وهذا العلم هو الباعث للوصول إلى أعلى مراتبهما، وبه تتم الإنسانية، ويعرج من حضيض البهيمية إلى ذرى الرتب الملكية، وأي صناعة أشرف مما يوصل أخس الموجودات إلى أشرفها، ولذلك كان السلف من الحكماء لا يطلقون العلم حقيقة إلا عليه، ويسمونه بالأكسير الأعظم، وكان أول تعاليمهم، ويبالغون في تدوينه...
شرف علم الأخلاق لشرف موضوعه وغايته، لما عرفت أن الحياة الحقيقية للإنسان تتوقف على تهذيب الأخلاق الممكن بالمعالجات المقررة في هذه الصناعة، تعرف أنها أشرف العلوم وأنفعها لأن شرف كل علم إنما هو بشرف موضوعه أو غايته، فشرف صناعة الطب على صناعة الدباغة بقدر شرف بدن الإنسان وإصلاحه على جلود البهائم.
وموضوع هذا العلم هو النفس الناطقة التي هي حقيقة الإنسان ولبه، وهو أشرف الأنواع الكونية كما برهن عليه في العلوم العقلية، وغايته إكمال وإيصاله من أول أفق الإنسان إلى آخره، ولكونه ذا عرض عريض متصلا أوله بأفق البهائم وآخره بأفق الملائكة، لا يكاد أن يوجد التفاوت الذي بين أشخاص هذا النوع في أفراد سائر الأنواع، فإن فيه أخس الموجودات ومنه أشرف الكائنات كما قيل:
ولم أر أمثال الرجال تفاوتت * لدى المجد حتى عد ألف بواحد
وبالفارسية:
أي نقد أصل وفرع ندانم چه گوهرى * كز آسمان بلندتر واز خاك كمترى
وإلى ذلك التفاوت يشير قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "إني وزنت بأمتي فرجحت بهم"، ولا ريب في أن هذا التفاوت لأجل الاختلاف في الأخلاق والصفات، لاشتراك الكل في الجسمية ولواحقها.
وهذا العلم هو الباعث للوصول إلى أعلى مراتبهما، وبه تتم الإنسانية، ويعرج من حضيض البهيمية إلى ذرى الرتب الملكية، وأي صناعة أشرف مما يوصل أخس الموجودات إلى أشرفها، ولذلك كان السلف من الحكماء لا يطلقون العلم حقيقة إلا عليه، ويسمونه بالأكسير الأعظم، وكان أول تعاليمهم، ويبالغون في تدوينه وتعليمه، والبحث عن إجماله وتفصيله، ويعتقدون أن المتعلم ما لم يهذب أخلاقه لا تنفعه سائر العلوم.
وكما أن البدن الذي ليس بالنقي كلما غذوته فقد زدته شرا، فكذلك النفس التي ليست نقية عن ذمائم الأخلاق لا يزيده تعلم العلوم إلا فسادا.
ولذا ترى أكثر المتشبهين بزي العلماء أسوأ حالا من العوام مائلين عن وظائف الإيمان والإسلام، إما لشدة حرصهم على جمع المال، غافلين عن حقيقة المآل، أو لغلبة حبهم الجاه والمنصب، ظنا منهم أنه ترويج للدين والمذهب، أو لوقوعهم في الضلالة والحيرة لكثرة الشك والشبهة، أو لشوقهم إلى المراء والجدال في أندية الرجال، إظهارا لتفوقهم على الأقران والأمثال، أو لإطلاق ألسنتهم على الآباء المعنوية من أكابر وأعاظم الحكماء، ولعدم تعبدهم برسوم الشرع والملة، ظنا منهم أنه مقتضى قواعد الحكمة، ولم يعلموا أن الحكمة الحقيقية ما أعطته النواميس الإلهية والشرائع النبوية، فكأنهم لم يعلموا أن العلم بدون العمل ضلال، ولم يتفطنوا قول نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم: "قصم ظهري رجلان، عالم متهتك، وجاهل متنسك"، ولم يتذكروا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "البلاهة أدنى إلى الإخلاص من فطانة بتراء"، وكل ذلك ليس إلا لعدم سعيهم في تهذيب الأخلاق وتحسينها وعدم الامتثال لقوله سبحانه: (وأتو البيوت من أبوابها) البقرة 129.
اضف تعليق