجل الثاني في قيادة الجبهة الوطنية. وبعد رفع الدعوى من قبل قطر، لم يلب فيليبو طلبا بالامتثال امام المحكمة مشددا على حصانته كنائب اوروبي. واصر النائب بعد ذلك على تصريحاته ودان "العلاقات الملتبسة بين هذه الديكتاتورية والاسلام المتطرف وكذلك علاقة مشبوهة (...) بين البلد نفسه وجزء من الطبقة السياسية الفرنسية".
الى جانب ذلك باعت فرنسا الى قطر قصر كلام-غالاس وهو احد اهم المباني التي تملكها في فيينا، على ما علم لدى السفارة الفرنسية في النمسا التي اشارت في السابق الى "تكاليف الصيانة" الكبرى للمبنى. وبني القصر النيوكلاسيكي الطراز الواقع داخل حديقة مساحتها 4,5 هكتارات في قلب العاصمة النمساوية، في سنة 1834 ثم اشترته فرنسا في 1951 وشكل منذ 1981 مقر المعهد الفرنسي في النمسا. ورفضت السفارة الفرنسية التعليق مباشرة على الصفقة لكن الصحف تداولت في الماضي قيمة توازي 30 مليون يورو.
واثار مشروع بيع القصر الذي اثير قبل 15 عاما ونفذ في 2014 استياء الجالية الفرنسية ومحبي الثقافة الفرنسية في النمسا الذين اعتبروه تخليا عن احد رموز الوجود الفرنسي في البلاد. وفي العام الفائت جمعت عريضة ايدتها جمعية الفرنسيين في الخارج وغيرها اكثر من 5000 توقيع فيما سعى المخرج النمساوي مايكل هانيكه الذي يحمل سعفتين ذهبيتين من مهرجان كان، الى منع بيع القصر.
وطلب عضو مجلس الشيوخ ممثل المغتربين الفرنسيين الاشتراكي ريشار يونغ مساءلة وزير الخارجية لوران فابيوس معتبرا ان القصر يشكل "واجهة" فرنسا في النمسا. في اعلان نشر في اواخر اب/اغسطس اشار السفير الفرنسي في النمسا باسكال تيكسيرا دا سيلفا الى ان "كلفة صيانة وتشغيل هذا القصر الشاسع باتت تشكل عبئا ثابتا كبيرا" على فرنسا وان "وجود" المعهد الفرنسي "ليس مرتبطا بمبنى". واشترت فرنسا مقرا جديدا في فيينا لنقل انشطة المعهد اليه على ما اعلنت السفارة في بيان. بحسب فرانس برس.
اما القصر فقد "تعهدت السفارة القطرية المالك الجديد للمبنى باعادته الى مجده السابق عبر ترميمه بالكامل" بحسب البيان الذي اضاف ان نقل ملكية القصر تم قبل ايام. ويندرج بيع القصر في اطار سعي وزارة الخارجية الفرنسية في اطار التقشف في الميزانية، بحسب السفارة. وفي العام الفائت عرضت باريس شقة السفير الفرنسي في الامم المتحدة في نيويورك للبيع مقابل 48 مليون دولار. ويقدر الارث العقاري العام لفرنسا في الخارج بحوالى 5 مليارات يورو. ولفرنسا في فيينا ثلاث بعثات هي السفارة وممثليتاها لدى الامم المتحدة ومنظمة الامن والتعاون الاوروبي.
سرطان كرة القدم
في السياق ذاته اعتبرت محكمة دوسلدورف الالمانية بان نعت الرئيس السابق للاتحاد الالماني لكرة القدم ثيو تسفانتسيغر دولة قطر التي تستضيف مونديال 2022، ب"سرطان كرة القدم" بمثابة حرية تعبير. وقال قاضي المحكمة الاقليمية في دوسلدورف "نعتبر قول قطر هي ورم سرطاني في كرة القدم مبررا من حيث حرية التعبير". وستصدر المحكمة حكمها النهائي في هذه القضية في 19 نيسان/ابريل المقبل، حسب مصادر اعلامية.
وكان الاتحاد القطري للعبة قد رفع دعوى ضد تسفانتسيغر وطالبت بتعويض "عن الضرر الناجم عن تصريحاته" بخصوص استضافة الدولة الخليجية لمونديال 2022. وتسلط هذه القضية الضوء مجددا على الحساسية المحيطة بالقرار الذي اتخذ في كانون الاول/ديسمبر 2010 من قبل اللجنة التنفيذية للفيفا بمنح هذا البلد الصغير المساحة حق استضافة نهائيات كأس العالم. وتقدم الاتحاد القطري بدعوى ضد الالماني البالغ من العمر 70 عاما بسبب المقابلة التي اجراها وقال فيها: "لطالما قلت ان قطر تشكل ورما سرطانيا في كرة القدم العالمية. وكل شيء بدأ مع هذا القرار" بمنحها حق استضافة مونديال 2022. بحسب فرانس برس.
