بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مفهوم الظن
س1: كيف تنظرون للآيات الذامّة للعمل بالظن مع أنّ فتاوى فقهائكم ظنية؟ من قبيل: (إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ) [1] ومثلها الروايات الذامّة للعمل بالظن؟ من قبيل: ((قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إياكم والظن فإن الظن أكذب الكذب)) [2].
ج1: 1- قد يجاب بان الآيات تفيد عدم حجية الظن في (أصول الدين) فانها عموماً تتحدث عن هذا الحقل، لا عن الظن في الأحكام الشرعية فلاحظ نفس الآية التي استدللت بها (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [3] فالكلام عن سبيل الله تعالى وهو أصول الدين، إضافة إلى أن أكثر أهل الأرض يُضِلّون حسب الآية، والفقهاء هم أقلّ أهل الأرض وهم ممن قال عنهم أمير المؤمنين (عليه السلام): ((أَيُّهَا اَلنَّاسُ لاَ تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ اَلْهُدَى لِقِلَّةِ أَهْلِهِ)) [4].
2- ان العلم ليس بداخل في أدلة الردع عن الظن لأنه ليس بظن كما هو واضح، ودليل حجية التقليد، كما سيأتي، مفيد للعلم بحجيته فالتقليد خارج موضوعاً عن أدلة عدم حجية الظن.
والحاصل: ان كل ما كان علماً بذاته أو بدليله الدال على حجيته، فليس من الظن في شيء.
3- على فرض دعوى الإطلاق، فانه ما من عام إلا وقد خص فيخرج من ذلك ما دل الدليل الشرعي على حجيته، ومنها نفس الظواهر فان الاستدلال بالقرآن الكريم عادة يكون بظواهره، وهل تلتزمون بعدم حجية عامة ظواهر الكتاب لأنها ظنية؟
واما الرواية فإضافة إلى ما سبق فان المستظهر أن المراد هو (سوء الظن) بقرينة قوله (صلى الله عليه وآله): (اكذب الكذب) لا مطلق الظن؛ لوضوح ان الظن أقسام فقد يكون صادقاً وقد يكون أصدق الصدق، قال تعالى: (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ) [5]. هذا إضافة إلى ان الاستدلال بالرواية إنمـا هو بظاهرها إذ ما هو المراد من (الظن) في (إياكم والظن)؟ فان قلت انه (مطلق) فقد استدللت بالظن إذ الإطلاق ظني، ويحتمل (على الأقل) انه أراد حصة خاصة وهي (سوء الظن) كما ذكرنا، فكيف تتمسك بالظني لنفي حجية الظن؟
التخيير ووجوب التقليد
س2: إن رواية (فللعوام أن يقلدوه) تخير العوام في أمر تقليد الفقهاء وتكذِّب قول الفقهاء من انها تؤيد وجوب التقليد.
ج2: ان التخيير هو لأن للعوام طريقين آخرين: الاجتهاد أو الاحتياط وليسوا مجبرين على التقليد، لكن لا يجوز ترك الثلاثة جميعاً، والفقهاء لا يقولون بوجوب التقليد تعييناً بل بالوجوب التخييري للاجتهاد أو التقليد أو الاحتياط.
2- حيث كان ذلك عقيب توهم الحظر (إذ البعض حرّم التقليد مطلقاً) لذا ناسب التعبير باللام أي (للعوام) لا بـ(على).
اتباع الفقهاء العدول
س3: من الذي أمر باتباع الفقهاء العدول، وجعل الرادّ عليهم كالرادّ على الله تبارك وتعالى؟
ج3: 1- الذي أمر بإتباع الفقهاء العدول هو القرآن الكريم في آيات عديدة منها قوله تعالى (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [6] إذ تفيد وجوب الحذر عند تحذير الفقهاء لهم من مخالفة الواجبات والمحرمات والفرائض التي يذكرونها لهم.
2- والسنة المطهرة والروايات كثيرة جداً...:
ومنها: قول الإمام علي (عليه السلام): ((الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع، أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم...)) [7] وواضح ان المتعلم يتعلم من العلماء الربانيين فإذا لم يتعلم منهم كان من الهمج الرعاع.
