لو ارتقينا للحديث عن الشؤون الخطيرة والقضايا الكبرى، كالقرارات المصيرية والأحكام التي لها مساس بموت أو حياة شعب أو أمة، فسوف ندرك وبسهولة أن موضوعة (الشورى) لا يمكن تخطّيها أو التغاضي عنها، من قبل العلماء والحكماء والقادة والمرجعيات في المجتمع بمختلف صنوفهم. من هنا كان...
تلخيص وقراءة في كتاب (شورى الفقهاء والقيادات الإسلامية)
لمؤلفه آية الله السيد مرتضى الشيرازي
اعداد وتلخيص: السيد حازم الحسيني الميالي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
(وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) سورة الشورى: 38.
المقدمة
تُعدُّ (الشورى) من الموضوعات المهمة في حياة الشعوب والجماعات والأمم، لما لها من دور كبير وملحوظ في تقدم الفرد والمجتمع نحو الأفضل، وفي مختلف الصُعد، ويكفي أن نعرف أن الإنسان كائن اجتماعي يصعب عليه بل لا يستطيع أن يفكر ويعيش ويزدهر وحده ومن دون مشورة ورأي الآخرين من حوله.
هذا بالنسبة للشؤون اليسيرة في حياة الناس، وأما لو ارتقينا للحديث عن الشؤون الخطيرة والقضايا الكبرى، كالقرارات المصيرية والأحكام التي لها مساس بموت أو حياة شعب أو أمة، فسوف ندرك وبسهولة أن موضوعة (الشورى) لا يمكن تخطّيها أو التغاضي عنها، من قبل العلماء والحكماء والقادة والمرجعيات في المجتمع بمختلف صنوفهم.
من هنا كان هذا الكم الهائل من النصوص الإسلامية الحاثّة على ضرورة الشورى والإشارة[1]، قرآنا وسنة، مضافا إلى أدلة العقل والفطرة السليمة، المؤكدة على أهمية اللجوء لهذا المنهج الحضاري والصحيّ للتوصل إلى أكبر مقدار من إحراز الواقع والحقيقة.
ولقد اهتمّت الآيات الكريمة والروايات الشريفة بنوعية العلاقة التي ينبغي أن تكون بين العلماء والأمة، ومسؤولية العلماء تجاه الأمة، والأمة تجاه العلماء، وكذلك نوعية العلاقة بين العلماء بعضهم مع بعض، مما يصبّ في صالح الشورى والتشاور آخر الأمر.
وسوف أتناول في هذه المقدمة الأمور التالية:
أولا. أهمية الشورى
إن اكتشاف منظومة الفكر الإسلامي الشاملة في حقل الشورى يعدّ من أهم بوابات النهوض بالأمة إلى حيث عالم الإيمان والحرية والعدل والإحسان والأخوة والتعاون والرخاء والتقدم والازدهار، لكي يعود إليها سابق مجدها المتألق، خاصة زمن حكومة الرسول الأعظم وأمير المؤمنين (صلوات الله عليهما وآلهما)، ولكي تكون أمتنا الإسلامية: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ باللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَـهُمْ مِنْهُمْ المُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُون)[2].
ولا نجانب الحقيقة لو قلنا إنّ دراسة موضوعة الشورى في شؤوننا ومعاملاتنا والبحث عن حقيقتها وهل أنها واجبة أو مستحبة له تأثير على واقع المسلمين في الدنيا ومصيرهم في الآخرة.
فإن اثبات كون الشورى واجبة وضرورة إسلامية وعقلية ملحّة يعني وجوب تغيير المنهجية التي نسير عليها للوصول إلى النتائج في مختلف شؤوننا، وهو الأمر الذي حاول أهل البيت (عليهم السلام) التأكيد عليه كلما وجدوا إلى ذلك سبيلا، ليقطعوا الطريق أمام الأخطاء والأهواء والقرارات الفردية والمرتجلة.
ثانيا. محورية الكتاب ونطاقه
إن محور الكتاب هو إثبات وجوب التشاور أولاً، والشورى والعمل برأي الأكثرية ثانياً، في شتى مستويات القيادة الإسلامية، سواء أكانت قيادة للأمة، كقيادة الفقهاء والمراجع العظام، أم كانت قيادة لتيارات وشرائح من الأمة، كقيادة العشائر لأفرادها والأحزاب والنقابات والاتحادات لأعضائها ومختلف مؤسسات المجتمع المدني للمجاميع المنضوية تحت لوائها.
وذلك في حدود ما يصدق عليه عنوان (أمرهم) في الآية الشريفة: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)[3] فما كان أمراً للأمة وهو المسمى بالشؤون العامة، وجب أخذ رأيها واستشارتها فيه، والعمل برأي الأكثرية طبق الضوابط الشرعية الآتية في الكتاب.
وما كان أمراً للعشيرة أو للحزب أو النقابة والاتحاد أو لأي تجمع إنساني آخر، سياسياً كان أم اقتصادياً أم خدمياً أم غير ذلك، وجب على القادة استشارة كافة الأعضاء، عبر السبل العقلائية والطرق السليمة، كما وجب العمل برأي أكثريتهم في كافة أمورهم.
ثالثا. النظريات الفقهية في قيادة المراجع
إن النظريات الفقهية في قيادة المراجع العظام للأمة مختلفة (وعلى ضوء ذلك تختلف نتائج الشورى كما يلي):
1ـ بناءً على نظرية ولاية الفقيه العامة المطلقة في إدارة شؤون الأمة، فإن النتيجة هكذا:
أ ـ إن الولاية لجميع الفقهاء وليست لأحدهم فقط.
ب ـ عدم جواز تفرد الفقيه الواحد، بل ومجموع الفقهاء بإعمال الولاية على الناس فيما لا يرضون به، وإن كانت له أو لهم الولاية العامة، لأنها ولاية عامة مشروطة، فعلى الفقيه الحاكم التشاور مع سائر الفقهاء أولاً، وإحراز رضا الناس بحكومته عليهم ثانيا، والعمل على طبق حدود ما فوضوه إليه وفي الوقت المحدد كخمس سنين مثلاً.
2ـ بناءً على نظرية الولاية الخاصة للفقيه، كما هو نظر الأكثر من الفقهاء، فلايجوز بالبداهة أن يفرض الفقيه نفسه على الأمة قسراً، إذ (الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم وحقوقهم) حسب القاعدة المتعارفة.
وأما إذا انتخب الناس أحد الفقهاء لإدارة شؤون بلادهم، فالأمر منوط حينئذٍ بالمبنى الذي يصار إليه في الحكومة، وأنها (وكالة) أو (إجارة) أو (جعالة) أو (إذن) أو (عقد مستأنف) أو غير ذلك، إضافة إلى أن انتخابهم له لا يلغي وجوب استشارته لهم، كما لا يلغي وجوب العمل برأي أكثر المراجع الفقهاء حسب ما سيأتي من الأدلة في هذا الكتاب.
رابعا. غاية هذا الكتاب
إن غاية هذا الكتاب هي تسليط الأضواء على جانب من العلاقة بين مراجع التقليد (حفظهم الله تعالى) بعضهم مع بعض حسب المستفاد من الأدلة، وعلى جانب مختصر من العلاقة بين مراجع التقليد (حفظهم الله) والأُمة كذلك، وتسليط الأضواء على العلاقة بين مختلف القيادات الإسلامية أو الاجتماعية مع المجاميع التي تنضوي تحت رايتها، سواءً أكانت قيادات شعبية أم عشائرية أم حزبية أم غيرها.
هذا وتنتظم مضامين هذا الكتاب في أربعة فصول تسبقها مقدمة وتمهيد[4].
أما الفصل (الأول) فيدور حول أدلة عملية الشورى وكونها واجبة شرعا وفق آيات الكتاب العزيز. وأما الفصل الثاني فيتحدث عن الاستدلال على وجوب الشورى بحسب روايات المعصومين (عليهم السلام). والفصل الثالث يدور حول الدليل العقلي على وجوب الشورى، والفصل الرابع ففي مسائل حول إثبات وجوب مراحل الشورى.
الفصل الأول
الاستدلال بالآيات الكريمة على وجوب الشورى
أولا. الاستدلال بآية الشورى: (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ)
تمهيد
يعد الاستدلال بآيات الكتاب العزيز من أهم ما يتمسك به الباحث عن الحقيقة وهو يخوض في موضوع مهم كمسألة إثبات الشورى. وكيف لا وربنا يقول: (إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) الاسراء/9
ولا ننسى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال في يوم الغدير: (إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي)[5].
من هنا بدأنا في الاستدلال على وجوب الشورى وأهميتها بالأدلة القرآنية، ومن الله تعالى التوفيق.
قال ربنا سبحانه وتعالى: (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ).[6]
ولا ريب في دلالة الآية على رجحان الشورى، لكونها صفة من صفات المؤمنين، ولكون (ما عند الله) انما هو مُعد لمن اتصف بهذه الصفة وما سبقها ولحقها، بل لبداهة أن المقام مقام المدح والثناء.
دلالة الآية على وجوب الشورى
ويتوقف الاستدلال على وجوب الشورى من الآية أعلاه على إحدى الوجوه التالية:
الوجه الأول: ان الأصل في ما عُدّ صفة للمؤمن، وجوب تحصيله.
لكون الصفة بمنزلة المعرِّف الذي ينتفي المعرَّف عند انتفائه، ولكونها جملة أسمية، وظاهرها الاستقرار والثبوت، فتدل على كونها صفة ثابتة للمؤمنين.
فلو قيل إن الإنسان الموحّد هو من سيدخل الجنة. فهذا يعني أن الشخص غير الموحد سوف لن يدخلها.
ولذا كان قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)[7]، دالاً على وجوب الإعراض عنه وحرمة اللغو عرفاً، أو لتوقف الفلاح عليه، وكذا سائر الآيات أعلاه.
الوجه الثاني: دلالة السياق على الوجوب
الوجه الثالث: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)[8] إنشاء بصيغة إخبار[9]، وهو ليس خلاف الظاهر، لأن الأصل في كلام الشارع الإنشاء لكون الأصل في كلماته المولوية[10].
دلالة الآية على مطلوبية الشورى قبل وبعد الحكم
ثم إنه لا يخفى دلالة الآية على مطلوبية الشورى، سواء قبل الوصول للحكم أم بعده؛ لكون الآية مطلقة.