وتحقق السلطات القضائية السويسرية بظروف منح روسيا وقطر حق استضافة مونديالي 2018 و2022 وسط ادعاءات بوجود عمليات رشوة. ويسعى القطريون بالدعوى التي تقدموا بها الى منع تسفانتسيغر، الذي كان عضوا في اللجنة التنفيذية للفيفا من 2011 حتى 2015 ورئيسا للاتحاد الالماني من 2006 حتى 2012، من تكرار ما قاله سابقا بحق قطر لكن الالماني واثق بحظوظ الفوز بهذه القضية وقال سابقا "القضية بسيطة جدا. قد لا يسمح لي بقول شيء من هذا النوع في قطر، لكن هنا باستطاعتي ان اقوله". وكان تسفانتسيغر من اشد المنتقدين لحصول قطر على مونديال 2022 وهو اعرب عن امله بأن تسحب الادارة الجديدة للفيفا تنظيم مونديال 2022 منها.
استغلال العمال
على صعيد متصل قالت منظمة العفو الدولية إن استغلال العمال لا يزال "متفشيا" في دولة قطر على الرغم من ادخال بعض الإصلاحات منذ فوز الدولة الخليجية بحق تنظيم نهائيات كأس العالم لكرة القدم قبل خمس سنوات. وواجهت قطر وهي واحدة من أغنى الدول في العالم وتستعد لاستضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم لعام 2022 انتقادات واسعة بسبب معاملتها للعمال الأجانب وخصوصا في قطاع المقاولات.
وتنفي قطر المصدرة للغاز استغلال العمال وأعلنت إجراء إصلاحات عمالية في مايو ايار العام الماضي لكن المنظمة تقول إن هذه التغييرات غير كافية. وذكرت منظمة العفو أنه بموجب نظام "الكفالة" القطري فانه يتعين على العمال الأجانب الحصول على موافقة أرباب العمل لتغيير عملهم أو مغادرة البلاد مما يضعهم تحت رحمتهم.
وامتنعت وزارة العمل القطرية عن التعليق على البيان. ورفض مسؤول في الوزارة فيما سبق تقارير مماثلة لمنظمات غير حكومية وقال إنها تهدف إلى "خلق دعاية سلبية عن دولة قطر في الخارج". وكان نظام حماية الأجور الذي يطلب من الشركات دفع رواتب العمال عن طريق التحويل المصرفي الإلكتروني قد دخل حيز التنفيذ في نوفمبر تشرين الثاني بعد أن وقع الأمير تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر تشريعا يعطي العمال الأجانب الحق في التقدم بتظلمات إلى لجنة حكومية إذا لم يوافق صاحب العمل على مغادرتهم للبلاد.
وعبّر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في بيان عن اعتقاده بأن كأس العالم قد يكون "محفزا" لتحسين ظروف العمل في قطر. وتشير أرقام للسفارة الهندية بالدوحة إلى أن حوالي 260 عاملا مهاجرا من الهند توفوا في قطر عام 2015. وتشمل الأرقام جميع الوفيات بين العمال الوافدين من الهند.
وكانت اتهامات بالفساد في منح حق استضافة كأس العالم وكذلك المخاوف بشأن الاحتياطات داخل الملاعب وحرارة أشهر الصيف ألقت بظلالها على الجهود التي تبذلها الدول المنتجة للغاز لتصبح أول مضيفة عربية لكأس العالم لكرة القدم. وقال مصطفى قادري الباحث في حقوق العمال المهاجرين بالخليج في منظمة العفو الدولية "في ظل نظام الكفالة من السهل جدا لصاحب عمل بلا ضمير أن ينجو من التأخر في دفع الرواتب وتسكين العمال في مساكن قذرة ومكتظة أو تهديد العمال الذين يشكون من أوضاعهم." وأضاف "لهذا السبب يحتاج نظام الكفالة إلى إصلاح جذري وليس مجرد ترقيع على الهامش." بحسب فرانس برس.
ومع التخطيط لمشروعات في البنية التحتية تقترب قيمتها من حوالي 200 مليار دولار يجري توظيف مئات آلاف العمال من دول مثل الهند ونيبال وبنجلادش. وقال الفيفا إن اللجنة القطرية التي تتولى تنظيم كأس العالم لديها لوائحها الخاصة فيما يتعلق بحقوق العمال والتي تتفق مع المعايير الدولية لظروف العمل والسكن والأجور. وأضاف في بيان "هذه المعايير ملزمة بموجب عقود لجميع الشركات التي تعمل في مشروعات كأس العالم لكرة القدم 2022."