ومنها: ((إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة و بقاع الأرض التي كان يعبد الله عليها، وأبواب السماء التي كان يصعد فيها بأعماله، وثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء لأن المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة لها)) [8] فإذا كانوا حصون الإسلام فكيف لا تقبل قولهم؟ وإلا تهدم بردك عليهم حصن الإسلام؟.
ومنها: ما جاء في مقبولة عمر بن حنظلة ((فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد والراد علينا الراد على الله)) [9] ولا نعلم انه (حكمهم) إلا عن طريق الفقهاء (أو نكون نحن مجتهدين أي نكون من الفقهاء) ومن الواضح ان غالب الناس عوام ليسوا من الفقهاء فلا طريق لهم غالباً إلى معرفة ان هذا (حكمهم) (عليهم السلام) إلا عن طريق الفقهاء العدول.
الفقهاء ومقام الامامة
س4: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [10] تشير إلى وجوب الأخذ من أهل البيت كما في الروايات، وإلصاق الفقهاء بهم تجاوز على مقام الإمامة؟
ج4: لا شك في ان اجلى مصداق لأهل الذكر هم أهل البيت (عليهم السلام)، لكن العلماء حيث يأخذون من أهل البيت (عليهم السلام) الرواياتِ والأحكامَ فالسؤال منهم هو سؤال من أهل البيت بواسطةٍ جَعَلَها أهل البيت (عليهم السلام) حجة، وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ((يا كميل لا تأخذ إلا عنا تكن منا)) [11] فالعالم الذي يأخذ عنهم (عليهم السلام) هو منهم بصريح هذه الرواية. فإذا أخذ كميل وأي عالم آخر عنهم (عليهم السلام) وجب أن نقبل كلامه لأنه صادر منهم (عليهم السلام).
وقال الإمام أبو جعفر (عليه السلام): ((إجلس في مسجد المدينة وأفت الناس، فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك)) [12] فإذاً الأئمة (عليهم السلام) وهم أعلى مصاديق أهل الذكر هم الذين أمروا الفقهاء بأن يفتوا الناس (والفتوى أما جواب على سؤال الناس أو هي ابتداء بالإجابة على الأسئلة المقدرة) فإذا افتوا وجب على الناس السماع لهم.
بعبارة أخرى: (أهل الذكر) هم الذين امرونا بإتباع الفقهاء وبأن كلامهم حجة فوجب سؤالهم وإتباعهم، ولم يدّعِ أحدٌ بأن الفقهاء بان الفقهاء هم أئمة وان لهم هذا المقام بل هم مجرد وسطاء ووكلاء لهم.
ويؤكده: قول الإمام الصادق (عليه السلام): ((رحم الله زرارة بن أعين، لولا زرارة لاندرست أحاديث أبي)) [13].
حجية الرواية
س5: ((العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ولكن ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر)) [14] ان العلماء هنا هم أوصياء الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) خاصة، لوجود كثير من الروايات التي تخصصها بهم (عليهم السلام). وإذا تنزلنا وقلنا انها تشمل فقهاء الغيبة الكبرى فيكون الحجية فقط للعلم الموروث يعني حجية الرواية لا غير.
ج5: قد يقال بان كامل الرواية يوضح عمومها لكل العلماء العدول وعدم اختصاصها بالأئمة (عليهم السلام) فان العلماء العدول تبعاً للأئمة والأنبياء ليس همهم وحرصهم وشأنهم ان يوّرثوا الدينار والدرهم بل شأنهم – بما هم علماء – توريث العلم، نعم لا شك انهم الأصل والعلماء أتباع لهم ووكلاء ووسطاء لنقل علومهم.
والروايات لا تخصصها بهم (عليهم السلام) بل تخصص المرتبة العليا بهم (عليهم السلام) والله أعلم.
ثم ان أدلة حجية فتاوى الفقهاء العدول ليست منحصرة بهذه الرواية ليتوقف الاستدلال عليها.
والفقهاء يعتمدون على الظواهر وأخبار الثقات، التي أمر الأئمة بالعمل بها، فهم علماء بأحكام الشريعة عبر الطرق التي أمضاها الشارع أو فقل هم علماء بالحجج الشرعية.