وقال في تفسير الصافي: (ولا ينفردون برأي حتى يتشاوروا ويجتمعوا عليه، وذلك من فرط تيقظهم في الأمور).[11]
دلالة الآية على عموم مطلوبية الشورى
ولا يخفى أن الآية تدل على عمومية مطلوبية الشورى في كافة الشؤون، لكون (أمر) مفرداً مضافاً، وهو مفيد للعموم أو الإطلاق، مثل قوله (عليه السلام): (كلامكم نور وأمركم رشد)[12]، أو قولنا: (أمره التقوى أو التواضع).
قال في المسالك: (إن جعلنا المفرد المضاف مفيداً للعموم كما هو رأي المحققين من الأصوليين كما أشرنا إليه سابقاً)[13].
ثانيا. الاستدلال بالآية الكريمة: (وَشاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)
قال الله العظيم في محكم كتابه الكريم:(فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَـهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَـهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ)[14].
ويمكن أن يستدل بهذه الآية الكريمة على وجوب الاستشارة في الأمور التي تتعلق بالأمة والشؤون العامة، بل وعلى وجوب الاستشارة في كل أمر يتعلق بمجموعة مما يعدّ أمراً لهم، بل وعلى وجوب الشورى والعمل برأي المشيرين أو أكثريتهم فيما عُدّ من أمورهم.
وإذا تمّ الاستدلال على إحدى تلك المسائل، أفاد وجوب الاستشارة، ووجوب الشورى على المتصدين للشؤون العامة وأمور الأمة، سواءً أكانوا فقهاء أم غيرهم.
فإذا كنا من القائلين بولاية الفقيه العامة، أفاد الاستدلال بالآية أو نظائرها، أن على الفقيه الاستشارة من سائر الفقهاء والخبراء، بل ومن عامة الأمة، عبر السبل والطرق المختلفة، في شؤون الحكم والأمور العامة، بنحو الوجوب، بل وجب عليه العمل برأي أكثرية شورى الفقهاء وأكثرية الخبراء من أهل الحل والعقد، وأكثرية الناس بما يصدق عليه عمليا (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)[15].
اشكالات على التمسك بالآية
الاشكال الأول: عدم عمل النبي (صلى الله عليه وآله) بالشورى فلا تجب على غيره
ويستكشف من ذلك استحبابها، وعدم وجوبها عليه.
ويمكن طرح أكثر من جواب:
الجواب الاول: الأدلة قائمة على عمله (صلى الله عليه وآله) بالشورى في العديد من الشؤون العامة[16]، وقد وردت بذلك روايات عديدة، منها:
الرواية الأولى[17]
ورد في قصة بدر الكبرى[18]: بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) عيناً له على العِير اسمه عدي، فلما قدم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخبره أين فارق العِير، نزل جبرائيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخبره بنفير المشركين من مكة، فاستشار أصحابه في طلب العِير وحرب النفير، فقام أبو بكر فقال: يا رسول الله إنها قريش وخيلاؤها ما آمنت منذ كفرت، ولا ذلت منذ عزّت، ولم نخرج على أهبة الحرب.
الرواية الثانية
ما ذكره في الإرشاد[19] في غزوة الأحزاب في المدينة: (فلما سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) اجتماع الأحزاب عليه وقوة عزيمتهم في حربه، استشار أصحابه، فأجمع رأيهم على المقام بالمدينة، وحرب القوم إن جاؤوا إليهم على أنقابها).
الرواية الثالثة
ما ذكره في تفسير القمي[20] في غزوة الأحزاب أيضاً حين حفر الخندق: (فلم يزل يسير معهم حي بن أخطب في قبائل العرب حتى اجتمعوا قدر عشرة آلاف من قريش وكنانة والأقرع بن حابس في قومه وعباس بن مرداس في بني سليم، فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) واستشار أصحابه وكانوا سبعمائة رجل، فقال سلمان: يا رسول الله إن القليل لا يقاوم الكثير في المطاولة، قال: فما نصنع؟ قال: نحفر خندقاً يكون بيننا وبينهم حجاباً فيمكنك منعهم من المطاولة، ولا يمكنهم أن يأتونا من كل وجه، فإنا كنا معاشر العجم في بلاد فارس إذا دهمنا دهم من عدونا نحفر الخنادق فيكون الحرب من مواضع معروفة، فنزل جبرائيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: أشار بصواب...).
الرواية الرابعة
ما ذكره في الإرشاد في غزوة الأحزاب أيضاً[21] حين الصلح على ثلث ثمار المدينة: وأقبلت الأحزاب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهال المسلمين أمرهم وارتاعوا من كثرتهم وجمعهم، فنزلوا في ناحية من الخندق وأقاموا بمكانهم بضعاً وعشرين يوماً وليلة، لم يكن بينهم حرب إلاّ الرمي بالنبل والحصي، فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضعف قلوب أكثر المسلمين من حصارهم لهم، ووهنهم في حربهم، بعث إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف وهما قائدا غطفان يدعوهما إلى صلحه والكف عنه والرجوع بقومهما عن حربه، على أن يعطيهما ثلث ثمار المدينة، واستشار سعد بن عبادة فيما بعث به إلى عيينة والحارث، فقال: يا رسول الله إن كان هذا الأمر لابد لنا من العمل به، لأن الله أمرك فيه بما صنعت، والوحي جاءك به فافعل ما بدا لك، وإن كنت تختار أن تصنعه لنا كان لنا فيه رأي، فقال (صلى الله عليه وآله): (لم يأتني وحي به ولكني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وجاؤوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما)، فقال سعد بن معاذ: قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعرف الله ولا نعبده ونحن لا نطعمهم من ثمرنا إلاّ قرى أو بيعاً، والآن حين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا به وأعزنا بك نعطيهم أموالنا؟ ما بنا إلى هذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلاّ السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الآن قد عرفت ما عندكم، فكونوا على ما أنتم عليه فإن الله تعالى لم يخذل نبيه ولن يسلمه حتى ينجز له ما وعده).
هل كان عمل النبي (صلى الله عليه وآله) برأي الأكثرية اضطراراً
ولعل البعض يقول: إن استشارته (صلى الله عليه وآله) وكذا عمله برأي الأكثرية كان من باب الاضطرار، كي لا يخالفه الصحابة، ومن أجل أن يجلب ودّهم ومحبتهم، ولتوقعهم ذلك منه حسب عاداتهم، كما قيل في تعليل: (وَشاوِرْهُمْ في الأَمْرِ)[22]، ويؤيده ما جاء في خبر أبي حمزة: (فكان صلى الله عليه وآله يتخوف أن لا يكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا على من دهمه بالمدينة...).
الجواب:
1ـ إن الأصل عدم الاضطرار.
2ـ الأصل في قول وفعل وتقرير المعصوم (عليه السلام) الحجية ولزوم الإتباع.
الجواب الثاني: لا دليل على مخالفته (صلى الله عليه وآله) للأكثرية، وهنا نقول حتى لو سلّمنا عدم قيام الدليل على عمل النبي (صلى الله عليه وآله) بالشورى، لكن لا دليل على عدم عمله بالشورى ومخالفته لرأي الأكثرية رغم انعقادها على خلافه (صلى الله عليه وآله) في الشؤون العامة.[23]
الجواب الثالث: إن (شاورهم) منصرف إلى غير موارد النص الإلهي، لو سلّمنا قيام الدليل على عدم عمله (صلى الله عليه وآله) بالشورى أحياناً كثيرة، لكنه من الواضح أن لا شورى في قبال نص الآيات القرآنية الكريمة، سواء في الأحكام أو في الموضوعات، فيكون (وَشاوِرْهُم)[24] منصرفاً إلى غير ذلك أو مخصصاً به، وفي كثير من الأحيان كانت الآيات المباركات تنزل بأمر معين من الله في الموضوع الخارجي.
(فالنص) من الله كان يأتي بحكم معين مباشرة، فلم يتحقق موضوع الشورى إذن، ومن تلك النصوص:
قوله تعالى: (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ)[25]، قال في المجمع: (نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط، بعثه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في صدقات بني المصطلق، فخرجوا يتلقونه فرحاً به، وكانت بينهم عداوة في الجاهلية، فظن أنهم هموا بقتله فرجع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: إنهم منعوا صدقاتهم، وكان الأمر بخلافه، فغضب النبي (صلى الله عليه وآله) وهم أن يغزوهم فنزلت الآية، عن ابن عباس ومجاهد وقتادة).[26]
ومنها: نصب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السلام): (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)[27]، فشورى السقيفة ـ إضافة إلى أنها لم تكن شورى الأكثرية، بل كانت شورى عدد قليل جداً من المسلمين مدعومة بالإرهاب، كما أثبت ذلك المؤرخون، على ما ذكر تفصيله في العبقات والغدير وغيرهما فليراجع ـ، باطلة لكونها في مقابل النص القاطع من النبي (صلى الله عليه وآله) عن الله يوم الغدير.
الجواب الرابع: عدم وجوب الشورى عليه (صلى الله عليه وآله) لا ينفي وجوبها على المسلمين
فلو سلّمنا عدم وجوب الشورى على الرسول (صلى الله عليه وآله)، ولكن ذلك لاينفي وجوبها على سائر المسلمين، بل لا ينفي استفادة وجوبها من نفس آية: (وَشَاوِرْهُمْ في الأَمْرِ)[28]، وإن خرج النبي (صلى الله عليه وآله) المخاطب بها عن الحكم، وذلك لأمرين:
1ـ الأصل في الأوامر القرآنية عمومها للكل وإن وردت بصيغة خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله)
فإن الأوامر والنواهي القرآنية الموجهة للنبي (صلى الله عليه وآله) بصيغة المخاطب المفرد، الأصل فيها أن تكون عامة لكل المسلمين غير مختصة بالنبي (صلى الله عليه وآله) إلا ما ثبت من الخارج اختصاص النبي (صلى الله عليه وآله) به، والدليل على ذلك ما ثبت بالإجماع وبالضرورة من اشتراك المسلمين مع النبي (صلى الله عليه وآله) في الأحكام جميعاً إلا ما قام الدليل الخارجي على أنه من مختصات النبي (صلى الله عليه وآله) كوجوب السواك، ووجوب صلاة الليل، وصحة هبة المؤمنة نفسها له (صلى الله عليه وآله): (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ)[29] (صلى الله عليه وآله)، والزيادة على الأربع... إلخ.
