الرجاء ارتياح القلب لانتظار المحبوب، وهو يلازم الخوف، إذ الخوف عبارة عن التألم من توقع مكروه ممكن الحصول، وما يمكن حصوله يمكن عدم حصوله أيضا، وما كان حصوله مكروها كان عدم حصوله محبوبا، فكما إنه يتألم بتوقع حصوله يرتاح ليتوقع عدم حصوله أيضا، فالخوف عن الشيء وجودا...

ضد الخوف المذموم هو اطمئنان القلب في الأمور المذكورة، ولا ريب في كونه فضيلة وكما لا، إذ قوة القلب وعدم اضطرابه مما يحكم العقل بعدم الحذر عنه صفة كمال، ونقيضه نقص ورذيلة. وأما الخوف الممدوح، فضده الأمن من مكر الله، وهو من المهلكات ود ورد به الذم في الآيات والأخبار، قال الله سبحانه: (فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) الأعراف 99. وقد ثبت بالتواتر: أن الملائكة والأنبياء كانوا خائفين من مكره، كما روي: أنه لما ظهر على إبليس ما ظهر، طفق جبرئيل وميكائيل يبكيان، فأوحى الله إليهما: ما لكما تبكيان؟ فقالا: يا رب! لا نأمن مكرك، فقال الله: هكذا كونا، لا تأمنا مكري. وروي: أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وجبرئيل بكيا من خوف الله تعالى، فأوحى الله إليهما: لم تبكيان وقد أمنتكما؟ فقالا: ومن يأمن مكرك؟ وكأنهما لم يأمنا أن يكون قوله (قد أمنتكما) ابتلاء لهما وامتحانا. حتى أن سكن خوفهما(1) ظهر أنهما قد أمنا المكر وما وفيا بقولهما، كما أن إبراهيم (ع) لما وضع في المنجنيق قال: حسبي الله. وكان هذا القول منه من الدعاوي العظيمة، فامتحن وعورض بجبرئيل (ع) في الهواء حتى قال: ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا. وكان ذلك وفاء بمقتضى قوله، فأخبر الله تعالى عنه وقال: (وإبراهيم الذي وفى) النجم 37. وبالجملة ينبغي للمؤمن ألا يأمن من مكر ربه، كما لم يأمن منه الملائكة والأنبياء، وإذا لم يأمن منه كان خائفا منه دائما.

التلازم بين الخوف والرجاء 

الرجاء ارتياح القلب لانتظار المحبوب، وهو يلازم الخوف، إذ الخوف - كما عرفت - عبارة عن التألم من توقع مكروه ممكن الحصول، وما يمكن حصوله يمكن عدم حصوله أيضا، وما كان حصوله مكروها كان عدم حصوله محبوبا، فكما إنه يتألم بتوقع حصوله يرتاح ليتوقع عدم حصوله أيضا، فالخوف عن الشيء وجودا يلزمه الرجاء عدما، وعنه عدما يلزمه الرجاء وجودا. وقس عليه استلزام الرجاء للخوف، فهما متلازمان، وإن أمكن غلبة أحدهما نظرا إلى كثرة حصول أسبابه. وإن تيقن الحصول أو عدمه لم يكن انتظارهما خوفا ورجاء، بل سمي انتظار مكروه أو انتظار محبوب. ثم كما إن الخوف من متعلقات قوة الغضب، وإن الممدوح منه من فضائلها، لكونه مقتضى العقل والشرع، وباعثا للعمل من حيث الرهبة، فكذا الرجاء متعلق بها ومن فضائلها، لكونه مقتضاهما وباعثا للعمل من حيث الرغبة.

 إلا أن الخوف لترتبه على ضعف القلب يكون أقرب إلى طرف التفريط، والرجاء لترتبه على قوته يكون أقرب إلى طرف الإفراط وإن كان كلاهما ممدوحين. ثم لا بد أن يحصل أكثر أسباب حصول المحبوب حتى يصدق اسم الرجاء على انتظاره، كتوقع الحصاد ممن ألقى بذرا جيدا في أرض طيبة يصلها الماء. وأما انتظار ما لم يحصل شيء من أسبابه فيسمى غرورا وحماقة، كتوقع من ألقى بذرا في أرض سبخة لا يصلها الماء. وانتظار ما كان أسبابه مشكوكة يسمى تمنيا، كما إذا صلحت الأرض ولا ماء. 