ذم التقليد
س6: انظروا إلى ما قاله الشيخ الكليني في مقدمة كتاب الكافي في ذم التقليد: (فمن أراد الله توفيقه وأن يكون إيمانه ثابتاً مستقراً سبّب له الأسباب التي تؤديه إلى أن يأخذ دينه من كتاب الله وسنة نبيه... ومن أراد الله خذلانه سبّب له الأسباب للاستحسان والتقليد والتأويل من غير علم وبصيرة) [15].
ج6: كلام المحدث الكليني ردّ على أهل العامة المقلدة لعلمائهم الفسقة لا على الشيعة الذي يقلدون العلماء العدول الذي أمر الأئمة بالأخذ عنهم، والدليل هو قوله: قبل ذلك (ولهذه العلة انبثقت على أهل دهرنا بثوق هذه الأديان الفاسدة، والمذاهب المستشنعة التي قد استوفت شرائط الكفر والشرك كلها، وذلك بتوفيق الله تعالى وخذلانه) [16] فكلامه عن الأديان الفاسدة والمذاهب المستشنعة لا عن علماء أهل البيت وفقهاء الشيعة. ولاحظ أيضاً قوله: (سبّب له الأسباب التي تؤديه إلى أن يأخذ دينه من كتاب الله وسنة نبيه صلوات الله عليه وآله بعلم ويقين وبصيرة، فذاك أثبت في دينه من الجبال الرواسي، ومن أراد الله خذلانه وأن يكون دينه معارا مستودعا - نعوذ بالله منه - سبب له أسباب الاستحسان والتقليد والتأويل من غير علم وبصيرة) [17] ومن الواضح ان علماء السنة هم القائلون بالاستحسان اما علماء الشيعة فيرفضونه جميعاً، وكذلك لا يقول أحد من علماء أهل البيت (عليهم السلام) بصحة التأويل من غير دليل وعلم وبصيرة.
ثم ان الكليني فقيه من الفقهاء فلا يصلح كلامه للاستدلال به على سائر الفقهاء، وليس الكليني معصوماً ولا ورد نص على تقديمه وتفضيله على سائر الفقهاء، فرأيه واحد من الآراء، ثم كيف تقلده في رأيه هذا؟
دين الله لا يصاب بالعقول
س7: إن دين الله لا يصاب بالعقول كما هو بديهي ومتفق عليه لدى الجميع، فكيف تقولون: (ما حكم به العقل حكم به الشرع)؟ أليس هو تهافت واضح.
ج7: (ما حكم به العقل حكم به الشرع) خاص بالمستقلات العقلية كحسن العدل وقبح الظلم، وليس عن الأحكام الشرعية الفرعية المتكاثرة، ودين الله لا يصاب بالعقول يراد به الأحكام الفرعية لا المستقلات العقلية، وإلا لورد عليكم النقض برواية الإمام الكاظم (عليه السلام): ((إِنَّ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حُجَّتَينِ حُجَّةً ظَاهِرَةً وحُجَّةً بَاطِنَةً فَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالْأَنْبِياءُ وَالْأَئِمَّةُ (عليهم السلام) وَأَمَّا الْبَاطِنَةُ فَالْعُقُول)) [18] فإذا كان دين الله لا يصاب بالعقول فكيف يقول الإمام (عليه السلام) ان لله حجتين؟ وكيف يجعل حجية العقل إلى جوار حجية الشرع تماماً.
رجوع الجاهل إلى العالم
س8: قاعدة رجوع الجاهل إلى العالم كرجوع المريض إلى الطبيب هي قاعدة عقلية صحيحة. لكن نختلف في مصداق الجاهل والعالم. فالعالم في الدين هو العالم المطلق أو المتصل بالعالم المطلق (وهو الله سبحانه وخلفاءه المنصوبين) لضمان النجاة 100% اما من يحتمل الخطأ في الرجوع إليه وفي أمر لا يمكن الصبر على عواقبه مثل أمر الدين فالعقل يحكم بحرمته لدفع الضرر المحتمل.
ج8: العالم بالدين هو العالم بالحجج الشرعية وهو عالم بها 100% فمثلاً من الحجج (الظواهر) و(أخبار الثقات) ونحن قاطعون بحجيتها وإلا تسلسل حسبما بيّن في الأصول.