2ـ المتتبع للآيات الكريمة يجد جريان سنة الله جل وعلا في كثير من الموارد على إنزال حكم عام وقاعدة شاملة لكل المسلمين، ولكن بصيغة خطاب موجه للنبي (صلى الله عليه وآله)، إذ أن الخطاب يحتاج إلى طرف، وكثيراً ما يحسن في الحكمة كون طرف الخطاب أحد المأمورين وعدم توجيه الخطاب لجميعهم، وذلك إما لأفضليته، أو لشدة العناية به، أو لكونه هو الشاغل لمركز القيادة، أو لكونه هو المأمور بتبليغ الحكم للمسلمين، أو لكونه هو المصداق الأجلى أو الفعلي، أو غير ذلك من المصالح والحِكَم، ومن ذلك:
قال تعالى: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ)[30]، فمع أن جهاد الكفار والمنافقين واجب على الجميع، وجه الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله) بالذات.
وقوله سبحانه: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالمُنافِقِينَ...)[31].
الاشكال الثاني: النبي (صلى الله عليه وآله) انما يتبع الوحي لا الأكثرية،
قد يورد على الاستدلال بـآية (وَشَاوِرْهُمْ في الأَمْرِ)[32] التي بين أيدينا، والتي قبلنا أنها تلزم اتباع الشورى، بأن النبي (صلى الله عليه وآله) إنما يتبع الوحي لا آراء الأكثرية، فإذا لم تكن الشورى ملزمة له لم تكن ملزمة لغيره، بل إن اتباعه للأكثرية على هذا محرم، وذلك لقوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً)[33]، فحكمه تابع لما أراه الله لا لما أراه الناس.
وقوله سبحانه: (وَما يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى)[34].
وقوله تعالى: (إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ...)[35].
ومن جهة أخرى كيف يكون للمؤمنين الخِيَرة من أمرهم مع قوله تعالى: (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَـهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً)[36]، وقوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ).[37]
الجواب:
أولاً: إن هذا الإشكال على فرض تسليمه مختص بآية (وَشَاوِرْهُمْ في الأَمْرِ)[38] دون غيرها من الأدلة كـ(وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ)[39]، و: (أَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ وَأَنَا حُجَّةُ اللَّهِ عَلَيْكُم)[40].
ثانياً: إن خطاب (وَشَاوِرْهُمْ)[41] عام جيء به بلسان خاص، كما هو كثير في القرآن الكريم، ومنه قوله سبحانه: (أَقِم الصَّلاة)[42]، و(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَد)[43]... الخ، وقد استثني منه النبي (صلى الله عليه وآله) بدليل الآيات السابقة استناداً إلى أن مثل )إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ)[44] دليل على عدم اتباعه الأكثرية في الموضوعات والشؤون العامة، أما لو قلنا بأن الخطاب عام وقد استثنى (صلى الله عليه وآله) منه لخصوصية فيه (وهي علمه المطلق المحيط وعصمته وكونه متصلاً بالله تعالى) فلا يستلزم استثناؤه (صلى الله عليه وآله) استثناء الباقين.
ثالثاً: إن إتباع رأي الأكثرية في الشؤون العامة فيما لم ينزل فيه وحي هو إتباع لما يوحى إليه، إذ قد أوحي إليه بـ (وَشَاوِرْهُمْ في الأَمْرِ)[45] و(أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ)[46] ـ بناءً على تمامية الاستدلال بهما أو بالآية الأخيرة.
فقد أمر أمراً كلياً بالاستشارة في الموضوعات العامة، فاستشارته (صلى الله عليه وآله) لهم واتباعهم اتباع لما يوحى إليه من الكلي وليس اتباعاً للهوى.
والذي يدل على ذلك قوله (صلى الله عليه وآله): (إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان وبعضكم ألحن بحجته من بعض، فأي رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً فإنما قطعت له به قطعة من النار).[47]
فحكمه (صلى الله عليه وآله) بالبينة واليمين رغم كونها قد تكون مخالفة للواقع، بل قد يكثر فيها ذلك، ليس اتباعاً للهوى، بل هو اتباع للوحي الدال على لزوم الحكم على طبق البينة واليمين، فكما أن البينة قد تكون مخالفة للواقع ومع ذلك يلزم اتباعها، كذلك رأي الأكثرية قد يكون مخالفاً للواقع ومع ذلك يلزم اتباعه، وفي الصورتين كان الاتباع اتباعاً لكلي دل الوحي على لزوم اتباعه.
فلا خِيَرة للمؤمنين (إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُه أَمْراً)[48]، وإذا لم يقض (صلى الله عليه وآله) بأمر بل أرجعه إليهم وطلب رأيهم كان لهم ذلك.
رابعاً: سلمنا استقرار سيرة الفقهاء على عدم العمل بالشورى، لكن نقول: عدم عملهم بها لا يكون دليلاً على التزامهم بعدم وجوبها.
فلو أن فقيهاً لم يعمل بقاعدة (الإنفاق على الزوجة) لعدم تزوجه، فهذا لايكون دليلا على التزامه بعدم وجوب الإنفاق عند توفر الزوجة؟
وصحيح أن كثيراً من الفقهاء لا يلتزم بوجوب الشورى حتى في الشؤون العامة، لكن الكلام حول إثبات أن أكثر الفقهاء على ذلك.
هذا، وان عدم عملهم بها سببه: أن (الصلح والحرب) و (المعاهدات الدولية) و (السياسة الداخلية العامة للدولة مثلاً: تصفية المعارضة والقضاء عليها أو استمالتها أو اتباع سياسة اللاعنف معها، وفرض الضرائب، والتأميم.. الخ) لم يكن تحت تصرف الفقهاء، وكان اتخاذ القرار فيها خارجاً عن مقدورهم، لأن الدولة كانت بيد غيرهم، فعدم صدور الاستشارة من الفقهاء على طول التاريخ في الشؤون العامة (على فرض تسليم ذلك)، إنما كان دائماً أو غالباً لعدم تحقق الموضوع، نعم لو كانت الدولة طوال التاريخ بأيدي الفقهاء ثم انفرد كل فقيه برأيه في الشؤون العامة ولم يعمل بالشورى، كان هذا دليلاً على التزامهم بعدم وجوبها، ولصحّت دعوى استقرار طريقتهم على عدم الاستشارة مع تحقق الموضوع.
الاشكال الثالث: حكومة الفقهاء السابقين
قد يقال: لقد حكم مجموعة من الفقهاء ولم يستشيروا، كالمجلسيين (قدس سرهما) والبهائي (قدس سره) والطوسي (قدس سره) والعلامة (قدس سره).
وجوابه:
أولاً: لم يكن الحكم بأيدي هؤلاء الأفذاذ ليحوّلوه إلى حكومة شوروية، بل كانوا يعيشون في دول ملوكية كان أحدهم وزيراً فيها، والآخر مشيراً لا غير، فلم يكن الأمر بيدهم ولم يكن بمقدورهم ذلك ليكون عدم عملهم بالشورى دليلاً على عدم التزامهم بوجوبها.
ثانياً: سلمنا التزام هؤلاء بعدم وجوب الشورى، لكن المدعى هو انعقاد سيرة الفقهاء على عدم الوجوب، وأين هذا من التزام عدد من الفقهاء بعدمه؟
الاشكال الرابع: الإجماع منعقد على عدم وجوب الشورى،
مما يكشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) بأن الشورى ليست واجبة.
وجوابه:
أولاً: لا إجماع على عدم وجوب الاستشارة أو الشورى في الشؤون العامة، لعدم تعرض أكثر الفقهاء لهذه المسألة أصلاً، فكيف يُدعى إجماعهم على العدم؟
ثانياً: الإجماع المنقول ليس بحجة.
ثالثاً: الإجماع وإن كان محصلاً فليس بحجة ههنا، لأنه محتمل الاستناد، بل معلوم الاستناد.
للأدلة الدالة على وجوب التقليد، حيث استظهروا منها أن كل مقلد عليه أن يرجع إلى مجتهد واحد، وأنه لا يحق له الرجوع إلى رأي الغير وإن كان هو أكثرية الفقهاء (مشهورهم).
وأدلتهم على وجوب التقليد هي: السيرة والإجماع، وأنه من ضروريات الدين، والكتاب كآية النفر والذكر والنبأ وغيرها، والروايات كما دل عليه الإرجاع لآحاد الأصحاب والثقات والعلماء والتوقيع الوارد وغيرها[49]،
الإشكال الخامس: (شاورهم) وردت في سياق المستحبات، فالمشورة مستحبة.
الجواب:
1: ليس السياق سياق المستحبات. فهي دعوى بلا دليل، فما هو المثبت لكون (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَـهُمْ)[50] للاستحباب، بل الدليل على عدمه، لكون الأمر ظاهراً في الوجوب، فلا يرفع اليد عنه إلا بالدليل، فلا يكون )شاور( في سياق المستحبات.
ولذا قال الشيخ الطوسي (قدس سره) في التبيان: (وقوله: (شَاوِرْهُمْ في الأَمْرِ)[51] أمر من الله تعالى لنبيه أن يشاور أصحابه...).
ويؤيده ما جاء في الميزان: (وأصل المعنى: فقد لان لكم رسولنا برحمة منا ولذلك أمرناه أن يعفو عنكم ويستغفر لكم ويشاوركم في الأمر، وأن يتوكل علينا إذا عزم)، وقال: (وقد أمر الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله) أن يعفو عنهم فلا يرتب على فعالهم أثر المعصية وأن يستغفر فيسأل الله أن يغفر لهم...).[52]
ب ـ لو سلّمنا أنّ (اعف) و(استغفر) من المستحبات، لكن نقول: لا يكون السياق قرينة صالحة لصرف صيغة الأمر عن ظهورها، إذ أنّ الظهور السياقي لايزاحم الظهور اللفظي.
الفصل الثاني
الاستدلال بالروايات الشريفة
أولا. الاستدلال بالتوقيع الشريف:
(وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا)
ويمكن أن يستدل على أن القيادة والولاية فيما يتعلق بالشؤون العامة، هي لشورى الفقهاء وليست للفقيه الواحد، بالتوقيع الشريف الآتي، إذا تمّ استظهار دلالته على أن للفقيه الولاية، أو قلنا بأن الفقيه هو القدر المتيقن من الولاية.
ويتم الاستدلال بما رواه أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي[53]، في كتاب الاحتجاج، عن محمد بن يعقوب الكليني، عن إسحاق بن يعقوب، قال: سألت محمد بن عثمان العمري (رحمه الله) أن يوصل لي كتاباً قد سألت عن مسائل أشكلت عليّ، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف): (...وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله...)[54].