وتفصيل ذلك: أن الدنيا مزرعة الآخرة، والقلب كالأرض، والإيمان كالبذر، والطاعات هي الماء الذي تسقي به الأرض، وتطهير القلب من المعاصي والأخلاق الذميمة بمنزلة تنقية الأرض من الشوك والأحجار والنباتات الخبيثة، ويوم القيامة هو وقت الحصاد. فينبغي أن يقاس رجاء العبد (المغفرة) برجاء صاحب الزرع (التنمية)، وكما أن من ألقى البذر في أرض طيبة، وساق إليها الماء في وقته، ونقاها الشوك والأحجار، وبدل جهده في قلع النباتات الخبيثة المفسدة للزرع، ثم جلس ينتظر كرم الله ولطفه مؤملا أن يحصل له وقت الحصاد مائة قفيز مثلا، سمي انتظاره رجاء ممدوحا فكذلك العبد إذا طهر أرض قلبه عن شوك الأخلاق الردية وبث فيه بذر الإيمان بماء الطاعات، ثم انتظر من فضل الله تثبيته إلى الموت وحسن الخاتمة المفضية إلى المغفرة، كان انتظاره رجاء حقيقيا محمودا في نفسه. 

وكما أن من تغافل عن الزراعة واختار الراحة طول السنة، أو ألقى البذر في أرض سبخة مرتفعة لا ينصب إليها ماء ولم يشتغل بتعهد البذر وإصلاح الأرض من النباتات المفسدة للزرع، ثم جلس منتظرا إلى أن ينبت له زرع يحصده سمى انتظاره حمقا وغرورا. كذلك من لم يلق بذر الإيمان في أرض قلبه أو ألقاه مع كونه مشحونا برذائل الأخلاق منهمكا في خسائس الشهوات واللذات، ولم يسق إليها ماء الطاعات، ثم انتظر المغفرة، كان انتظار حمقا وغرورا. وكما أن من بث البذر في أرض طيبة لا ماء لها، وجلس ينتظر مياه الأمطار حيث لا تغلب الأمطار، وإن لم يمتنع أيضا، سمي انتظاره تمنيا. كذلك من ألقى بذر الإيمان في أرض قلبه، ولكنه لم يسق إليه ماء الطاعات، وانتظر المغفرة بلطفه وفضله، كان انتظاره تمنيا. 

فإذن، اسم (الرجاء) إنما يصدق على انتظار محبوب تمهدت جميع أسبابه الداخلة تحت اختيار العبد، ولم يبق إلا ما ليس يدخل تحت اختياره وهو فضل الله تعالى بصرف القواطع والمفسدات. فالأحاديث الواردة في الترغيب على الرجاء وفي سعة عفو الله وجزيل رحمته ووفور مغفرته. إنما هي مخصوصة بمن يرجو الرحمة والغفران بالعمل الخاص المعد لحصولهما وترك الانهماك في المعاصي المفوت لهذا الاستعداد. فاحذر أن يغرك الشيطان ويثبطك عن العمل ويقنعك بمحض الرجاء والأمل. وانظر إلى حال الأنبياء والأولياء واجتهادهم في الطاعات وصرفهم العمر في العبادات ليلا ونهارا، أما كانوا يرجون عفو الله ورحمته؟ بلى والله! إنهم كانوا أعلم بسعة رحمة الله وأرجى لها منك ومن كل أحد، ولكن علموا أن رجاء الرحمة من دون العمل غرور محض وسفه بحت، فصرفوا في العبادات أعمارهم وقصروا على الطاعات ليلهم ونهارهم. 

