سوء الخلق مما يبعد صاحبه عن الخالق والخلق، والتجربة شاهدة بأن الطباع متنفرة عن كل سيء الخلق، ويكون دائما أضحوكة للناس، ولا ينفك لحظة عن الحزن والألم، ولذا قال الصادق عليه السلام: من ساء خلقه عذب نفسه، وقد يعتريه لأجله الضرر العظيم. هذا كله مع سوء عاقبته في...

ومن أنواع الرذائل ولوازمها المتعلقة بالقوة الغضبية، سوء الخلق بالمعنى الأخص:

سوء الخلق بالمعنى الأخص: وهو التضجر، وانقباض الوجه، وسوء الكلام، وأمثال ذلك. وهو أيضا من نتائج الغضب، كما أن ضده - أعني (حسن الخلق بالمعنى الأخص) وهو أن تلين جناحك: وتطيب كلامك، وتلقى أخاك ببشر حسن - من نتائج الحلم، وأكثر ما يطلق سوء الخلق وحسنه في الأخبار يراد به هذا المعنى.

 ولا ريب في أن سوء الخلق مما يبعد صاحبه عن الخالق والخلق، والتجربة شاهدة بأن الطباع متنفرة عن كل سيء الخلق، ويكون دائما أضحوكة للناس، ولا ينفك لحظة عن الحزن والألم، ولذا قال الصادق عليه السلام: من ساء خلقه عذب نفسه، وقد يعتريه لأجله الضرر العظيم. 

هذا كله مع سوء عاقبته في الآخرة وأدائه إلى العذاب الأبدي، ولذا ورد به الذم الشديد من الشريعة. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لما خلق الله الإيمان قال: اللهم قوني، فقواه بحسن الخلق والسخاء. ولما خلق الله الكفر قال: اللهم قوني، فقواه بحسن الخلق والسخاء. ولما خلق الله الكفر قال: اللهم قوني، فقواه بالبخل وسوء الخلق). 

وروي أنه قيل له (صلى الله عليه وآله): إن فلانة تصوم النهار وتقوم الليل وهي سيئة الخلق تؤذي جيرانها بلسانها. قال: لا خير فيها! هي من أهل النار. وعنه (صلى الله عليه وآله): (سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل) (29) وعنه (صلى الله عليه وآله): (إن العبد ليبلغ من سوء خلقه أسفل درك جهنم). وعنه (صلى الله عليه وآله): (أبي الله لصاحب الخلق السيء بالتوبة قيل: فكيف ذاك يا رسول الله!؟ قال: لأنه إذا تاب من ذنب وقع في ذنب أعظم منه). وقال (صلى الله عليه وآله): (سوء الخلق ذنب لا يغفر). 

وقال الإمام جعفر بن محمد عليهما السلام: (إذا خلق الله العبد في أصل الخلق كافرا لم يمت حتى يحبب الله إليه الشر، فيقرب منه، فابتلاه بالكبر والجبروت، فقسى قلبه، وساء خلقه، وغلظ وجهه وظهر فحشه، وقل حياؤه، وكشف الله تعالى سره، وركب المحارم ولم ينزع عنها، ثم ركب معاصي الله، وأبغض طاعته، ووثب على الناس لا يشبع من الخصومات، فاسألوا الله العافية واطلبوها منه). وقال بعض الأكابر: لئن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني عابد سيء الخلق.

 وطرق العلاج في إزالته:

 أن يتذكر أولا أنه يفسد آخرته ودنياه، ويجعله ممقوتا عند الخالق والخلق، فيعد نفسه لإزالته، ثم يقدم التروي والتفكر عند كل حركة وتكلم، فيحفظ نفسه عنده -ولو بالتحمل والتكلف- من صدور سوء الخلق، ويتذكر ما ورد في مدح حسن الخلق الذي هو ضده -كما يأتي- ويواظب حتى نزول على التدريج آثاره بالكلية.

طرق اكتساب حسن الخلق

قد عرفت أن ضد هذه الرذيلة (حسن الخلق بالمعنى الأخص)، فمن معالجاتها أن يواظب عليه حتى ترتفع آثارها بالكلية. وأقوى البواعث على اكتسابه والمواظبة عليه أن يتذكر ما يدل على شرافته ومدحه عقلا ونقلا. أما حكم العقل على مدحه فظاهر لا يحتاج إلى بيان، وأما النقل فالأخبار التي وردت به أكثر من أن تحصى، ونحن نورد شطرا منها تذكرة لمن أراد أن يتذكر.

 قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة أفضل من حسن الخلق)، وقال: (يا بني عبد المطلب! إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فالقوهم بطلاقة الوجه، وحسن البشر). وقال (صلى الله عليه وآله): (إن الله استخلص هذا الدين لنفسه، ولا يصلح لدينكم إلا السخاء وحسن الخلق، ألا فزينوا دينكم بهما). وقال (صلى الله عليه وآله): (حسن الخلق خلق الله الأعظم). وقيل له (صلى الله عليه وآله): (أي المؤمنين أفضلهم إيمانا؟ قال: أحسنهم خلقا). وقال (صلى الله عليه وآله): (إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم خلقا). وقال (صلى الله عليه وآله): (ثلاث من لم يكن فيه واحدة منهن فلا يعتد بشيء من علمه: تقوى تحجزه عن محارم الله، وحلم يكف به السيئة وخلق يعيش به في الناس). وقال (صلى الله عليه وآله): (إن الخلق الحسن يميت الخطيئة، كما تميت الشمس الجليد)، وقال (صلى الله عليه وآله): (إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وأشرف المنازل، وإنه لضعيف العبادة)، وقال (صلى الله عليه وآله) لأم حبيبة: (إن حسن الخلق ذهب بغير الدنيا والآخرة)، وقال لها - بعد ما سألته أن المرأة يكون لها زوجان في الدنيا فتموت ويموتان ويدخلان الجنة لأيهما هي؟ -: إنها لأحسنهما خلقا. 

وقال (صلى الله عليه وآله): (إن حسن الخلق يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم). وقال (صلى الله عليه وآله): أكثر ما يلج به أمتي الجنة تقوى الله وحسن الخلق. وقال (صلى الله عليه وآله): (أفاضلكم أحسنكم أخلاقا، الموطئون أكنافا (1) الذين يألفون ويؤلفون). وقال أمير المؤمنين عليه السلام: (المؤمن مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف). 

ولا ريب في أن سيء الخلق تتنفر عنه الطباع، فلا يكون مألوفا. وقال الإمام أبو جعفر الباقر عليهما السلام: (إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا)، وقال عليه السلام: أتى رجل رسول الله، فقال: يا رسول الله! أوصني فكان فيما أوصاه أن قال: (إلق أخاك بوجه منبسط). وقال الصادق عليه السلام: (ما يقدم المؤمن على الله - عز وجل - بعمل بعد الفرائض أحب إلى الله تعالى من أن يسع الناس بخلقه). وقال عليه السلام: (البر وحسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الأعمار). وقال عليه السلام: (إن الله تبارك وتعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق كما يعطي المجاهد في سبيل الله يعدو عليه ويروح). وقال عليه السلام: (ثلاث من أتى الله بواحدة منهن أوجب الله له الجنة: الإنفاق من إقتار، والبشر لجميع العالم، والإنصاف من نفسه). وقال عليه السلام: (صنايع المعروف وحسن البشر يكسبان المحبة ويدخلان الجنة، والبخل وعبوس الوجه يبعدان من الله ويدخلان النار). 

ومن تأمل في هذه الأخبار، ورجع إلى الوجدان والتجربة، وتذكر أحوال الموصوفين بسوء الخلق وحسنه، يجد أن كل سيء الخلق بعيد من الله ومن رحمته، والناس يبغضونه ويشمئزون منه، ولذا يحرم من يرهم وصلتهم، وكل حسن الخلق محبوب عند الله وعند الناس، فلا يزال محلا لرحمة الله وفيوضاته، ومرجعا للمؤمنين بإيصال نفعه وخيره إليهم، وإنجاح مقاصده ومطالبه منهم، ولذلك لم يبعث الله سبحانه نبيا إلا وأتم فيه هذه الفضيلة، بل هي أفضل صفات المرسلين وأشرف أعمال الصديقين، ولذا قال الله تعالى لحبيبه مثنيا عليه ومظهرا نعمته لديه: (وإنك لعلى خلق عظيم) القلم 4.

ولعظم شرافته بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه ما بلغ من غايته، وتمكن على ذروته ونهايته، حتى ورد: بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم جالس في المسجد، إذ جاءت جارية لبعض الأنصار وهو قائم فأخذت بطرف ثوبه فقام لها النبي (صلى الله عليه وآله) فلم تقل شيئا ولم يقل لها النبي (صلى الله عليه وآله) شيئا، حتى فعلت ذلك ثلاث مرات، فقام لها النبي (صلى الله عليه وآله) في الرابعة، وهي خلفه، فأخذت هدبة من ثوبه ثم رجعت، فقال لها الناس: فعل الله بك وفعل! (2) حبست رسول الله ثلاث مرات لا تقولين له شيئا ولا هو يقول لك شيئا! ما كانت حاجتك إليه؟ قالت: إن لنا مريضا فأرسلني أهلي لأخذ هدبة من ثوبه يستشفى بها، فلما أردت أخذها رآني فقام، استحييت أن آخذها وهو يراني، وأكره أن أستأمره في أخذها، فأخذتها.

* مقتطف بتصرف من كتاب (جامع السعادات) لمؤلفه الشيخ محمد مهدي النراقي المتوفى 1209ه‍.

.............................

(1) قال المبرد في الكامل ص 3: قوله (صلى الله عليه وآله): الموطئون أكنافا، مثل وحقيقته: إن التوطئة هي التذليل والتمهيد... فأراد القائل بقوله: موطأ الأكناف، إن ناحيته يتمكن فيها صاحبها غير مؤذي ولا ناب به موضعه. 

(2) قال في البحار - في الموضع المتقدم-: كناية عن كثرة الدعاء عليها بإيذائها النبي (صلى الله عليه وآله) وهذا شائع في عرف العرب والعجم. 

اضف تعليق