وأيضاً: قال تعالى: (لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [19] مع ان من الواضح ان المتفقه في الدين يعتمد على الظواهر وأخبار الآحاد (لأن الأئمة اعتبروها حجة) فلا يصح تقييد الآية بالعالم بقول مطلق فانه تقييد بلا دليل بل هو خلاف عمل الرسول (صلى الله عليه وآله) افرأيت انه بعث فقهاء إلى المدن والأرياف وكلهم من قبيل سلمان وعلمهم بكل المسائل علم مطلق؟
ومادام الشارع قد اعتبر الظواهر وأخبار الثقات وفتاوى العلماء حجة، فلا نحتمل الضرر أبداً إذا أطعنا الشارع في إتباعنا للفقهاء.
اصالة حجية التقليد
س9: لقد قرر الأصوليون أن الأصل في الأشياء (مما يحتمل جوازه ودخله في دين الله) هو عدم حجيتها، وأسموا تلك القاعدة بـ(أصالة عدم الحجية)، فيقولون: الأصل عدم حجيته ما لم يثبت بدليل قطعي أن قوله حجة. وحال التقليد كذلك أيضاً، فالأصل فيه عدم الحجية، إذ ليس فيه دليل قطعي.
ج9: الدليل على صحة التقليد قطعي، وهو:
أولاً: حكم العقل الصريح بتخيير الإنسان بين الاجتهاد والتقليد والاحتياط، وحيث ان الاجتهاد صعب على عامة الناس بل غير مقدور لهم والاحتياط فيه عسر وحرج شديدان، لذا يختار الناس التقليد.
وثانياً: الآيات والروايات وهي كثيرة، ونقتبس ههنا بعض ما ذكره السيد العم (دام ظله) في بيان الفقه، قال:
[الأخبار: الطائفة الأولى]
الأخبار الدالّة على وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى رواة الشيعة التي تدلّ- بالالتزام- على حجّية فتاواهم، لأنّ الرجوع إليهم أعمّ من سؤال الرواية، أو الاستفتاء.
ومنها: صحيحة أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن الهادي (عليه السلام) ((قال: سألته وقلت: من أعامل؟ وعمّن آخذ؟ وقول من أقبل؟ فقال (عليه السلام): العمري ثقتي فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع فإنّه الثقة المأمون))[20].
فاطلاق: (ما أدّى) وكذا: (ما قال) مؤيّدا بذيله: (فاسمع له وأطع) كلّ ذلك، أو عمومه، يشمل قسمي نقل الحديث والفتوى، ألا ترى لو أنّ أحمد بن إسحاق سأل العمري عن الشكّ بين الثلاث والأربع، فقال له العمري: ابن على الأربع، فعمل به، كان عاملا بقول الإمام (عليه السلام)؟) [21].
أقول: والاستدلال بالتعليل الصريح في كلام الإمام (عليه السلام): (فانه الثقة المأمون) الدال على أن المقياس هو كونه ثقة ومأموناً فتجب إطاعته والاستماع له.
وقال: (الطائفة الثانية):
قول الإمام الباقر (عليه السلام) لعطيّة العوفي- كما في الرواية-: ((اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس فإنّي أحبّ أن يرى في شيعتي مثلك)) [22] فلو لم يجب للمستفتي العمل بالفتوى، كانت لغوا والإمام (عليه السلام) لا يأمر باللّغو).
أقول: ولاحظ قوله عليه السلام: (فاني أحب أن يرى في شيعتي مثلك) فليست الرواية خاصة بعطية الكوفي بل ان الإمام يحبّ ان يوجد في الشيعة علماء فقهاء يفتون الناس.
وقال: (الطائفة الثالثة: الأخبار الناهية عن الافتاء بغير علمٍ واردٍ عن المعصومين (عليهم السلام)، الدالّة بمفهومها على جواز الافتاء مستندا إلى ورود الحكم عنهم (عليهم السلام)، و جواز هذا يلازم جواز العمل به عرفا كما سبق.
ومنها: صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر (عليه السلام): ((من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من اللّه لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، ولحقه وزر من عمل بفتياه)) [23] [24].
وهي واضحة الدلالة على حرمة الفتوى بغير علم أو هدى (والهدى هو الحجة الشرعية المستندة إلى القرآن الكريم والروايات الشريفة) فتفيد وجوب العمل بفتوى الفقيه العادل الذي يفتي عالماً بالحكم أو مستنداً إلى حجة شرعية.