ما ورد في الرجاء من الآيات والأخبار

ونحن نشير (أولا) إلى بعض ما ورد في الرجاء من الآيات والأخبار، ثم نورد نبذا مما يدل على أنه لا معنى للرجاء بدون العمل، ليعلم أن إطلاق الأول حمول على الثاني. فنقول: الظواهر الواردة في الرجاء أكثر من أن تحصى، وهي على أقسام: 

(الأول) ما ورد في النهي عن القنوط واليأس من رحمة الله:

كقوله تعالى: (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) الزمر 52. وقول علي عليه السلام لرجل أخرجه الخوف إلى القنوط لكثرة ذنوبه: أيا هذا! يأسك من رحمة الله أعظم من ذنوبك. وما روي: أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - لما قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولخرجتم إلى الصعدات تلدمون صدوركم وتجأرون إلى ربكم. فهبط جبرئيل عليه السلام فقال: إن ربك يقول: لم تقنط عبادي؟ فخرج عليهم ورجاهم وشوقهم. وما ورد: أن رجلا من بني إسرائيل كان يقنط الناس ويشدد عليهم، فيقول الله له يوم القيامة: اليوم أويسك من رحمتي كما كنت تقنط عبادي منها.

 (الثاني) ما ورد في الترغيب على خصوص الرجاء وكونه سبب النجاة:

 كما ورد في أخبار يعقوب من أنه تعالى أوحي إليه أتدري لم فرقت بينك وبين يوسف؟ لقولك: وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون يوسف، الآية: 13. لم خفت الذئب ولم ترجني أو لم نظرت إلى غفلة إخوته ولم تنظر إلى حفظي؟ وقول أمير المؤمنين - عليه السلام - لرجل قال عند النزع: أجدني أخاف ذنوبي وأرجو رحمة ربي: ما اجتمعا في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاء الله ما رجاه وأمنه مما يخاف (2). وقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره؟ فإن لقنه الله حجته، قال: رب رجوتك وخفت الناس، فيقول الله: قد غفرته لك. وما روي عنه - صلى الله عليه وآله وسلم -: إن رجلا يدخل النار فيمكث فيها ألف سنة ينادي يا حنان يا منان، فيقول الله لجبرئيل: إذهب فأتني بعبدي، فيجئ به، فيوقفه على ربه، فيقول الله له: كيف وجدت مكانك؟ فيقول: شر مكان، فيقول: رده إلى مكانه. قال: فيمشي ويلتفت إلى ورائه، فيقول الله عز وجل، إلى أي شيء تلتفت؟ فيقول: لقد رجوت ألا تعيدني إليها بعد إذ أخرجتني منها، فيقول الله تعالى: اذهبوا به إلى الجنة. وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ قال الله تعالى: لا يتكل العاملون على أعمالهم التي يعملونها لثوابي، فإنهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم أعمارهم في عبادتي، كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادي، فيما يطلبون عندي من كرامتي، والنعيم في جناتي، ورفيع الدرجات العلي في جواري، ولكن برحمتي فليثقوا، وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا، وفضلي فليرجوا (3)، فإن رحمتي عند ذلك تدركهم، ومني يبلغهم رضواني، ومغفرتي تلبسهم عفوي، فإني أنا الله الرحمن الرحيم وبذلك تسميت. وعن أبي جعفر عليه السلام قال: وجدنا في كتاب علي (ع) أن رسول الله (ص) قال وهو على منبره: والذي لا إله إلا هو ما أعطي مؤمن قط خير الدنيا والآخرة إلا بحسن ظنه بالله ورجائه له وحسن خلقه والكف عن اغتياب المؤمنين، والذي لا إله إلا هو لا يعذب الله مؤمنا بعد التوبة والاستغفار إلا بسوء ظنه بالله وتقصيره من رجائه وسوء خلقه واغتيابه للمؤمنين، والذي لا إله إلا هو لا يحسن ظن عبد مؤمن بالله إلا كان الله عند ظن عبده المؤمن، لأن الله كريم بيده الخيرات يستحيي (4) أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظن ثم يختلف ظنه ورجاءه، فأحسنوا بالله الظن وارغبوا إليه. 