فقه الحديث
أ: معنى: (الحوادث)
جمع محلى وهو مفيد للعموم، والمراد بها ما يرتبط بالشرع منها، وبعبارة أخرى: (الحادثة من حيث الحكم الشرعي)، فالرواة هم المرجع في الحادثة من بُعدها الشرعي، لا أنهم المرجع في مسائل الطب والهندسة مثلاً، من حيث هي مسائل طبية أو هندسية، فهم المرجع في المسألة الطبية من بُعدها الشرعي ومن حيث اشتمالها عليه.
ب: (الواقعة)
وتشمل كل حادثة وقعت أو هي واقعة الآن أو ستقع، فـ (الحوادث الواقعة) في ثبوت حكم (ارجعوا) لها لم يؤخذ فيها الزمان.
ج: (فارجعوا)
خطاب (ارجعوا) يشمل الموجودين والمعدومين زمن الخطاب بإطلاقه.
و(الحادثة) قد تقع لفرد، وقد تقع لجمع، وقد تقع لدولة، وقد تقع لشعب، والمخاطب بـ (ارجعوا) هو من وقعت له وشبهه، وقد يمثل لذلك بالمرأة الغائب عنها زوجها، وبتنازع شخصين أو أشخاص، وبمعاهدات الدولة، وبالحرب والسلم، والضرائب والجواز والجنسية، وكافة قوانين الدولة المبتدعة، وكذا بظهور البدع أو المبتدع أو احتمالهما وعامة الفتن، فليس على غير المبتلى بها ـ ممن لا تشمله عرفاً أنه قد حدثت له حادثة وواقعة ـ الرجوع، نعم عليه الإرجاع من باب إرشاد الجاهل وتنبيه الغافل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومقدمة الواجب.
هل يجب رجوع الفقهاء للفقهاء؟؟
وهل يشمل الخطاب بـ(بارجعوا) الرواة أنفسهم، كما لو حدثت حادثة لراوٍ أو لرواة يجهلون حكمها، أو تنازع راويان أو أكثر في أمر، أم لا؟ لا يبعد الشمول للإطلاق، ويؤكده أن السائل حيث كان هو من رواة الأحاديث على الظاهر، وحيث شمله (ارجعوا) أمكن الجزم بشمول هذا الخطاب لهم.
وبذلك ظهر شمول هذا الخطاب لراوي الحديث المتصدي لأمر معين، كإدارة شؤون الدولة، مثلاً إذا حدثت له حادثة كالحرب والمعاهدة وشبههما وجهل حكمها أو الأصلح لها، كما إذا تحير في أن حكمها كذا أو كذا، كمواجهة فئةٍ الحكومة بحركة مسلحة ودار الأمر بين أن يكون الأصلح المقابلة بالمثل وقتلهم أو سجنهم أو العفو عنهم.
شمول الخطاب للأمة
إذا تنازع راويان (سواء كانا متصديين معاً للحكم مثلاً، أو أحدهما دون الآخر، أو مع عدم تصدي كليهما)، إذا تنازع راويان بأن يرجعوا في أمرهم إلى سائر الرواة، فغير بعيد، بل متعين كونه من الحوادث الواقعة عرفاً قطعاً، خاصة في شؤون الأُمة والدولة مما يعد من الأمور الخطيرة، فعلى الأُمة حينئذٍ الرجوع إلى سائر الرواة في تشخيص الأمر.
د: معنى (رواة حديثنا)
هنا أمران:
الأول: إن الرجوع إليهم يصدق مع الرجوع إلى أي واحد منهم، كما يصدق على الرجوع إلى مجموعهم أو المتعدد منهم.
والثاني: إن مرجعيتهم قد يكون للهيئة الاجتماعية دخل فيها وقد لا يكون.
هـ: معنى (حجتي)
قد يقال: إن الحجية في الأخبار والرأي لا فيما عداهما، فتخرج الأمور العامة عن دائرة هذا الحديث.
وجوابه: إن مما يدل على أعمية (الحجة) من الحكم والولاية والنفوذ وغيرها، أن الرسول (صلى الله عليه وآله) لو قال وهو يريد الخروج من المدينة مثلاً: (ارجعوا في الحوادث الواقعة إلى علي (عليه السلام) فإني قد جعلته حجة عليكم)، ألا يدل ذلك عرفاً على كونه بمنزلته، وأن له (عليه السلام) ما كان له (صلى الله عليه وآله) مما يرتبط بالحوادث وحلها وفصلها، وأنه نُصِب من قبله لتولي كافة شؤون الحوادث الواقعة، لا مجرد الاحتجاج في مقام المؤاخذة؟ وهذا إضافة إلى كونه المتفاهم العرفي من كلمة (حجة)، تدل عليه القرينة المقامية، وهي موجودة فيما نحن فيه إذ أن الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أرجع في غيبته الحوادث إلى الرواة، وكان السؤال حينها، والظاهر كونه سؤالاً عن المرجع فيها حين غيابه.
و: معنى (حجتي عليكم)
يمكن الاستدلال بشبه الجملة هذه على حجية رأي أكثرية الفقهاء ووجوب اتباعها، فالمستفاد عرفاً من جعل المنصب لعدة أشخاص[55]، إن سلمنا أنها تدل على جعل المنصب، هو لزوم العمل بالأكثرية إن تعذر إجماعهم، خاصة فيما كانت موارد الإجماع فيه قليلة بل نادرة.
ثانيا. الروايات الآمرة بالاستشارة وباتباع ذوي الرأي...... ص415
ضمّت كتب الأحاديث مجموعة مستفيضة بل متواترة من الروايات الشريفة الآمرة بالاستشارة، أو المرشدة والمحرّضة عليها، أو الناهية عن مخالفة مقتضاها، أو المبينة لعظيم فوائدها وجسيم أخطار إهمالها، أو الآمرة صريحاً باتباع ذوي الرأي، وسنقتصر هنا على ذكر أربع عشرة منها:
1: عن أبي عبد الله الجاموراني[56]، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن الصندل، عن ابن مسكان، عن سليمان بن خالد، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (استشر العاقل من الرجال الورع، فإنه لا يأمر إلاّ بخير، وإياك والخلاف فإن مخالفة الورع العاقل مفسدة في الدين والدنيا).[57]
2: وعنه، عن الحسن بن علي، عن سيف بن عميرة، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (مشاورة العاقل الناصح رشد ويمن وتوفيق من الله، فإذا أشار عليك الناصح العاقل فإياك والخلاف فإن في ذلك العطب). [58]
3: وعنه، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن الحسين بن علي، عن المعلى بن خنيس، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (ما يمنع أحدكم إذا ورد عليه ما لا قبل له به أن يستشير رجلاً عاقلاً له دين وورع، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): أما إنه إذا فعل ذلك لم يخذله الله بل يرفعه الله ورماه بخير الأمور وأقربها إلى الله). [59]
4: عن علي بن أحمد بن موسى، عن محمد بن هارون، عن عبد الله بن موسى، عن عبد العظيم الحسني، عن علي بن محمد الهادي، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (خاطر بنفسه من استغنى برأيه). [60]
5: أحمد بن محمد البرقي، في (المحاسن)، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القداح، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام) قال: (قيل: يا رسول الله ما الحزم؟ قال: مشاورة ذوي الرأي واتباعهم). [61]
6: وعن عدة من أصحابنا، عن علي بن أسباط، عن عبد الملك بن سلمة، عن السري بن خالد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: فيما أوصى به رسول الله (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) قال: (لا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولا عقل كالتدبير). [62]
7: وعن أبيه، عن محمد بن سنان، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (في التوراة أربعة أسطر: من لا يستشر يندم، والفقر الموت الأكبر، كما تدين تدان، ومن ملك استأثر). [63]
8: وعن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لن يهلك امرؤ عن مشورة). [64]
9: وعن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها).[65]
10: وعنه (عليه السلام): (ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ).[66]
11: وعنه (عليه السلام): (فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ ولا آمن ذاك من فعلي إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني).[67]
12: وعنه (عليه السلام): (لا غنى كالعقل، ولا فقر كالجهل، ولا ميراث كالأدب، ولا ظهير كالمشاورة).[68]
13: وعنه (عليه السلام): (... ولا شرف كالعلم، ولا عز كالحلم، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة).[69]
14: وعنه (عليه السلام): (والاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استغنى برأيه).[70]
الفصل الثالث
الشورى واجبة بحسب القواعد العقلية
قاعدة دفع الضرر نموذجا
من الواضح أن دفع الضرر المحتمل البالغ؛ واجب عقلاً.
وبالتالي يمكن أن يستدل على وجوب الشورى في الشؤون العامة، بل ومطلق الأمور الخطيرة، بهذا الدليل.
ولذا لا يقدِم العقلاء على شرب سائل محتمل المسمومية إلاّ لو زاحمه ضرر آخر أشد، ولو أقدم أحدهم لكان عند العقلاء ملوماً، كما كان مستحقاً للعقاب عقلاً.
قال تعالى: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)[71].
ومن الواضح أيضا أن رأي أكثرية الفقهاء والخبراء فيما يرتبط بأمورهم سيكون أقرب إلى الواقع ـ كما سيتم اثبات ذلك باذن الله ـ من رأي المجتهد الواحد أو القائد أو الرئيس المنتخب، ففي الشورى دفع الضرر الخطير المحتمل.
الشورى في الشؤون العامة من الأمور الخطيرة
أن ما ندعي وجوب الشورى فيه ـ وهي الشؤون العامة[72] ـ من الأمور الخطيرة، لكون تلك الأمور مما تلحق الضرر إن كان الاجتهاد فيها خاطئاً، لا بأموال وأعراض وأنفس شخص واحد أو عدة أشخاص، بل بطائفة كبيرة من الناس، وذلك مثل إصدار الأمر بالحرب، حيث يسبب ذلك قتل الكثير من الأشخاص وتلف الأموال العظيمة، وربما هتك الأعراض أيضاً، وضعف شوكة المسلمين ـ إن كان الاجتهاد خاطئاً ـ وكذا الأمر بالصلح حيث يكون سبب ضعف شوكة الإسلام والمسلمين إن كان أمراً في غير محله، وقد يسبب قتل المئات وتلف الأموال الكثيرة؛ وذلك لأنه إن كان في غير محله، يسبب تجرأ الخصم واستغلاله فرصة الصلح ـ ولو المؤقت ـ لتقوية ذاته والإعداد والاستعداد لهزيمة الطرف المقابل.