شركات الإنشاءات الأجنبية
من جانب اخر كان من المقرر أن يبدأ هذا العام تنفيذ مشروع معبر الشرق القطري الذي يتكلف 12 مليار دولار ويتكون من جسر ونفق مائي عبر خليج الدوحة كي يكون جاهزا لكأس العالم لكرة القدم عام 2022 لكن ذلك الموعد مر بالفعل دون أخذ خطوة عملية في ظل تغير أولويات الحكومة. واستقطبت خطط الحكومة لإنفاق 200 مليار دولار على البنية التحتية في إطار خطة رؤية قطر الوطنية 2030 شركات الإنشاءات الأجنبية التي داعبتها الآمال بتحقيق أرباح كبيرة لكن تأخر المشاريع ومشاكل العقود والإجراءات عرض الكثير منها لصعوبات وأضفى ضبابية على العوائد.
بل إن الحكومة نفسها تعيد النظر على ما يبدو في خططها وإن كان المسؤولون يتحدثون عن توقف مؤقت لكنه إلى أجل غير مسمى وليس عن إلغاء للمشاريع. ومن بين المشاريع الأخرى التي تقرر تعليقها مصنع كيماويات بمليارات الدولارات شمالي العاصمة الدوحة ومشروع متنزه الدوحة جراند بارك الذي كان سيحاكي حديقة سنترال بارك في نيويورك. وقال مصدر بشركة إنشاءات تعمل في قطر لكنه اشترط عدم نشر اسمه "جمدت قطر الكثير من مشاريع التباهي .. إنه مؤشر على الطريقة التي تقلصت بها بعض الشيء التطلعات الكبرى للدولة."
وجددت مزاعم الفساد التي هزت الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) التركيز الإعلامي على قطر وعلى استضافتها لكأس العالم 2022 لكن المسؤولين القطريين يعبرون عن ثقتهم في أن المناسبة ستمضي قدما كما هو مخطط له. ولا يزيد الإسهام المباشر لمشاريع كأس العالم على حوالي عشرة مليارات دولار من القيمة الإجمالية لبرنامج التنمية البالغ 200 مليار دولار لكن عدم التيقن بشأن البطولة يزيد من أجواء الضبابية بالنسبة للمقاولين الأجانب في البلد الخليجي. وفي حين تسمح ثروة قطر الهائلة من إنتاج الغاز الطبيعي بالإنفاق بسخاء على البنية التحتية الجديدة فإن ذلك يحدث وفقا لشروط صارمة.
وقال المصدر "قطر... تخشى أن تتلاعب بها شركات الاستشارات الأجنبية - يخشون أن يكون الأمر كحمى الذهب أو طفرة استثنائية وأن الشركات ستسلبهم المال قدر المستطاع." وبعض بنود العقود تجعل الشركات الاستشارية مسؤولة مسؤولية مالية لعدة سنوات بعد تسليم المشاريع. وقال المصدر "شركات الإنشاءات والمستشارون يمولون المشاريع لصالح عملائهم." وقد يستغرق استرداد تلك الأموال وقتا طويلا.
وقال المصدر "قيمة الانكشاف على المشاريع تبلغ عشرات الملايين من الدولارات وهو ما لا يمكن تبريره - يربطوننا بإجراءات الحصول على الموافقات إلى ما لا نهاية .. تتدفق الأموال في نهاية المطاف لكنك تريد أجرك قبل أن يجف عرقك. إنهم (قطر) يحاولون جز المستحقات على مراحل شتى." ويبدو أن شركات الشرق الأوسط والمشاريع المشتركة المحلية تبلي بلاء حسنا في قطر لأنه ينظر إليهم كمستثمرين للأجل الطويل في البلاد.
وقال جلال الصالحي مدير شؤون البنية التحتية في هيئة الأشغال العامة القطرية المسؤولة عن مشروع معبر الشرق ومشاريع أخرى "نفضل من يأتي للعمل معنا لا من يأتي لتنفيذ مهمة واحدة ثم المغادرة." وأوضح الصالحي أنه لا يحق لشركات الإنشاءات أو الاستشارات الأجنبية المنافسة على المشاريع ما لم تكن قيمتها تتجاوز نحو 200 مليون ريال (54.93 مليون دولار).