(الثالث) ما ورد في استغفار الملائكة والأنبياء للمؤمنين: كقوله تعالى: (والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض) الشورى 5. وقوله (ص): حياتي خير لكم وموتي خير لكم، أما حياتي فأسن لكم السنن وأشرع لكم الشرائع، وأما موتي فإن أعمالكم تعرض علي، فما رأيت منها حسنا حمدت الله عليه، وما رأيت منها سيئا استغفرت الله لكم. 

(الرابع) ما ورد في تأجيل المذنب إلى أن يستغفر:

 كقول الباقر (ع): إن العبد إذا أذنب أجل من غدوة إلى الليل، فإن استغفر لم يكتب عليه (5). وقول الصادق (ع): من عمل سيئة أجل فيها سبع ساعات من النهار، فإن قال: استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات، لم تكتب عليه. 

(الخامس) ما ورد في شفاعة النبي (ص):

 كقوله تعالى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى) الضحى 5. وقد ورد في تفسيره أنه لا يرضى محمد وواحد من أمته في النار، وقوله (ص): ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، وكذا ما ورد في شفاعة الأئمة والمؤمنين. (السادس) ما ورد من البشارات للشيعة ومن عدم خلودهم في النار، ومن أن حب النبي (ص) والعترة الطاهرة ينجيهم من العذاب، وإن فعلوا ما فعلوا.

 (السابع) ما دل على أن النار إنما أعدها الله لأعدائه من الكافرين:

 وإنما يخوف بها أولياءه، كقوله تعالى: (لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده) الزمر 16، وقوله (واتقوا النار التي أعدت للكافرين) آل عمران 131، وقوله: (لا يصلاها إلا الأشقى)، (الذي كذب وتولى) الليل 15-16.

 (الثامن) ما ورد في سعة عفو الله ومغفرته ووفور رأفته ورحمته:

 كقوله: (وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم) الرعد 6. وما روي في تفسير قوله تعالى: (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه) التحريم 8. إن الله أوحى إلى نبيه: إني أجعل حساب أمتك إليك، فقال: لا يا رب! أنت خير لهم مني (6)، فقال: إذن لا أخزيك فيهم. وما روي: إنه (ص) قال يوما: يا كريم العفو! فقال جبرئيل: أتدري ما تفسير يا كريم العفو؟ هو: إنه يعفو عن السيئات برحمته ثم يبدلها حسنات بكرمه (7). وما ورد: أن العبد إذا أذنب فاستغفر، يقول الله لملائكته: انظروا إلى عبدي أذنب ذنبا، فعلم أنه له ربا يغفر الذنوب ويأخذ بالذنب: أشهدكم أني قد غفرت له. وما ورد في الخبر القدسي: إنما خلقت الخلق ليربحوا علي، ولم أخلقهم لأربح عليهم. وما ورد من أنه لو لم يذنبوا، لخلق الله تعالى خلقا يذنبون ليغفر لهم وقوله (ص): والذي نفسي بيده. الله أرحم بعبده المؤمن من الوالدة الشفيقة بولدها. وما ورد من أنه سبحانه ليغفرن يوم القيامة مغفرة ما خطرت قط على قلب أحد، حتى أن إبليس يتطاول لها رجاء أن تصيبه. والآيات والأخبار الواردة في هذا المعنى متجاوزة عن حد التواتر.

 (التاسع) ما دل على أن ابتلاء المؤمن في الدنيا بالبلايا والأمراض كفارة لذنوبه:

 كقوله (ص): الحسى من قيح جهنم، وهي حظ المؤمن من النار.

 (العاشر) ما ورد في أن الإيمان لا يضر معه عمل، كما أن الكفر لا ينفع معه عمل، وفي أنه قد يغفر الله عبدا ويدخله الجنة لأجل مثقال ذرة من الإيمان أو عمل جزئي من الأعمال الصالحة.