فعندما يكون القرار متعلقا بالشؤون العامة الخطيرة، ويكون رأي الأكثرية أقرب إلى الواقع من رأي الفرد الواحد ـ كما سيأتي اثبات ذلك ـ يكون في اتباع رأي الفرد الواحد إلقاءً للنفس والآخرين في التهلكة، وتضعيفاً لشوكة الإسلام والمسلمين، وإذلالاً لأهل الحق، وإعزازاً لأهل الباطل، فإن في اتباع الطريق الأكثر خطأً مفسدة أكثر، ووقوع في الندم واتباع لما يوجب الوقوع في الضرر، وفي اتباع الطريق الأقل خطأً والأكثر إصابةً والأقرب إلى مطابقة الواقع مفسدة أقل، ودفعاً للضرر المحتمل تفصيلاً والمتيقن إجمالاً.
متى يكون رأي الفقيه حجة؟
من الثابت أن رأي الفقيه حجة شرعاً، ويكون هو المؤمّن من العقاب والضرر[73]، ولكن لا يمكن أن يتخير المقلّد بينه وبين رأي الشورى.. لسببين:
1ـ الحكومة غير الفتوى
فلقد جعل الشارع المقدس لرأي الفقيه حجيتين، حجية تتعلق بفتاواه المرتبطة بأحكام الرسالة العملية، والمستفادة من أدلة حجية الفتوى[74]، وحجية تتعلق برأيه بالشؤون العامة للأمة، وهي مستفادة من أدلة الحكومة، الدالة على جعل الحجية والنفوذ للفقهاء جميعاً (كما سيتم اثبات ذلك باذن الله) أو للفقيه الواحد بشرط انضمام أكثرية الفقهاء إليه.
وإذا انتفت الحجية ولم يكن من حق الفقيه المنفرد أن يفتي في الشؤون العامة، انتفى المؤمِّن، ولم يجز للمكلف اتباعه في الشؤون العامة.
ولو أننا سلّمنا شمول أدلة الحجية لرأي الفقيه منفرداً في الشؤون العامة، فإن ذلك لا يستلزم وجوب اتباعه، بل ولا جواز اتباعه، عند معارضته لرأي أكثرية الفقهاء، فإن شمول أدلة الحجية لشيء لا تحولّه إلى حجة في كل الظروف، بل هو حجة مع توفر شرط آخر مهم، وهو عدم وجود المانع[75]، والمانع هنا موجود، وهو رأي أكثرية الفقهاء، هذا الرأي الذي هو الأقرب الى الواقع، حسب العقل والروايات[76]، مما يشكل معارضا أقوى.
وبالتالي يلزم العمل برأي أكثرية الفقهاء كلما تعارض مع رأي الفقيه الواحد.
الأكثرية أقرب للواقع غالبا
من الأدلة القوية على كون رأي أكثرية الشورى أقرب للواقع من رأي الفقيه الواحد، وهو روايات الاستشارة، وهي كثيرة، ومنها:
1ـ (من استبد برأيه هلك)[77].
2ـ (قيل: يا رسول الله ما الحزم؟ مشاورة ذوي الرأي واتباعهم) [78].
3ـ (من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ) [79].
برهان الدوران والترديد يثبت حكومة الأكثرية
ويمكن الاستدلال بحكم العقل على حكومة رأي أكثرية الفقهاء على رأي الفقيه الواحد حاكماً كان أم لا[80]، في كل أمر من الأمور العامة تصدى له فقيه أو مجموعة من الفقهاء بمايلي:
إن الأمر يدور عند تعارض آراء وقرارات المراجع، بين:
1ـ نفوذ أمر كل فقيه على مقلديه فقط.
2ـ نفوذ حكم أحدهم غير المعين على الجميع.
3ـ نفوذ حكم أحدهم المعين.
4ـ نفوذ حكم أحدهم المخير.
5ـ نفوذ حكم الأكثرية.
المناقشة التفصيلية للمحاور الأربعة[81]
أولا. مناقشة فكرة نفوذ أمر كل فقيه على مقلديه فقط
إن مثل هذا النفوذ غير صحيح، لانه يؤدي إلى الهَرْج والمَرْج واختلال النظام والضرر النوعي، فمن الواضح لو أن فقيهاً أمر بالحرب، وأمر آخر بالصلح، وقلنا بنفوذ حكم كل منهما على مقلديه، وجب على مقلدي الأول الجهاد والإعداد، وحرم ذلك على مقلدي الثاني، بل وجب عليهم إقرار الصلح، وذلك يستلزم دخول الدولة بنصف قواها إلى المعركة ـ أو أكثر أو أقل ـ مما يؤدي إلى هزيمتها أمام العدو أحياناً كثيرة، بل يستلزم سعي بعضهم للحرب وسعي بعضهم على الضد من ذلك للصلح.
وكذا لو ارتأى فقيه اتخاذ سياسة دعم الحركات التحررية بالسلاح والمال والإعلام وتفجير تلك الدول من الداخل وحكم به، وارتأى الآخر عكس ذلك تماماً، بأن رجح إقامة علاقات دبلوماسية قوية مع الدول المجاورة وغيرها، وإهمال حركات التحرر أو تحديد أو حتى ملاحقة قادتها كونها حائلة دون تحسن العلاقات مع سائر الدول وحكم به، فإن من البديهي أن نفوذ حكميهما على مقلديهما يستلزم ما ذكر من المحذورات.
ومن الثابت أن (حفظ نظام النوع) من الواجبات، وأن الإخلال بالنظام والهرج والمرج مما ردع عنه العقل والشارع، ولذا قالت الصديقة الطاهرة (عليها السلام): (وطاعتنا نظاماً للملة).
اذن سيكون اختلال النظام العام للأمة واردا، خصوصا إذا لاحظنا أمرين:
أـ عدم تطابق الخارطتين الجغرافية والبشرية ـ التقليدية[82]، ذلك أن مقلدي المراجع يتوزعون في دول عديدة، حيث تضم كل دولة مقلدين لعدة مراجع، حيث لم تستطع (الحدود الجغرافية) أن تأقلم (حدود الولاء) لتحتكر كل دولة لنفسها مرجعاً خاصاً فارضة حصاراً حديدياً أمام تقليد شرائح من الشعب لمراجع آخرين، وهكذا نجد أنه كان لكل مرجعٍ مقلدون كثيرون أو عديدون في بلاد كثيرة، وكانت شعوب كل دولة ترجع إلى عدة فقهاء وإن كان ذلك بنسب متفاوته.
ب ـ إن كثيراً من القرارات المرتبطة بالشؤون العامة إن لم يكن كلها لا تتحدّد في إطار مقلدي المرجع الواحد، بل تتسع تأثيراتها لتشمل مقلدي سائر المراجع سلباً أو ايجاباً.
فعلى صعيد الدولة يمكن التمثيل بـ: نظام الضرائب، التأميم وعدمه، تحديد التجارة الخارجية، فرض المكوس والرسوم الجمركية، قطع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع هذه الدولة أو تلك، الحرب والصلح، نظام الجندية الإجبارية.
وأما في خارج إطار الدولة، فيمثل بـ: اتخاذ أسلوب العمل الثوري في مواجهة الحاكم الجائر (كما ارتآه الآخوند الخراساني صاحب الكفاية (قدس سره) في المشروطة مثلاً)، أو انتهاج سبيل الانعزال والابتعاد عن العمل السياسي (كما ارتضاه الطباطبائي اليزدي صاحب العروة (قدس سره) في تلك الحادثة)، أو اتباع طريقة (التغيير الثقافي) عبر تقوية نظام الوكلاء والتركيز على بناء المؤسسات الدينية والاجتماعية والثقافية كالمساجد والمدارس والحسينيات وغيرها، (كما سلكه السيد أبو الحسن الاصفهاني (قدس سره) عندما آلت إليه المرجعية بعد وفاة صاحبي الكفاية والعروة قدس سرهما).
وكذلك في الموقف من كل فتنة عارضة، وما أكثر أمثلتها، بل وفي السياسة العامة التي يسير عليها المرجع طوال حياته.
فلو قلنا بنفوذ حكم كل فقيه على مقلديه، استلزم ذلك ـ مع لحاظ ما سبق من الأمرين ـ الهرج والمرج واختلال النظام والضرر النوعي.
ثانيا. مناقشة نظرية نفوذ أمر أحدهم غير المعين[83]
ثالثا. مناقشة فكرة نفوذ أمر أحدهم المعين
إن نفوذ حكم أحد الفقهاء المعين دون غيره، غير صحيح أيضا، لإنه ليس أولى من نفوذ حكم الآخرين عليه.
وهنا أمور:
أ ـ نفوذ حكم الفقيه الأعلم
ولا يمكن حتى نفوذ حكم الأعلم، مع أنه الفقيه الواجب تقليده، لهذه الأسباب:
1ـ إن باب الفتوى والتقليد غير باب الحكومة في الشؤون العامة، فلو ثبت تعين تقليد الأعلم[84] فإنه لا ربط له بتعين الرجوع في أمر الشؤون العامة إليه.
2ـ لو ثبت أنه الأعلم في الأحكام ـ أحكام الرسالة العملية ـ فمن قال أنه الأعلم في الموضوعات العامة، فإن هذه غير هذه.
3ـ لو سلمنا وجوب تقليد الأعلم، ثم فرضنا كون الأعلم في الأحكام هو أعلم في الموضوعات والشؤون العامة[85]، ثم سلمنا أن ذلك يستلزم نفوذ حكمه هو لا غير، ثم فرضنا وجود أعلم يسلم الجميع أعلميته، وفرضنا التزام الجميع بوجوب تقليد الأعلم، صح ما ذكر[86]، ولكن سيأتي أن هذا الفرض غير واقع.
ولو قلنا بإمكانية وقوع مثل هذا الفرض، فإنه يظل فرضا نادرا جداً، بل أندر من النادر، وهل يعقل أن يقرر الشارع أمر الحكومة على الفرد الأندر من النادر؟
صعوبة تحديد الأعلم
إن الاختلاف بين الناس والفضلاء في تحديد من هو (الأعلم) مما لا يخفى على أحد، إذ كل يدعي أن مقلَّده ومرجعه هو الأعلم، فأتباع الآخوند (قدس سره) كانوا يدعون أعلميته، وكذا أتباع اليزدي (قدس سره)، وقل مثل ذلك في النائيني والاصفهاني والعراقي (قدس سرهم) وهكذا نازلاً وصاعداً.