وثالثاً: سيرة أصحاب المعصومين (عليهم السلام) التي حظيت برضاهم (عليهم السلام) بل ودعمهم وتأييدهم بالرجوع إلى الفقهاء المحيطين بالإمام (عليه السلام) مع انه كان يمكن لكثير منهم الرجوع للإمام مباشرة.
صحة صلاة وصوم الإجارة
س10: إن قلتم: بأنّ الأصوليين لا يخرجون عن القرآن والرواية، فأريد منكم أن تجيبونا على سؤالنا: أعطني رواية تجوّز صلاة الإجارة أو صيام الإجارة؟
ج10: أولاً: الأصوليون لا يخرجون عن القرآن والروايات والعقل والإجماع لأن العقل حجة باطنة كما الرسل حجة ظاهرة، والإجماع طريق لكشف قول المعصوم (عليه السلام) وصلاة الإجارة وصيامها عليها إجماع الفقهاء وسيرة المتشرعة من زمان المعصوم (عليه السلام).
ثانياً: اما الدليل من الروايات على صحة صلاة وصوم الإجارة، فهو ما ورد من صحاح الروايات، ومنها صحيحة معاوية بن عمار عن الإمام الصادق (عليه السلام): قلت لابي عبد الله (عليه السلام) أي شيء يلحق الرجل بعد موته؟ - قال: يلحقه الحج عنه والصدقة عنه والصوم عنه) [25]
وصحيحة عمر بن يزيد: (قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) تصلي عن الميت؟ فقال: نعم حتى أنه ليكون في ضيق فيوسع الله عليه ذلك الضيق، ثم يؤتى فيقال له: خفف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك عنك) [26].
اباحة الخمس
س11: تذكر رواية (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا) قضية إباحة الخمس للشيعة، في نفس التوقيع الذي يقول: (وأما الحوادث الواقعة فأرجعوا فيها إلى رواة حديثنا)، إذ قال الإمام (عليه السلام) فيه: (وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجُعلوا منه في حل إلى أن يظهر أمرنا لتطيب به ولادتهم)، فكيف يحتج الأصوليون بالرواية عندما يتعلق الأمر بالتقليد، وينهون عن الاحتجاج بها عندما يتعلق الأمر بإباحة الخمس لأنها رواية ضعيفة السند.
ج11: الفقهاء يحتجون بالرواية في كلا المقطعين أ- ((واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم، وانا حجة الله عليهم)) [27] ب- ((وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث)) [28] وليس بالمقطع الأول فقط.
ولا شك في وجوب الخمس للآية الكريمة (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) [29] والروايات الكثيرة وليست الفتوى بذلك خاصة بالأصوليين بل المحدثون أيضاً يلتزمون بوجوبه.
وأما رواية (واما الخمس فقد أبيح....) فأولاً: هي دليل على وجوب الخمس بالأساس وإلا لما كان معنى لأن يقال: (أبيح لشيعتنا...) فهو واجب ككل الواجبات المالية الأخرى لكن للمولى أن يبيح أو يسقط بعض حقه أو كله.
ثانياً: الرواية كالصريحة في تحليل حصة خاصة من الخمس للشيعة فقط وليس كل الخمس؛ لصراحة التعليل فيها، والعلة معممة ومخصصة فلاحظ قوله (عليه السلام): (لتطيب ولادتهم ولا تخبث) فالخمس المحلَّل هو ما يرتبط بانعقاد نطفة المؤمنين لا غير وتوضيحه: انه لو اشترى جارية من مالٍ غير مخمس فحيث ان الخمس يتعلق بعين المال فانه لا يملكها كلها فيحرم عليه مباشرتها، فلو جامعها والحال هذه كانت النطفة محرمة، لكن الإمام (عليه السلام) تفضلاً ورفقاً بالشيعة أباح لهم سهم الخمس من الجواري فتكون كلها محللة للشيعي (بعضه بملكه وبعض بتحليل الإمام) فتكون النطفة نطفة حلال.
وهكذا ترى أن الأمر لا يرتبط بأرباح المكاسب والتجارات والاستثمارات والعقارات وغيرها.
وقد أجبنا عن هذا السؤال بعدة أجوبة في كتاب (فقه الخمس) فراجع كما أجاب السيد الوالد في موسوعة الفقه ج33، فراجع.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
اضف تعليق