 (الحادي عشر) ما ورد في الترغيب على حسن الظن بالله:

 كقوله (ص): لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله، وقوله (ص): يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء. وقول الرضا (ع): أحسن الظن بالله، فإن الله عز وجل بقول: أنا عند ظن عبدي لي، إن خيرا فخير وإن شرا فشر. وقول الصادق (ع): حسن الظن بالله: ألا ترجو إلا الله، ولا تخاف إلا ذنبك. وقد تقدم بعض أخبار أخر في هذا المعنى. ثم إيجاب حسن الظن للرجاء وجلبه له مما لا ريب فيه.

 (الثاني عشر) ما دل على أن الكفار أو النصاب يكونون يوم القيامة فداء للمؤمنين أو الشيعة، كما روي أنه (ص) قال: أمتي أمة مرحومة لا عذاب عليها في الآخرة، وعجل عقابها في الدنيا بالزلازل والفتن، فإذا كان يوم القيامة دفع إلى كل رجل من أمتي رجل من أهل الكتاب، فقيل هذا فداؤك من النار. وعن أهل البيت عليهم السلام: إن النصاب يجعلون فداء لشيعتنا بظلمهم إياهم ووقيعتهم فيهم. وعن الصادق (ع): سيؤتى بالواحد من مقصري شيعتنا في أعماله، بعد أن صان الولاية والتقية وحقوق إخوانه، ويوقف بإزائه ما بين مائة وأكثر من ذلك إلى مائة ألف من النصاب، فيقال له: هؤلاء فداؤك من النار، فيدخل هؤلاء المؤمنون إلى الجنة وأولئك النصاب إلى النار، وذلك ما قال الله تعالى: (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) الحجر، الآية: 2. في الدنيا منقادين للإمامة، ليجعل مخالفوهم من النار فداءهم.

 وأما (الثاني) - أعني ما يدل على أن رجاء المغفرة والعفو والرحمة إنما بعد هو العمل - فأكثر من أن يحصى، كقوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله) البقرة 218. وقوله: (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا) الأعراف 169. وقول النبي (ص): الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والأحمق من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الجنة. وما روي عن الصادق (ع) أنه قيل له: قوم يعملون بالمعاصي ويقولون: نرجوا، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم الموت، فقال: هؤلاء قوم يترجحون في الأماني كذبوا ليسوا براجين، إن (8) من رجا شيئا طلبه، ومن خاف من شيء هرب منه. وعن علي بن محمد، قال: قلت له عليه السلام: إن قوما من مواليك يلمون بالمعاصي ويقولون نرجوا، فقال: كذبوا، ليسوا لنا بموال، أولئك قوم ترجحت بهم الأماني. من رجا شيئا عمل له، ومن خاف شيئا هرب منه. وعنه قال: لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون خائفا واجبا، ولا يكون خائفا راجيا حتى يكون عاملا لما يخاف ويرجو.

* مقتطف من كتاب (جامع السعادات) لمؤلفه الشيخ محمد مهدي النراقي المتوفى 1209ه‍.

.........................................

(1) هذه العبارة لبيان الابتلاء والامتحان، يعني: إنهما يخشيان إذا سكن خوفهما أن يظهر إنهما قدامنا المكر ولم يوفيا بقولهما فيكون ذلك امتحانا لهما.

(2) روي (إحياء العلوم: ج 4 ص 125) هذا الحديث عن النبي (ص).

 (3) في الكافي في (باب حسن الظن بالله عز وجل) تقديم وتأخير عما هنا، فقد جاء فيه: وفضلي فليرجوا وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا.

(4) في الكافي في (باب حسن الظن): (يستحي).

(5) روى الكافي في (باب الاستغفار من الذنب) هذا الحديث عن الصادق - عليه السلام -.

(6) في (إحياء العلوم: ج 4 ص 128) هكذا: أنت أرحم بهم مني وكذا بدل لا أخزيك: لا نخزيك.

(7) في (إحياء العلوم: ص 129 من ج 4) هكذا: هو إن عفا عن السيئات برحمته بدلها حسنات بكرمه.

(8) روي الحديث في الكافي (باب الرجاء)، وليس فيه كلمة إن.

اضف تعليق