وليس هذا الاختلاف ناشئاً عن الهوى والتعصب، بل إنه كثيراً ما يرجع إلى:
1ـ الاختلاف في (ضابط الأعلمية)، فهل هو العمق والتدقيق، أم السعة والشمول، أم غيرهما؟ فالشيخ الأنصاري (قدس سره) أدق، وصاحب الجواهر (قدس سره) أشمل، فمن الأعلم؟
قال في (المهذب): (الأعلمية من الموضوعات العرفية ومحتملاتها في المقام أربعة: الأول: أن يكون أكثر علماً من غيره... الثاني: أن يكون أكثر استحضاراً للفروع الفقهية ومسائلها... الثالث: أقرب إصابةً إلى الواقع... الرابع: أجود فهماً وأحسن تعييناً للوظائف الشرعية..).[87]
وأشار المولى أحمد النراقي (رضوان الله تعالى عليه) لندرة الاتفاق على الأعلم)، فقال (قدس سره) في المستند:
(والمراد بالأعلمية: الأعلمية في الأحاديث، وفي دين الله ـ كما في الروايتين ـ... والأعلمية في الأحاديث تكون تارة: بأكثرية الإحاطة بها، والاطلاع عليها، وأخرى: بالأفهمية لها، وأدقية النظر، وأكثرية الغور فيها. وثالثة: بزيادة المهارة في استخراج الفروع منها، وردّ الجزئيات إلى كلياتها. ورابعة: بزيادة المعرفة بصحيحها وسقيمها وأحوال رجالها، وفهم وجوه الخلل فيها. وخامسة: بأكثرية الاطلاع على ما يتوقف فهم الأخبار عليها من علم اللغة وقواعد العربية والنحو والصرف والبديع والبيان ونحوها. وسادسة: باستقامة السليقة ووقادة الذهن وحسن الفهم فيها، كما أشار إليه في بعض الأخبار المتقدمة بقوله: (وحسن الاختيار). وسابعة: بأكثرية الاطلاع على أقوال الفقهاء التي هي كالقرائن في فهم الأخبار، ومواقع الإجماعات، وأقوال العامة التي هي من المرجحات عند التعارض، وفي فهم القرآن الذي هو أيضاً كذلك.
والأعلم الذي يمكن الحكم الصريح بوجوب تقديمه هو: الأعلم بجميع تلك المراتب، أو في بعضها مع التساوي في البواقي. وإلا فيشكل الحكم بالتقديم، ومن ذلك تظهر ندرة ما يحكم فيه بوجوب التقديم البتة، والله سبحانه العالم)[88].
2ـ الاختلاف في (التشخيص) عن قناعة تامة، ألا ترى الناس مختلفين في أمهر الأطباء وأعلمهم؟ وكذا في أفضل المهندسين والبنائين و.. و.. وذلك تابع في الأكثر لاختلاف التشخيص والقناعة التامة بذلك، وليس بالضرورة عن الهوى والتعصب.
ب: نفوذ حكم ولي الأمر
وقد يقال: إن الذي ينفذ حكمه هو (ولي الأمر)[89].
والرد: إن (ولي الأمر) هو الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام)، ولو تعدى منهم إلى خلفائهم كان كل المراجع أولياء للأمر، لا أحدهم بعينه، إذ دليل التعدي عام يشمل كل من جمع الشرائط.
فمثلاً قوله (عليه السلام) في المقبولة: (ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً) [90].
وقوله (عليه السلام): (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله) [91].
ج: نفوذ حكم الفقيه الحاكم الفعلي
لو قيل: إن الذي ينفذ حكمه هو (الحاكم الفعلي) الذي تسلم أزمة أمور الدولة بيده، وهو قائد الثورة الذي أسقط الحكم السابق وأقام مقامه حكومة جديدة.
لكان الجواب: إن (ولاية الفقيه) على القول بها لم يقيدها أحد من الفقهاء بسقوط السلطة بيده، فللفقيه الولاية شرعاً، داخل الحكم كان أم خارجه[92]، ولذا قال في (الحكومة الإسلامية)[93]: (وفي حالة عدم إمكان تشكيل تلك الحكومة فالولاية لا تسقط، لأن الفقهاء قد ولاهم الله، فيجب على الفقيه أن يعمل بموجب ولايته قدر المستطاع، فعليه أن يأخذ الزكاة والخمس والخراج والجزية إن استطاع لينفق كل ذلك في مصالح المسلمين، وعليه إن استطاع أن يقيم حدود الله).[94]
وبناءً على ذلك يكون من الواجب على الحاكم، فقيهاً كان أو غيره، السماح لسائر الفقهاء بإعمال ولايتهم، ويكون سلب قدرة الفقيه على إعمال ولايته، أو عدم السماح له بتحصيلها، صداً عن المعروف، ومنعاً للحق عن ذي الحق، وكلاهما محرم، ولو منعت الحكومة الفقيه عن ذلك كان عليه أن يعمل ولايته قدر استطاعته ـ كما مرّ من كلامه ـ وعليه أن يسعى ليصل إلى مقدار ما له من الولاية مما اعتبره الشرع المقدس للفقيه.
وأما احتمال حصول الهرج والمرج، فإنه يندفع بشورى الفقهاء.
د ـ نفوذ حكم من اختارته الأكثرية حاكماً
وقد يقال: إن النافذ حكمه من (الفقهاء) هو الذي اختارته أكثرية الأمة حاكماً؟
وجوابه:
أولاً: لا منافاة بين اختيار أكثرية الأمة لمرجع تقليد كحاكم
وبين كون إتخاذ القرار النهائي منوطاً بأكثرية معينة، ألا ترى في كل دول العالم الديمقراطي أن الأكثرية تنتخب حاكماً (رئيس جمهورية أو رئيس وزراء) ومع ذلك يكون القرار النهائي في الشؤون الخطيرة لأكثرية البرلمان أو مجلس الشعب أو ما أشبه؟!
ثانياً: إن رأي (أكثرية الشعب) إنما يكون صحيحاً نافذاً لو كان في الإطار السليم وفي حدود الشريعة
إذ من الواضح أن الأكثرية لو ارتأت جواز السرقة وإباحة الزنا، وحرمة الصوم في رمضان للعامل مثلاً باعتبار أنه يضر باقتصاد البلد! لم يجز اتباعها، بل وجب إرشادها، وكذلك لو انتخبت الأكثرية (قاضياً) فاقداً للشروط المنصوصة من الشارع (كالاجتهاد والعدالة وطهارة المولد...) لم يصح ذلك، وكذلك لو انتخبت الأكثرية (حاكماً) فاقداً لما اشترطه الشارع فيه، (كالعدالة وطهارة المولد والذكورة والحرية وغيرها) فإنه غير صحيح.
وإذا تضح ذلك يتضح أن رأي الأكثرية ليس مشرّعاً، وليس في عرض الشارع، بل في طوله، فعلينا أن نرجع للشارع أولاً لنجد أنه هل اشترط في الفقيه الحاكم اعتبار انضمام رأي أكثرية الفقهاء المراجع في الشؤون العامة، وكون قراراته نافذة إن صوبتها أكثرية المراجع، وأنه لا حق له في الانفراد والاستبداد باتخاذ القرار، أم لم يشترط ذلك؟
فإذا كان الشرع قد اشترط ذلك وحدد صلاحية الحاكم بهذا الحد، فليس للأكثرية مخالفة الشرط، ونصب فقيه حاكماً بحيث يكون له أن يعمل ما يشاء سواء أوافقته أكثرية المراجع أم لا، ولو فعلت ذلك كان باطلاً، لمخالفته للشرع، كما لو انتخبت فاسقاً أو طفلاً حاكماً.
ثالثاً: إن (ولاية الفقيه) حسب المستفاد من الروايات الدالة عليها ومن كلمات الفقهاء، غير مقيدة بما لو انتخبته أكثرية الأمة حاكماً
فلا يمكن القول بأن (النافذ حكمه من الفقهاء من اختارته أكثرية الأمة حاكماً).
رابعا. نفوذ أمر أحدهم المخير
وهو نفوذ حكم أحدهم المخير، كتخيير المكلف بين خصال الكفارة، فغير تام أيضاً، لاستلزامه الهرج والمرج واختلال النظام والضرر النوعي، إذ لو اختار بعض الشعب رأي الفقيه الأول (من الحرب مع الدولة الفلانية) مثلاً، وبعضهم الآخر رأي الفقيه الثاني (من الحرب مع دولة أخرى) وهكذا، لزم الضرر النوعي، أو اختار بعضهم رأيه بالحرب وبعضهم رأي الآخر بالسلم أو الصلح، لزم الهرج واختلال النظام والضرر النوعي.
خامسا. حكومة أكثرية الفقهاء هي الحل
وإذا لم تصح المحاور الأربعة بأجمعها، فلا مناص من الالتزام بالقسم الخامس وهو نفوذ حكم أكثرية الفقهاء.
الأكثرية تعني الاستعانة بحجج كثيرة
أن رأي الأكثرية حجة حتماً، بمعنى المنجزية والمعذرية، بل بمعنى الكاشفية، لتركبها من آحادٍ رأي كل واحد منهم حجة قطعاً، لفرض كون أعضائها الفقهاء جامعي الشرائط، وليس انضمام رأي فقيه آخر إلى رأي الفقيه المقلَّد موهناً لحجيته أو مانعاً عن حجيته.
لو تخالف رأي أكثرية شورى الفقهاء مع أكثرية الأمة
إذا تخالف رأي الفقيه الحاكم أو أكثرية شورى الفقهاء في مسألة خطيرة ما مع رأي أكثرية الأمة فأيهما المقدم؟
إن ذلك راجع للمبنى في منشأ ولاية الحاكم أو سلطته:
الحكومة وكالة أو جُعالة أو إِذن
إذا كانت حكومة الحاكم نوعاً من (الوكالة)، حيث توكله الأُمة في إدارة شؤونها، كان الرأي للأمة، إذ لا رأي للوكيل مع معارضته للأصيل، وأما مع مخالفة بعض الأمة للحاكم فالرأي له وإن كان وكيلاً عن المجموع، كي لا يلزم اختلال النظام.
ويبعد كون الحكومة وكالة وذلك لنفوذ حكمه على الأقلية المعارضة في مسألة معينة وإن انتخبته كحاكم، رغم كونه وكيلاً عنها كغيرها، مع أن الوكيل لا ينفذ حكمه على الموكل أو على الموكلين أو على بعضهم دون قبولهم، وكذا نفوذ حكمه على الأقلية التي لم تنتخبه رغم عدم توكليها إياه وانتخابها له.
