من كان من أهل الغلظة والفظاظة فهو الشيطان حقيقة، فيجب على كل عاقل أن يجتنب عن ذلك كل الاجتناب، ويقدم التروي على كل ما يصدر عنه من القول والفعل، ليحافظ نفسه عن التعنف والغلظة فيه، ويتذكر ما ورد في فضيلة الرفق، ويرتكبه في حركاته، ولو بالتكلف إلى أن...

ومن أنواع الرذائل ولوازمها المتعلقة بالقوة الغضبية، العنف:

وهو الغلظة والفظاظة في الأقوال أو الحركات أيضا، وهو من نتائج الغضب، وضده (الرفق)، أي اللين فيهما، وهو من نتائج الحلم. ولا ريب في أن الغلظة في القول والفعل ينفر الطباع ويؤدي إلى اختلال أمر المعاش والمعاد، ولذلك نهى الله -سبحانه- نبيه عنه في مقام الإرشاد، وقال: (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) آل عمران 159. 

وروي عن سلمان: أنه قال: إذا أراد الله تعالى هلاك عبد نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء، لم يلقه إلا خائنا مخونا، وإذا كان خائنا مخونا نزعت منه الأمانة، فإذا نزعت منه الأمانة لم يلقه إلا فظا غليظا، فإذا كان فظا غليظا نزعت منه ربقة الإيمان، فإذا نزعت منه ربقة الإيمان لم يلقه إلا شيطانا ملعونا. ويظهر من هذا الكلام أن من كان من أهل الغلظة والفظاظة فهو الشيطان حقيقة، فيجب على كل عاقل أن يجتنب عن ذلك كل الاجتناب، ويقدم التروي على كل ما يصدر عنه من القول والفعل، ليحافظ نفسه عن التعنف والغلظة فيه، ويتذكر ما ورد في فضيلة الرفق، ويرتكبه في حركاته، ولو بالتكلف إلى أن يصير ملكة، ونزول عن نفسه آثار العنف بالكلية.

فضيلة الرفق

 الأخبار في فضيلة الرفق وفوائده أكثر من أن تحصى، ونحن نشير إلى شطر منها هنا، قال رسول الله (ص): (لو كان الرفق خلقا يرى، ما كان فيما خلق الله شيء أحسن منه). وقال (ص): (إن الرفق لم يوضع على شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه). وقال (ص): (لكل شيء قفل، وقفل الإيمان الرفق). وقال (ص): (إن الله رفيق يحب الرفيق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف) (26). وقال (ص): (ما اصطحب اثنان إلا كان أعظمهما أجرا وأحبهما إلى الله تعالى، أرفقهما بصاحبه). 

وقال (ص): (الرفق يمن، والخرق شؤم). وقال (ص): (من كان رفيقا في أمره نال ما يريده من الناس). وقال (ص) (إذا أحب الله أهل بيت أدخل عليهم الرفق). وقال (ص): (من أعطى حظه من الرفق أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة، ومن حرم حظه من الرفق حرم حظه من الدنيا والآخرة). وقال (ص): (إذا أحب الله عبدا أعطاه الرفق، ومن يحرم الرفق يحرم الخير كله). وقال (ص): (أتدرون من يحرم على النار؟ كل هين لين سهل قريب). 

وقال الكاظم (ع): (الرفق نصف العيش). وقال عليه السلام لمن جرى بيته وبين رجل من القوم كلام: (ارفق بهم، فإن كفر أحدكم في غضبه، ولا خير فيمن كان كفره في غضبه). ثم التجربة شاهدة بأن إمضاء الأمور وإنجاح المقاصد موقوف على الرفق واللين مع الخلائق، فكل ملك كان رفيقا بجنده ورعيته انتظم أمره ودام ملكه، وإن كان فظا غليظا اختل أمره وانفض الناس من حوله، وزال ملكه وسلطانه في أسرع زمان. وقس عليه غيره من طبقات الناس من العلماء والأمراء وغيرهما، من ذوي المناصب الجليلة، وأرباب المعاملة والمكاسبة، وأصحاب الصنايع والحرف.

المداراة

المداراة: قريب من الرفق معنى، لأنها ملائمة الناس، وحسن صحبتهم، واحتمال أذاهم، وربما فرق بينهما باعتبار تحمل الأذى في المداراة دون الرفق، وقد ورد في مدحها وفوائدها الدنيوية والأخروية أخبار كثيرة كقول النبي (ص): (المداراة نصف الإيمان)، وقوله (ص): (ثلاث من لم يكن فيه لم يتم عمله: ورع يحجزه عن معاصي الله، وخلق يداري به الناس، وحلم يرد به جهل الجاهل)، وقوله (ص): (أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض). 

وقول الباقر عليه السلام: (في التوراة مكتوب: فيما ناجى الله -عز وجل- به موسى بن عمران عليه السلام: يا موسى! أكتم مكتوم سري في سريرتك وأظهر في علانيتك المداراة عني لعدوي وعدوك من خلقي.. إلى آخر الحديث). وقول الصادق عليه السلام: (جاء جبرئيل إلى النبي (ص) فقال: يا محمد! ربك يقرئك السلام، ويقول: دار خلقي). وقوله عليه السلام: (إن قوما من الناس قلت مداراتهم للناس فنفوا من قريش، وأيم الله ما كان بأحسابهم بأس، وإن قوما من غير قريش حسنت مداراتهم فألحقوا بالبيت الرفيع.. ثم قال من كف يده عن الناس، فإنما يكف عنهم يدا واحدة ويكفون عنه أيدي كثيرة). 

* مقتطف بتصرف من كتاب (جامع السعادات) لمؤلفه الشيخ محمد مهدي النراقي المتوفى 1209ه‍.

اضف تعليق