ويلجأ كثيرون إلى المشاريع المشتركة للتخفيف من قيود التدفقات النقدية فالشريك المحلي يوظف نحو 90 بالمئة من العاملين ويحصل على حوالي 60 بالمئة من الأموال بينما توفر الشركة الأجنبية الموظفين الأعلى تكلفة. وقال نيك سميث من شركة الاستشارات الهندسية أركاديس في قطر "العقود في الشرق الأوسط تصب في مصلحة العميل بوجه عام بدرجة أكبر منها في الغرب على سبيل المثال. هناك العديد من البنود التي تضع المسؤولية على عاتق المقاول."
وقال مصدر ثان بقطاع الإنشاءات اشترط عدم نشر اسمه إن من بين العقبات عدم رغبة العملاء في الدفع مقابل إجراء تعديلات على التصميم. وقال "معظم المقاولين يعانون من نقص حاد في التدفقات النقدية لأسباب منها عدم قبول العملاء دفع مبالغ إضافية مقابل تعديلات ضرورية نتيجة لتأخر خطط التصميم الأصلية أو عدم ملاءمتها أو عدم قابليتها للتنفيذ بدون تعديلات."
وبالنسبة لكأس العالم عينت قطر مديري مشاريع لبناء خمسة ملاعب لاستضافة المباريات لكن يجب عليها استخدام ما بين ثمانية ملاعب و12 ملعبا وفقا لشروط الاستضافة. وقال داريل برجسن المدير العام لمكتب قطر لشركة المقاولات الإماراتية الجابر ال.إي.جي.تي للهندسة والمقاولات "إعداد الخطط التنفيذية لكأس العالم 2022 استغرق وقتا أطول مما توقعه أي شخص. "لكنه مشروع ضخم والأول من نوعه في الشرق الأوسط لذا ينبغي عدم الاستهانة بالحجم وربما ينبغي ألا نندهش إلى هذا الحد بسبب الوقت الذي يستغرقه الأمر."
وسلطت كأس العالم الضوء على أوضاع العمال في قطر. وتقول جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان واتحادات عمالية إن عمال بناء لقوا حتفهم بسبب الأوضاع السيئة في مواقع العمل. وتنفي قطر تلك المزاعم. وتعهدت الدوحة بإصلاحات واسعة النطاق لسوق العمل لكنها لم تحدد جدولا زمنيا. وتشكو الشركات الأجنبية من أن وزارة العمل تحدد لكل مشروع عددا من تصاريح الإقامة للعمال الأجانب من كل بلد على حدة ويحدث ذلك غالبا بصرف النظر عن ما إذا كان هناك أشخاص من ذلك البلد يرغبون في الوظيفة.
وقال برجسن "نظام الحصص شديد الصعوبة ويؤثر في قدرتنا على الإنجاز والتسليم." وطرحت هيئة الأشغال العامة - بحسب موقعها على الانترنت - أربع مناقصات لاستشارات المشاريع هذا العام مقارنة مع 25 بين منتصف فبراير شباط ونهاية ديسمبر كانون الأول من العام الماضي. وقال الصالحي إن بعض الشركات الأجنبية تنسحب بعد إدراكها حجم المنافسة التي تواجهها. وقال "بعض المقاولين جاءوا ووافقنا عليهم لكنهم لم ينافسوا في المناقصات. "يقولون إن سبب ذلك هو المنافسة الشديدة بالسوق لأن لدينا مقاولين من آسيا وتركيا وما إلى ذلك لكننا في سوق عالمية: لا نستطيع أن نقول سنفتح المناقصة للشركات الأوروبية فحسب."
وتقول قطر إن التأخيرات قصيرة المدى لن تخرج برنامجها للبنية التحتية عن مساره وهو البرنامج الذي سيدعم التنمية الاقتصادية للدولة. وقالت حكومة قطر في بيان إن هناك خطة واضحة فيما يتعلق بتنفيذ مشاريع البنية التحتية الرئيسية مضيفة أنها حريصة على تفادي أي اختناقات قد تظهر وفي نفس الوقت مواصلة التنسيق الوثيق على صعيد السياسات المالية والنقدية لتحقيق ذلك الهدف. بحسب رويترز.
أسواق قليلة يمكنها أن تضاهي وتيرة الاقتصاد القطري الذي ينمو أكثر من ستة بالمئة سنويا لكن خيبة الأمل من أن النمو السريع لا يترجم إلى أرباح سريعة تدفع بعض الشركات الأجنبية إلى التوجه لأماكن أخرى. وقال المصدر الثاني بقطاع الإنشاءات "تدفق المقاولون على قطر لأن الفرصة أعمتهم وهناك الكثيرون ممن يطاردون الإيرادات حتى إذا لم تؤدي إلى أرباح. "قطر بيئة بالغة الصعوبة للمقاولين - معظمهم يعود بخفي حنين لذا فما مبرر البقاء في سوق إذا كان الجميع يخسر المال فيها؟".
اضف تعليق