ويبعد كون الحكومة: (الإذن)، إذ قد يقال: إن الأمة أذنت لشخص بأداء مسؤوليات معينة؛ إذ يضعفه ما يضعفها.
وأما إن قلنا: بأنها (جعالة) فيرد عليه أن الجعالة عقد لازم لا يحق لأحد الطرفين فسخه، مع أن الرئاسة مما يحق فيها للأمة إقالة الحاكم، كما له حق أن يستقيل إلا أن يلتزم بالعدم[95].
وإن قلنا بأن الحكومة منصباً من قبل المعصوم (عليه السلام) واستظهرنا كونه منجزاً غير مشروط بشيء، كان رأي أكثرية شورى الفقهاء هو المقدم، وكلا الأمرين قد استظهرهما جمع من قوله (عليه السلام): (فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِماً)[96]، و: (مَجَارِيَ الْأُمُورِ وَالْأَحْكَامِ عَلَى أَيْدِي الْعُلَمَاءِ بِاللَّهِ الأُمْنَاءِ عَلَى حَلَالِهِ وَحَرَامِ)[97].
الفصل الرابع
مراحل الشورى
وفي هذا الفصل نستدل على ضرورة المراحل التي لا تتم الشورى إلا بها، عبر مسائل سبع:
1: وجوب الإشارة (تقديم المشورة للمستشير).
2: حرمة المنع.
3: وجوب ردع المانع.
4: وجوب سعي المشير لتطبيق محتواها.
5: وجوب طلبها.
6: وجوب العمل على طبقها.
7: وجوب الفحص عن صحة الرأي.
ونذكر دليلا قرآنيا وآخر روائيا وثالث عقليا لاثبات هذه النقاط السبع:
اولا. الدليل القرآني:
إن الإشارة من مصاديق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن ذلك من صغريات (الدعوة إلى الخير) و(الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) و(إرشاد الجاهل والضال) و(حفظ حدود الله) و(الإنذار).
قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ)[98]، وقال سبحانه: (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)[99]، وقال تعالى: (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ)[100]، وآيات أخرى كثيرة، إضافة إلى متواتر الروايات والعقل والإجماع.
ثانيا. الدليل الروائي:
الروايات الشريفة وهي كثيرة جداً، وتواترها الإجمالي محرز لا ريب فيه، إضافة إلى صحة سند بعضها، فمنها:
1ـ فلا تكفوا عن مقالة بحق
قال (عليه السلام): (فَلا تَكُفُّوا عَنْ مَقَالَةٍ بِحَقٍّ أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْلٍ، فَإِنِّي لَسْتُ فِي نَفْسِي بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِئَ وَلا آمَنُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِي، إِلاّ أَنْ يَكْفِيَ اللَّهُ مِنْ نَفْسِي مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّي)[101]، وهي واضحة في النهي عن عدم الإشارة[102] بالعدل، أو المقالة بحق[103].
2ـ مشاورة ذوي الرأي واتباعهم:
أـ قوله (عليه السلام): (أعقل الناس من أطاع العقلاء)[104]، إرشاد إلى ما في إطاعتهم من العقل والسداد والعقال عن الخطأ والزلل، ونظيرها:
ب ـ قول الصادق (عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام): (قيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ما الحزم؟ قال: مشاورة ذوي الرأي واتباعهم).[105]
ج ـ وقول الإمام الكاظم (عليه صلوات المصلين): (يا هشام... مشاورة العاقل الناصح يمن وبركة ورشد وتوفيق من الله، فإذا أشار عليك العاقل الناصح فإياك والخلاف، فإن في ذلك العطب)[106]
د ـ وقال (صلى الله عليه وآله): (الحزم أن تستشير ذا الرأي وتطيع أمره).[107]
هـ ـ وقال (صلى الله عليه وآله): (إذا أشار عليك العاقل الناصح فاقبل، وإياك والخلاف عليه فإن فيه الهلاك).[108]
و ـ وقال (صلى الله عليه وآله): (استرشدوا العاقل ترشدوا، ولا تعصوه فتندموا).[109]
ز ـ وقال علي (عليه السلام): (شاور ذوي العقول تأمن الزلل والندم).[110]
ح ـ وقال الصادق (عليه السلام): (ما يمنع أحدكم إذا ورد عليه ما لا قبل له به أن يستشير رجلاً عاقلاً له دين وورع)، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): (أما إنه إذا فعل ذلك لم يخذله الله، بل يرفعه الله ورماه بخير الأمور وأقربها إلى الله).[111]
اطلاق الروايات وشمولها حتى لما لو لم يقتنع المستشير
و الظاهر إطلاق تلك الروايات وشمولها لما لو لم يقتنع برأي المشير[112]، فإن قوله (عليه السلام): (وإياك والخلاف عليهم فإن فيه الهلاك) [113]، و: (إياك والخلاف، فإن خلاف الورع العاقل مفسدة في الدين والدنيا)[114]، الخ، ظاهر في من لم ير رأيهم، خاصة مع تكرار ذكر (الورع.. العاقل.. الناصح) في التعليل المشعر بأن مخالفته هو الملاك إثباتاً في ترتب المفسدة، إضافة إلى ظهور (فإنه لا يأمر إلا بخير) [115] في تأسيس كبرى كلية، وأن ما يأمر به خير، وإن لم يفهم المستشير وجهها، وفي الردع عن مخالفته لتوهم عدم الصحة.
ثالثا. الدليل العقل
فالعقل يدل على وجوب الإشارة، ووجوب ردع الأُمة لمن يمنعها، حاكماً كان أم محكوماً، فقيهاً أو غيره.
فإن العلماء على أقسام:
فمنهم: من هو خارج موضوعاً عن العلماء، لكنه متظاهر بالعلم، قد غرّ جمعاً وخدعهم وأوهمهم أنه عالم، وحينئذٍ يكون إطلاق العالم عليه مجازاً.
قال علي (عليه صلوات المصلين): (وَآخَرُ قَدْ تَسَمَّى عَالِماً وَلَيْسَ بِهِ، فَاقْتَبَسَ جَهَائِلَ مِنْ جُهَّالٍ، وَأَضَالِيلَ مِنْ ضُلالٍ، وَنَصَبَ لِلنَّاسِ أَشْرَاكاً مِنْ حَبَائِلِ غُرُورٍ وَقَوْلِ زُورٍ، قَدْ حَمَلَ الْكِتَابَ عَلَى آرَائِهِ، وَعَطَفَ الْحَقَّ عَلَى أَهْوَائِهِ، يُؤْمِنُ النَّاسَ مِنَ الْعَظَائِمِ، وَيُهَوِّنُ كَبِيرَ الْجَرَائِمِ، يَقُولُ أَقِفُ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ وَفِيهَا وَقَعَ، وَيَقُولُ أَعْتَزِلُ الْبِدَعَ وَبَيْنَهَا اضْطَجَعَ، فَالصُّورَةُ صُورَةُ إِنْسَانٍ وَ الْقَلْبُ قَلْبُ حَيَوَان)[116].
وقال (صلى الله عليه وآله): (إياكم وأهل الدفاتر ولا يغرنكم الصحفيون)[117].
هذا، وقد يكون الرجل عالماً من جهة، جاهلاً من جهة أخرى: (علمين كانت الجهتان أو مسألتين) فربما يكون المتصدي للأمر (أو المتصدون له) أفقه الفقهاء فقهاً وأصولاً، لا سياسةً واقتصاداً، أو فقيهاً في مسألة سياسية جاهلاً بأخرى، فهو خارج موضوعاً في هذا الباب أو المسألة.
ومنهم: من ينحرف عن الصواب ويقع في الخطأ في موارد عديدة مع كونه عالماً عادلاً، قصوراً لا تقصيراً، ووقوع ذلك لكل العلماء ـ باستثناء المعصومين (عليهم الصلاة والسلام) ـ في صغير المسائل وكبيرها مما لا ريب فيه، ولو فرض مستثنى من ذلك بأن لا يقع في الخطأ قصوراً، سهواً أو جهلاً، أو خطأً أو نسياناً أو اضطراراً، إلى غير ذلك، فهو نادر جداً ثبوتاً، ولا محرز له اثباتاً، قال (صلى الله عليه وآله): (زَلَّةُ الْعَالِمِ كَانْكِسَارِ السَّفِينَةِ تَغْرِقُ وَتُغْرِق).[118]
ومنهم: من يكون كذلك تقصيراً: بما يسقط العدالة، كالكبائر والإصرار على الصغائر، والعلل متعددة، نذكر منها: الدخول في الدنيا والعصبية وحب المدح وقلة الحياء من الله وحب الرئاسة واستنكاف أن يقول (لا أعلم) فيفتي بما لا يعلم، إلى غير ذلك.
قال (صلى الله عليه وآله): (الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا، قيل: يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا؟ قال: اتباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم).[119]
وقال الصادق (عليه السلام): (من حرم الخشية لا يكون عالماً وإن شق الشعر في متشابهات العلم، قال الله عز وجل (إنّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)[120]، وآفة العلماء ثمانية: الطمع، والبخل، والرياء، والعصبية، وحب المدح، والخوض فيما لم يصلوا إلى حقيقته، والتكليف في تزئين الكلام بزوائد الألفاظ، وقلة الحياء من الله، والافتخار، وترك العمل بما علموا)[121].
وجوب الفحص عن كون المتصدي عالماً حقاً أولاً
ومادام العلماء أو مرتدي الزي العلمائي أقسام عديدة، فقد لزمت الدقة ووجب الفحص.
وأيضا لزم الفحص عن كونه عالماً في هذه المسألة بالخصوص أو هذا العلم أم لا، فلا يكتفى مثلاً بكونه فقيهاً متبحراً وأصولياً متعمقاً في الرجوع إلى آرائه في السياسة والاقتصاد مثلاً.
وجوب الفحص عن علة اتخاذ القائد موقفاً أو رأياً وعن احتمال خطأه
ويلزم أيضا الفحص والتنقيب ـ على تقدير إحراز دخوله موضوعاً في العلماء ـ عن علة رأيه أو موقفه في (الحوادث الواقعة) مثلاً؟ فهل أن إصرار هذا الفقيه الحاكم مثلاً على الاستمرار في الحرب نابع من العصبية وهيجان القوة الغضبية أم لا؟ وهل أن اقتراب هذا العالم من السلطان الجائر وتعاونه معه ـ في أي حد كان التعاون ابتداءً من التزاور وإعطاء بعض التسهيلات الحكومية إزاءها، وانتهاءً إلى تأييد الدولة الجائرة ـ نابع من تشخيص واقعي للمصلحة، أم سببه (الدخول في الدنيا) كما سبق في الحديث الشريف عنه (صلى الله عليه وآله)، أو سببه الطمع وحب المدح وحب الرئاسة، كما في الحديث الآخر، أو سببه الخوف والرعب في غير محلهما؟ وهل محاربته لعالم آخر أو للفئة الأخرى نابعة من الحسد[122]، وقد جعل الدين غطاءً أو ستاراً أم لا؟ وهكذك وهلم جراً.
كما يلزم الفحص[123] عما لو كان رأيه وموقفه من الحوادث الواقعة نابعاً من خطأ قصوري، جهلاً أو نسياناً أو سهواً أو غفلةً، أو أنه نابع من الاضطرار والإجبار والإكراه مما يشترك مع الخطأ القصوري في المعذورية، وأن تشخصيه مثلاً ضرورة حرب هجومية ضد دولة نابع من تضخيم متعمد أو غير متعمد لقنواته المعلوماتية عن حجم القوة العسكرية للعدو وإعداداته للهجوم مثلاً وعن نواياه الخفية، أو عن تحريف في النقل وغير ذلك، وكذا العكس، وكذا هل أن تشخيصه ضرورة التحالف مع دولة ما نابع عن معلومات صحيحة عن ثقل تلك الدولة الواقعي في موازين القوى العالمية والمحلية، وأرجحية التحالف معها على التحالف مع دولة أخرى معادية لها، وعن مدى التزامها ببنود الاتفاق ووفائها به أم لا؟ وهل أن (لوبياً) معيناً ومحاور قوى خاصة قد صنعت أجواء خاصة وولدت ضغوطاً معينة أم لا؟ وهكذا.
كما ويمكن الاستدلال على ضرورة الفحص عن أحوال العالم، فيما لو اتُهم في رأيه وموقفه من الحوادث الواقعة، بالآلية المحققة في علم الرجال الموجبة للبحث عن الجارح، ولو في من كانت عدالته محرزة في زمن ثم وجد جارح أو احتمل وجوده احتمالاً عقلائياً في الزمان اللاحق الذي صدرت فيه عن الراوي الرواية.
وكونه منصوباً حاكماً في الحوادث الواقعة لا يدفع وجوب الفحص عن خطأه القصوري والتقصيري، إذ غيره أيضاً منصوب حاكماً فيها، كما لا يدفع وجوب الإشارة عليه بخطأه وتنبيهه إليه.
الاستدلال بمجموع الأحكام السابقة على لزوم العمل بالأكثرية
إن مجموع ما ذكر من وجوب الإشارة ووجوب الاستشارة وحرمة منعها ووجوب سعي المشير لتطبيق محتواها[124] يدل بالدلالة الالتزامية عرفاً على وجوب الالتزام برأي الأكثرية.
وبتعبير آخر: إن وجوب الإشارة ووجوب طلبها مقدمة طبيعية للعمل برأي الأكثرية، فيكون إرادتها (الإشارة وسائر ما ذكر) إرادة له بالالتزام العرفي. إذ هي تؤدي إلى ذلك عادة، فيكون طلبها طلبها، فالمرجع القائد ـ مثلاً ـ لو استشار في شؤونه العامة سائر المراجع وأشاروا عليه أدّى بلورة الآراء وتبادل وجهات النظر إلى وجود أكثرية اقتناعاً أحياناً، كما يؤدي ضغطهم العملي وإعمال الفقيه قاعدة (الأهم والمهم) إلى ذلك أحياناً أخرى، حيث يرى عدم العمل بآرائهم مشتملاً على ضرر أكبر من ضرر العمل بما يرى أنه الأصلح لو خلى وطبعه.
هل تجب استشارة الفقيه الذي لا يرى وجوب الشورى أو يرى حرمة الحكومة؟
إذا لم ير بعض الفقهاء أو أكثرهم جواز تولي أمر الحكومة، أو رأوا ذلك ولم يروا كونها شورى، بل رأوا صحة تولي الفقيه الواحد، فهل على الفقيه الحاكم أو الفقهاء الحاكمين إذا كانوا ممن يرون وجوب الشورى استشارتهم واتباع رأي الأكثرية حينئذٍ أم لا؟
يوجد وجهان للمسألة:
الأول: الوجوب تكليفا، لإطلاقات الأدلة، وأن عدم اعتقاده بوجوب استشارة الفقيه الحاكم منه لا يغير حكم من يعتقد بالوجوب.
وكذلك عدم نفوذ حكمه وضعاً، إن لم يستشر أو استشار ولم يشيروا لكون انضمام آراء الأكثرية إليه شرط نفوذ الرأي، فولي الطفل إذا لم يعتقد هو بولاية نفسه موضوعاً، بأن لم يكن يعتقد بكونه جداً لهذا الطفل، فلا ينفذ حكم غيره دون إذنه.
الثاني: عدم الوجوب تكليفاً، لانصراف الأدلة عن مثل هذه الصورة.
ونفوذ الحكم وضعاً، فيما لو تعذرت الاستشارة، أو استشار ولم يشيروا، دون ما لو لم يستشر تشهياً.
هل الولاية لكل مجتهد أو للحاكم منهم فقط أو للمرجع حصرا؟
إن المستظهر من الأدلة على ولاية الفقيه ـ بناءً على تماميتها ـ كون الولاية لكل مجتهد جامع للشرائط، لا للمجتهد الحاكم ولا للمجتهد المقلَّد فقط، بمعنى أن المقتضي في كل مجتهد تام، ولا تتوقف فعليته إلاّ على رضا الناس به، فتكون ولايته نظير (قاضي التحكيم) الذي يتوقف على رجوع المتنازعين له على القول بنفوذ قضائه.
قوله (عليه السلام): (فَارْضَوْا بِهِ حَكَماً.. فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِماً)[125]، إذ لا تلازم بين الحكمين التكليفي والوضعي، فيجب عليهم الرضا به، لكنهم لو لم يرضوا فلا فعلية لولايته.
ولو لم نعتبر هذا الشرط (الرضا) كانت الولاية بالفعل لجميع المجتهدين، فإن تعذر أو تعسر كانت لأكثريتهم، فلابد لهم من مجلس يتداولون فيه الأمور العامة بما يصدق عليه: (أمرهم شورى بينهم) [126] و: (شاورهم في الأمر) [127].
وعليه: فالولاية ليست لخصوص من صدق عليه أنه مرجع تقليد، على الظاهر، لإطلاق أدلة ولاية الفقيه وعدم وجود المقيد بكونه مقلَّداً.
المحتويات
المقدمة
أولا. أهمية الشورى
ثانيا. محورية الكتاب ونطاقه
ثالثا. النظريات الفقهية في قيادة المراجع
رابعا. غاية هذا الكتاب
الفصل الأول
الاستدلال بالآيات الكريمة على وجوب الشورى
أولا. الاستدلال بآية الشورى: (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ)
دلالة الآية على وجوب الشورى
الوجه الأول: ان الأصل في ما عُدّ صفة للمؤمن، وجوب تحصيله.
الوجه الثاني: دلالة السياق على الوجوب
الوجه الثالث: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)
دلالة الآية على مطلوبية الشورى قبل وبعد الحكم
دلالة الآية على عموم مطلوبية الشورى
ثانيا. الاستدلال بالآية الكريمة: (وَشاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)
اشكالات على التمسك بالآية
الاشكال الأول: عدم عمل النبي بالشورى فلا تجب على غيره
الرواية الأولى
الرواية الثانية
الرواية الثالثة
الرواية الرابعة
هل كان عمل النبي (صلى الله عليه وآله) برأي الأكثرية اضطراراً
الاشكال الثاني: النبي (صلى الله عليه وآله) انما يتبع الوحي لا الأكثرية
الاشكال الثالث: حكومة الفقهاء السابقين
الاشكال الرابع: الإجماع منعقد على عدم وجوب الشورى، مما يكشف عن
الإشكال الخامس: (شاورهم) وردت في سياق المستحبات، فالمشورة مستحبة.
الفصل الثاني
الاستدلال بالروايات الشريفة
أولا. الاستدلال بالتوقيع الشريف:(وأما الحوادث الواقعة)
أ: معنى (الحوادث)
ب: معنى (الواقعة)
ج: معنى (فارجعوا)
هل يجب رجوع الفقهاء للفقهاء؟؟
شمول الخطاب للأمة
د: معنى (رواة حديثنا)
هـ: معنى (حجتي)
و: معنى (حجتي عليكم)
الفصل الثالث
الشورى واجبة بحسب القواعد العقلية
قاعدة دفع الضرر نموذجا
الشورى في الشؤون العامة من الأمور الخطيرة
متى يكون رأي الفقيه حجة؟
برهان الدوران والترديد يثبت حكومة الأكثرية
المناقشة التفصيلية للمحاور الأربعة
أولا. مناقشة فكرة نفوذ أمر كل فقيه على مقلديه فقط
ثانيا. مناقشة نظرية نفوذ أمر أحدهم غير المعين
ثالثا. مناقشة فكرة نفوذ أمر أحدهم المعين
أ ـ نفوذ حكم الفقيه الأعلم
صعوبة تحديد الأعلم
ب. نفوذ حكم ولي الأمر
ج. نفوذ حكم الفقيه الحاكم الفعلي
د ـ نفوذ حكم من اختارته الأكثرية حاكماً
رابعا. مناقشة نفوذ أمر أحدهم المخير
خامسا. حكومة أكثرية الفقهاء هي الحل
الأكثرية تعني الاستعانة بحجج كثيرة
الحكومة وكالة أو جُعالة أو إِذن
الفصل الرابع
مراحل الشورى
اولا. الدليل القرآني
ثانيا. الدليل الروائي
ثالثا. الدليل العقل
وجوب الفحص عن كون المتصدي عالماً حقاً أولاً
وجوب الفحص عن علة اتخاذ القائد موقفاً أو رأياً وعن احتمال خطأه
الاستدلال بمجموع الأحكام السابقة على لزوم العمل بالأكثرية
هل تجب استشارة الفقيه الذي لا يرى وجوب الشورى أو يرى حرمة الحكومة؟
هل الولاية لكل مجتهد أو للحاكم منهم فقط أو للمرجع حصرا؟
المصادر
المحتويات
اضف تعليق